أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رويدة سالم - تونس تُسقط حائط برلين العرب ... شعب يصنع الامل .















المزيد.....

تونس تُسقط حائط برلين العرب ... شعب يصنع الامل .


رويدة سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 14:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في هذا الظرف الحرج الذي تمر به البلاد يجدر بنا جميعا أن نقف وقفة إكبار واحترام لكل الشرفاء الذين رسموا بدمائهم الطاهرة سبيلنا نحو الديمقراطية. بدء بمحمد بوعزيزي مفجر الهبة الشعبة التي أطاحت بالحكم الدكتاتوري وقوضت صلاحيات الحزب الواحد الحاكم والذي أذل بميليشياته وأعوانه الخاصين الشعب معمقا قهره السياسي وما أنتجه من تدهور اقتصادي ومعاناة اجتماعية ووصولا لكل من قدموا حياتهم فداء لحرية الشعب التونسي وضمان كرامته. هبة الشعب التونسي والتي ليست ثورة بقدر ما هي صرخة كرامة رافضة للطغيان وضعت في قفص الاتهام الحزب الحاكم ورئيسه. هذا الحزب الذي أنتج فسادا عاما في كل هياكل الدولة وعمق القطيعة بين المواطن والحكومة. كتمت بيادقه كل صوت حر ورمت بكل المعارضين في قاع السجون والمعتقلات حيث مارست عليهم ساديتها وعنفها القمعي سعيا للسيطرة على خيرات البلاد وسرقتها.
تحولت الإذاعات الوطنية والخاصة إلى أبواق للحكومة تمرر أجندتها السياسية وتخدر البسطاء بوعود كاذبة وإرهاب ضمني لكل من يفكر في الوقوف بوجه الظلم والطغيان والعصابات المحيطة بالرئيس التي سرقت البلاد والعباد. الحكومة في خنقها للحريات ملئت النفوس بالشك وفقدت كل مصداقية. شك وحذر من الأخر مهما كان طرحه مسالما ومتفاعلا مع واقع البلاد كما لو أن البلاد أضحت غابة لا تسمع فيها إلا عواء الذئاب. التضييق الإعلامي أيضا ومنع حرية التعبير والمراقبة الدقيقة على الانترنيت بلغت حده الأقصى باعتقال المدونين وكل من يُشتبه في أنهم انتقدوا الحزب أو نبشوا في الحياة الخاصة للرئيس. قهر إعلامي عانينا منه طويلا وجعلنا بعد تداعي النظام للسقوط والانفتاح الفجائي في الخطاب الإعلامي عاجزين عن هضم الحرية الإعلامية التي جعلت النقلة بالبلاد جبارة نحو ديمقراطية لا محدودة ولم نألفها يقف فيها أمامنا في بث مباشر المذيع يتناقش مع الوزير أو الرئيس ويحاسبه ويسائله.
كل القهر الذي عانى منه الشعب التونسي جعله يقول كلمته لما وصل الوضع الى حد الانفجار. لما لم يعد من سبيل إلا التغيير أو الانتحار. فالشعب الذي كما يقول عباس محمد علي "ظلوا يقولون له إنه لا يمكن أن يفهم غير لغة القسوة يحزم أمره ألان على أن يعبر عن نفسه بلغة القسوة" تقدم في مواجهة رصاص حماة النظام الذي يتداعى ورغم الدم الذي سال بدون وجه حق رغم محاولات أبواق النظام تشويه صورة الشرفاء الذين رحلوا ثبت بعد ان تخلص من عقدة العجز والخوف واسترد ثقته بنفسه وبقدرته على صناعة التاريخ.
يقول الدكتور حجازي في هذا السياق أن الشعب الذي"يئس من إمكانية الوصول إلى الحق الذاتي بالرضوخ أو بالعنف الداخلي. ليس هناك من لغة ممكنة من قوى التسلط سوى لغة مماثلة للغتها، لغة القسوة، لغة الغلبة ومع ترسيخ اليأس من الحوار السلمي أو الرضوخ يرسخ الإحساس بضرورة العنف ". في ردة الفعل الحرج كما يسميها علماء الإحياء صنع الشعب التونسي المثل لغيره من الشعوب المضطهدة والتي لا سبيل أمامها سوى الموت أو المجابهة في دفاع مستميت على وجودها.هذه الهبة الشعبية تمثل نقطة تحول في الفكر الجمعي. فالشعوب قوية وقادرة على النجاة بنفسها من حياة الذل والتبعية التي يفرضها حكامها كلما وثقت في قدرتها على تجاوز السوء الذي تجره إليها سياسة الرأي الواحد. هذا الإرث من التراث الديني العربي شوه واقعنا المعاصر وخلق كل هذا الكم من الإرهاب ضد المواطن في كل البلدان العربية دون استثناء سواء ممن ينتمون إلى ذات القطيع العقائدي أو من الأقليات والتي تعرضت إلى الإقصاء والتقزيم. ففي ثقافتنا الجمعية الدينية والتي تحاول الحكومات الحفاظ عليها لما فيها من خدمة لمصالحها، طاعة الجلادين فريضة لا يمكن أن يُنكرها أحد كما أن الخروج عليها لعنة. نورد على سبيل الذكر من بين كم هائل من النصوص التشريعية الإسلامية
{ولو استعمل عليكم عبد حبشي يقودكم بكتاب الله اسمعوا له وأطيعوا} رواه مسلم.
((يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس قال ( حذيفة): قلت : كيف أصنع يا رسول الله ؟ إن أدركت ذلك ؟؟ قال : (( تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك , فاسمع وأطع)) رواه البخاري ومسلم )
قال الإمام النووي عند نقل الإجماع على طاعة ولي الأمر ((واما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقه ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث على ما ذكرته واجمع أهل السنة انه لا ينعزل السلطان بالفسق....... )) شرح النووي 12/229
لكن الشعوب المعاصرة والتي تغيرت قيمها الإنسانية وحاجاتها الأساسية ونمط حياتها لما تفقه حدود حقوقها ولما تؤمن بحريتها وقدرتها على تقرير المصير وأن الكرامة الإنسانية هي أهم المكاسب يسقط الطغيان ويتلاشى وجوب طاعة ولي الأمر وعندها ينتفي القول بسلبية الشعوب وعجزها عن رسم التاريخ. لما تبلغ الشعوب هذا المستوى من الوعي بكيانها يكفي أن تتكاتف كل في رحمها الحساسيات الفكرية والسياسية بروح المسؤولية لتسير بالبلاد نحو الأمام دون أن تتهاوى في مستنقعات التعصب الديني الذي عانت منه الشعوب العربية ولا زالت أو أن تقع ضحية تأثير الدكتاتوريات المجاورة لها التي تحاول إحباط كل أمل في سبيل الحفاظ على ثبات سلطها القمعية.
بعد ما حدث بتونس لا مناص أمام العرب الذين يعيشون الأحداث الراهنة بكل ترقب من أخذ العبرة والسعي لإثبات قدرتهم على التغيير والإيمان بأن "لا" تجدي قبل نعم وان الثورة هي السبيل الوحيد أمام الانعتاق من اسر السلطة القمعية التي تستغل التراث الديني بالمنطقة أبشع استغلال في سبيل خدمة أجنداتها السياسية ومصالح طبقتها و التي تدعي الحق المطلق في تقرير مصير شعوبها وقيادتها كما لو كانت قطعانا مغيبة الفكر والإرادة. لقد آن الأوان بعد أحداث تونس لهذه الحكومات أن تُؤمن أن شعوبها هي صاحبة القرار والسلطة وأن الحاكم والمحكوم يجب أن يستوون أمام القانون ويحاكمون بكل عدل دون حصانات دبلوماسية ولا تفرقة عنصرية على أساس الانتماء السياسي أو الفكري أو العقيدة. كما عليها أن تعترف بحق الأقليات في المواطنة وفي المشاركة الفاعلة في تقرير المصير فالبلاد ليست ملكا للحزب الواحد أو المعتقد الواحد بل هي ملك الجميع وعلى الكل أن يشارك في صناعة القرار دون اقصاءات وتحيز وتعصب يشد البلدان العربية إلى الخلف ويجعلها تتعفن في القرون الوسطى وفي كثبان الرمال في ارتقاء سياسي واجتماعي تراجعي يرمي بها في نهاية المطاف في الهاوية.
ما أخشاه ويتخوف منه الكل هو ركوب الأحزاب على الحدث. فالأحزاب العربية تعاني من الازدواجية في الخطاب السياسي إلى جانب أن أحزاب وقع تغييبها طويلا يمكن أن تشكل خطرا أكبر لأنها يجب أن تغير ردائها العميل الخانع وتغير كل قادتها وأن تضع أجندة سياسية واضحة وقادرة على استيعاب طموحات شعب واع بحقه في الكرامة وتقرير المصير. لا احد بقادر على نفي هذه الميزة عن الشعب التونسي رغم انه بإسقاطه الحكومة القمعية التي كانت تسيطر على البلاد والتي كانت حتما هشة في تركيبتها لاعتمادها المطلق على العنف سقط في مستنقع به كم لا محدود من الغضب أنتج هذا العنف المضاد الذي تعاني منه تونس حاليا والذي يمثل تصعيدا غير لا واعي ولا إرادي للغبن الذي عانى منه الشعب طيلة أكثر من عشرون سنة مما جعل ردة الفعل لبعض من العصابات الملثمة تخرج عن نطاق المعقول وتأخذ أبعادا مضخمة انتهت بمأساة تذكرنا بما حدث بالعراق بعد سقوط نظام صدام حسين. إتلاف لا مسئول للمنجزات العامة وحتى الملكيات الخاصة وأحيانا القتل.
لكن كشعب مثقف وواعي لن يضحى التونسيون بالدماء الطاهرة التي سالت من اجل معركة الكرامة ولن يفرط في معركته من اجل الحرية وسيتمكن الشعب من السيطرة على كل هذا التخريب والدمار وستخرج البلاد من هذه الأزمة أقوى وأكثر ثباتا وإصرارا على صناعة مجدها. لم تكن ثورة جياع كما يحلوا للبعض القول بل هي هبة كرامة عامة لن ترتضي بالوهابية التي ستعود بها إلى الخلف وتفقدها تميزها كمجتمع مدني فيه من العلمانية الشيء الكثير كما لن ترتضي بنظام جديد يبغي التفرد بالرأي الواحد والقمع كما سبق وحصل مع النظام السابق. بعد كل هذه الأحداث ستقف البلاد من جديد بثبات وستمثل رغم ما تعانيه من وجع حائط برلين الذي بسقوطه سيُصدر فكرة قدرة الشعوب على الانتفاض ضد النظم الدكتاتورية. وسنرى هبات شعبية مماثلة في أرجاء البلاد العربية ضد العهر السياسي ومشاريع توريث السلطة. كما أن الأمل للأقليات في التحرر من نير التسلط بمسمى أن الدين الإسلامي هو دين الدولة سيكون كبيرا. فقد آن الأوان أخيرا لصنع نظم تحترم المواطن فالشعوب لما تفتح نوافذها وتدغدغها أشعة الشمس يوما لا تركن للظلام ثانية أبدا

دمتم بخير



#رويدة_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعيدا عن أوهام القداسة: الإسلام. المبحث 5 الجزء 2
- ثقافتنا العربية بين عدائية التراث ومتطلبات العصر
- بعيدا عن أوهام القداسة : المسيحية. المبحث 5 الجزء 1
- أباء مقدسون أم بحث عن أصالة (المبحث4 )
- العشيرة المُصطفاة و وهم القداسة : المبحث 3
- المبحث 2 : الله: خالق قدسي او مخلوق ميكافيلي
- حضارات الديانات الابراهيمية بين العقيدة و السياسة (جزء1)
- دين الإنسان البدائي و سيوف التوحيد الإبراهيمي
- أحلام رهن الاعتقال/ خيبة الاله
- أحلام رهن الاعتقال : هكذا رأيت الإله
- القطيع العربي : كرة القدم نموذجا
- أحلام رهن الاعتقال/ الحرية شمس يجب ان تشرق
- القطيع العربي و ثور الدالية
- أحلام رهن الأعتقال / الإله يتعثّر بجلبابه
- شفير الهاوية [الجزء 3 و الاخير ]
- شفير الهاوية [الجزء 3 الاخير ]
- شفير الهاوية [الجزء 2]
- شفير الهاوية [الجزء 1 ]
- ضحايا [ الجزء 6 ] 
- المراة بين الدعارة الشرعية و سفاح المحارم [الجزء 3]


المزيد.....




- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رويدة سالم - تونس تُسقط حائط برلين العرب ... شعب يصنع الامل .