صلاح عدلى في حوار مفتوح استثنائي مع القارئات والقراء حول: اليسار والعلمانية والأحداث الأخيرة في مصر.


صلاح عدلى
الحوار المتمدن - العدد: 3246 - 2011 / 1 / 14 - 00:35
المحور: مقابلات و حوارات     

أجرى الحوار: فواز فرحان

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 23 - سيكون مع الأستاذ صلاح عدلى  القيادي بالحزب الشيوعي المصري حول: اليسار والعلمانية والإحداث الأخيرة في مصر.


1- حول موقف الحزب الشيوعي المصري من حادث تفجير كنيسة القديسين بالاسكندرية وتداعياتها .


أصدر الحزب الشيوعي المصري بيانا يدين بشدة الحادث الارهابى البشع أمام كنيسية القديسين عشية أعياد الميلاد والذى راح ضحيته أكثر من مائة مصري ما بين قتيل وجريح والذى استهدف القتل علىالهوية الدينية بهدف ترويع المسيحين واشعال فتنة طائفية تقضى على الاخضر واليابس ،مستغلا وجود مناخ يؤجج العنف والتعصب الطائفى منذ سنوات عديدة وخاصة فى الاسكندرية التى شهدت العام الماضى العديد من المظاهرات لقوي سلفية تحت سمع وبصر قوات الامن مما اشاع مناخ من التعصب الطائفى وتأجيج نيران الكراهية ضد المسحيين والكنيسة ولا شك ان الدولة وفرت عبر ممارستها الطائفية وعبر سياساتها الاجتماعية والاقتصادية مناخ مواتى لمثل هذه الحوادث الكارثية وصولا الى فرض ممارسات كرست التمييز الدينى ضد المسيحين فى التعليم والاعلام والوظائف العليا اضافةالى التراخي فىة محاسبة الجناة فى حوادث سابقة كالكشح ونجح حمادي فرغم حدوث عشرات الجرائم الطائفية منذ عام 72 الذى شهد بداية الحوادث المؤسفة وحتى حادث نجح حمادي لم يقدم متهم واحد للمحاكمة واكتفت أجهزة الامن والمسئولين بالجلسات العرفية وغاب القانون وغابت كل قيم المواطنة وسيادة القانون .

ولا شك ايضا ان جماعات الاسلام السياسى كلها ساهمت فى هذا المناخ المتعصب عبر ممارستها التكفيرية ودعوتها الى الدةلة الدينية وتبنى المذهب الوهابى المتعصب فى المؤسسات الدينية التى تبنت برامج الطائفية وتحض على كراهية الاخر .

- لقد أكدت كل التجارب والاحداث السابقة ان الارهاب لا ينجح الا اذا وجد مناخا مواتيا فى الداخل وتدل المؤشرات الى ان الحادث الاخير قد تكون ورائة اصابع المنظمات الاسلامية الارهابية الدولية كالقاعدة أو بعض الخلايا الارهابية النائمة منذ نهاية التسعينات ولكن هذة المنظمات لا تستطيع ان تمارس ارهابها الاجرامى بدون تجنيد عناصر محلية وهذة العناصر تتوفر اذا كانت هناك بيئة حاضنة ومواتية لتفريخ هذه العناصر وهذه البئية متوفرة بامتياز فى مصر ويتحمل المسئولية الاساسية عن ذلك نظام الحكم والتيارات الاصولية المتعصبة والسياسات التى ادات الى زيادة البطالة والتهميش والفقر والتمييز الدينى والطبقى لان هذه الظروف توفر المناخ لترسيخ ثقافة الموت والانتحار والارهاب والعنصرية والاستبعاد الاجتماعي
- ان الحكومة تريد ان تغسل يديها من مسئوليتها بالقاء عبء الجريمة الارهابية على الخارج ورفضها كل المطالب التى تطالب بها الاحزاب الديمقراطية والمنظمات واللجان لايقاف هذا المسلسل المرعب وأول هذه المطالب هو اقرار قانون دور العبادة الموحدواصدار تشريع يجرم الممارسات التى تحض على الكراهية والعنف والتميز بين المواطنين وتنقية مناهج التعليم واقرار سياسة بديلة فى الاعلام والتعليم ترسخ قيم المواطنة والمساواة بين المواطنين أمام القانون وتحترم حرية العقيدة وتقدم المسئولين عن هذه الجرائم الطائفية لمحاكمات عاجلة ومحاسبة المسئولين المقصرين.

ولابد من اتاحة الفرصة للمواطنين والقوي السياسية ومنظمات المجتمع المدنى للتعبير عن موقفها الرافض للتعصب الدينى والارهاب لان مشاركة الجماهير فى مواجهة الارهاب والتعصب هو الاساس المتين الذى يمكن ان يشكل سدا منيعا ضد تصاعد الاحتقان الطائفى اما الاكتفاء بدور الامن لحل المشكلة فانه لم يؤدى الا الى تفاقمها وتصاعد وتيرتها .

وهذة الاجراءات ضرورية لمواجهة هذا المناخ على المستوي القريب والعاجل أما على المستوي البعيد والاستراتيجى فنحن نطالب بتغيير المادة الثانية من الدستور والغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية وتاكيد مبادئ الدولة العلمانية المدنية التى تضمن تحقيق مبدأ المواطنة وهذا لن يتحقق الا من خلال نضال ديمقراطي واجتماعي واسع من أجل انتزاع الحقوق الديمقراطية للشعب المصري التى تضمن حقة فى اختيار حكامه بشكل ديمقراطي وتحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية فى اطار مشروع وطنى لن يتحقق الا فى اطار حكم وطنى ديمقراطي بديل .


ورغم ان هذا الحادث الارهابى الاخير وتصاعد الممارسات الطائفية يؤدى عادة الى حرف أنظار الجماهير عن قضاياها الحقيقية فى النضال ضد البطالة والخصخة والغلاء وانتزاع المطالب الديمقراطية كما ان اللعب علىاوتار الطائفية والتعصب تلجا الية باستمرار الحكومات الاستبدادية فى الازمات الكبري .الا ان هذا الحادث الارهابى الاخير ادى الى خروج الالاف من الاقباط فى مظاهرات خارج سلطة الكنيسة وفى مواجهة ممارسات وسياسات الحكومة للتعبير عن غضبه المتراكم عبر سنوات عديدة وخرج بعضها عن النطاق الطائفى الضيق الى النطاق الوطنى العام بتضامن المسيحين مع المسلمين فى العديد من من هذه المظاهرات مما اثار غضب الدولة والكنيسة مع معا وهو ينذر بان قطاعات متزايدة من المسيحيين قد تنضم فى المرحلة المقبلة الى الحركات الاحتجاجية التى تطالب بالديمقراطية والمساواة وتغيير الاوضاع الديكتاتورية السائدة .


2- حول خسارة الاخوان فى الانتخابات والعلاقة مع قوى واحزاب الاسلام السياسى .


نحن نري ان الانتخابات البرلمانية الاخيرة هى اسوأ انتخابات فى التاريخ المصري وان مجلس الشعب هو مجلس باطل قانونيا وسياسيا وان التزوير قد شاب العملية الانتخابية بالكامل ، وبالتالى فان خسارة الاخوان المسلمين وتقزيم المعارضة وانفراد الحزب الحاكم بكل مقاعد البرلمان تقريبا قد تم كله من خلال عملية تزوير صارخة وفجة ...
والذى نجح بديلا عن الاخوان ليس القوي العلمانية والديمقراطية ولكنهم رموز واعضاء الحزب الوطنى المعادى للديمقراطية والدولة المدنية ويكفي ان نذكرفى هذا الصدد الاعداد الكبيرة من رجال الاعمال ورجال الامن وشخصيات اخرى متهمة بتأجيج العنف الطائفي نجحت عن الحزب الوطني لكي نتأكد ان ما حدث ليس له اى دلالة سوى مصادرة حق الشعب المصري وسد كل قنوات التغيير الديمقراطي امامه عبر الانتخابات
اننا نعتقد ان شعبية الاخوان قد تراجعت لعدة اسباب منها أداءهم السياسي العام ومواقفهم فى مجلس الشعب وتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية التي لم يلعبوا فيها اى دور حقيقي ولكن هذا تراجع نسبي بينما اسقاطهم بهذا الشكل يعود فى الاساس الى التزوير الفاضح ضدهم .
أما بالنسبة لعلاقتنا مع قوى واحزاب الاسلام السياسي فان موقفنا الاساسي الذى اعلناه منذ عام 1990 مازال صحيحا والذين يتلخص فى ضرورة العمل على بلورة بديل وطني ديمقراطي
فى مواجهة كل من استبداد الحكم وقوى الاسلام السياسي وخاصة الاخوان المسلمين لأن الاخوان هم اقصى اليمين وهم لا يختلفون فى توجهم الاجتماعي والاقتصادي عن توجهات السلطة بالنسبة لسياسات الليبرالية الجديدة التي يتبناها الحكم ، ونحن لا نتحالف معهم بل ننسق فى بعض القضايا الخاصة بالديمقراطية وانهاء حالة الطوارىء وضد ممارسات التعذيب ومن اجل ضمانات انتخابات حرة ولكننا فى هذا الاطار نختلف معهم ايضا فى سعيهم لأقامة الدولة الدينية وموقفهم المناهض لحرية الفكر والاعتقاد والتعبير والابداع.
ان مشكلة الاخوان فى كل التحالفات التي تمت معهم فى السنوات الاخيرة يتلخص فى انهم يعملون فيها بشكل انتهازى حين تتأزم ظروفهم وهم لا يسعون الا لمصلحتهم الخاصة وتحقيق اهدافهم المباشرة وبالتالي فإن ازمة المعارضة حتى الان هى عدم توحدها فى بلورة هذا البديل الوطني الديمقراطي فى مواجهة استبداد الحكم ورجعية الاخوان فى نفس الوقت .

3- دور الحزب فى تحفيز الحوار بين القوى اليسارية والعلمانية


سعى الحزب الشيوعى فى تشكيل التحالف الاشتراكي عام 2007 والذي يضم عددا من المنظمات اليسارية بالاضافة الى عدد من اشخصيات العامة اليسارية ورغم قيامه بنشاط ملموس فى بعض القضايا وخاصة مسألة تحديد الحد الادني للاجور( ب1200 جنية )الا ان اداؤه العام ضعيف وغير محسوس وهذا يعود الى ضعف اطراف اليسار بشكل عام ومواقف بعض الاطراف التي تعلى من شأن الاختلافات على حساب توحيد الصفوف .
ونحن حاولنا من خلال مجلة افاق اشتراكية ان نفتح حوار حول عدد هام من القضايا : العمل مع العمال والطلاب والموقف من العولمة ومن الهجمة الامبريالية الصهيونية وقضايا الديمقراطية وقد شارك فى هذه الحوارات كل اطراف اليسار الا انها ظلت عند حدود الاجتهادات الفكرية والسياسية ولم تتعداها الى مواقف عملية نضالية مشتركة .
نحن نسعى الى عودة اليسار كقطب فاعل فى الحركة السياسية المصرية وان يكون النواة الفاعلة لتشكيل تحالف وطني ديمقراطي كبديل ثالث عن الاستقطاب الجاري فى المجتمع بين نظام الحكم الاستبدادي وجماعة الاخوان المسلمين.
ومن جانب اخر فإن بعض مواقف حزب التجمع تعمق من ازمة اليسار بدلا من ان تكون رافعة وخاصة موقفه الاخير من عدم الانسحاب من جولة الاعادة فى انتخابات مجلس العشب واقتراب بعض مماراسات قيادته من السلطة وحصر تحالفاته فى احزاب المعارضة الرسمية بدلا من تركيزه على التحالف مع قوى اليسار


4- حول دور الحزب واليسار فى الحركات والاضرابات العمالية والاحتجاجات الجماهيرية وفى معركة التغيير


رغم ان اليسار يلعب دورا هاما فى الحركات العمالية والاحتجاجية الاخيرة بداية من اضراب عمال المحلة 2006 ولجنة الحق فى الصحة التى وقفت ضد خصخصة التأمين الصحي وكان لها دورا هام فى تأجيله عدة سنوات ، واتحاد اصحاب المعاشات وغيرها ، الا ان السمة العامة لهذه للحركات الاحتجاجية حتى الان هى انها جزئية ومطلبية وعفوية وانها تحدث فى موجات متفرقة ثم تخبوا وتبدأ فى مواقع جديدة بعد فترة وهكذا دون تواصل واستمرا كما يحدث فى تونس الان .
وهذه القضايا وهذه الحركات هى الارضية الاساسية التى يمكن ان تشكل محور عمل اليسار واساس نهوضه فى المستقبل لأن حزبنا وقوى اليسار هم القوى الوحيدة التي تمتلك برنامجا واضحا لصالح هذه الفئات والطبقات رغم محاولة الاخوان وبعض القوى الليبرالية مؤخرا ركوب الموجة.
الا ان ضعف تواجد قوى اليسار وسط هذه الطبقات والفئات الشعبية وتشتت جهوده ما بين التركيز على قضايا الاصلاح الديمقراطي الليبرالي وما بين العمل فى القضايا الاقتصادية والاجتماعية كل هذا ادى الى عدم ارتقاء هذه الحركات العفوية والمطلبية الى مستوى المطالب السياسية العامة حتى لو كان طابعها اقتصادي اجتماعي كالنضال ضد البطالة وخصخصة التأمين الصحي وضد خصخصة الشركات وضد الفساد وارتفاع الاسعار مثلما يحدث فى تونس والجزائر اليوم.
كما ان غياب منظمات نقابية واتحادات عمالية وطلابية مستقلة نتيجة حصار الدولة وقمعها لأى محاولات لتشكيلها ادى الى تشرزم هذه التحركات وعدم وجود قيادات قادرة على توحيد هذه الحركات وتطوير شعاراتها.
الا اننا نتوقع اتساعد مدى هذه الحركات الاجتماعية خاصة وسط العمال والطلاب والشباب فى المرحلة المقبلة وتصاعد وتيرتها وتطور مستواها كما نأمل ان يستطيع اليسار تطوير مواقفه وتوحيد جهوده حتى يمكن الارتقاء بهذه العملية الى مستوى التحركات المستمرة والمتصاعدة فى اتجاه التغيير الذي تطمح اليه جماهير شعبنا.
لقد اكدت نتائج المهزلة الانتخابية صحه موقف حزبنا الذي اعلنه منذ شهر يوليو الماضي وطالب فيه بمقاطعة الانتخابات الى جانب عدد من القوى المعارضة والجمعية الوطنية للتغيير والحقيقة ان ما حدث من هيمنة شبه مطلقة للحزب الحاكم وتقزيم غير مسبوق لقوى المعارضة فى البرلمان يؤكد اننا امام مرحلة جديدة تبشر بديكتاتورية صريحة بدون اقنعة لعصبة من رجال الاعمال والفاسدين يتم فيها الاطاحة بالتعددية الشكلية المقيدة وبالهامش الاعلامي والديمقراطي المحدود والتمهيد لعملية توريث الحكم او التمديد لمبارك بالاستناد المباشر لقوى القمع والدولة البوليسية.
وفى ضوء ادراكنا لخطورة هذه المرحلة على مسار التطور السياسي والديمقراطي فإننا نرى ان ساعة الفرز الحقيقى لمواقف احزاب وقوى المعارضة قد حانت فإما ان تقف مع الشعب وقواه الوطنية فى معركته من اجل التغيير فى مواجهة النظام الحاكم واما أن تقبل بدور المحلل والكومبارس فى مسرحية التوريث القادمة.

لذا فإننا نطالب بتشكيل تحالف وطني ديمقراطي يوحد صفوف المعارضة وفضح هذا المجلس المزور واثبات بطلانه ونزع الشرعية عنه وانتهاج طريق النضال الشعبي الديمقراطي واستخدام كل الوسائل الديمقراطية ابتداء من جمع التوقيعات وصولا الى العصيان المدني لفرض التغيير الحقيقي الهادف الى انتزاع الحرية والديمقراطية واقامة عدالة اجتماعية وانقاذ مصر من التبعية لصالح الاغلبية العظمى للشعب المصري من الكادحين والفقراء لا مجرد تغيير ليبرالي شكلي.