|
تشابهت الأخطاء في السودان و النتيجة واحدة
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 3245 - 2011 / 1 / 13 - 20:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
الشرط الأول لشرعية الإقتراع بشأن مستقبل جنوب السودان تحقق ، حيث أدلى ستون في المائة من المسجلين في قوائم الإقتراع بأصواتهم بالفعل ، و ذلك في الإستفتاء الذي سيقرر مستقبل جنوب السودان . النتيجة واضحة فالسودان سينقسم إلى دولتين قريباً - لوسارت الأحداث في مجراها المنطقي ، و في سلام - و لا يعد توقع ذلك إستباق للأحداث ، أو رجما بالغيب ، لأن الجنوبيين لو كانوا غير راغبين في الإنفصال لما ذهبوا للإقتراع في الأصل ، و لكان في المقاطعة الكفاية لإبطال الإقتراع ، و بقاء السودان موحد . بالتأكيد أتمنى أن يظل السودان دولة واحدة عادلة ، فكيف لي أن أتمنى العكس ، بينما أتمنى لو كانت مصر و السودان دولة واحدة ؟؟؟ عادلة ، و هي كلمة وضعتها في الجملة السابقة على هذه الجملة ، تدل على تفهمي لدوافع الجنوبيين في الإنفصال . لقد فشل الشمال السوداني ، أو بقول أدق : معظم أنظمة الحكم في السودان ، منذ إستقلال السودان ، و إلى اليوم ، و هي الشمالية في هويتها السودانية المحلية ، في إقامة دولة عادلة يتساوى فيها جميع مواطنيها في الحقوق ، و الوجبات ، على أرض الواقع ، و هذا هو المهم : أن يتساوى الجميع في حقوقهم ، و واجباتهم ، على أرض الواقع ، و ليس فقط في النصوص الدستورية ، و القانونية ، و في المقالات ، و الخطب . و لكن قبل أن أفرط في لوم الشماليين السودانيين لتسبب بعض المنتمين إليهم في تقسيم السودان ، أرى أن نتذكر نحن المصريين أخطائنا في السودان في القرن التاسع عشر ، أو لأقل أيضا : أخطاء السلطة المصرية في السودان على عهد الخديوية . التاريخ الفعلي لإنفصال السودان عن مصر - و كما أرى - ليس هو التاريخ الرسمي لإستقلال السودان . التاريخ الفعلي ، الذي قرر فيه السودانيون الإستقلال عن مصر ، هو يوم دخلت قوات السيد / محمد أحمد ، المعروف بالمهدي ، الخرطوم . لم يكن الإعلان الرسمي عن إستقلال السودان في خمسينيات القرن العشرين ، إلا تأكيد لرغبة أعلنت عمليا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، و الأسباب الحقيقية التي دفعت شعب السودان للثورة المسلحة على الحكم المصري ، تحت قيادة السيد / محمد أحمد ، تكاد تكون هي نفس الأسباب الحقيقية التي دفعت الجنوب السوداني للتمرد في ثمانينيات القرن العشرين ، أي بعد مائة عام تقريبا من إندلاع الثورة السودانية المهدية . مثل نظرة نظام البشير للجنوب السوداني ، لم ينظر نظام الحكم المصري للسودان في العهد الخديوي ، و قبل إندلاع الثورة المهدية ، إلا على إنه بقعة جغرافية ليس لنظام الحكم إلا إستغلالها إقتصاديا ، دون الإهتمام بقاطني تلك البقعة . و كانت الإدارة الرسمية المصرية للسودان في ذلك العهد في أسوء أشكالها ، فقد كان السودان منفى للموظفين المصريين المغضوب عليهم ، و كان من النادر أن يذهب موظف رسمي مصري للعمل في السودان برغبة نابعة من داخله . إستشراء الفساد كان النتيجة الطبيعية لسوء الإدارة ، و كما في أي فساد إداري في العالم ، كانت الطبقات السودانية البسيطة هي أكثر من إكتوت بنار ذلك الفساد ، و لذلك كانت أشدها تأييدا للثورة المهدية ، و إنخراطا في صفوفها . التمييز العنصري السلبي بحق السودانيين ، كان أيضا أحد معالم الحكم المصري في ذلك العهد ، فلم تهتم الإدارة المصرية في عهد الخديوية برفع المستوى العلمي للسودانيين ، فبينما كان الخديو إسماعيل ينفق بإسراف ، لا تتحمله مالية مصر ، لتحويل مصر لقطعة من أوروبا - و لو في المظهر - لم يهتم بترقية حال الشعب السوداني في عمومه . النتيجة لذلك التهميش ، و الإهمال ، المتعمدين هو غياب طبقة سودانية متعلمة تعليم حديث تضارع المصرية ، فكان أن غلبت العناصر المصرية ، و الأتراك الممصرين ، و الأوروبية ، على الجهاز الإداري في السودان في العهد الخديوي ، و شعر السودانيون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في بلادهم . لا يمكن أيضا نسيان جريمة تجارة الرقيق ، و التي دفع ثمنها السودانيين الجنوبيين ، و هي الجريمة التي توقفت فقط نتيجة ضغوط أوروبية ، و بخاصة من جانب بريطانيا ، و لم تتوقف للأسف برغبة مصرية . هذه بعض أخطائنا في السودان ، و بوضع عامل الزمن في الإعتبار عند المقارنة ، فإن بالإمكان القول : أن أخطاء الشمال السوداني بحق الجنوب السوداني ، تشابه نفس أخطاء مصر زمن الخديوية بحق السودان بأكمله ، و النتيجة واحدة : تمرد مسلح ، يتلوه إستقلال . أتمنى أن يتعلم الشمال السوداني من أخطائنا ، و أخطائه ، فينتبه حاليا إلى أن السبب الرئيسي لتمرد سكان دارفور هو التهميش . العدل أساس الملك ، و عندما يغيب الأساس ينهار الملك حتما ، كما ذكرت في مقال سابق .
المنفى القسري : بوخارست - رومانيا
ملحوظة : حول التمييز يمكن الإطلاع على مقال : في مسألة التمييز ، لماذا لا نعدل فتأمن مصر ؟ و يوجد أيضا كتسجيل صوتي في قناة حزب كل مصر في يوتيوب : allegyptparty .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تقلق يا زين ، فالإخوان أقصاهم سياسياً المباركة
-
هل يملك آل مبارك أنفاق في رفح ؟
-
العراق بين الذئاب
-
المراقب الأهلي الأجنبي ممكن أن يكون تركي أو عراقي أو برازيلي
-
ليس منا من يمارس العنف ، أو يهدد به ، أو يروج له
-
الكوارث الطبيعية نادراً ما أسقطت الكيانات السياسية
-
أتحسر على سقوط الديمقراطية الأولى و لا أتحسر على سقوط أسرة م
...
-
غرس و تنمية الوعي الديمقراطي هدف هذه المرحلة
-
بدون عنف ، لكن لا يجب أن تمر في هدوء
-
دولة ولاية الفقيه لم تنفع متبعي الفقيه الجعفري
-
الإندماج كله فوائد و غير مكلف
-
عندها يجب محاكمة أبو جيمي و سيده
-
تذكر أن والدك كان لاجىء و أن جدك كان مطارد
-
علينا أن نطالب بالعدالة و أن نمارسها
-
حتى لا يرث جيمي مبارك نفس العقدة
-
د. بيار زلوعة و فكرة النقاء الجيني الذكري الفينيقي
-
هل ستغلق القلوب أيضا ؟
-
إنه قصور في الرؤية لدى حماس
-
هل حلال للأتراك و حرام على المصريين ؟
-
كان أفلح مع عرابي و عبد الناصر
المزيد.....
-
ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف
...
-
صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
-
-الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت
...
-
روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم
...
-
-بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر
...
-
-حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م
...
-
تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
-
البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ
...
-
-بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض
...
-
علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|