أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عماد ابو حطب - حتي لا نتهم بالاسلامفوبيا.../ملاحظات علي خطاب الحركات الاسلامية السياسية/3















المزيد.....


حتي لا نتهم بالاسلامفوبيا.../ملاحظات علي خطاب الحركات الاسلامية السياسية/3


عماد ابو حطب

الحوار المتمدن-العدد: 3250 - 2011 / 1 / 18 - 01:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يمكن القول ان مسألة الدولة في الاسلام كانت محل اختلاف ما بين التيارات الاسلامية شأنها شأن محاولات جعل الاسلام والسياسة امرين مترادفين.ولقد اوردنا في الجزء السابق رؤية التيار الذي لا يجد فاصلا ما بين الاسلام والسياسة واساسه تنظيم الاخوان المسلمين مستندا في مرتكزاته الفكرية والشريعية علي ايات قرانية وكتابات ابن تيمية وسيد قطب وحسن البنا.فهذا التنظيم لا يرى الدولة الاسلامية الا حكم الله الذى ينفذه المسلمون فى الأرض الواقعة تحت سيطرتهم وقد أرسل الله رسوله (ص)لإقامة الدولة فقال بسورة التوبة:"هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون "وتفسير

ذلك فإظهار دين الحق على الأديان كلها معناه نصر حكم الله على الأحكام وهى الأديان الأخرى كلها التى يعتنقها البشر سواء سموها أديان أو مذاهب أو دساتير أو قوانين أو أعراف أو غير هذا وقد سمى الله ذلك تمكين دين الله فى الأرض فقد وعد الله المؤمنين العاملين للصالحات ليستخلفنهم فى الأرض أى يحكمهم فى الأرض بحكمه وفسر هذا بأنه يمكن لدينه أى بأن يحكم حكمه الذى ارتضاه لهم وفى هذا قال تعالى بسورة النور "وعد الله الذين أمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى " ،ولا يمكن فهم الحكم بين الناس الا بالحكم بكتاب الله،وهو هنا القران:وسماه الحكم بين الناس بعلم الله وهو حكمه فقال بسورة النساء "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله "وقد جعل الله الحكم له وحده وهذا معناه أن الإسلام وحده هو الذى يحكم الدولة أى الناس الذين يعيشون على أرضها وفى هذا قال بسورة يوسف:"إن الحكم إلا لله " .وقد طالب الله كل المسلمين أن يحكموا بحكم الله والمراد أن ينفذوا كل ما أراده فى الوحى منهم عليهم أو على غيرهم وفى هذا قال:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون "،وقال"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ".

وقد جعل الله للمسلمين حكام أى أولى أمر يديرون الدولة فقال بسورة النساء "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم.

اما شكل الدولة فيمكن ايراد الكثير من الايات التي تحدد شكل الدولة التي يستند اليها الاخوان المسلمون وكثير من التيارات الاسلامية في بلورتهم لمشروع الدولة الاسلامية،ففي اختيار الحاكم نجد ان هنالك اكثر من اية تدلل علي الطرق المختلفة لاختياره،-الطريق الإلهى وهو أن يختار الله إنسانا ما حاكما ومن أمثلته اختيار داود (ص)حيث قال تعالى بسورة ص :"يا داود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق "،واختيار طالوت حيث قال بسورة البقرة:"إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا ،وهذا الطريق لم يعد موجودا

-الطريق البشرى وله أشكال متعددة وهى فى القرآن

أ-اختيار الحاكم لمن يخلفه كما اختار موسى (ص)هارون (ص)خليفة له فى بنى إسرائيل فى غيابه وفى هذا قال تعالى بسورة الأعراف:"وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح " .

ب-اختيار القوم كما اختارت بنو إسرائيل السامرى حاكما لهم بدلا من هارون (ص)حيث ابتدع لهم دينهم الضال الممثل فى عبادة العجل ولم يخرج عن هذا الاختيار سوى هارون (ص)ومن معه وهم قلة وفى هذا قال تعالى بسورة طه:"قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامرى ".

ج-اختيار الشورى وهو إشراك المسلمين فى اختيار حاكمهم تطبيقا لقوله بسورة الشورى "وأمرهم شورى بينهم "وقد وضع الله لهذا الاختيار قاعدة فى بداية الدولة الإسلامية وهى أن السابقين للإسلام والقتال فى سبيل الله يختار الحاكم من بينهم فقط وأما من أتوا بعدهم فلا يحق لهم تولى الحكم حتى يموت كل السابقين للإسلام والجهاد وهذه هى الدرجة التى قال الله عنها بسورة الحديد:"لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى "،وهذا الفهم يستند الي أن الله ساوى بين المجاهدين جميعا بعد الفتح وقبله فى الدرجة فى الجنة حيث قال بسورة النساء:"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ".ومن ثم درجة سورة الحديد شىء دنيوى وهو وجوب اختيار الحكام من بين المجاهدين الأوائل وأما بعد موت الأوائل فيحق لكل مسلم أن يختار أى مسلم عالم بالإسلام حاكم .

والحكام أى أولى الأمر درجات بمعنى أن المناصب وهى الوظائف التى يعملون بها منها المسئولية عن أعداد كبيرة ومتوسطة وأقل ولذا لم يحدد الله أسماء للمناصب فجعلهم جميعا ولاة أمر وأمر بطاعتهم فى قوله تعالى بسورة النساء:"وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم "

وسبب وجوب وجود أولى الأمر هو أن يحكموا بما أنزل الله فى الناس مصداق لقوله بسورة المائدة:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".

اما مفهوم المعارضة في الدولة المسلمة فتم تحديدها استنادا لفهم سورة آل عمران:"ولتكن منكم أمة يدعون للخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر "،بهذا فان اي جماعات معارضة ممنوعة داخل الدولة الاسلامية،فمن شروط المعارضة هنا ان تكون وقتية ولامر محدد.ونظر الي ان مصطلح المعارضة هو اصطلاح غير إسلامى يقصد به القوى المناوئة للإدارة التى تتولى الحكم سواء كان ذلك بالحق أو بالباطل وهى بهذا ليست من الإسلام فى شىء فالمعارضة فى الإسلام هى الجزء الرقابى على الإدارة والذى مهمته تقويم الظلم وعدله ،إذا فهى جزء من نظام الدولة سماه الله أمة الخير أى هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد استند في هذا علي ما ورد في سورة آل عمران:"ولتكن منكم أمة يدعون للخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر".وفى حالة عدم تواجد أفراد هذه الأمة أو فسادهم يصبح كل فرد متواجد فى مكان الظلم مسئول عن تعديله لأن الأمة الإسلامية كلها تتعاون على الخير ودحر الإثم والشر تطبيقا لقوله بسورة المائدة"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ".

ومن هنا نعرف أن الرقابة المقاومة للظلم أى المعارضة مهمتها إبقاء الدولة الإسلامية حية بإنكارها للمنكر وإحقاقها للحق وهى حالة طارئة لا تكون إلا فى حالات مخالفة حكم الله من جانب أى فرد مهما كان منصبه أو وضعه فى الدولة.

وما ينطبق علي المعارضة ينطبق علي الاحزاب وتشكلها.فقد نظر في التيارات الاسلامية ان الأحزاب هى فرق تتداول الحكم سواء بالانتخاب أو بالقوة وهى توجد داخل الدولة الواحدة وهذا العمل المسمى التعددية الحزبية مخالف للإسلام للتالى :أن هناك حزب واحد فى الدولة هو حزب الله وهو المسلمين استنادا الي سورة المائدة:"ومن يتول الله ورسوله والذين أمنوا فإن حزب الله هم الغالبون "،وهو حزب ليس له مقار وليس له أعضاء محددين وإنما كل مسلم على أرض الدولة الإسلامية ينتمى له من خلال طاعته لأحكام الله وليس له رؤساء ولا لجان ولا أى شىء مما للأحزاب إلا ما نص الله على وجوده فى الوحى من الأحكام .ولا ينس اصحاب التيار الاسلامي الي القول أن الله نهانا عن التحزب والتفرق كالكفار فقال بسورة الروم :"ولا تكونوا من المشركين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون "وقال بسورة آل عمران:"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ".وما ورد في سورة الأنعام:"ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ".

وسوف نذكر هنا ما جاء عن الأحزاب والحزبية فى القرآن وهو :

قسم الله الأحزاب لحزبين:

الأول حزب الله وهم المؤمنون بدين الله وفى هذا قال فى سورة المائدة :"ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ".وقال فى سورة المجادلة :"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ".وهذا الحزب واحد لا ينقسم أبداكما ورد في سورة المؤمنون :"وإن هذه أمتكم أمة واحدة ".

الثانى حزب الشيطان وهو يضم الكفار بدين الله وهم الناسين طاعة ذكر وهو دين الله وفى سورة المجادلة :

"استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ".

وهذا الحزب كما ورد في القران منقسم إلى أحزاب متعددة لكل حزب منها دين غير دين الأخر والقاسم المشترك بينهم هو كفرهم بالإسلام كله أو بعضه وفى اختلافهم هذا قال بسورة مريم :"فاختلف الأحزاب من بينهم "،وقال فى سورة الزخرف :"فاختلف الأحزاب ".وفى كفرهم المشترك بالإسلام قال فى سورة هود:"ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ".وقال بسورة الرعد :"ومن الأحزاب من ينكر بعضه ".وقال فى سورة غافر :"كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم ".وفي سورة المؤمنون :"فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون "، وقال فى سورة الروم :"كل حزب بما لديهم فرحون"، ووصفهم بالخاسرون: "ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون "، وقال فى سورة ص:"جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب "

والملاحظ أن ورود كلمة الأحزاب دوما فى القرآن فى الأقوام الكافرة فمثلا يقول فى سورة ص:

"كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب لئيكة أولئك الأحزاب إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب ".

ومن هنا فان التيار الاسلامي يري أن الأحزاب محرمة فى القرآن لأن الأصل فى الناس أنهم كانوا أمة واحدة وكان يجب أن يظلوا هكذا طاعة لدين الله ولكن بعضهم أبى إلا أن يتميز على الأخرين بمميزات جعلته يخترع الأديان الضالة حتى يبرر هذه المميزات التى لم ينزل الله بها سلطان.

وان تطرقنا لمفهوم الديمقراطية كما تفهمه التيارات الاسلامية في الدولة المسلمة فسنراها تقف موقفا معاديا منها،فهي تري ان حكم الشعب من قبل الشعب وهو مفهوم فى حقيقته خاطىء لأن الحكم فى الإسلام ليس حكم الشعب وإنما حكم الله مصداق لما ورد بسورة يوسف:"إن الحكم إلا لله ". وتفسيره الحكم بما أنزل الله أى أن يحكم المسلمون بعضهم البعض بوحى الله مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة:"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".

ويمكن ايراد هنا مقال للمفكر الاسلامي حسن العطار يوضح فيه لما يرفض الاسلاميون الديمقراطية السياسية،

فهو بعد ان يوضح انها تعني:"هى إعطاء الناس الحريات الأساسية كالحرية الشخصية والدينية والرأى وحق تأليف الأحزاب والجمعيات وحرية التنقل والعمل والتجارة ."يقول :"وبموجب هذا النظام أصبح مفهوم الديمقراطية يقصد به الحريات العامة الأساسية التى تعطى للناس كالحرية الشخصية وحرية الرأى والحرية الدينية وحرية تأليف الجمعيات والأحزاب وحرية الانتقال وحرية العمل وحرية التجارة وما شاكل ذلك "، ومما يعاب على هذا النوع التالى :

-أنها تبيح للناس أى شىء مهما كان فمثلا حرية الرأى تعنى أن من حق الإنسان أن يعلن عدم وجود إله وأن يكفر بالإسلام وحرية الشخص تعنى حريته فى ارتكاب أى شىء محرم ما دام لا يضر الأخرين حسب قانون دولته .

-أنها تتيح وجود فروق شاسعة بين الأغنياء والفقراء حيث يزداد الغنى غنى والفقير فقرا .

-أنها تتيح للأغنياء والأقوياء إماتة الفقراء والضعفاء بمنع الطعام والشراب عنهم باعتبار حريتهم الشخصية فى ما يملكون .

الديمقراطية الاجتماعية :

تعنى تدخل الحكومة فى شئون الناس وحرياتهم على أن يكون التدخل لسلامة ما يسمى التضامن الاجتماعى .

و يقول حسن العطار فى مقاله سابق الذكر نقلا عن كتاب بريس الديمقراطيات الحديثة"ويقول بريس فى كتابة الديمقراطيات الحديثة :"إن الأفراد فى الوقت الحاضر اصبحوا يقبلون بوجه عام تدخل الدولة فى شئونهم وعدم رضائهم بذلك فى الماضى كان يرجع إلى أنهم كانوا محكومين بفئة قليلة العدد قيدت حريتهم لصالحها قبل كل شىء أما اليوم فالحكومة هى حكومة الشعب والشعب لهذا السبب لا يخشى تدخلها فى شئونه ". ويوضح انه يعاب على هذا النظام التالى :

-تحكم قلة من الناس هى الحكومة فى تقرير ما يسمى التضامن الاجتماعى وفى غالب الأحوال يستغل التدخل لصالح أعضاء الحكومة وأتباعهم .

-وجود فروق شاسعة بين الحكومات فى تقرير مدى الحريات المسموح بها وأنواعها مما يجعل هذا الشكل مختلف من حكومة إلى أخرى.

ولقد استند الاخوان المسلمون وانصار فكرة ان الدولة فى الإسلام هي دينية الي الكثير مما سبق والي احاديث نبوية عدة،وهكذا اصبحت الدولة بالنسبة لهم هي تكليف إلهي. ولها مهمة رئيسة هي تطبيق الشريعة. وهم يستندون في ذلك إلى آيات القرآن.وأحاديث نبوية، وإلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح حيث تلازم لديهم قيام الدين والأمة مع قيام الدولة. ولذلك فهم يعتبرون أن "الشرعية" سقطت بسقوط الخلافة، ويتفرع على ذلك "التكليف" الذي لا يجوز التخلف عنه باستعادة المشروعية إلى المجتمع ونظامه السياسي بإقامة الخلافة أو ما يناظرها من جديد.

ويمكن ملاحظة ترجمة كل ما سبق في مفهوم "الدولة الإسلامية" الذي جاء به حسن البنا المؤسس العام لجماعة الأخوان المسلمين، والذي كان تلميذاً غير مباشر للشيخ رشيد رضا، فالبنا كان من أول المفكرين الإسلاميين السنة المعاصرين الذي جعل من السلطة في الإسلام مسألة عقدية لا فقهية، وأنها من الأصول لا الفروع، وبذلك أسبغ كما طابعاً قدسياً على الدولة يتجاوز علاقة الوصل بين الديني والسياسي التي دافع عنها البعض، وبذلك نقل المسألة السياسية من مجال الفقه العام، والفقه السياسي إلى علم الكلام. وبذلك فتح الباب كما إلى "نظرية أصولية" في السياسة والدولة، تقطع مع مفهوم دولة الخلافة التي دافع عنها الشيخ رشيد رضا، وراح يجسر الفجوة مع النظرية الشيعية في الإمامة لتعيد إنتاجها بمفردات سياسية جديدة. من هنا فلم يعد هناك من معنى للتساؤل: هل أن إقامة الدولة من أصول الإسلام؟ وهل معنى ذلك أن الدولة في الإسلام دولة دينية؟ واللذان سبق أن خاض غمارها شيوخ الأزهر وغيرهما.

ومثل حسن البنا تيارا قويا يناضل في مواجهة الفصل بين الدين والدولة، ويدعو إلى الربط بينهما. فيقول في رسائله: "إن الإخوان المسلمين يعتقدون أن الخلافة من الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام ، وإنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها والاهتمام بشأنها. والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله، والأحاديث الواردة في وجوب نصب الإمام وبيان حكم الإمامة وتفصيل ما يتعلق بها لا تدع مجالا للشك في أن واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير في أمر خلافتهم منذ حورت عن مناهجها ثم ألغيت، والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن الأمر يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لا بد منها، وأن الخطوة المباشرة لإعادة الخلافة لا بد أن تسبقها خطوات. فلا بد من تعاون عام ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها، يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد. ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية، حتى إذا تم ذلك للمسلمين نتج عنه الاجتماع على "الإمام" الذي هو واسطة العقد."

وربما يكون لافتاً أن جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا عام 1928 وصارت كبرى الحركات الإسلامية في الوطن العربي وانبثقت منها حركات إسلامية أخرى، وتأثر بها العمل الإسلامي في العالم الإسلامي لم تنص في أهدافها الأساسية على إقامة الدولة الإسلامية، ولم يرد هذا المصطلح في قانونها الأساسي. ولم يختر البنا أسلوب العمل السياسي الحزبي، وكان معتمداً، ولم يحاول الحصول على غالبية برلمانية، وكانت مشاركته في الانتخابات النيابية رمزية فقط، وقد ترشح البنا بنفسه عام 1942 ثم انسحب في صفقة مع حزب الوفد الحاكم مقابل مكاسب أخرى في العمل العام، وربما لم يترشح غيره من "الإخوان" في الانتخابات النيابية على رغم أن الفرصة كانت متاحة للمشاركة الواسعة ولدخول البرلمان والمشاركة في الحكم بتشكيل الحكومة منفردين أو بالائتلاف مع الأحزاب القائمة كما كان يحدث بالفعل في مصر في الثلاثينات والأربعينات، ولم يختر البنا أن يؤسس حزباً سياسياً كما الأحزاب التي كانت قائمة وتعمل بحرية وتتنافس في الانتخابات النيابية وتشكل الحكومات كالوفد والأحرار الدستوريين.

و قد اوضح حسن البنا ن اعترافه بهذا النظام (النيابي) اعتراف مشروط، أي متوقف على توافر شروط لازم له هو خلوُّه من الحزبية، و ـ بلغتنا المعاصرة ـ من التعددية الحزبية! فكيف ـ إذاً ـ نستطيع أن نتخيل نظاماً سياسياً نيابياً ـ قوامه المنافسة الحزبية الانتخابية ـ من دون أحزاب سياسية؟!

وتلك ـ في الحقيقة ـ مشكلة المشاكل في فكر حسن البنا، وفي تصوره السياسي لنظام (الدولة الاسلامية)!

2 ـ التعددية الحزبية أو شبح (الفتنة)!

يقف البناء موقف رفض متشنج من الحزبية عموماً، ومنها في مصر بخاصة! وهو يفعل ذلك على الرغم من أنه يعترف صراحة بأن جماعته (الإخوان المسلمين) جماعة سياسية مَعنِيةً ـ إلى جانب عنايتها بالدين والعقيدة ـ بالدولة والنظام السياسي. وبذلك، يستكثر على غيره ما يبيحه لنفسه، متطوعاً ـ من حيث لم يشأ ـ لتقديم صورة سيئة عنه ـ وعن برنامجه السياسي ـ لخصومه، بل مغامراً بنسف كل ذلك المعمار السياسي الذي شيّده دفاعاً عن الحكم الدستوري والنظام التمثيلي البرلماني!!

وانسجاماً مع منطق دعوته، الناحية منحى سياسياً وسلمياً متدرجاً، يدافع البنا عن الإصلاح والنهج الإصلاحي في العمل السياسي والفكري والتربوي، وفي بناء المجتمع والدولة؛ وفي جملة ما يدافع عنه من (إصلاح) (القضاء على الحزبية وتوجيه قوى الأمة السياسية في وجهة واحدة وصف واحد..). بل هو لا يتردد في دعوة الأحزاب السياسية (المصرية) إلى الالتحاق بصفوف (الإخوان المسلمين) من أجل أن (يتوحدوا تحت لواء القرآن العظيم)، راجياً أن يجيبوا فيكون في ذلك (خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة) وأن (تستطيع الدعوة بهم أن تختصر الوقت والجهود)، متوعداً إياهم عند الرفض بأنهم سوف (يضطرون إلى العمل للدعوة أذناباً وقد كانوا يستطيعون أن يكونوا رؤساء)!. هل هذا من (الإصلاح) في شيء؟ وهل هو اعتدال؟ وما الذي قاد البنا إلى هذا الموقف العدمي، بل والعدواني، من الحزبية والأحزاب؟

ثمة ـ في الواقع ـ أسباب عدة يختلط فيها الوازع السياسي بالعقدي فيتداخلان على نحو يمتنع معه التمييز والفصل. ونكتفي منها ـ على تعددها ـ بسببين: يتعلق أولهما، في اعتقاد البنا، بآثار ونتائج الحزبية في الاجتماع الوطني، ويتعلق ثانيهما بما يعتقد أنه مجافاة من الحزبية لفكرة وحدة الأمة في الاسلام، وتهديد بالفتنة في نظامه:

نقرأ للبنا في المعنى الأولى: (الإخوان المسلمون يعتقدون أن الأحزاب السياسية المصرية جميعاً قد وجدت في ظروف خاصة، ولدواع أكثرها شخصي .. ويعتقد الإخوان كذلك أن هذه الحزبية قد أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم، وعطلت مصالحهم، وأتلفت أخلاقهم، ومزقت روابطهم، وكان لها في حياتهم العامة والخاصة أسوأ الأثر). وعليه، فالحزبية ـ في ما يرى ـ لم تكن أكثر من استثمار سياسي لبناء النفوذ الشخصي، ولم تعد لها من وظيفة سوى تعطيل الإنتاج، وإلهاء الناس، وإفساد القيم، وتمزيق النسيج الاجتماعي الموحد بفكرة الأمة والجماعة؛ وهي ـ لذلك ـ لم تعد لها من فائدة ترجى! وفي المعنى الثاني نقرأ له: (يعتقد الإخوان أن هناك فارقاً بين حرية الرأي والتفكير والإبانة والإفصاح والشورى والنصيحة ـ وهو ما يوجبه الاسلام ـ وبين التعصب للرأي والخروج على الجماعة، والعمل الدائب على توسيع هوة الانقسام في الأمة وزعزعة سلطان الحكام، وهو ما تستلزمه الحزبية ويأباه الاسلام ويحرمه أشد التحريم). إن الحزبيةـ في هذا المفهوم ـ ليس في جملة الحقوق السياسية للأفراد والجماعات، وليست مظهراً من مظاهر الحق في التعبير الحر، أو في حرية الرأي، بل هي رديف للتعصب، وللعصيان والتمرد على رأي الجماعة، ولزعزعة الاستقرار السياسي. وهي ـ لتلك الأسباب ـ محرّمة دينياً، أو قل إن موقف الرفض لها ليس موقفاً سياسياً فحسب، بل وموقف شرعي أيضاً!

ومع أن حسن البنا يحاول إبراء الذمة من شبهة العداء للحزبية بسبب المنافسة السياسية ـ خاصة مع حزب (الوفد) ـ إلا أن دعوته إلى وجوب حل هذه الأحزاب لم تكن ـ البتة ـ من أجل مصلحة مصر كما أوحى بذلك، بل من أجل إخلاء الساحة لحزب وحيد هو حركة (الإخوان المسلمين)، أو لتشكيل إطار سياسي جامع يكون فيه للحركة مركز القيادة! هكذا يضاهي حسن البنا الداعين إلى الحزب الواحد في دعوتهم إلى ذلك .

يمكن القول ان التناقض الصارخ الذي يقوم عليه خطاب البنا حول الدولة، يقوم على مفهومه للجماعة والأمة: فهذه الجماعة ـ الموحدة بعقيدة الاسلام ـ تستحق دستوراً يكرس مبادئ دينها في الحكم، وقوانين تطابق أحكام شريعتها، ونظاماً تمثيلياً يفرز (أهل الحل والعقد) .. ، فهذه جميعاً وسائط مقبولة لتمكين الجماعة والأمة من نظام حكم يعبر عن ماهيتها كجماعة، بل هي مطلوبة ومرغوبة. لكن ذلك ليس ينطبق على التعددية الحزبية بأي شكل من الأشكال. إذا تركنا جانباً الوازع السياسي، حيث لا مصلحة للبنا في وجود أحزاب سياسية تنافس (الإخوان) في دورهم وتمثيلهم الاجتماعي، فان السبب الرئيس الحامل على ذلك الموقف من الحزبية سبب ديني: الخشية من تصدع وحدة الجماعة، وانقسامها، وغرقها في الفتنة!

ومن دون أن يسيء المرء الظن بحسن البنا، وحساباته السياسية، من ممايزته بين المسألة الدستورية والنيابية وبين مسألة التعددية السياسية، يمكن القطع بأن ما فعله من فصل بينهما هو عينه ما سوف يحصل بعده في تجربة ممارسة السلطة ـ من قبل النخب العربية والاسلامية الحاكمة ـ وخاصة منذ مطلع النصف الثاني من هذا القرن. فقد تأكد ـ بقوة الأمر الواقع أن هذه النخب تستطيع أن تقبل بوضع دستور للبلاد (ودستور مثالي أحياناً)؛ وأن تُقِر النظام البرلماني، وتضع قانون انتخابات، وتجري عمليات اقتراع على (ممثلي) الشعب أو الأمة .. الخ، في الوقت نفسه الذي تمنع فيه الأحزاب من الوجود!

لم يكن حسن البنا مجرد شيخ يفقه في شؤون العقيدة والشريعة، ويملك الجرأة في التعبير عما يراه موقفاً شرعياً في أمور السياسة والرياسة .. ، كان إلى جانب ذلك داعية سياسياً على قدر كبير من الحنكة والدهاء، وعلى قَدرٍ كبير من التشبع بالواقعية السياسية، بل وبالنزعة البراغماتية. ولقد ساعده ذلك على أن ينتج أكثر المقالات السياسية تأثيراً في الجمهور، خلال هذا القرن، وأن يؤسس إحدى أضخم الحركات السياسية جماهيرية في العالم الاسلامي المعاصر حركة (الإخوان المسلمين). وكما امتد نفوذ أفكاره ففاض عن حدود مصر، وطال معظم البلاد العربية والاسلامية، كذلك كان حال حركته السياسية، التي خرجت من نطاقها الوطني المصري، لتصبح تنظيماً قومياً وعالمياً.

إن موضوعة الدولة الاسلامية ـ في فكر البنا ـ وحدها دليل على ذلك : لقد أخَذَها عن رشيد رضا بعد تعديلٍ (تحولت فيه من خلافة: ممتنعة وطوباوية، إلى دولة إسلامية: ممكنة وواقعية)؛ لكنه إذ رأى فيها نداء الشرع، والواجب، لم يَتَعامَ عن السياسة والممكن، بل طَفَق يبحث لهذه الدولة عما يسوّغ لها أمرها في مجتمع غزته الحداثة السياسية والثقافية بعد غزو الاستعمار له. لذلك، لم يجد ضالته سوى في بعض موضوعات الإصلاحيين الإسلاميين قبله بربع قرن. نعم، لم يذهب بعيداً في الطريق الذي سلكوه، لكنه ـ قطعاً ـ قطع منه شوطاً، فانتهل منه ثمراتٍ ينعت في نصّه فكرةً دستورية وديمقراطية نيابية.

هل معنى ذلك أن (الدولة الاسلامية) ـ عند البنا ـ ترادف معنى الدولة الوطنية عند الإصلاحيين؟.

لا، إنها دولة دستورية، تأخذ بنظام التمثيل النيابي غير أن مصدر السلطة فيها هو الشريعة الاسلامية. إنها دولة الشريعة، ما دامت الشريعة هي (دستور) المسلمين في تنظيم اجتماعهم المدني واجتماعهم السياسي.

ويبقى السؤال قائماً ومشروعاً لا تلغيه المقاربة السابقة... هل يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية اليوم في أنظمة الحكم والإدارة العصرية؟ وهل يتعارض النظام الإسلامي أم يتوافق مع مفاهيم الدولة الحديثة ومع حقوق الإنسان المتعارف عليها؟



#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتي لا نتهم بالاسلامفوبيا.../ملاحظات علي خطاب الحركات الاسلا ...
- حتي لا نتهم بالاسلامفوبيا.../ملاحظات علي خطاب الحركات الاسلا ...
- فرحة
- عنكبوت
- اغتراب
- حين متنا
- قمر
- قناع
- حب ممنوع_2
- حب ممنوع
- عجوز متعب
- خديعة
- انت... لا انا... هو القتيل
- البومة الجميلة /قصة ليست للكبار
- البوم الغناء/قصة ليست للكبار
- عربة نقل للموتي
- الحداد والشيطان/قصة قصيرة
- مقهى
- خطباء 2)
- خطباء 1)


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عماد ابو حطب - حتي لا نتهم بالاسلامفوبيا.../ملاحظات علي خطاب الحركات الاسلامية السياسية/3