أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق إطيمش - عنجهية المجرمين















المزيد.....

عنجهية المجرمين


صادق إطيمش

الحوار المتمدن-العدد: 3246 - 2011 / 1 / 14 - 20:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


غالباً ما تخصص بعض الدول المتقدمة حضارياً وقضائياً بعض سجونها للمجرمين المحكوم عليهم بالسجن لمدة طويلة والذين قد يشكلون خطراً على السجناء الآخرين ، خاصة أولئك الذين يقضون مدداً قصيرة أو طويلة نسبياً لجرائم إقترفوها تحت ظروف قد تكون خارجة عن إرادتهم وقد يندمون على إرتكابها أيضاً . إلا أن المجرمين المجبولين على العنف والجريمة يتباهون بجرائمهم ويستمرون في إبداء إستعدادهم لإرتكاب جرائم أخرى حتى وهم في سجنهم هذا وقد تكون أفضع من تلك التي عوقبوا وسُجنوا بسببها . مثل هؤلاء المجرمين يعيشون دوماً حالة الإنسان السادي الذي لا يرى في الكون إلا نفسه شاء ذلك الآخرون أم لا . إنها العنجهية المجبولة بكره الآخرين والشك بهم دوماً . وترتبط هذه العنجهية المشبعة بالجريمة بحب الظهور المقترن بإبراز العضلات الهادف إلى إرهاب الآخرين .
إلا أن هذه الظاهرة غير مقتصرة على السجون على ما يبدو . فبعض المجتمعات الإسلامية والعربية يتكاثر بها المجرمون من هذا الصنف ، ولكن ليس في السجون ، بل على كراسي الحكم وفي محافل الإسلام السياسي والإسلام المتطرف الذي ينطلق أيضاً من "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ " ( ألأنفال 60) مفسرين هذه الآية حسب ما توحي به إليهم عقولهم المريضة لتبرير الإرهاب وقتال كل مَن لم يسر على نهجهم البالي المتخلف . لقد برز خلال الأيام الماضية مثل هؤلاء المجرمون بعنجهية فارغة على الساحتين العربية والإسلامية . هذا البروز الذي يُنبي باسمرارهم على نهج الجريمة وعدم عزوفهم عنه حتى وإن إضطرتهم بعض الظروف لأن يقولوا ، بانتهازية ووقاحة ، ما لا يؤمنون به أصلاً من التظاهر بحب الغير والتسامح والتوجه لعمل الخير .
فعلى الساحة العربية غضب الحاكمون الطغاة في مصر وثارت ثائرتهم على التصريحات التي أطلقها الفاتيكان مؤخراً ، مطالباً بها ، على لسان البابا ، الدول التي يلاقي فيها مواطنوها المسيحيون أنواعاً من القمع والإضطهاد والقتل والتشريد ، دعى هذه الدول لأن تبذل جهوداً أكثر لحماية مواطنيها هؤلاء وضمان حياتهم ووممتلكاتهم ودور عبادتهم . الحكام المصريون إعتبروا هذه التصريحات تدخلاً في شؤونهم الداخلية التي لا يسمحون لأحد المساس بها . وعلى هذا الأساس إستدعت الحكومة المصرية ممثلها لدى الفاتيكان كتعبير عن هذا الإحتجاج الرافض للتدخل في شؤونها الداخلية . إن مثل هذا التصرف القبيح من جانب الحكومة المصرية إن دل على شيئ فإنما يدل فعلاً على تلك العنجهية الفارغة التي يظهر بها أصحابها بمظهر أولئك المجرمين الذين يحسبون تصرفاتهم هي الصحيحة دوماً وإنهم الأعلون ، وأن أي إنتقاد يوَجه إلى مثل هذه التصرفات الإجرامية ما هو إلا في سبيل الإنتقاص من كرامتهم وشجاعتهم وتمسكهم بمواقفهم الإجرامية هذه . مثل هؤلاء الحكام الذين يحاولون تغطية عجزهم عن إدارة الدولة والسيطرة على أمن المواطنين وممتلكاتهم ودور عبادتهم ، لا يمكن تصنيفهم خارج فصائل المجرمين الخطرين الذين يعبرون عن عجزهم في التعامل مع من حولهم بحكمة وحصافة من خلال إستمرارهم وتأكيدهم على سلوك الجريمة التي تغطي على سابقتها ليصبح مسلسل جرائمهم مبعث فخر لهم من جهة والدليل الذي لا يقبل الشك على دوام هبوطهم إلى الحضيض بأعين مخالفيهم من الجهة الأخرى .
أن السلوك الطبيعي الذي يمكن أن يتوقعه أي عاقل في مثل هذه الحالات العصيبة التي يمر بها مواطنو أي بلد يعيش قتل وملاحقة مواطنيه هو أن يبادر حكام هذا البلد ، خاصة كبار المسؤولين منهم في الدولة ، إلى ألإعتذار لمواطنيهم عامة وللذين تعرضوا للأذى بشكل مباشر أولاً ، ولطمأنة العالم ، خاصة إذا ما تعلقت الجريمة بسبب الإنتماء الديني ثانياً ، إلى أن الدولة ستعمل على معاقبة المجرمين ومنع حدوث مثل هذه الجرائم وتشكر كل الذين سيقدمون العون لها في هذا المجال سواءً جاء هذا العون من الداخل أو الخارج ، وسواءً كان على شكل مساعدة ميدانية أو نصائح وتوجيهات يمكن الإستفادة منها في هذا المجال. كما أنه من المنطقي جداً أن تكون مثل هذه الدولة مستعدة لتقبل النقد الذي يشير إلى ألأخطاء لتقويمها وإلى الخلل في أجهزتها الأمنية بغية التقويم ، ولعدم الوقوع بها مرة أخرى والتي قد تؤدي إلى وقوع جرائم مماثلة أو أكثر قبحاً في المستقبل . إلا أن هذا كله لم يحدث من جانب السادة الحاكمين في مصر الذين إستقبلوا طلب البابا الشرعي والذي يطلبه أي إنسان من حكومة مصر بأن تبذل سعياً أكثر للحفاظ على حياة مواطنيها هي بالذات ، إستقبلوا مثل هذا الطلب الإنساني بعنجهية البداوة وعجرفة التعصب القبلي وكأنهخم يعيشون في عالم لا يُسمح لأحد فيه أن يقول لهم " على عينك حاجب " كما يقول المثل . إنهم بمثل هذا التصرف الأهوج يحاولون تغيير مجرى التفاعل مع الجريمة البشعة ضد مواطني بلدهم وعكسه على تلك الجهات التي وصفوها بالتدخل في شؤون هذا البلد . وما ذلك إلا الدليل الواضح على عجز حكام كهؤلاء حتى عن التعامل مع العالم الذي يعيشون فيه ولا يعلمون بأي خطاب يواجهونه في مثل هذه الظروف التي تُرتكب فيها أعتى الجرائم في بلدهم .
أما على الساحة الإسلامية التي يصول ويجول بها اليوم رواد الفكر الجاهل المتخلف من دهاقنة الإسلام التكفيري ودعاة إلغاء الغير الذي لا يدين بتأويلاتهم ولا يؤمن بتخريجاتهم التي جعلوا الدين من خلالها كبضاعة تخضع لمزاجهم بطريقة ووقت عرضها في أسواق تجارتهم للدين الإسلامي وما جاء به من ثوابت تدعوهم وغيرهم إلى ألإلتزام بها وفي مقدمتها تحريم قتل النفس ، اي نفس . فما بالك وهذه العصابات التي تجوب اليوم شوارع المجتمعات الإسلامية لتقتل الذين ليست على شاكلتهم من مسلمين ومسيحيين وصابئة وأيزيدين وشبك وكل الملل والطوائف الأخرى المسالمة التي لم تتعرض في يوم من ألأيام بأي سوء ، لا لأفراد هذه العصابات الإجرامية ولا إلى تنظيماتهم الظلامية . وعلى هذا الأساس يسقط شرعاً ما يسمونه بالجهاد الواجب عليهم وعلى أمثالهم كأسلوب للدفاع عن النفس والدين . فماذا يعني شغفهم بالقتل إذن ولماذا كل هذا الإرتباط بالجريمة ؟
يكمن السبب الأول في الفكر الظلامي المتخلف الذي يخيم على عقول هؤلاء والذي أدى إلى عزلتهم عن المجتمع الذي لم يلقوا فيه أذناً صاغية لطروحات تخلفهم الفكري هذا إلا عن طريق العنف وارتكاب الجريمة ومواجهة المنطق العلمي الناقد بالعنف الهمجي . ولا غرابة من تصرفات كهذه تصدر من مجموعات لا تملك إرادتها بنفسها ، بل إنها خاضعة للترديد الببغاوي الذي لا تعيه . إلا أن ضمور عقولها لا يأخذها أبعد من تصديق هذه الأوهام وتوجهها اللإنساني البعيد عن كل مقاييس الأخلاق .
كما يكمن السبب ألآخر ، الذي تبلور من خلال تخلفهم الفكري وعزلتهم ، في سقوطهم الأخلاقي الذي أصابهم بمرض الشذوذ عن طبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه والذي تربي على مبادئ الأخلاق والعلاقات الحميمة بين الجار وجاره والصديق وصديقه ناهيك عن علاقات القرابة والصلات العائلية التي إرتبطت بها بعض هذه المجتمعات خاصة الصغيرة منها والتي تمتد جذورها إلى أزمان العشائر والأنساب التي سادت ثم بادت ولا زالت سائدة حتى اليوم في كثير منها.
مثل هذه المجموعات التي خرج ناعقوها في الباكستان ليهاجموا طلب البابا الذي حثَّ فيه الدول الإسلامية التي يتواجد فيها المسيحيون على بذل المزيد من الجهود للحفاظ على أرواح وممتلكات ومقدسات مواطنيهم المسيحيين هم لا مواطني أي بلد آخر . هذه الزمر التي تستكثر اليوم على البابا هذا الرجاء الذي جاء بدون أي مساس بالمشاعر والمعتقدات، هي نفسها التي تملأ الدنيا بأكاذيبها حول إضطهاد المسلمين في دول الغرب ذات السيادة الدينية المسيحية وذلك لمجرد التطرق إلى ما يقوم به بعض شذاذ الآفاق من أعضاء أو مؤيدي هذه المجموعات في الغرب وتجاوزاتهم على الحريات العامة وقوانين تلك البلدان التي لجأ إليها ناكرو الجميل هؤلاء من ملاحقات أنظمتهم الإسلامية ، فوجدوا عند هذه الدول التي لجأوا إليها كل الإحترام وتلقوا المساعدات المالية والصحية والخدمية التي لم يحلموا بالحصول على عشر معشارها في المجتمعات الإسلامية التي فروا منها . فلمجرد تطرق إحدى دول الغرب إلى أي موضوع يخص الجالية الإسلامية في بعض هذه الدول بغية تنظيم أمورها وفق قوانين ذلك البلد ، تثور ثائرة متخلفي العصابات الإجرامية مقترنة بالسباب البذيئ على الديانة المسيحية ووصف مجتمعاتها بالكفر والإلحاد ولصق كل تهم الفساد والإنحطاط في هذه المجتمعات التي يقتات على فتاتها كل أولئك الذين يعيشون في هذه البلدان ويتصرفون كمن يعمل على قطع غصن الشجرة الذي يجلس عليه .
إن هذه العصابات الإجرامية التي تخطط لتصعيد الجريمة لتقترف جريمة أشد وأقسى بعد كل جريمة إرتكبتها لا تعبر إلا عن توغل الفكر الإجرامي في كل أفكارها الظلامية الشريرة وفي كل تصرفاتها الهمجية وفي كل علاقاتها الإجتماعية وفي كل تربيتها التي تسميها دينية، وما هي إلا عمليات غسل أدمغة وحشوها بكل مقومات الجريمة ليس إلا .
كما أن هذه الجرائم التي تنصب اليوم على المواطنين المسيحيين ما هي إلا الإستمرار المكشوف والواضح لجرائم نفس العصابات التي نالت منتسبو الديانات الأخرى بالأمس وسوف تنالهم وتنال غيرهم في المستقبل أيضاً ، إذ أن مثل هذه العصابات الإجرامية البائسة سوف لن تكف عن سلوك طريق الجريمة هذا إلا باستئصالها من المجتمعات التي تعشعش فيها في أوكار ظلامها ودياجير تخلفها .
الدكتور صادق إطيمش



#صادق_إطيمش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاء التأنيث أللعينة ...
- التيار الديمقراطي العراقي بين الشك واليقين
- بحث البطون وبحث العقول
- خطاب العقل وخطاب القتل
- اليعقوبي يفتي لنفسه
- نعم...نحن بعض المأجورين...فمَن أنت يا رئيس مجلس محافظة بغداد ...
- قوانين الدكتاتورية في خدمة ديمقراطية الملالي
- فرسان جُدد لحملة قديمة ...
- الأعراب أشد كفراً ونفاقاً (التوبة 97) وعائض القرني خير مثال ...
- صورة واحدة لطا غيتين
- ايها الكورد ...البعثيون قادمون لكم ، فتأهبوا لأنفال جديدة
- المقصود كان عيد الأضحى .... إصبروا فالعجلة من الشيطان
- شيئ من الفلسفة ... فلسفة المرأة مثلاً
- الدولة الدينية دولة دكتاتورية شاءت ذلك أم أبت
- إنقاذ عمال المنجم المنهار في شيلي درس حي في إحترام الإنسان
- مع الحوار المتمدن دوماً
- الموقع الإعلامي الحر روج تي في سيستمر صوتاً هادراً للشعب الك ...
- تمديد الثورة الكوردية لوقف إطلاق النار .... محتواه وأبعاده
- تصرفاتكم أخجلتنا ....فمتى تخجلون أنتم يا ساسة العراق ...؟
- كفوا عن هذا اللغو البائس


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق إطيمش - عنجهية المجرمين