أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عذري مازغ - تونس والثورة الجديدة















المزيد.....

تونس والثورة الجديدة


عذري مازغ

الحوار المتمدن-العدد: 3248 - 2011 / 1 / 16 - 19:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


برهنت ثورة الشباب التونسي بجدارة عن مرحلة جديدة من التاريخ، من التنظيم الرائع الذي يستند إلى الرغبة وإلى الإرادة في التغيير وبالأشكال المتاحة، ثورة عبرت عن شرخ هائل بين جدلية السياسي والحزبي، ولا أقول السياسي، أطاحت هذه الثورة، ليس فقط ببن علي، بل هي أطاحت أيضا برموز القيادات الحزبية المعارضة، تجاوزتها بعشرات السنين، ثورة بدون زعيم سياسي واحد ووحيد كما العادة في جميع الثورات، ثورة بدون زعامة سياسية لهذا التيار أو ذاك، وثورة أيضا أسقطت الشرعية لأحزاب كانت تعيش خارج التاريخ.. وجاءت الآن تساوم من موقع الفراغ حول حكومة وحدة وطنية. لو كان لهذه القوى السياسية قليل من الجرأة وأرادت أن ترد لنفسها شيئا من المصداقية لأعلنت جميعا عن إسقاطها وحلها لتتشكل من جديد وفق ثقافة الثورة الجديدة. هذه الثورة التي لم يبحث فيها الشباب التونسي لا عن دبابة أمريكية أو فرنسية (أمهات الديموقراطية الحيضية) ولا عن تمويل فاق المليارات من الدولارات ولا هي احتاجت إلى أنهار من دم الشهداء: إنها ببساطة ثورة صامتة سماها الشباب بثورة الياسمين. ثورة وفية لروح الشاعر أبو القاسم الشابي، رومانسية كشعره، ثورة بثقافة لا يفهمها لا بن علي ولا أزلامه ولا هي فهمتها الأحزاب التعجيزية التي صنعت من بن علي ديكتاتورا فوق العادة فيما هو كان أجبن من العصافير، هرب في هزيع الليل وقبل شروطا مذلة من نظام سلة المهملات بالسعودية، ثورة اعتمدت في صناعتها على المتاح، على النيت والهاتف النقال، ثورة بالإلكترون، لا مناشير ولا موزعون يعتقلون عند الخطوات الأولى ولا مطابع سرية ولا استعانة بالآخر، ثورة أخرصت الآخر ، الولايات المتحدة طيلة 23 يوم أو اكثر لم تعلق على الأمر، فرنسا تلعثمت في أكثر من مناسبة، وخرج ساركوزي أخيرا عن صمته ليعلن غباؤه السياسي: ندعو إلى انتخابات نزيهة في تونس. وماذا بعد؟؟ لنرنم تلك الشعارات البليدة البالية في فرنسا الديموقراطية، انتخابات لأحزاب تتجمل بمساحيق البغاء لترضي كيانها الرأسمالي. هذه هي نزاهة ساركوزي التي يدعوا إليها
الثورة لم تنتهي بعد، والدليل على هذا تلك المسرحية الكاريكاتورية لأزلام مازالت تفترس أشلاء عباءة بن علي،الغباء التقليدي لقوى الهيمنة، التشبث بالدستور وبالشرعية القانونية، لم تهضم بعد هذه القوى أنها ثورة وليست انتفاضة، مازالت تعاند فيما هي تحتضر تمسكا بدستور على مقاس الديكتاتور. وصحيح جدا أن الكعكة الآن هاهي قد انجزت، لكن من سيلقفها يا ترى؟ من سيجهز عليها؟ هذا هو السؤال المرحلي فالثورة مازالت في بداياتها الأولى، وهي أعطت الدليل لمن يحتاجه أن المشكلة ليست في الجماهير الشعبية، بل هي البديل السياسي، هاهي بالفعل كمونة باريس قد أعاد التاريخ انتاجها وفق شروط موضوعية جديدة، لكن المشكلة هي كيف سيستثمرها الشعب التونسي؟؟ من من أحزاب المعارضة مثلا كان ينتظرها؟ ومن هي بردائها الرث المثقب يستطيع أن يستوعب مرحلتها؟؟
كم هو سهل تصور كل السيناريوهات، وهي جاهزة على مقاس الحكومة الفرنسية: انتخابات نزيهة وينتهي الأمر، أو هي على مقاس الأحزاب التونسية: حكومة وحدة وطنية، لكن بأي شكل هذه الحكومة الوحدوية؟ أطرح السؤال من منطلق أنه حين يتجاوز الشعب كل الأحزاب ويقود معركة بدون تأطير سياسي معين، وبشكل رائع أظهر تماسكا قويا لا نظير له، فعن أي وحدة وطنية يتكلمون؟
إنه شعار ملغوم بامتياز؟ هل نفهم من هذا حكومة وحدة حزبية؟ رائحة مزكمة من تلك الروائح التي دأب عليها النظام العربي القائم، شعار الثقافة السائدة البورجوازية، توجسات مراهقة، وحدة وطنية، إجماع آخر، هي مفاهيم البورجوازية البغيضة التي تريد أن تحتوي الصراع الطبقي، ولن ننتظر من الثورة حتى الآن أكثر مما أنجزته، لكنها ستبقى ثورة في بداية الطريق في انتظار أن تتبلور شروطها السياسية وتفرضها على الأمر الواقع، ثورة أزاحت عنها ثقل الديكتاتورية، لكن بقيت الجماهير خارج اللعبة السياسية وستنتظر مرحلة لترى ما ستفرزه النخب السياسية التي هي من الآن تستعد للدخول في المساومة السياسية، وسنرى بأي وجه هي ستدخل هذه اللعبة، سنرى هل ستعي وتستوعب جيدا أنها كانت تسبح خارج نبض هموم الجماهير التونسية وهو شرط الوحدة الحقيقية، فالذي يفتقد هذه الوحدة هم الأحزاب السياسية في مصالحتها لجماهيرها وأتكلم هنا عن الأحزاب اليسارية، سنرى إلى أي حد ستستجيب للمرحلة التونسية القادمة بثورة ذاتية، بتغيير طرق تأطيرها، بإحياء الديموقراطية الشعبية في أجهزتها، بتجديد هياكلها المرتشية وفق ثورة متجددة تستوعب دينامية الشعب باحترام الرأي والرأي الآخر بين مناضليها، وليس بتكريس وصاياها اللقمانية الميتة، في ارتباطها بهموم الجماهير، في الإستفاذة من التقنية المتاحة نفسها التي كانت أساس هذه الثورة. فإشعال الشاب المعزوزي النار في جسده وبالطريقة التراجيدية تلك التي بها فجرها، كان يستند في حقيقته الأمر إلى وعيه بانحطاط المجتمع السياسي وعجز حركة المجتمع المدني من أن تبلور فعلا حقيقيا نحو التغيير، إنه يأس من حركية هذا المجتمع النائم المقيد لجموح الجماهير، المقيد بمؤسساته الخرافية،إنه اليأس من بيانات التنديد الفارغة، والحاجة إلى فعل ما، إنه تعبير إدانة من طرف الشاب للواقع المكرس، إدانة الصمت الغريب لهذه المؤسسات الغريبة التي تنتظر نبيا جديدا، ثم إن استجابة الجماهير التونسية كانت أقوى من المنتظر وكرست بحركيتها حجم الإدانة، خرجت لتسقط الحيف، وتعلن أن مؤسساتنا المدنية والسياسية هي بالفعل ميتة، وهذا هو الدرس المستفاذ.
يخطيء من يعتبر فقط أن إقدام الشاب على تلك العملية هي نقطة أفاضت فنجان، فإن كانت عمليا كذلك فهي من جهة اخرى عبرت عن تضحية الجماهير بتلبية نداء الشاب، عبرت عن التضامن المطلق مع الشاب، كما فهمت جيدا رسالته ولم تكتفي بالإدانة، بل لجأت وانتظمت عمليا بشكل ملحمي فاق كل التصورات، لجأت لإسقاط الحيف دون أن تنتظر مشيخة إمارة أو فتوى حزبية مهما كانت، فتلك الهياكل تجووزت، وأشكال الدعم الغربية تجووزت، الزوايا السياسية والدينية تجوزت، والكلمة الآن ودائما كانت، هي للجماهير، هذه الجماهير التي لم تعطي فرصة لتأويل حدثهم العظيم، لم تعطي فرصة لتدخل أحد، فهي ليست إسلامية ولا هي تبشير غربي رأسمالي ولا هي شيئا آخر، لكنها بالفعل هي شيء آخر غير هذه الأشكال كلها: هي ثورة ياسمين كما أطلق عليها من طرف صانعيها.
ثورة هي البداية وما سيأتي أعظم، لأنها ببساطة ثورة بنيوية معقدة بتعقد ميكانيزماتها، لكنها هي ثورة في خطوتها الأولى نحو كينونتها، بلسم إدانة لكل القوى المتآمرة ودعوة تأمل في آليات التفعيل الجديدة، ثورة ميزتها العصرية أنها سريعة صرعة العصر وكاسحة كالهشيم ولا تترك هامشا من التصرف للعدو، بل تربك حساباته، ولنا في تونس العبرة، لقد تنبه بن علي إلى خطورة الثورة الإلكترونية، تنبه إلى النيت وإلى الهواتف النقالة، وحاول أن يستدرك الأمر، استبدل وزير الداخلية بخبير في علم الإتصال وهذا بالضبط ما لم تتناوله التقارير، فالكل تكلم عن نزاهة الرجل العلمية، وعن نزاهته في الأوساط الجامعية، لكن لم يتكلم أحد عن كونه خبير اتصالات، وهذي هي الدلالة الحقيقية لتغيير وزير بآخرم مختلف عن الأول في التكوين، أي أن الخطورة هذه المرة ليست في عد الأنفس بل في جمركة الأمواج الخفية، جمركة الريح والهواء والأشعة التي تنتقل بدون ضوابط. جمركة الإنترنيت بتعبير آخر. هذه التقنية التي تجاوزت إعلام الفضائيات، هذه هي إحدى سيمات الثورة بالإلكترونيات التي لم يعيها اليسار عندنا بعد. وقياداته المحنطة تخشاها قبل أن تخشاها الأنظمة، وهذا أيضا مايدفعنا إلى القول بأن الوعي السياسي الآن يستند إلى ضوابط أخرى غير تلك التقليدية، يستند إلى الشباب المتمرس بهذه التقنية، وليس إلى وعاظ الرجعية اليسارية ويستعمل آليات لا تعطي فرصة للقوى المهيمنة كي تستعيد اتزانها. هذه هي الثورة الجديدة التي تستند إلى الفعل والتواصل الجماهيري الحقيقي، الإعلام الحقيقي الذي يهز كل قلع الرجعية، الثورة التي تستند إلى قوى المجتمع الحقيقية، إلى ممارسات عملية وليس إلى خطابات رنانة، لقد وللى زمن الخطابة، وأصبح محله زمن القول والإنخراط في الفعل وتونس هي البداية وطريق الثورة الكونية آت لاريب فيه.
فتحية إجلال وتقدير لمبدعي ثورة الياسمين...



#عذري_مازغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما أسعدنا بحكومات وديعة نحن الشعوب المغاربية
- يوميات مغارة الموت: جمع الفتوى
- ماكل امرأة تصيح في جيدها حبل من مسد
- يوميات مغارة الموت 1992
- حكايا من المهجر: بيترو إفانوفيتش(2)
- هكذا تتأطر العلمانية عندنا
- حول دور الحزب الشيوعي، مدخل إلى الممارسة التطبيقية
- عندما قابلت عزرائيل
- الفنان سيدي عبد السلام ياسين
- قراءة في كلمة الرفيق رزكار عقراوي
- عبوزان الصغير
- إيه يا داحماد حين تأتينا بثورة بغلة (عن جبل سكساوة)
- وداعا الرفيق أبراهام السرفاتي
- حول دور الحزب الشيوعي (2)
- حول دور الحزب الشيوعي
- تيط إفسثن: العين الصامتة
- مأزق الديموقراطيات
- هنيئا للحوار المتمدن
- دور الآلة في الإنتاج الرأسمالي: رد على تحريفية فؤاد النمري
- سجين ملحمة العبور


المزيد.....




- لماذا أصبح وصول المساعدات إلى شمال غزة صعباً؟
- بولندا تعلن بدء عملية تستهدف شبكة تجسس روسية
- مقتل -36 عسكريا سوريا- بغارة جوية إسرائيلية في حلب
- لليوم الثاني على التوالي... الجيش الأميركي يدمر مسيرات حوثية ...
- أميركا تمنح ولاية ماريلاند 60 مليون دولار لإعادة بناء جسر با ...
- ?? مباشر: رئيس الأركان الأمريكي يؤكد أن إسرائيل لم تحصل على ...
- فيتو روسي يوقف مراقبة عقوبات كوريا الشمالية ويغضب جارتها الج ...
- بينهم عناصر من حزب الله.. المرصد: عشرات القتلى بـ -غارة إسرا ...
- الرئيس الفرنسي يطالب مجموعة العشرين بالتوافق قبل دعوة بوتين ...
- سوريا: مقتل مدنيين وعسكريين في غارات إسرائيلية على حلب


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عذري مازغ - تونس والثورة الجديدة