أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايليا أرومي كوكو - ...! السفر في أعماق الذات















المزيد.....



...! السفر في أعماق الذات


ايليا أرومي كوكو

الحوار المتمدن-العدد: 3245 - 2011 / 1 / 13 - 20:04
المحور: الادب والفن
    


::


السفر في أعماق الذات ...!
ايليا أرومي كوكو
[email protected]

اليوم هو يوم الاحد الموافق التاسع من يناير 2011 م



السودان صبيحة التاسع من يانير 2011م


اجده يوماً يبدأ بكل التناقضات السودانية
بعضهم فرحين به جداً درجة الغبطة و الاندهاش فهنيئاً لهم و يا لسعدهم و بهجتهم
أدام الله لكم الفرح و الخير و السلام ..
بعضهم الاخر حزين جريح مكسور الجناح
بائس يأس فاقد الامل محتار مشتت الافكار
جبر الله كسركم و لا أراكم مكروهاً في وطن ضاع
***
بالنسبة لي هو يوم اجد فيه نفسي عاجز كل العجز
الان اعرف جيداً معني فقدان البوصلة ...
فقد ضاع بوصلتي
اكاد ان افقد كل حواسي
انا لا أحس شيئاً
انا لا أري في الافق ضوءاً
كالاعمي اشعر انني اتغبط في ظلام متناهي
كما لو أنني افقد رائحة وطن أحبه و أموت فيه
أحاول ان أمسك شيئاً
الكون حولي أضحي فضاء غريب
و انا هنا في فضائي كائن او عنصر غريب ..
***
اليوم يوم هو يومكم يا صحابي
فيه يحق لكم ان تبتهجوا ما شئتم
فطوبي لكم ان نلتم ما كنتم تبغون
و حري بنا ان نفرح ايضاً معكم
فرحاً مع الفرحين
و للفرح وقت .. اذاً افرحوا
يكفي الان ان ننسي معاً كل ماضي الاحزان
لنبتهج معاً بالنصر .. بالحرية
أملين ان يكون اليو م و الغد
يوم أفضل ..!


السفر في اعماق الذات
******
قصة قصيرة
يقولون سافر ففي السفر خمس فوائد (تفـرج هـم واكتسـاب معيشـة
وعلـم وآداب وصحبة ماجـد) اما السفر عندي فهو لحظات اجد فيها مساحة لنفسي فأغوص في اغوارها العميقة السحيقة .. هي لحظات و اوقات سعيدة اتحدث فيها الي ذاتي بصدق و صراحة ووضوح و مكاشفة .. فزحمة الحياة اليومية و اللهث الشديد و الجري الحثيث المضني ..ان التعب و السعي الجاد وراء سبل كسب الرزق لقمة العيش اليابسة لا تدع للمرء مجالا للتفكير في ذاته بعمق و التأمل فيها بتأني .. اننا في عصر أسموه بعصر السرعة .. عصرنا هذا اربطوه خلف قطار سريع يسابق الزمن و الريح وهو لا يتوقف و لا يتعطل .. سرعة القطار الذي يجر عصرنا صار يختصر كل شي في حياتنا اليومية و نحن لا نكاد نشعر به .. يختصر الزمن و المسافة و يختصر الساعة و اليوم و السنة و يختصرنا نحن و الذين من حولنا .. سرعة عصرنا هذا يختصر حياتنا و اعمارنا فصرنا ندور دون ادراكنا في عبودية ألة العصر .. فكم منا اللتفت يوماً الي نفسه ليعي فجأة يعلم بأن كل ما حوله قد تغير .. خذ مرأة و استفرد بذاتك بعيداً عن اعين المتطفلين ، خذ راحة كاملة مع نفسك لتقف وجهاً لوجه مع حقيقة ذاتك .. ثأمل جيداً في ملامح وجهك و تفرس تقاطيعها لتقرأها بدقة .. لا شك ستقول في نفسك ان هذا الوجه الذي أره امامي هو ليس بالوجه الغريب عني .. يا تري من يكون هذا الشخص الغريب القريب الذي يقف امامي ..و بالتأكيد سوف لن تسعفك ذاكرتك التي ضعفت بفعل سرعة العصر .. فالسرعة تمحو عن ذاكرتك ملامح وجهك الذي يتغير و يتبدل مع سرعة الايام و انت تركض واراء المعيشة اليومية الضنكة ..
اخرج يوماً مع ذاتك في نزهه الي السوق الكبير في مدينتكم العريقه العامرة .. فاليوم هو يوم عادي من ايام الله السبعة ، فهو ليس بيوم وقفة العيد الكبير .. انت الا في قلب السوق حركة البشر الراكبين و الراجلين ليست بعادية .. يوجد زحام في كل بقعة أرض السوق الكبير و الكل في اندفاع يسابق نفسه .. لا تستطيع ان تخطو خطوة واحد الا بحذرلا كي تدوس بقدمك احد المتسوقين .. احذر حتي تطأ برجلك بضاعة الباعة المتجولين فالعاقبة غير محمودة .. خذ حذرك فأنت ليس بمأمن من النشالين رغم علمك التام بأن جيوبك غاوية علي عروشها .. لا تحاول ان تعبر الشارع قبل ان تقدر لرجلك قبل الخطو موضعها .. حاسب علي روحك الغالية فالشباب المعجبين بعرباتهم الفارهة هم علي عجلة من أمرهم ، و لا يهمهم أرواح غيرهم البشر فعرباتهم الغالية مأمنة .. الناس في السوق الكبير كأنهم مهرولين نحو هدف لا يعلمونه ، تعرف بعضهم جيدأ .. و لكن ما ان يقع عينك اليمني علي احدهم حتي يلتفت عنك بعيداً كالمستدين الذي يتهرب من رؤية الدائن .. بعض من معارفك و اقربائك و بعض اصحابك القدامي يكلف نفسه بتحية كأنك تتوسلها منه ، ذلك لانه علي عجل من أمره .. و أنت ذاتك تتصرف مع الاخرين بذات الطريقة التي تزعجك بلا وعي منك ، لكنك تبرر تعاملك بالمشغوليه و ضيق الزمن و مبررات أخري تقنع بها ذاتك و لا تقبلها من الاخرين ..
لذلك انت بحاجة للسفر في رحلة وسياحة تقلك الي احراش و ادغال ذاتك ... و لا مانع في ان تسافراو تبحر داخل اعماقك و انت تستغل قطاراً او سفينة او طائرة او حتي عربة لوري .. فاياً كانت وسيلة السفر التي تستغلها ، فأنها ستوفر لك مكاناً هادئاً ووقتاً كافياً وجواً ملائماً مناسباً للولوج دون عناء الي ذاتك المستترة وراء شخصك الظاهر .. في هذه الرحلة حاول ان تتمتع بقدر ما تستطيع بلذة السلوة و النشوة من نفسك التي لا تعرفها جيداً .. تحدث اليها طويلاً و لا تمل منها لكن تكلم معها دون ثرثرة .. استمع اليها ملياً و كن اذناً صاغياً ولا تضجر منها ابداً .. اعبر و تمشي مع نفسك وذاتك الي دهاليزها المظلمة ، و ردهاتها البعيدة و أفحص معها معني الحياة و الوجود و الخلود ايضاَ .. أغرق معها في لج احلام اليقظة وطف في امانيها السندسيه ، لا تبقوا هنالك كثيراً .. بل طر معها وحلق في فضاءات الثريا و الي زحل و المشتري .. سافربعيداً و أرحل عن عوالم الوري الي الصحاري عساك ان تقبض السراب بيديك .. لا تبقي بين السفوح لان القمم الشماء تنتظر قدومك اليها علي بساط الريح .. النسر الجبار مفرهداً جناحيه يترقب فخامتكم مرحباً ، لاستقبالك و تتويجك ملكاً و أميراً علي مملكة وأمارة النسور و العقاب ..
وأنت تسافر مع نفسك في رحلة السفر الي الجزر النائة في ذاتك لا يفوتك الطوف في القصور الزبرجيده او ان تقضي الاصائل في الحدائق و الخمائل الورديه .. امتع بصرك و ناظريك بالافق اللا متناهي و بزرقة السماء و مد البحر الذي يلاعب رمل الساحل .. اشبع سمعك بتراتيل الطيور وزقزقة العصافير التي تغني للفجر و الصباح الاتي .. لا تسرع بالذهاب بل انتظر قليلاً لتغسل وجهك بلون قرص الشمس الذهبي عند الشروق ..
أن السفر و الرحلة في عالم النفس البشرية ممزوج ببعض الواقع و الكثير من الخيال فخذ منها ما شئت من عوالم الخيال .. أنسي و انت تصاحب ذاتك في رحلتك أنسي دنيا الواقع بكل ما فيه .. ذلك لان الواقع بأنتظارك علي نار الشوق عند نهاية هذه الرحلة ..
ها هي رحلتك مع ذاتك تقترب رويداً رويداً الي نهايتها .. الخيال يتلاشي و يتماهي بسرعه مع الشموس الحارة .. الحقائق تضتح و الواقع يتجلي بوضوح ... الرحلة انتهت .. طقس اليوم حار جاف .. هنالك زيادة في الدقيق واسعار الخبز و ... و ..


7 / 3 / 2008



في ليلة الميلاد سأشدو علي أرض و شعب السودان السلام


في ليلة الميلاد سأشدو علي أرض و شعب السودان السلام
1
يا عيد الميلاد يا بهجة كل الاعياد
يا عيد الميلاد يا فرحة الاطفال الصغار
يا عيد يا عيد يا ضحكة الاولاد الكبار
يا ترنيمة الملاك .. يا لحن جند السماء
لله الرب الالهه مجداً في السماء و العلي
للناس في العالمين والارض سلاماً و مسرة
يا شجرة الميلاد بالانوار بالالوان تزان
شجرة زيتونة السلام تحلق فوقها الحمام
يا اغصان يا افنان .. يا اصوات الترتيل
للناس السلا م و في الوطن السودان المسرة
سلام سلام .. لشعب الله في مكان و في السودان السلام

2
و طفل في المغارة بديع .. وديع حنون
يا قلب مريم العذراء و حضن أمنا البتول الرؤم
عيدنا السلام و المسرة .. يا بهجة الافراح
يا بشري السلام في هذا العام ليس في السودان السلام
فمواسم اعيادنا اليوم تحفها الاحزان تسربلها الدموع
نوح مقيم بكاء عويل .. أطفال و نساء يرحلون
صدي رنين اجراس الكنائس شجوي حزين
و نجم الميلاد في بلادي الان غير الذي كان
الاطفال الصغار هنا يرحلون و لا رعاة .. لا مجوس
الهدايا لعب الاطفال و باب نويل في ليل كئيب
اكاليل الورد باقات الزهور في وجوم و ذبول
فاسرع تعال يا طفل بيت لحم لا تترك الديار
ايها الطفل البديع الوديع .. لا تغب لا تخلف المعياد
سلام سلام .. لشعب الله في مكان و في السودان السلام

3
في ليلة الميلاد سأكون هناك مع زمرة الافلاك
في ليلة الميلاد سأراقب النجم البعيد في السماء
في ليلة الميلاد سأنتظر جند السماء في العلاء
في الليلة في المعياد سأرنم مع الملاك لا تخافوا
ولد لكم اليوم في بيت لحم طفل هو المسيح الرب
عجيباً مشيراً قديراً اباً ابدياً رئيس السلام
في ليلة الميلاد سأحلق مع الجند في قبة السماء
سنغني سلام سلام سلام لشعب الله في مكان
فبهجة الخلاص في ليلة الميلاد ليلة كل الليالي
في الميلاد سأنشد شدوة الميلاد مع الجند السماوي
المجد لله في العلاء و علي أرض السودان السلام
في ليلة الميلاد سأرتل ترتيلة الميلاد مع الملائكة
المجد لله في الاعلي و لكل شعب في السودان السلام
سلام سلام .. لشعب الله في مكان و في السودان السلام


















بيروت و القاهرة وجهان لعملة واحدة (العنصرية )



بيروت و القاهرة وجهان لعملة واحدة (العنصرية )
( فما أشبه الليلة بالبارحة " )
صمتنا دهراً و لم يكتب الله لنا بكلمة حق لاخوة سودانيين اذلو و اهينوا و قتلوا بوسط قاهرة المعز
لم نقل شيئاً عن السودانيين الذين يقتلون كل صباح مساء في صحراء سيناء ..
فكان طبيعاً ان بيروت من بعد القاهرة تفعل الافعاعيل بالسودانيين و الخرطوم تصمت او تبحث لها عن المبررات ..
السودانيون في لبنان: من يهن يسهل الهوان عليه !ا
خالد عويس /روائي وكاتب سوداني
[email protected]

تحت عنوان: (سودانيون يشكون العنصرية) نشرت صحيفة (الأخبار) اللبنانية، الأسبوع الماضي، تحقيقاً لافتا شمل ضمن مادته حادثةً عنصرية للغاية تعرّض فيها سودانيون إلى معاملة قاسية في بيروت على يد عناصر من قوى الأمن اللبناني.

نحو مئة من السودانيين كانوا يقيمون حفلاً خيرياً في منطقة (الأوزاعي) في بيروت يعود ريعه لطفلٍ مصاب بالسرطان حين اقتحمت الحفل قوة مدججة بالأسلحة من الأمن اللبناني.إلى هنا تبدو التفاصيل منطقية.فمن حق الدولة اللبنانية أن تبحث عن المقيمين بصورةٍ غير شرعية، ومن حقها – أيضاً – أن تدقق في الأنشطة التي تقيمها جاليات عربية أو غير عربية.لكن أحداثاً دراماتيكية وقعت بحسب وصف بعض السودانيين الذين أشاروا إلى أن عناصر الأمن انهالوا بالضرب على الحاضرين مع شتائم (عنصرية) من العيار الثقيل من ضمنها: (على الأرض يا حيوانات) !!

أُخرج السودانيون من صالة الأفراح إلى الطريق العام وهم مكبلون بالأصفاد، ثم أُمروا بالتمدد على الأرض، وداس الجنود بأحذيتهم على رؤوسهم ورقابهم. كل ذلك نقلته صحيفة (الأخبار) في تحقيقها عن سودانيين كانوا ضمن قائمة الحضور. حفل الشتائم من قبل قوى الأمن شمل عبارات من شاكلة: (صايرين تعرفوا تلبسوا تياب كمان يا بهايم) !

محمد صديق الذي يقيم في لبنان منذ نحو ثلاثة عشر عاما، يقول للصحيفة إنه تعرّض للضرب بقسوة، وقُيدت يداه خلف ظهره، وحين شكا أوجاعا في يده، أجابه الجندي: (مبسوط هيك يا أسود يا فحمة ؟). أما محمد آدم فيشير إلى أن أحد الجنود قال له: (هذا بلد محترم يا واطي، مش فاتحينو مرقص لأمثالك) !
ذكري احداث مأساة السودانيين بوسط القاهرة تجدد فينا

ميدان مصطفي محمود
( ميدان المهندسين )
وســط القاهرة
قصة قصيرة

قبل عامين و في مثل هذه الليلة من الليالي الشتائية القارصة البرودة .. و قتها لم يكن عالمنا قد شهد التغير المناخي بصورته الحالية .. هذا التغير في المناخ الذي جعل شتاءهذا العام حاراً نسبياً .. التاريخ هو الاسبوع الاخير من ديسمبر 2005م .. و المكان هو حديقة مصطفي محمود او بالاحري ميدان المهندسين بقلب القاهرة كما يحلو لبعض الاخوة المصريين تسميته .. ففي هذا الميدان الاغر اعتصم الاف عدة من اللاجئيين السودانيين .. و هؤلاء اللاجئيين هم من الذين هاجروا السودان هرباً من اتون الحرب الاهلية التي دارت رحاها بجنوب السودان و النيل الازرق و جبال النوبة اولاً .. و قد لحقت بهم ولايات دارفور فيما بعد عندما زحفت نيران الحرب التي أغمضت للتو في الجنوب لتشتعل في دارفور الكبري .. و لسنا هنا بصدد حروب السودان الاهلية منها او القبلية فلحروب السودان الكثيرة و الممتدة لاكثر من نصف قرن قصصها و حكاياتها المريعة و الرهيبة التي تقشعر لسماعها الابدان ..
اما قصة فض اعتصام اللاجئين السودانيين بميدان المهندسين بالقاهرة .. فهي قصة الانسان الذي تطارده التعاسة و تلاحقه بطش الانسان في كل مكان .. انها حكاية الشقاوة و بئس المصير التي تتربص بالمرء عندما يظن و غالف بأنه قد أضحي قاب قوسين او ادني من بر الامان و الطمأنينة .. لقد فر السودانيين من بلدهم عندما ضاق بهم سبل العيش و الحياة او البقاء علي قيدها .. فر السودانيين من وطنهم عندما احسوا بأن هذاالوطن الكبيرالقاره قد بات لا يسعهم .. عندما ادرك السودانيين بأن هذا السودان مسقط رأسهم أرض الاجداد و الاباء الذي يقدر مساحته بالمليون ميل مربع قد صار سجناً صغيراً ضيقاً يحرس جلاد شديد ذوبأس جبار ..
نزح السودانيين اولاً من كل اطراف السودان التي استعرت اركانها الاربعة بالحروب .. فروا و هربوا الي الخرطوم و بعض مدن الشمال الكبيرة و الصغيرة معاً .. و لكن الخرطوم هي الاخري و معها سائر المدن السودانية التي تتوفر بها بعض من سبل الحياة لفظتهم الي اطرافها البعيدة .. قذفتهم المدن الأمنة الي معسكرات البؤس و الشقاء و التشرد فكان حالهم كمن استجار من الرمضاء بالنار ىوق يكوزن العكس صحيحاً احياناً.. كانت المعسكرات تضيق الخناق علي قاطنيها في معاشهم اليومي فلا هم احياء بكرامة و لاهم اموات بعزة .. و كانت نظرات الاستعلاء و الاذدراء بصورها الكثيرة تقطع أوصال نازحي تلك الخيام من المعذبين في الارض .. و الذين لم تدوس بطون اقدامهم معسكرات النزوح سيصعب عليهم فهم و ادراك قدر و كم و حجم المعاناة النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية التي يجابهها ويحياها هؤلاء في كل لحظة و ساعه و يوم ...
فروا من قراهم و بلدانهم الصغيرة و من كل بقعة من بقاع او طرف من الاطراف المسحوقة بالحروب في السودان المترامي .. هربوا من اصوات الرصاص و الدانات و انفجارات الالغام الي معسكرات النزوح في المدن لم التي ترحب بهم .. تلك المدن التي ضخت و اشتكت و كشرت في وجوههم بل و احتقرتهم .. فأختاروا طلب حق اللجوء و الهجرة الي كل دول العالم التي ظنوا و أن بعد الظن أثم .. ظن التعساء الاشقياء بأن المهاجر و الملاجيء ستكون أكثر لطفاً و رحمة و بركة و غناً من أرض الوطن ... طلبوا المستحيل الذي لم يدركوه في وطنهم سعوا وراء السراب في المنافي القريبة و البعيدة فوصلوا الي أقاصي الكرة الارضية ليزاحموا الاسكيمو في مأويهم الجليدة ..
و كانت لمصر المأمنة القدح المعلي في ايواء السودانيين و اسقبالهم و احتضانهم .. اذ و فرت مصر بعض سبل العيش لكل السودانين علي حد سواء .. وجاحد كل من ينكر فضل مصر علي السودانيين في أي وقت من الاوقات .. الا أن مصر كانت في حسبان الكثيرين الذين قصدوها هي المحطة الاولي فقط لرحلتهم الطويلة .. تلك الرحلة التي تمنوا في احلام يقظتهم ان تكون علي بساط ريح تحط بهم الي ما وراء البحار .. و كانت الطموحات كبيرة كانت الاماني جميلة .. تلك الاحلام الوردية لم يفكر اصحابها في أي لحظة بأن تكون مستحيلة ابداً .. لسعداء الحظ فقط كانت قاهرة المعز نقطة عبور سريع الي لندن و باريس و انتاريو او الي سيدني و نيويورك و أسلو ... او الي اخر تلك المدائن العالمية الكبيرة البهيجة المترفة حيث الحرية و الديمقراطية و العيش الكريم كما الحياة فيها عزيزة .. ولبعضهم من اصحاب الحظوظ التعيسة فقد كانت أم الدنيا هي الحضن الدافيء الحنون و ان أبوا .. فليس كل ما يتمناه المرء سيدركه هكذا سريعاً او في لمحة البصر كما قد تخيل البعض منهم ..
وفرت مصر الملجأ الأمن كما كانت المفوضيات و المنظمات الانسانية الاوربية سخية كريمة تعطي باليمين و بالشمال ايضاً .. و بتوقيع سلام السودان بكينيا الشهير بأتفاقية نيفاشا للسلام .. أعتقد الاوربيين و الامريكان بأنهم قد تمكنوا بمعجزة من السماء أن يحققوا حلم كل السودانيين في الداخل و الخارج .. اعتقدوا بأن ما تحقق من توقيع لاتفاقية السلام كفيل بجعل السودانين الفارين من وطنهم يهرولون صوب السودان ..كفء المانحين ايديهم عن ارسال العون الي السودانيين المرابطين في مصر انتظاراً لاادوارهم في طابور الرحيل الطويل الي حيث النهايات السعيدة دائماً .. توقفت التأشيرات الي كل من أروبا و استراليا و الي كندا وأمريكا ..و ضاقت الحكومة المصريةى بالسودانيين صاروا بلا راجع منهم تنتظرها .. كما ضاق نفوس السودانين بمصر التي طالبتهم بالعودة الي السودان .. و بين شد الحكومة المصرية وجذب اللاجئيين السودانين من الذين قلت خياراتهم و تلاشت أمالهم او تبخرت احلامهم .. لم تبق المنظمات الانسانية و مفوضية اللاجئين و الحكومة المصرية للسودانين ولو خياراً واحداً يتكئون عليه .. و كان الكرت الوحيد بيدهم و خيار العودة الي السودان الذي صار ينعم بالسلام و الاستقرار .. السودان الموعود بالتنمية و الازدهار و الرفاهية .. كان علي السودانيين بالقاهرة العودة الي وطنهم الذي صار دولة منتجة للنفط و البترول .. هذ السائل الاسود الذي تسيل له لعاب كل الدول الكبري مثل ماليزيا و سنغافورا و الصين و امريكا و هلمجرا ..
و كان العودة الي السودان بالنسبة الي اللاجئيين بمصر هو بمثابة العودة الي العذاب و الشقاء او القفز الي المجهول .. كان السودان و لا يزال حتي الان في نظر بعض من ابنائه الذين اكتوا بنيران بعض اخوتهم في الوطن .. او الذين تعذبوا بسياط الجلادين و ذاقوا و شربوا الحنظل المر بكؤوس الظلم و بأيدي الظالمين .. فالعود الي هذا السودان و الدواخل مملؤة بهذه الكم الهائل من المرارت هو بمثابة العودة الطوعية الي القهر و الذل او العودة الي الموت الهلاك و الفناء.. و بهذا فلا استغراب في ان يعتصم اللاجئين السودانيين بفناء مصطفي لمدة تقارب السته اشهر .. هذه المدة كانت كافية جداً لكل الاطراف بغية الوصول الي الحلول المرضية التي تقنع المعتصمين بفض اعتصامهم .. و لكن هيهات فالمنظمات الانسانية و مفوضية اللاجئين لم تجهد نفسها و لو بالنذر القليل لتلافي المشكلة .. و كانت الحكومة المصرية تحاول بكل جهدها الدفع الي الامام و فض الاعتصام و اخلاء المكان من المعتصمين مهما كلفها الامر.. اما لحكومة السودانين فقد تعاملت مع الحدث بترفع واذدراء كبر النفس .. تعاملت الحكومة السودانية مع الحدث الجلل كما لو ان هؤلاء السودانيين هم سودانيو جزر الواق واق .. فأعتبرتهم من منتسبي الحركة الشعبية طلما هم من الجنوب و جبال النوبة او من دارفور .. مع العلم بأن الحركة الشعبية هي شريكة في حكومة الوحدة الوطنية التي يفترض منها العمل لجعل وحدة السودان وحدة جاذبة لكل السودانيين .. او يفترض منها العمل لجعل السودان وطناً جاذاباً لكل الفارين الهاربين منه .. ..
تشبث اللاجئين بحديقة المهندسين حتي النهاية .. و اختارت الحكومة المصرية اسواء الخيارات لفض الاعتصام .. وكانت المأسأة الانسانية بوسط القاهرة في تلك ليلة التي تضامن فيها البرد مع الحكومة المصرية ضد اللاجئين السودانيين .. و بحسب أهل الارصاد الجوي فقد كانت تلك الليلة واحدة من ابرد ليالي الشتاء التي مرت علي مصر و السودان في العقدين الاخيرين .. اختارت مصر وسيلتها القاسية جداً لضرب المعتصمين .. و كانت خراطيم المياة البارده هي السياط التي أتت علي رؤوس و ظهور الاطفال و النساء و الكهول من اللاجئين السودانيين الجوعي ..قتلت مصر الشقيقة بنيها بقسوة لم تكن تخطر علي بال انسان .. ووقفت الخرطوم متفرجة شامته كما لو ان المعتصمين شجر و حجر دعك عن كونهم بشر ينتمون لوطن يحمل اسم السودان ..












رحلتي الي جبل الدهب في شيبون


شمارات الحكي عن الدهب في السودان في الاونة الاخيرة و روايات اساطير المغامرين الحقيقية منها و الخيالية حتماً ستسيل لعابك و تقلق مضجعك و قد تسرق النوم من عيونك .. و انت تستمع الي احدهم يحكي لك عن ملايين الجنيهات التي قبضها احد المحظوظين لا شك ستصاب بحمي بريق الدهب الاصفر .. و لعدوي و حمي داء الدهب حالات و اعراض تميز الشخص المصاب به ... و اليك بعض اعراض فيروس او جرثومة الدهب : ينتاب مريض حمي الدهب من وقت لاخر شرود وتوهان و احياناً خروج من دوائر الشبكة . تجده كثيرالحديث عن الدهب و عن اناس وهميين موجودين معشعشين في بنات خياله .. فهؤلاء كانوا شماسة و مشردين و مغلوبين علي أمرمهم لكن بقدر قادر و بفضل سفرهم الي مكان الدهب تبدلت احوالهم وصاروا اغنياء و اصحاب ملايين يشار اليهم بالبنان .. صاحبنا هذا لا يكاد يري حجراً يلمع علي قارعة الطريق حتي يسارع برفعه محدثاً نفسه عن المال و الغني و المجد ..
في وقت ما حدثني احد اصحابي بانه ينوي الذهاب الي مكان الدهب بولاية نهر النيل و فيما بعد سمعت خبراً بان نفراً من ناس الدهب توفوا بعد ان انقطعت بهم بئر الدهب لتدفنهم احياء ... خفق قلبي و خشيت ان مكروهاً اصاب صاحبي ضمن الذين ماتوا في بئر الدهب ..
في محلية ما في شمال كردفان قيل ان صبياً من رعاة الابل اوقد نارا ًلطهي طعامه .. و بعد ان تناول الصبي عشاءه الساخن من عصيدة الدخن المملح بلبن الضأن استمر الصبي في تدفئة نفسه بالنار فلاحظ ذوبان احدي حجارة اللاضية .. وفي الغد عند الصباح الباكر اخذ الصبي حجر لادايته المذاب مستفراً عنه عند احد الاقارب من الموثوقين .. اتنهي امر الصبي وقريبه في سوق الدهب بأم درمان حيث حلت عليه ليلة القدر فأسرع عائدأ الي ذويه علي ظهر سيارتة الكبيرة و هي محملة بالبضائع التي اشتراها من مال الدهب .. بعيد هذا بزمان قليل تقاطر جموع الحالمين بالدهب من كل حدب و صوب باتجاه تلك البقعة الصحراوية النائة بحثاً عن الدهب المجمر و عن المال المدفون بين الصخور .. في اتصال هاتفي تحدث معتمد تلك المحلية مع معتد محلية اخري قائلاً : خلينا ليكم كل الاموال التي تسير علي سطح من عوائد القطعان و مطاردة العربات و الجبايات .. فقد فتح الله علينا بكنوز باطن الارض من الدهب و المعادن و النفائس و من الان سيصبح كلامنا وزنه من دهب ..
عندما كنت في مأمورية عمل بادارية أرمل محلية وبنده اشارة لي المواطنين باتجاه الشرق الي جبل قريب مؤكدين وجود الدهب في الجبل .. و اثناء وجودي في مدينة النهود رأيت حراكاً غير عادي وسط سكان المدينة و عند الاستفسار علمت بظهور الدهب في الجبال الشمالية و هذا وحده كان كافي لانسياب و سريان النشاط الاقتصادي في شرايين و اوردة المدينة القديمه ..
و انا موجود في جبال النوبة اسمع كل يوم جديد عن ظهور و اكتشاف الدهب في غير مكان .. فالدهب موجود في الجبال الشرقية حول ابوجبيهه و رشاد و العباسيه و في الليري و كلوقي .. سأصدقهم يوماً ان قالوا لي بأن كل شبر من أرض السودان الطيب هو شبر من دهب ، لكن و يا للأسف السودانيين يجهلون قدر وطنهم .. و كلما وشي الوشاة عن ظهور الدهب في أي مكان هرع الناس راكضين الي هنالك بعضهم بأجهزة كشف الدهب الحديثة و الاغلبية يذهبون تسبقهم أحلامهم الكبيرة و الامانيهم السندسية ..
الدهب ... الدهب ... الدهب هو نغمة سائر الناس و حديث القعدات و موضع تفكير و تأمل الافراد .. فحمي الدهب و ان شئت انفلونزا الدهب قد اصاب و فتك بجميع بالسودانيين .. فمنذ فترة بث تلفزيون قناة الجزيرة مشاهد و صور حية من مسارح عمليات البحث و التنقيب و استخراج الدهب بولاية نهر النيل ... شاهدتهم و تبادر الي ذهني حجم التعب و العناء الشديدين الذي يواجهة رواد الدهب من العطش و الجوع و احياناً الحيات و العقارب السامة و مصاعب اخري تتمثل في غدر الرفاق .. فقصة الرجلين الذين خانا و غدار برفيقهم الثالث هنا ليست بالقصة الخالية .. فقد غدر رجلين بصاحبهما ليهربا بحصيلته المقدر باتنين الف جنيه يعني ( عشرين مليون جنيه سوداني) بحساب العامة .. ترك الرجلين صديقهم يهيم علي وجهه معلقاً بين ربيع الاحلام و خريق العمر الاتي ..
اما عن رحلتي الي جبل الدهب في شيبون فتلك قصة اخري و روايتها مغايرة و تختلف تماماً عن كل قصص الدهب التي تروي و تحكي عن في السودان هذه الايام .. و قصص الرجال الرواد او المغامرين المجهولين في دورب البحث عن المال و الغني و ربما المجد و الشهرة .. لهذه القصة بعد ثالث لذلك سأفرد لها صفحات مكتوبة و موشاة بماء دهب شيبون فور عودتي من الرحلة الي هنالك .. الي هنا اني استميحك عذراً ان تسمحوا لي يا صاحبي ببدء رحلتي الي جبل الدهب في شيبون ..انا الان في طريق رحلتي الي شيبون جبل الدهب .. الدهب .. الدهب .. ليت كل السودان يلمع دهباً و ليت نفوس كل السودانيين تفصو في نقاء الحليب لبن علي عسل بلون الدهب .. تصبحون علي دهب ..!!




































يوم في حياة أمرأة من جبال النوبة ...


غداً هو يوم الخميس ، و الخميس هو يوم السوق الاسبوعي الشهير في بلدة هيبان ... ان يوم السوق في هذه البلدة هو يوم لتقسيم الارزاق بين الاهالي كسباً و ربحاً .. هو يعد يوم فرحة و عيد لأهلنا البسطاء .. فالكل يحرص كل الحرص كي لا يفوته هذا المحفل الاسبوعي الجامع .. فكل صاحب بغية سينال بغيته في هذا اليوم ، و الا فعليه الانتظار لسبعة ايام اخر ...
كل الناس يعدون عدتهم و يجهزون اشيائهم و يهيئون انفسهم .. فالتجار المحليون هم اكثر البشر حرصاً في استقبال هذا اليوم ، فهم ينكبون علي مباشرة اعمالهم التحضيرية منصبيحة يوم الاربعاء ... فتجدهم مجدين في وزن السلع الاستهلاكية في اكياس مختلفة الاحجام بحسب الاوزان و المكاييل .. واحياناً يعمد بعضهم في انقاص الوزن او الكيل طمعاً في الربح والكسب و الغني السريع .. يتوافد التجار الذين يجولون الاسواق الاسبوعية بعرباتهم ( تجار ام دور ور ) بالاخص القادمين من مناطق ابو جبيهه و الفيض عبدالله و أم كرشولا و أم برمبيطه و خور الدليب ، يتوافدون الي منطقة هيبان مبكرين .. أنهم يدخلون المنطقة بالثلاثاء لحضور سوق الازرق بالاربعاء و سوق كاوده بالجمعة ... و في هذه الاسواق الثلاثة ( الازرق ، هيبان و كاوده ) كسب كبير جداً لهؤلاء التجار .. فقد حدثتني أمرأة ست شاي في سوق كرشولا بأن ما تربحه في اسبوع واحد بأسواق منطقة هيبان أفضل لها كثيراً جداً من كسب شهر كامل تقضيه في سوق كرشولا ..
أما الست كجي بطلة قصتنا فهي امرأة من منطقة هيبان نزحت شمالاً في فترة الحرب بجبال النوبة ، تلك الحرب التي امتدت لاكثر من ثلاثة عشر عاماً .عادت كجي وزوجها الي منطقتهما هيبان فور وقف اطلاق النار ... زوجها رجل كبير في السن و هي في عقدها السادس او يزيد قليلاً .. تعلمت كجي في مقر نزوحهها بعض الاعمال التجارية البسيطة التي تعينها وزوجها علي كسب العيش الكريم .. فهي صانعة و بائعة للمدمس و الدكوة و التسالي و قد استطاعت في هيبان من اضافة النعناع و الشطة الي تجارتها ... تمارس كجي تجارتها بكد و اجتهاد ... فهي في نشاطها كما النمل في وقت الحصاد و في همتها تشبه نحلة الربيع وسط الورد و الزهور .. و النحل في الربيع لا يعرف الفتور ابداً ذهاباً و اياباً بين الخلية و الحقول ...
تعكف كجي في اعداد المدمس و التسالي منذ صبيحة الاربعاء بجانب عمل وجبة الفطور لزوجها و ابنها كومي ، و الاخرين من الذيم يقيمون معهم في البيت ... هؤلاء الذين حضروا من مختلف مدن السودان لقضاء اجازاتهم الصيفية في هيبان ... قدمت كجي الفطور لاسرتها و ضيوفهم و سقتهم الشاي و القهوة ايضاً .. تذكرت بأن الماء الموجود بالدار غير كافي لاعمالها و لاستهلاك افراد الاسرة .. فالماء الموجود غير كافي لأهل البيت من البشر و الحيوانات الاليفة و الطيور الداجنة التي يربونها بالبيت .. فلأبنها كومي حمار و فنطاس لجلب الماء من الدونكي الا ان الحمار و صاحبه عاطلان عن العمل لكنهما يستهلكان الكثير من الماء التي تجلبه كجي علي رأسعا من المضخة .. و المضخة قريبة من الدار الا ان رواده كثيرين بالاخص في اشهر الصيف الحارة حيث يزداد أغراض استهلاك المياه .. خطفت كجي جرتها مسرعة الي المضخة .. كان صف الجراري طويل و اصوات النسوة و الفتيات الواردات تعلو و تضج لترفع من حرارة الجو درجتان .. و الانتظار في صف المضخة ممل جداً يبعث علي الضجر و نفاذ الصبر .. كما يدعو الي الغضب و السباب و اللعن و في بعض الاحيان تدفع ازدحام المضخة الواردين الي العراك و الشجار لاقل الاسباب و اتفهها ..
لقد تمكنت كجي اخيراً من ملئ جرتها بصعوبة و عادت الي البيت بالماء السلسبيل ... سقت الحمار و البط و اعدت لزوجها ماء الاستحمام و من ثم هرعت الي المطبخ لأعداد طعام العشاء .. الناس هنا يكتفون بالفطور و العشاء كوجبات رسمية و ما بينهما يتسلون ببعض الاكلات الخفيفة التي تجود بها المنطقة من الفواكه و الثمار و الحبوب . كما ان كرم الناس هناك لا تدع للجوع مجال فأنت مرحبك بك في كل وقت بالاكل و الشراب . عند الثامنة مساءاً كان العشاء جاهزاً عصيدة حارة بملاح الشرموط الابيض اكلها الجميع بنهم وشهية كأن الحار هو فراقها .. و كانت التحلية بليه بالسمسم المظلوط الكل اكل حتي الشبع و ما تبقي من البلية هو لفطور يوم الغد يوم السوق ... فالليلة هو ليلة الاربعاء و كجي لكثرة اشغالها لم تعد بضاعتها بعد فقد تبقي لها تعبئة المدمس و التسالي في الاكياس .. كما تبقي لها ايضاً سحن الدكوه و تعبئته.. القمر ليس بدراً و لكن سحره و تلألؤ لنجوم المرصعة ا حوله يشع في النفوس بهجة الانس و السمر .. و بعد العشاء ظلوا في مكانهم يتسامرون و يضحكون كالوارثين.. انتهزت كجي الفرصة فدخلت الي مصنعها حيث يتم سحن الفول السوداني ( الدكو ).. الة السحن هي مفرمه متوسطة الحجم يشغل عادة بالكهرباء و في حالة انعدام الكهرباء يتم تشغيلها يدوياً و مع صعوبة العمل بها يدوياً تقول كجي : انها افضل كثيراً من استخدام المرحاكة ، و المرحاكة للذين لا يعرفونها هي عباره صخرتين احدهما كبيرة مثبتة علي بناء من الطين بارتفاع معين يريح المستخدم .. و الصخرة الاخري صغيرة و هي الرحي التي تسحن بها الغلال و السمسم او الفول السوداني في حالة كجي ... انتصف الليل فأوي كل أهل البيت الواحد تلو الاخر الي فراشه . و بعد قليل سمع بين جنبات الدار تباري في الشخير و علي موسيقي و انغام هذا الشخير ظلت كجي تسحن الفول السوداني بلا كلل و لا ملل .. فرغم من الاعياء الشديد الذي اصابها جراء العمل المتواصل منذ الصباح الباكر فهي تلزم نفسها لان بينها السوق بضع ساعات ...
اليوم هو يوم الخميس يوم السوق في بلدة هيبان ... اليوم هو يوم الفرحة لكل القري المحيطة بهيبان ، فقد بات بعضهم في الطريق حتي يدركوا السوق باكراً ... في الصباح عند الفجر سبقت كجي الجميع لتعد لهم الشاي و القهوة فلا وقت لديها اليوم لعمل الفطور و عليهم ان شاءوا ان يشربوا الشاي بباقي بليلة عشاء الامس .. وضعت كجي كل بضاعتها بترتيب في قفتها الكبير .. همت بالخروج و الذهاب الي السوق لكنها ادركت بأنها نسيت احضار النعناع و الشطة من زريبتها القريبة من المضخة .. فبضاعة كجي هي بضاعة لا محال بائرة بدون رائحة النعناع و طعم الشطة .. أرجعت كجي القفة و ذهبت بسرعة الي حقلها الصغير و بخفة قطعت النعناع و جمعت الشطة و عادت الي لتلحق السوق ...
خرجت كجي من بيتها الي سوق هيبان و هي تحمل علي رأسها قفة المدمس و التسالي و الدكوة .. و كانت تمسك بيمينها سبت النعناع الذي سيتعطر بشذاه كل الطريق من البيت الي السوق... عند المساء ستعود كجي الي بيتها ستعود الي زوجها و الي ابنها كومي و الضيوف .. ستعود الي بيتها و هي محملة بأكياس الدقيق و الخبز ، الزيت ، الحليب و السكر و كل مصروف البيت الاسبوعي ... ستعود الي البيت و هي فرحة و سعيدة وراضية رغم كل مظاهر التعب و الارهاق و الاعياء ... ستعود الي اسرتها وهي راضية بتعب محبتها ...







بعض من كلماتي أهمس بها لنفسي ..!


1
ليس صحيحاً في كل الاوقات
ان الصمت هو علامة الرضي
2
جبال الهموم ثقل علي الاكتاف
الانكفاء الي الوراء
النحت علي الصخر الصلد الاصم
و حصاد الريح
كما النفخ في القربة المقدودة
المحصلة صفر اليدين
كالوحش خلف السراب أجري
و نصيبك ابداً لا تحوش
3
قالوا لهم ستعودان عن قريب الي عواسة ، و أكل الكسرة
ليتهم دروا ان الشعب لم يترك الكسرة يوماً و لم يشبع منها
فالكسرة هي التي تركتهم للجوع و تتعززت عليهم حيناً من الدهر
ذلك لان كيلة دقيقها غالي الثمن
ذلك لان قيمة عواستها باهظ التكلفة
و الكسرة ذاتها غير متاح للكثيرين
4
في دجي الليل البهيم
أرق السهر و السهاد
يا شوقي و لهفتي
لشمس الصباح الجديد
5
علي جنبات هذا السهل
فوق تلك الروابي و التلال
سأغرس شجرة ظلال وريف
و سأبذر بذره و ازرع ثمره
., و برتقالة هناك.. ساشتل ليمونة هنا
سأزين المكان و و اجمل الزمان ب
بزهره فل و ورده أقحوان و ياسمين
غداً سأدعو الفراشات و الحمائم
العصافير ستشدو و سيصدح كنار الوادي
هيا تعالوا معنا الي
و ليمة افراح عرس زنبقة الحقول
6
الصدّيق كالنخلة في لبنان يزهو
كالنيم في هيبان ينمو
7
احدق في الافق البعيد لا أري شيئاً
أمعن النظر حولي فتلامس عيوني الظلام
أرفع عيني الي السماء منتظراً ان يأتي عوني
حتماً سيأتي عوني من عند ربي السماء
8
الحجة و المنطق هما السبيل الانجع و الانفع
للنقاش و التحاور
و احياناً تكون صفعة اليد هو اللغة الاسرع
لتحقيق النتائج و كسب الوقت
و هذا هو اضعف الايمان
9
لا تلوي ذراعي
لا تمسكني من نقاط ضعفي
لا تطعني في جروحي لتزيد آلامي
ففي ضعفي كمال قوتي و بعض كبريائي
وفي جرحي و آلامي و دموعي
لذتي و نشوتي .. بل فيه فوزي و انتصاري
10
عندما يكون الجلاد حكماً قل على الدنيا السلام ..!












بعض من كلماتي أهمس بها لنفسي .. ! ( 2 )



1
السفر عندي هي لحظات اجد فيها مساحة لنفسي
فأغوص في بحور اغوارها العميقة السحيقة
هي لحظات و اوقات سعيدة اتحدث فيها الي ذاتي
في مواجهة صريحة وصادقة مع النفس بوضوح و مكاشفة

2

أقبل الليل و اسدل ستار الظلام
خيم السكون بظلاله علي المكان
لا شيئ يوحي بأن الفجر أتي
وان نور الصباح سيضئ الزمان

3
انحت علي رمال الشاطئ البعيد بعض من احرفك
و علي صفحة موج البحر المتلاطم اكتب كلماتك
أرسم النقاط .. لونها بحبر من مداد دمك ودموعك
لا..لا تبالي . لا تحزن و تيأس و لا ترثي لحالك

4
المشورة الشعبية لشعب جبال النوبة
أني اسمع طنيناً من وقتاً لاخر
و همس صوت خافت هنا و هناك
لكنني لا أري واقعاً علي الارض
فأهمس لينفسي ان الوقت هو وقت الاستفتاء
5
أحبك يا وطن النجوم
اهواك يا وطن القماري
أنا أعشق أديم ترابك يا سوداني
6
شك فالزمان يقترب رويداً رويداً
ام المكان بحسب الواقائع فيرحل بعيداً الي اللامكان
اما عن زمان المعجزات
فقد قيل ان زمن المعجزات ولي زمان
لكننا نؤمن ان رحم السموات لم يعقر
في انتظار ان يولد من بطن الغيب معجزة السودان الكبري
7
كثيراً ما تخونني ذاكرتي الضعيفة فأنسي أحبتي
تبقي الصور و الملامح اليفة و قريبه الي الوجدان
انقطاع الوصل .. العتاب و زعل الاحبة و الاصحاب
انها بعد الزمان طول المسافة قسوة الايام و تجافينا
8
سماسرة الحروب و نفخ الابواق
يهللون ساعة قرع طبول الحرب
و لايهمهم ضراوة صراع الافيال
انهم ابداً لا يبالون بموت بالضحايا

9
يا عزه قومي انهضي كفاكي النوم و الدلال
يا مندي بنت السلطان أصحي سكتي الجهال
يا بلادي يا وطن اجدادي يا أمسي أين منك غدي
10
النفس البشرية فينا الامارة بالسوء
تحتاج منا الي كابح للجم نزواتها
او لجام لترويض جماح اطماعها

11
استمتع و أملاء عيونك برؤية ثلاث
مطلع الشمس عند البزوغ و الشروق
الاصيل في ساعة الوداع و الغروب
ورؤية النجوم في هدئة الليل و المساء

12
قديماً قالوا الـمـسـتـحـيـلات الـثلاث
الـغول ,, والـعنـقـاء ,, والـخـل الـوفـي
لكنني أؤكد لكم ان المستحيلات ثلاث
الـخـل الـوفـي ..والـخـل الـوفـي ..والـخـل الـوفـي








مرثية مئوية ذكري الوالد : أرومي كوكو انجلو


مئة يوم مرت و انققضت منذ انتقالك ابي
رحلت عن دنيانا و غبت عن عيوننا وً ديارنا
لم يغب ملامح وجهك عن ذهننا لحظة يا أبي
اتذكرك باكراً مع بزوغ شمس كل الصباح
وفي المساء الهج مستودعاً روحك بين يدي الله
حضورك دائم في طلباتي في دعواتي و صلواتي
لا يأتي ذكر أمي في مخيلتي دون خواطرك ابي

****

أهل ريفي هيبان يتذكرونك بالجميل و يطرون اسمك
كنت يوماً بطلاً من هيبان شهماً فارساً مهاباً بين قومك
كنت جندياً علي ظهرالخيل جبت تبسط الامن و الامان
بطل المصارعة المنتصر و فارساً في الاقدام والشجاعة
كنت فقيراً لا تملك كثيراً لكنك كنت تفيض كرماً و جود
حاشاً باشاً مبتسماً مضيافاً مردداً ان الجود بالموجود
كنت ثائراً و كنت ثورة تأبي الظلم و تكره الظالمين
في مسيرة الكرامة هتفت يوماً عاش الشعب عاش الشعب
****

يا طليعة نخبة رواد هيبان الاوشاوس الصامدين الاوفياء
يا ذكري من بالصعاب مروا من هنا ليشقوا لنا الطريق
يا رجالاً سطروا للاجيال يوماً معني الحرية والعزة الاباء
يا مكوك جبل هيبان الاسود الشامخ يا اخوة المك كمبجو
ويا رفاق السير أرنو و المك الدومه ورحمه و كادقلي
يا اثار دروب و اقدام نحتت معالمها في الصخور الصماء
يا تاريخ و يا جغرافيا تذكر و يا حاضراً حدث عنهم المستقبل
****
مئة يوم و انت تسكن في بيت ابيك بعيداً عنا وعن احفادك
ففي بيت ابينا السماوي منازل كثيرة اعددت لنا هنالك
سيدعونا الرب يوماً لنكون معك و القديسين في الامجاد
الراحة الابدية لروحك أبي فأرقد في سلام و هناء ليوم النشور
ايامنا هنا تمضي و تنقضي و ساعتنا تنقص لتقربنا اليك
و لذة الرب و اشواق قلب الاله مع بني الانسان ان يكونوا معه
فطوبي للذين يرقدون في الرب منذ لان ليستريحوامن اتعابهم
طوباك فقد معلمي الاول في التأمل و قراءة الكتاب المقدس كل يوم





















العقل و العاطفة
قصه قصيره

ما بين العقل و العاطفة مسافة تطول حيناً و تقصر في بعضها ..
وليس من السهل لدي الكثيرين جسر هذه المسافة او اذابتها ...
فلغة العقل و منطقه هو لغة الارقام التي تقول ..
واحد زايد واحد يساوي اثنين و لا يمكن ان يساوي ثلاثه ابداً ...
اما العاطفة فهي تؤمن بأن النفوس اذا طابت فالنبق الواحده يمكن قسمتها علي عشره و يكون الباقي ثلاثه ..
العاطفة تقول بان عشره حمامه طايره اروع و افضل من جوز حمام في قفص ..
العقل يفكر دائماً بحسابات الربح و الكسب ويخطط للفشل و الخسارة ..
العقل يبكي علي اللبن المسكوب و يطمع في لبن الطير ...
بينما العاطفة قدرية و في معملاتها المادية شعارها انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ...
و كثيراً ما تحصد العاطفة ما في الغيب ندماً و حسره و ضرب للغدود لكنها لا تندم علي ما فات ...
اصحاب العقول قلقون بطبعهم وقل ما تجدهم يستمتعون بجمال الاشياء من حولهم ..
العقلاء لا يتذوقون طعم الحياة و لا يتلذذون بالنعم ..
العقلاء لا تدهشهم أريج الطبيعة و بهجتها و لا تنتعش نفوسهم بخمر طيبتها ..
العاطفيون من طباعهم الهدوء و التأمل في كل الموجودات من احياء و جماد ..
يفرحون بالحجر و يتغنون بالشجر ..
العاطفيون هم الحالمون المرهفون و ما يمتلكون من زخر الاحاسيس النبيلة تصور لهم الكون بألوان الطيف البديعه ..
قد يمر مليونيراً من اصحاب العقل الذي يميز بسائل او شحاد فيمنعه عقله من عمل البر و الاحسان ..
ذلك لان العقلاء يضربون الاخماس و الاسداس بدقة قبل ان تمتد ايديهم اليمني الي المحتاج ....
و هذا ما لا يفعله البسطاء من الرومانسيون العاطفيون ذلك لان الرحمة عندهم تسبق الفكر ..
و حبهم يغلب تفكيرهم رغم حالة العوز و الكفاف التي يعيشونها فهم دائماً ذاهدون.
العقل يميز و يفرق بين البشر بحسب الانتماء و القبيلة و المذهب و الدين ..
اما العاطفة فهي تساوي بينهم جميعاً لان عين العاطفة لا تعرف معني للتقسيم في خلق الله ..
ان هذا ليس قياساً مطلقاً فبعض العقلاء عاطفيون حتي الثمالة ..
و بعض العاطفيون يغلب عقولهم و تفكيرهم قلوبهم و افئدتهم ..
الا ان العقلاء هم دائماًَ الاكثر قرباً من المادة و الجسد ..
و لا استطيع ان اجزم بأن العاطفيون هم القريبين ابداً الي النفس و الروح ..
العقل يقول أي دمعة حزن في الخد لا ..
و العاطفة تمد يدها لتمسح دمعات الحزن النبيل ..

6 / 7 / 2008

التحدي
*************
قصيده نثريه

1
لا تقبل الخنوع و الانزواء وأرفض الخضوع للا مر الواقع ..
قل للظلم لا .. و لا تهاب المفتري ..
قل الحق شاءوا و ان أبوا مهما كان الحق مراً ..
و انت تدرك ان طريق الحق فيه بالمخاطر ..
أركب الصعاب... واجه المخاطر لا تلتفت للوراء ..
مع التيار لا تسبح بل قاوم الا م واج مهما علت ..
فتلاطم اللجج السيحقة لن تبتلع الحق ابداً ..
2
يا صاحبي ها هو مجدافك تكسر .. و قاربك تحطم ..
غالب اليم بالقشة التي بين يديك حتي النهاية ..
دع اليأس جانباً و لاتقل للبحر اغمريني ..
فلحمك سم تفر منه حتي حيتان البحر الجوعي ..
اصمد و قاوم اصبر و كافح ..
قف تماسك و تحدي الي الرمق الاخير ..
فالأمل رجاءك و أنت حتماً ستظفر و ستنتصر..
3
أيها الصنديد هيا و تقدم نحو الامام ..
كن شجاعاً لا تبالي بالليالي او الانام ..
مرفوع الرأس و الهامته لا تنحني ..
فعزيز النفس .. و قوي الشكيمة ليس في قاموسه معني للهزيمة .
كن بالعزيمة و الارادة صلباً قوياً عنيداً ..
كل أمر بالعزم ممكن و كل حق بالصبر سيدرك ..
ما ضاع للانسان سعي في دربه يطلب ..
4
طر و حلق في الثرياء كما العقاب ...
فأجنحة النسور لا تكل و لا تعرف معني التعب ..
لكنها مع الايام تتجدد و تزاداد قوة فوق قوه ..
فعشق النسور للقمم الشماء ينعش فيها روح الشباب ..
ً فهل تراها كيف تعانق أحضان السماء بدفء المغرمين ..
او تراها كيف تقبل الثريا كالعاشقين العذرين ...
انها تتحدي منطق الاشياء و تأبي البقاء عند السفوح ..
5
يا صاحبي قم تحدي فالتحدي شعلة ذات وهج من نور و نار ..
و بريق وهج التحدي سيبقي ساطعاً سرمدياً ...
هي شعلة مضيئة لا تطفئها أعتي الرياح و الانواء ..
هي قنديلة تستمد نورها من شموس الله الابدية ..
انها منارة التائهين و هادية الضالين في سبل الحياة ...
و كل الذين اهتدوا بها ادركوا مبتغاهم سالمين غانمين ..
التحدي مرفأة للامان و السلام و حصن راحة و اطمئنان ..
فهب للجد شمر ساعديك .. فلا مستحيل مع التحدي ..
14 / 10 / 2006

وجهك يا أمي قنديل
__________

وجهك يا امي قنديل و سراج في العتمة ينير طريقنا

اشراقة الألق و النور في وجنتيك اتساع الفسحة لأملنا

سحر الابتسامة و العفو في شفتيك يريحنا و يسعدنا

ثغرك يشيع باقات الرضي و رضاك من رضي الرب عنا

تنداح المسرة في عينيك لينساب البهجة و الفرح في حياتنا

ندي حلاوة و عذوبة كلماتك يا أمنا عزاء و سلوي لقلوبنا

دقات نبضات قلبك و رنين احرف همساتك في تلاقينا
لغة الامومة و الحنان عندما تصمتين يا أمي همسك يناجينا

****

نكبر و نشقي ويزداد همنا و تمضي بين الوري ايامنا

لكنا في عينيك و سنظل اطفالاً ابرياء كما بالامس كنا

نرنو الي دفق نبع حنانك المفقود نأتي اليك فتغمرينا

نظمي و نشتاق الي مرافيء ينابيع الحب الاول فتروينا

و حدك أمي تشبعي جوع العطف و المودة المنقوص فينا

حرارة وجدك يبعث الدفء و ينعش برودة قسوة ليالينا

أتوسل اليك صباح مساء في صلواتك و ابتهالاتك تذكرينا

****

فأن نسيناك يوماً و جفينا أن اهملنا و انشغلنا أمي سامحينا

أخطأنا و أسأنا و تجاوزنا جوراً في حقوقك فأغفري لنا

أن جحدنا و تعدينا قلنا أف ان قصرنا و تنكرنا او ظلمنا

لا يغور صبرك ولا يلين قوة أحتمالك لا تلومينا او تعاتبينا

ابنائك عاقين فلا تغضبي أماه ولا تلعني و لا تدعي الله علينا

ذلك بعض يقين الايمان يخبرنا بأن الامومة محبة ابدية

الحب في قلب الام لا يمل و لا ييأس و لا يعرف معني القنوط

المرأة امنا تصبر و تحتمل كل شي وحبها لا يجف و لا ينضب

نساء كثيرات أحببنا و هوينا اما حب الام فسيثبت ابداً فينا

*****

حملتنا المرأة الام في احشائها شهورأ عددا سهر تعب و انينا

تجوع لتشبع فلذة كبدها و من عصارة دمها تنفسنا و تغذينا

لم تنس الام في لحظة من الزمان اولادها و المرأة لا تسلو بنيها

في المهد ارضعتنا من نبع صدرها الرؤوم لكنا عندما كبرنا نسينا

كم سهرت الليالي و بالنهار تهدهد و كم مرضت لتشفي اسقامنا

دينك دينونة عظيم جداً لن نوفيك حقك مهما بذلنا او فعلنا وضحينا

يا أجمل شمعة في دجي مهب الريح احترقت و ذابت لتنير سبيلنا



هيبان

قصيده نثريه كتبتها بمناسبة اتفاقية جبال النوبة للسلام الذي وقع في سويسرا و هي الاتفاقية التي وضعت اللبنةالاولي و فتحت الباب علي مصرعيه لدخول السلام الي كل السودان

***********
هيبان هل نعود يوماًً .........
الي المروج الي الجنائن و الخمائل .......
و نعود الي السهول و قطف الزهور .........
نعود لشتل الورود وزرع الحدائق من جديد ........
في روابي أتني و سفوح واو و كوجور و ابل ...
في سهول اويا و ايري و هضاب الازرق و ام لوبيا.........
هيبان هل حقاً سيعود السلام و الامان الي ربوعك الخضراء ...
فيعود ليالي الفرح و المرح و الرقص و الغناء .........
و تعود كل الطيور المهاجرة الي الوطن.........
تلك الطيور المشتاقة للأض و التراب و الوطن ......
و تعود اسراب الرهو و السنبر تعود الي .......
تبني اعشاشها فوق اشجار المهوقني و النيم و اللبخ ...
لتعمراشجار الحراز و التبلدي و الجوغان و العرديب ........
هل تعود الي الظلال الوارفة لتعانق قمم جبلك الاسود الشماء ......
هيبان هل تعود كل العصافير لتغرد و تزقزق للفجر و الشروق ..
و تغني للأصيل و المساء الجميل ...
تسامر تسحر الليالي بين النجوم و القمر المنير..
و الحمائم الزرقاء و البيضاء و السوداء ايضاً تعود .......
مع الرياح و النسائم تحمل البشائر .....
هل يعودون كلهم من الشمال و من الجنوب ....
من المشارق و المغارب .....
و من كل فج عميق يعودون اليك ......
**********************
يا هيبان ان الشوق و الوجد هنا يجتاحنا اجتياحاًً .......
أن الولع العارم في ضلوعنا يستبد بنا استبداداً ....
شوقنا اليك و تراب أرضك و صخور جبالك .........
لهفتنا اليك كما الطفل الرضيع لاحضان الام الحنون ...
هكذا نحن أطفالك المغرمين ابداً بحبك العذري .........
مشتاقين اليك يا هيبان ........ انا متلهوفين اليك ......
و نعلم يقيناً أن شوقنا لا يساوي قطرة ....
من محيط حبك السرمدي العظيم لنا .......
فأنت أمنا الرؤوم انت نبع الحنان المتدفق حبا و عطفاًً ..
انت القلب المملؤ بالمحبة الازلية لكل الناس يا هيبان .........
قد أسأنا اليك كثيراً و أخطأنا اليك يا وطن الاباء و الاجداد .......
و ها نحن اليوم نعود اليك نادمين نطلب الصفح و نروم منك الغفران ..
أسأنا الي بعضنا و الي انفسنا و تركنا محبتنا الاولي ........
و لانك انت المحبة ذاتها فأنت تحتملين كل شيئ ...........
يا أمنا قد طال انتظارنا و امتد زمان غربتنالاعوام و سنين .........
و كل يوم نحلم في يقظتنا بالرجوع اليك .........
سرنا وحدنا في الطرقات و الازقة و الدهاليز المظلمة .........
بتنا الليالي الطويلة في أرصفة المدن البعيدة الموحشة ....
همنا علي اوجهنا كالتائهين كما الابن الضال ....
طال البعد و كبرالشوق وكان ألامل رجائنا الذي لم يغب ابداً ......
يا هيبان ان الحرب أصابنا في الاعماق كما أصابك في الصميم ...
فصرت مهجورة من بنيك و صرنا نازحين و مشردين و مهاجرين ...
وكم ضاق بنا أرض الله الواسعة و افتكرنا الناس مقطوعين من الشجر ........
ذقنا المرارات كلها و شربنا كؤوس الذل و الاهانة حتي الثمالة من شتي البشر ...
أكل الحصرم و الشوك و سقونا خلاً و حنظلاً و مراً و لحسنا التراب ..
أفترشنا الارض يا هيبان و تغطينا بالسماء في كل الفصول الاربعة ...
سكنا في بيوت الكرتون و الصفيح و الخيش و المشمع ..........
و انتظرنا النهار كله تحت وهج الشمس الاستوائية نرقب مجيئ الفرج ..
فتذكرنا المقيل في ظلك الظليل يا دوحتنا الورافة ........
جاءنا الخريف هنا و و هطلت الامطار فانهارت بيوت الطين علينا .....
دفنتنا احيا تهدمت علي الاطفال لتقتل الام و الرضيع معاً ...
و من برد الشتاء القارص مات الشيخ و ماتت العجوز جوعاً ..
كل الفصول تبارت و تنافست في محاربتنا و نحن في المنافي النائة ..
فتذكرناك أنت يا ربيعنا الدائم و يا كل مواسمنا الجميلة ...
تذكرنا فيك سنين الخير و الشبع و كل ايامك المباركة بالنعم ..
فيا هيبان ليس في كل الارض مكاناً يسعنا غير ثراك الطيب ..
يا هيبان ليس في العالم وطناً يريحنا مثل ترابك العزيز ..
فمتي نأتي اليك لننام في أحضانك الدافئة ملء الجفون ...
فكل مدن الدنيا و عواصمها الكبيرة و كل فنادق النجوم الخمسة ..
لا تساوي ليلة في قطية من بيوتك القشية او نهار تحت نيمك الظليلة ..
فلا تفاح بيروت الشهية و لا سحر نيروبي الاخاذ ..
و لا مدينة لندن بضبابها و ضجيجها او باريس بأضوائها وابراجها .......
تقدر ان تنسينا ايام العمر السعيد فيك يا هيبان ...
قد نبيت اليوم في سيدني او نيوجرسي ...
و لكننا نظل ساهرين نعد نجومك ياو وطن النجوم ..
فلا قاهرة المعز في مصر أم الدنيا و لا اديس زهرة افريقيا ..
تقدر ان تكون وطناً بديلاً عنك ي هيبان أحلي الاوطان ...
قد يشرب ابنائك من ماء الدجلة و الفرات و من الزمزم ...
و يبقي ماءك هو الماء الحي الذي يروي كل ظمي بنيك العطشانين ...
جميلة أنت يا هيبان و كلك مشتهيات ........
فأنفاسنا من نسمة هوائك النقي و حياتنا من عبير روحك القدسي ...
و في البدء خلق الله الانسان و بعض من الفردوس فيك يا هيبان ...
****************************
هيبان يا دمعة عصية في الاجفان ...
يا نشوة القلب و أريج الفؤاد و بهجة الروح ........
قد نعود اليك اليوم ... غداً او بعد عام او قرن من الزمان .........
لكننا حتماً يوماً سنعود اليك .........
فدعينا عندما تلامس اقدامنا ترابك ........
ان نركع لله ساجدين مصلين شاكرين ..
و اجعلينا ان نقبل أرضك الطيبة الطاهرة متبركين ....
فلون أرضك مخمل و رائحة ترابك قرنفل و رمالك تبر ..
و طعمك بمذاق المانجو .......
وقي صوتك يا هيبان صدي الاجيال السابقه ..
فيا عروسة الجبال يا فتاة احلامنا الحسناء ... يا هيبان ..
هكذا انت جميلة يا هيبان و كل ريفك أخضر و جميل ..
أهل ديارك قوم كرام وبنوك فتيان أشاوس و ابطال ميانين ..
و الرب يحبك يا هيبان فأنت أرض مباركة من بين كل الاوطان ...
ففي كوبنق و ناين يقطن الابل و الليراء الحلوين السمحين ...
و في كرندي و كاوده و كرندل و كمو يسكن التيرا و الاطورو الشجعان ..
في الشواية و مندي و عقب و ايري هناك أهلك من النوبة و الشوابنا و اخرين ..
كل هؤلاء هم اولادك و بنيك يا هيبان و انت البطن اللين الولود ..
و أرضك الواسع يتسع للجميع في الازرق البقارة و الشنابله و الابالة ..
و في هيبان كل النوبةو الفلاته و الجلابة و أهل الجنوب و كل أهل السودان ..
كلهم يجدون فيك عزة النفس و لذة العيش و كرم الاصالة ..
كل أرضك عزيزة يا وطني و كل بنيك يا سودان كرام في هيبان ..

13 / 5 / 2002م





















الطبيعة أمنا بنت الاله

1
ايتها الطبيعة يا أمنا يا هبة الحياة .. يا بنت الاله
ترضين عنا فتهطلين رزقاً من السماء خيراً و رخاء
تزونا فصولك الجميلة الحبلي بالبركات في أوانها
مواسمك البديعة لا تغيب عن أرضنا او تتأخر علينا

2

فيا بنت الاله السرمدي ابسطي كفيك بالحنان
يا امنا الرؤوم أحيطينا بدفء الامومة نبع احضانك
احتوينا بزراعيك اغمرينا بالمودة مدد مدد .. لا تبخلي
ليرتوي ظمي عطشنا الابدي من جداول مياه لا تجف

3


أرفعي يديك باركينا يا أمنا.. أعطفي و أرحمينا
يا بنت الاله افتحي قلبك الكبير بالحب فيضي
برحمتك نوجد و نتحرك و نسبح بايات مجدك
اتسعي زيدي باب كوي السماء بالارض وصلك

4

عليجنبات هذا السهل
فوق تلك الروابي و التلال
سأغرس شجرة ظل وريف
سأبذر بذرة و سأرزع ثمرة
سأشتل ليمونة و مانجو هنا
و هنالك زهرة فل و أقحوان و ياسمين
غداً سأدعو الفراشات و الحمائم و عصافير الكنار
هيا تعالوا معي الي وليمة أفراح عرس زنبقة الحقول ..


قصة الميلاد العجيب


أرتبطت أعياد الميلاد المجديد و أعياد رأس السنة الجديده في الفهم العام لدي الكثيرين حتي كادا ان يصيرا عيداً واحداً .. فبالرغم من الفرق الكبير جداً بين ذكري أعياد ميلاد المسيح المجيدة كمناسبة دينية و رحية خالصة ... نجد ان احتفالات اعياد رأس السنة هي في الاساس تقليد دنيوي بحت .. فتاريخ الاحتفالات برأس السنة عند الاباطرة الرومان و اليونان هو تاريخ سابق لميلاد المسيح بقرون عديدة .. و يبقي عامل الربط بينهما هو التزامن و التقارب الزمني و ارتباط اعياد رأس السنة لاحقاً بأعياد الميلاد من بعد ايمان روما بالمسيحية .. كما يربط بينهما اقترانهما الوثيق بالسنة الميلادية التي تؤرخ لميلاد فادينا و مخلصنا يسوع المسيح .
و نسبة لأثر أغتلاط تقاليد الاعياد الرومانية و اليونانية القديمة بالمسيحية .. فقد تصاهرالتقليد الدنيوي لاحتفالات اعياد رأس السنة بالعقيدة الدينية المسيحيةلاعياد الميلاد المسيح بالطقوس الوثنية التي كانت تقام في اعياد رأس السنة... و اليوم يكاد البعض حتي من المسيحيين لا يفرقون بين عيد الميلاد و رأس السنة .. و الادهي هو ان كلا العيدين قد اتخذا بعداً دنيوياً أكثر من بعدهما الديني طالما ارتبطا بذكري ميلاد المسيح المجيدة .. و السائد اليوم لدي غالبية الناس هو ان عيدي الميلاد و عيد رأس هما مناسبات و اعياد و احتفالات دنيوية خالصة ليس للدين او الروح فيهما مكان.. اذ يتم فيهما تبادل النخب و الرقص و اللهو و العربدة و خم الرماد او فعل السبعة و ذمتها .. و عيد الكرسمس اليوم يحسبه بعضهم عيداً للعبث و اتيان كل الموبقات بعيداً جداً عن معناه الديني و قصده الروحي ..
فما هو المعني الديني و البعد الروحي الذي يمكننا استلهامه لعيد الميلاد المجيد و رأس السنة الجديد .. أن عيد الميلاد المجيد هو ذكري افتقاد الله للبشرية التي ضلت و تاهت من بعد خطيئة ابينا أدم و أمنا حواء .. فبعد طرد ابوينا الاولين من الجنة بسبب عدم الطاعة والعصيان صارت الهوة الفاصلة بين الله و بني ادم هوة كبيرة و شاسعة جداً. و لان عدالة الله العلي القدير القدوس المنزه تكره الشر و الخطيئة .. فقد حتمت عدالة الله و قداستة ان يكون الانسان الخاطيئ بعيداً عن محضره .. كما أن محبة الله الخالق عز و جلت قدرته تجاه الانسان كانت محبة ايدية .. هذة المحبة الالهية فائقة الوصف للانسان رغم شره هي التي جعلت الرب الاله أن يقول للانسان في أية من أيات الكتاب المقدس .. ( محبة أبدية أحببتك لذلك أدمت لك الرحمة ) . و قد تمثلت محبة الله الكاملة و رحمته الابدية للانسان بميلاد طفل بيت لحم اليهودية يسوع المسيح المخلص ..
اذاً فعيد ميلاد المسيح العجيب الفريد هو عيد للروح .. ذلك لان ( الله روح و الذين يعبدونه فبالروح و الحق ينبغي ان يعبدونه ) كما عيد ميلاد المسيح هو عيد لافراح السماء و الارض .. و لا غرابة في ان تنزل الملائكة الي الارض في ليلة الميلاد لتبشر البشر بالميلاد قائلة للرعاة البسطاء .. ( لا تخافوا. فها أنا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب . أنه ولد لكم اليوم في مدينة داؤد مخلص هو مسيح الرب ).. لم تكتف الملائكة بالطمأنينة التي بشرت بها البشرية جمعاء بأن لا يخافوا فيما بعد .. فالملائكة كانت تدرك كم الازمنة السحيقة التي قضتها البشرية في الخطيئة في الخوف من العقاب الذي يستحقونه جراء فعل الخطيئته .. ارادات السماء من خلال الملائكة ان تبث في النفس البشرية سلام الله الذي يفوق كل عقل الذي لم يكن البشرية تعرفه .. كما اردات ان ترجعه الي السماء التي طردوا منها بسبب الخطيئة ... و قد حشد الله لهذا الامر العظيم الجلل جمهور من جند السماء .. و قد تغني هذا الكورال السماوي الموصوف بجمهورمن جند السماء الذي لا نستطيع تخيل عدده .. انشد و ترنم بأعذب و أجمل و أسمي نشيد كانت البشرية و ما زالت تتوق الي سماعها ... و سيظل البشر في مشارق الارض وفي مغاربها ابداً تواقين مشتاقين متلهفين لسماع شدو غناء الملائكة التي ملائت السماء و الارض معاً بصدي البشارة السارة .. تلك البشارة التي تقول ان ( المجد لله في لاعالي و علي الارض السلام و بالناس المسرة )
فهل تسمع معي صدي هذا اللحن الروحي الملائكي الشجي الاخاذ.. فسحر موسيقاه توحد كل البشر و ان اختلفت مللهم و اديانهم ..و قوة الفاظه تعد علي الاطلاق من اقوي الكلمات الاليهة التي تربط الارض بالسماء و تعيد للانسان علاقته التي كانت مقطوعة مع بالله .. و الرابط الذي يربط السماء بالارض هو الطفل الذي تنبأ به النبي اشعياء قبل ميلاده بنحو خمسه قرون قائلاً ( لانه يولد لنا ولد و نعطي ابناً و تكون الرياسة علي كتفه و يدعي اسمه عجيباً مشيراً الهاً قديراً اباً ابدياً رئيس السلام )
و هذا هو المعني الروحي العميق جداً لعيد ميلاد فادينا و مخلصنا يسوع المسيح ... فهل تجد في هذه المعاني الروحية السامية ما يمت بصلة الي أي عبث او فوضي و عربدة .. اننا مدعون جميعاً الي استنباط القيم الروحية الجميلة التي تعكس الروح المسيحية الحقيقة التي بشرت بها الملائكة الرعاة .. كما نحن مدعون ايضاً الي اتباع خط سير الرعاة ساعة سماعهم لنبأ ميلاد الطفل يسوع المسيح .. فأسمع معي ما قاله الرجال الرعاة لبعضهم فور سماعهم لنشيد جمهور جند السماء .. ( و لما مضت عنهم الملائكة الي السماء قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الان الي بيت لحم و ننظر هذا الامر الواقع الذي أعلمنا به الرب ) ..

24 / 12 / 2007م






سـودري مدينتي …( 1 )
قصة قصيرة

أنها مدينة قديمة تقع في الطرف الجنوب الغربي للصحراء الكبري .. و محلية سودي مترامية الاطراف ، و للذين يقولون بأن مساحة دارفور تساوي مساحة فرنسا .. أقول بأن دولة سويسرا ستذهب شمار في مرقه ان وضعت علي خارطة محلية سودري .. فمحلية سودري واحدة من محليات ولاية شمال كردفان ، و أديم أرضها مغطاة بكثبان الرمال الذهبية في أشهر الشتاء و الصيف .. و في فصل الخريف تتشح سودري بالاخضر الزرعي لتداري بعض سحر بريق تبرها تواضعاً لله … في تضاريسها بعض الجبال التي طالتها الزحف الصحراوي لتجعل منها الجبال الرميلة .. بها امارات عدة بعدد قبائلها الكثيرة من كبابيش و كاجا و كتول و كواهله و يوجد بها ايضاً امارة الجبال البحرية .. أما الجبال فقد شاهدتها و لكنني أعثر أي بحيرة او رهد عدا تردة أم بادر الفاتنة الجميلة .. و من يدري فرمال سودري التي تغطي سطوح الجبال قادرة علي دفن البحار و الانهار .. فقط نتمني ان لا يمد الزحف يده الي وادي الملك و وادي هور و ان لا يمس بطرف اصبعه بحيرة أم بادر الموسمية... يتباهي أهل مدينة سودري بأن مدينتهم تأسست منذ العام 1917م .. و ها انا اتطوعي بتذكيرهم للاستعداد للاحتفالات باليوبيل الذهبي لمدينتا العريق .. فيوبيل سودري يقع علي مرمي أقل من عشر سنوات من الان
السفر الي سودري من الابيض او من أم درمان و دنقلا او من الفاشر .. السفر الي سودري او منها شاق و متعب و لا استطيع وصفه بأنه قطعة من جهنم .. فالطرق اليها من المدن الرئيسية سالفة الذكر وعرة يبسط عليها طغيان القيزان يد سيطرتها الكاملة .. أما عن الطرق الداخلية لمدينة سودري فحدث و لا حرج فبالرغم من الوحل الذي ينهك طاقات البشر و العربات .. لم يتم ردم شبر واحد من الطريق الرئيسي الذي يربط سوق المدينة برئاسة المحلية و الدور الحكومية ..
أن الجفاف الذي ضرب أرض السودان و شرق افريقيا بقساوة في العام 1984م .. كان اكثر قساوة و رعونة مع سودري التي كانت في الاصل شبه صحراوية يغنيها الفيها من طبيعة قاسية جدباء .. أبت نفس جفاف سنة 84 م الا ان يأتي علي اليابس و الاخضر ان وجد خراباً و تدميراً للطبيعة التي كانت تقاوم لتبقي .. اقتلعت العواصف الصحراوية الهوجاء الشجيرات من جذوره لتجعل سافلها عاليها و عاليها سافلها … نفقت الانعام من الماشية و الابل و الماعز و الضأن و مات البشر ايضاً .. جفت ينابيع المياه في الابار الجوفية و السطحية أن وجدت علي قلتها و أتي القحط و الجوعي و الفقر و العوز علي كل شي .. و من وقتها عرف البشر من أهالي تلك البقاع الامنة معاني الاغتراب و الهجرة و النزوح .. اتجه بعض القوم شمالاً و استوطنوا علي مشارف تخوم أم درمان و قد سميت تلك الاماكن فيما بعد بمعسكرات النزوح بكل من المويلح والشيخ ابوزيد .. و اختار أخرين منهم البقاء في كردفان فسكنوا عند مداخل مدينة الابيض الشمالية الغربية .. و أخرين فضلوا الرحيل الي أقصي الشمال فأحتضنتهم مدينة دنقلا و بعض مدن الولايات الشمالية ... اما المقتدرين من الرجال و الشباب فقد اغتربوا الي ليبيا و السعوديه .. و هناك هاجر الي في أرض الله الواسعة الي ما وراء البحار . لم يسلم من الجفاف تلك الاعوم حتي الأيائل التي تستوطن الصحاري النائة فالغزلان البرية ايضاً رحلت و الصقور الصحراوية هاجرت و اختارت هي الاخري البعاد .. و بذلك هجر الصيادين المحليين و هواة الصيد الذين كانوا يأتون الي السودان من دول الخليج هواياتهم و كفوا عن مواسم السياحة الي سودري ..
جاء الجفاف و ضرب ولايات السودان الشمالية متزامناً مع الحرب الذي اشتعل قبله بعام واحد في ولايات السودان الجنوبية .. و قد فتحت الحرب و الجفاف معاً ابواب السودان واسعاً علي مصرعية لكل دول العالم كي لتلج و تخوض في الشأن السوداني الداخلي .. و ارتهن القرار السوداني بالمعونات و الاغاثات و بعض المأرب .. و عرف السودانيين التوكل و التسول و مد اليد الي الاخرين طلباً للعون و انتظاراً لأخذ الهبات و الاغاثات التي أهانت كرامة الانسان السوداني ..
و من وقتها و سودري لم تعد الي عافيتها الاولي .. فالازمات الطبيعية من الكوارث ظلت تتوالي عليها عاماً بعد عام ... ارتبطت اسم سودري بالجفاف و شح الامطار و العطش و ندرة المياه لاكثر من ربع قرن .. ففي الخمسة و عشرون عاماً الماضية كانت سودري صامدة بقوة و صلابة ارادة في وجه الجفاف .. و كانت عزيمة سودري تتجدد كأجنحة النسر العنيد الجبار الذي يسبح ضد الجاذبية الارضية في عنان السماء .. و استحقت سودري بعد سنين القحط ان تغتسل بمياه الامطار الغزيرة التي هطلت عليها بالبركات في خريف العام 2007م .. هطلت الامطار علي محلية سودري كما لم تهطل من قبل فأرتوت الصحاري و شبعت القيزان ماءاً .. فأن جاء الخير الي سودري متأخراً فسودري ترحب به و تفتح له زراعيها و تفرش له أرضها .. و الشجيرات التي انتحرت يوماً انتحاراً جماعياً ستعود لتنبت من جديد في كل الوديان .. و ستعلن الارض اليباب أزمنة للتصالح مع زرقة السماء التي تبشرها بالسحب و الغيوم المشبعة بالمياه و الامطار ..
عاشت سودري المدينة و كل ريفها من قري و فرقان بوادي في طيلة السنين الماضية تحت نير العطش و الظمي .. فالمدينة يأتيها المياه من مسافة تبعد عن مركزها ما يقارب العشرين كيلو متراً .. و الماء المجلوب الي سودري من دونكي المراحيك يصلها عن طريق تناكر المياه التجارية او تلك التي تستثمر فيها بعض المؤسسات الحكومية .. و بفضل تلك الابار التي حفرت حديثاً في ام مراحيك تجاوزت سودري مرحلة ندرة المياه .. و لكنها لا تزال تعاني غلائها فبرميل الماء في سودري بنحو خمسه جنيهات .. و هذا المبلع رقم كبير جداً لمدينه تعد من افقر مدن السودان بحسب تقديراتي الشخصية ..أن برميل الماء ابو الخمسه جنيهات غير مقدور عليه من قبل المواطن الفقير في سودري .. و اذكر ان الخط الناقل لمياه سودري تم مسحه في العام 1994م بتكلفة قدرها عشرون مليون جنيه سوداني ان لم تخونني ذاكرتي الضعيفة .. و استمرت وعود الحكام و الولاء و كل زوار سودري من الرسميين تتوالي .. و حتي المنظمات الوطنية و الاجنبية ظلوا يعدون الواطنيين بالحل الجذري الشامل لمشكلة المياه .. و لكنها كلها وعود سياسية لا تساوي قيمتها تلك الخطب الرنانة التي يتفوه بها المسئولين بمناسبة و بدونها .. ففي خريف العام 2006م سمعت من فم احد المسئولين عن محلية سودري يبشر المواطنين الغلابة بأن الشيك الخاص بمياه سودري جاهز للصرف .. و ان المبلغ قد تم ايداعه في البنك و أنقضي الخريف الاول و و لا حس و لا خبر عن المبلغ او الشيك .. و جاء الخريف الثاني و كانت أرداة السماء اصدق من كل وعود السياسيين و غيرهم .. هطلت أمطار غير مسبوقة في سودري لتمتليئ جميع منها الاودية و الخيران و الرهود و الفول .. و لأول مرة منذ العام 1946م بحسب الكبار في سودري تفيض المياه و تخرج سودري من دائر العطش و سنين الجفاف العجاف.. و اليوم تنعم سودري بالماء المدفوع القيمة مقدماً من السماء ...
و كل عام و سودري مدينتي بالف خير
20 / 12 / 2007م

مصرع كلالو بالطرنقع
من قصص الواقع و الخيال في جبال النوبة

و الطرنقع بعربي منطقة هيبان بجبال النوبة هو الصاعقة .. ولظاهرة الرعود و الصواعق تفاسيرها العلمية المعروفة لدي عامة المتعلمين و غيرهم .. اما الطرنقع عندنا في منطقتنا هيبان فله تفسيره الخاص .. فهو عقاب من الالهة و الارواح للمجرمين و المخربين.. هذا العقاب هو عقاب فوري لا علاقة له بيوم الحساب او القيامة ... وهذا ما يجعل الناس هناك يخافون من الطرنقع اكثر من مخافة الله الخالق جل جلاله او يوم حسابه المؤجل... للطرنقع طقوسه و اسباره و مشايخة و احباره .. عندما كنا صبية صغار كان الطرنقع يشكل لنا واحد من الحوجز اليوميه .. فهو يشكل اكبر مصدر من مصادر الرعب و الخوف في كل فصل فصول الخريف . .. و عند المطر و انت ترعي غنمك فلا حيلة لك الا ان تنادي النبي نوح لحمايتك لحظة رؤيتك للبرق او سماعك لصوت الرعد . ذلك لان الطرنقع كان في كل خريف يضحي بواحد او اكثر من سكان بلدتنا او تخومها القريبة .. و لكل ضحية من ضحاياه حكاية و قصة مغايرة تماماً عن الاخريات .. فحكايات الطرنقع غالبا ما تكون مربطة بالسرقات و خيانة الاماناتا او الحلف زوراً بعدم ارتكاب جرم السرقة او تخريب مزارع و حقول الاخرين .. و في احياين اخري يلعب الطرنقع الدور الاخير كرادع في اظهار المجرم او الجاني .. فبساطة الناس هنا تجعلهم يلجأون الي رجل الطرنقع حتي في اختلافاتهم اليومية البسيطة التافهة التي لا تترقي الي الحكم علي الجناني بالاعدام رمياً بالطرنقع.. و في الغالب الاعم يتخذ بعضهم الطرنقع وسيلة تهديد و ترهيب لانتزاع الاعتراف من الصبية الصغار الذين يرعون ابقارهم في المزارع و يتلفون المحاصيل .. و كثيراً ما ينجحون في جعلهم يعترفون فتنتهي المشكلة بالجلد او الغرامة ورد المسروقات بحسب حجم الخسارة او دفع قيمتها..
و للطرنقع مقدرة فائقة جداً في تحديد مكان الجاني بدقة فائقة و القصاص منه و ان أختفي وسط كومة كبيرة من الالف البشر .. كما ان للطرنقع طقوس و اسبار تتبع ،فقبل ذهاب المجني عليه الي رجل الطرنقع .. يتوجب عليه ان يذهب اولاً الي المك ليبلغة بمظلمته و نيته في رد هذه المظلمة عن طريق الطرنقع .. علي واجب المك تجاه رعيته ، وهو استدعاء المعلن لاستعلام اهل قريته و سائر القري المحيطة ، البعيدة منها و القريبة .. و الاعلان او الاعلام يتم عن طريق البوق و هو الة صوتية محلية يصنع من قرون الثيران.. أن مهمة صاحب البوقهي مهمة صعبة و غاية في الاهمية اذ عليها يتعتمد الشاكي في تكملة الخطوات القانونية التالية .. و الخطوات هي واحدة من اثنين لا ثالث لهما ، ان يظهر الجاني و يعترف فيتم تسوية القضية جنائياً .. و الاخري هو تصريح المك له بالذهاب الي رجل الطرنقع ... و في الحالة الاخيرة يذهب المشتكي الي شيخ الطرنقع بصحبه واحد من مشايخة المك كأشارة خضراء بالتصريح بالطرنقع ..
و رجل الطرنقع في الغالب هو كهل و شيخ كبير ذو مهابة ووقار يجله قومه بقدر مهابتهم و خوفهم منه .. شيخ الطرنقع نادراً ما يراه الناس كسائر بني ادم .. فهو يقطن و يقيم في قطية مبنية بالحجارة والقش علي رأس تلة تبعده عن عيون المتطفلين بمسافة مقدرة.. كما ان هؤلاء الاخرين دائماً ما يتحاشونه ، فيسلكون الطرق التي تأمن عدم ملاقاتهم له قدر الامكان .. و قلعة كجور الطرنقع هي الي حد كبير تشبه عرين الاسد ملك الغابة الذي يخافه كل الحيوانات ..
ان مقابلة الرجل الشيخ ليس بالامر الساهل الهين كما يتبادر الي الذهن .. فالمقابلة تتم بمزاج الشيخ و ترتيبات اعوانه و مساعديه .. و لا تتم اللقاءات الا بعد استشارته للالهة و الارواح من خلال اجراء طقوس و اسبار ليس لنا بها .. بعدها يخرج الشيخ للقاء الشاكي و قد يتم ذلك بعد بضع ساعات و احياناً بعد ثلاث ايام او اسبوع و اكثر.... !! و علي المشتكي مد حبال الصبر حتي ينال بغيته فأرواح البشر ليست سائبة.. الانتظار طويل و ممل يكاد ان يسل روح الشخص الشاكي المظلوم قبل ان يتمكن من النيل من غريمه المجهول بعبوة الطرنقع الدواي ذات الضغط الكهربائي العالي جداً ..
بغتة علت أصوات نسوةً بالزغاريد التي اخترقت جدار الصمت و السكون .. و من مكان اخر غير بعيد سمع صوت موسيقي و الحان و غناء الحسنوات بشجوي عذب جميل .. ها هو الوحش الجبار يخرج من قلعته اعوانه يهتفون و يههللون وصدي زغاريد و انشاد البنات تصك الاذان .. و المارد يزهو بجلبابه المزركش بجميع الالوان الصارخة .. و تعلو هامته تاج او اكليل مزينة بريش الطاؤوس و النعام و الهدهد .. ها هو قد خرج انه يمسك الصولجان بيده اليسري و باليمني كان ممسكاً بذيل او بذنب حيوان غريب يحيئ به جمهوره .. بدأ الجمهورمهرجان من اللعب و الرقص الما خمج و الشيخ يتبختر في مشيته فهو ي حاكي خيلاء الطاؤوس الذي يكلل رأسه بريشه ..
تم اللقاء و قبل شيخ الطرنقع شكوة المشتكي اذ أعطاه الضوء الاخضر في المضي قدما و اجراءات سبر الطرنقع و تكملة الطقوسه اللازمة بعد دفع مقدم البياض .. رجع الشاكي لي بيته و الي اهله .. فقد فعل ما عليه و ترك باقي المهمة متروك للشيخ .. لم ينتظر الشيخ لوقت طويل فالامر لا يحتمل الانتظار و المقدم المدفوع في بطنه .. خرج الشيخ باكراً في ذات صباح يوم اسود بادياً طوافه الذي الشؤم.. و كان المبوق يسبقه في كل القري المحيطة للاعلان و الانذار الاخير و لا حجة من بعد لمن انذر ..
اما عن حكاية كلالو بطل قصتنا علي ذمة الرواة فهي كالاتي .. فقد قدم بعض القوم من تلك الروابي و التلال او الجبال الجنوبية الي أراضي السهول الشمالية الخصبة .. طلب القوم من كلالو ان يسمح لهم بالزراعة في تلك الاراضي البور التي تتاخم حقوله .. سمح لهم كلالوعن طيب خاطر بتجهيز الارض و نظافته بأقتلاع الاشجار الضخمة الكبيرة التي نمت و ترعرت في الحقول في سنين الحرب.. و مع بداية فصل الخريف كانت مساحة الارض المعدة للزراعة جاهزة لبذر البذور . .. نشط القوم في الزرعة و اجتهدوا في نظافتها من الحشائش الطفيلية فكانت زراعتهم ناجحة بنسبة كبيرة جداً حسدهم عليها كلالو و كثيرين من المزارعين الكسالي ... عند الحصاد حصد القوم عيوشهم و باقي المحاصيل التي زرعوها .. فرح القوم بحصادهم الوفير فجمعوه في مكان واحد احاطوه بسياج من الشوك ( زريبه) .. تركوا المحصول في المزرعة ريثما يحين وقت دق العيش و اللوبيا بحسب المواسم و التواريخ و الفترات الزمنية المتفق عليها.. فلتجهيز الارض وقت و للزراعة وقت ، و وقت للحصاد و أخر لدق العيش و اللوبيا و اوقات اخري لاسبار و مهرجانات اعياد الحصاد ..
لم تسع الفرحة صدور هؤلاء القوم بالخير الكثير الذي جنوه فتباهوا و تفاخروا و غنت البنات أغاني الحصاد مادحات الشباب منهم كأبطال و فرسان للقبيلة .. و لم يسع الغيظ و الحنق صدر كلالو فتغير ملامح وجهه و كشر عن انيابه .. عشعش شياطين الغيرة في عقله و فاض قلبه بثورة عارمة تغذيها روح سيطرت عليه و تدفعه دفعاً الي فعل شي ما .. في ليلة من أحدي الليالي القمرية كان الشباب يرقصون فرحاً بأقتراب اعياد دق المحاصيل.. في ذات تلك الليلة شبت نيران صديقة علي زريبة المحاصيل القريبة او المجاورة لمزرعة كلالو .. و عند الصباح حضر القوم باكراً لدق العيش و اللوبيا .. و لكنهم فوجئوا بأن حصادهم تحول الي اكوام من الرماد التي صارت الرياح العاتية تزريها في عيونهم كأن تحالف الجناة و الشامتين من المزارعين الذين فشلوا في اخفاء علامات الرضا ...
جن القوم وطار النوم من عيونهم .. وجهوا الاتهامات و كالوها الي من ظنوا انه وراء تلك المؤامراة او الجريمة النكراء .. هرعوا الي المك الذي فتح لهم بلاغاً ضد مجهول .. كيف يفتح البلاغ ضد مجهول و النار او الحريق قد شب بفعل فاعل .. لا بد من اظهار المجرم او المجرمين مها كلف الامر .. و لكن كيف السبيل الي ذلك ضرب القوم اخماسهم باسداسهم .. فكان فكرة الطرنقع هو الحل الوحيد الشافع الناجع فاطمئنت قلوبهم و هدأت خواطرهم قيللاً ..
اما باقي حكاية الطرنقع و طقوسه و اسباره فأنتم علي دراية كاملة بها .. كانت فترة الانذار كافية جداً .. و كان للجاني الذي اشعل النيران في الحصاد فرصة كافية للاعتراف و طلب الصفح و انتشال روحه التي باتت مطاردة بالطرنقع .. كانت اصابع الاتهام تشير الي كلالو ليس سواه .. و في اول الخريف عندما بدأت البروق و الرعود و الصواعق ترسل اشاراتها المرعبة بصورة غير مسبوقة .. تطوع بعض المشفقين و تحدثوا الي كلالو طالبين منه الاعتراف .. ترجوه حتي يتثني لهم اسكات هوس دوي الرعود و اغماض اضواء البروق التي كانت تحيل ليالي المنطقة كلها الي خطوط من تقاطعات الانوار الساطعة في كل ليل .. رفض كلالو كل النداءات التي وجهت اليه حتي يتمكن الناس من تبريد الطرنقع قبل فوات الاوان .. و ذهبت كل الرجاءات و التوسلات ادراج الرياح ...
كاد خريف ذلك العام يكمل دورته بدون ضحايا و اخذ الجميع يتنفسون الصعداء .. وفي منتصف شهر نوفمبر تشرين الثاني المعروف بالدرد من ذلك ظن الجميع بانهم قد باتوا في امان من شر الطرنقع المستطير .. و لكن اذا بهم في ظهيرة يوم احد من الاحاد يفاجئون بأهوية اترابة و رياح و عصار تداهم بلدتهم من كل الاتجاهات الاربعة .. السماء كانت صافية في زرقتها التي تجعلك تحس برؤية النجوم في رابعة النهار .. و قيل بأن تلك الاهوية و الرياح كانت علي عجلة من أمرها تبحث في كل الامكنة التي يرتادها كلالو .. ذهبت اليه في مزرعته و لم تجده .. وعندما لم تعثر عيله في بيته زلزلت الدار و خلعت كل القطاطي و الرواكيب و نثرت قشها في تلك الارجاء الواسع قشه قشه.. هبت الرياح العاصفة مسرعة الي السوق مصاحبة معها الرعد و البرق .. كان المستر كلالو وقتها في السوق حيث ساد الهرج و المرج و الارتباك بين الناس .. كأنهم كانوا علي علم و دراية بأن المطلوب و المستهدف من هذه الانواء هو كلالو .. كان كلالو يحاول حشر نفسه وسط الناس .. و لكنهم كانوا ينفضون من حوله في سرعة البرق التي كانت تطارده .. تيقن كلالو من امره فأراد ان يصتحب معه أي نفر من الناس الي الدار الاخر .. اسرع الخطي نحو الطاحونه و عندما التفت صاحبه كجوجو الذي كان امامه الي الخلف ابصره علي بعد بضع خطوات منه فأطلق ساقيه للريح .. كان كلالو ينادي كجوجو محاولاً ايقافه و لكن بلا جدوي .. وصل كلالو الي الطاحونة حيث كان بعض البنات ملتفات حول جزع شجرة نيم كبيرة يحاولن مقاومة الرياح و الاختباء من البروق و الرعود و ما سياتي من بعدها لا قدر الله ..
صافح كلالو احدي الفتيات التي حاولت ان تتخلص منه بقدر الامكان و لكنه كانت يشد من قبضتها .. و في خبثه كان يحدثها عن صداقته لابيها و العلاقة الحميمة التي تربط اسرتيهما .. كانت اللحظات قاتلة علي البنت .. ابتدأت الامطار في التساقط ليعقبها صاعقة قوية فالتحم الجسدين ليسقطا أرضاً .. مات كلالو جزاء فعلته و ماتت البنت بلا سبب و لا جريمة او جريرة .. فلماذا أقتص الطرنقع من المجرم و البرئ معاً علي حد سواء ... ؟ لست أدري .... و لماذا لست أردي .. لست أ دري ....

20 / 12 / 2007م










لك الله يا لبنان
****


1
لك الله يا لبنان و انت في أوج محنتك تصمدين ...
لك الله يا بيروت يا مدينة الدموع العصية ...
فعلي كل شبر من أرضك الطاهرة جرح غائر يزف دماً ..
فأمطار الصيف تهطل عليك دماراً و خراباً و عذاب ...
فوق سمائك المفتوح يا بيروت ها هي طائراتهم تهوم ...
علي أرضك المكشوف يا لبنان يسقطون عليك النيران و الهمم ..
اطنان القنابل تدك كل الجسور و الطرقات دكاً ...
أنهم يقتلون البشر و الشجر و الحجر ...
2
لبنان يا بلد الشواطي و المرافيء البديعة و الروابي الخضراء ..
في مياهك يا شواطي صيدون و يا صور البوارج تسبح...
كل مرافئك الامنة لم تسلم من الضربات اللئيمة ...
بحرك محاصر .. برك مقطع الاوصال ...
سمائك مستباج و جوك يا لبنان منتهك ...
هوائك النقي سمم بالعنقودي و الفسفوي المحرم ...
و كل الذين قصدوك يا بيروت الجميلة غادروك مهرولين ...
فر منك السواح و العاشقين ولوا هاربين ...
3
لبنان يا وطن المهاجرين منذ الاف السنين ...
الي متي ستظلين ترسلين اكبادك الي ما وراء البحار ...
الي متي سيظل اولادك في المواني و المطارات منتظرين منك ...
كل المواسم الواعدة بالخيرات تهرب و تفر منك يا لبنان ..
لبنان يا وطن الارز و الزيتون كيف سرقوا من أرضك السلام و الامان ..
أنهم يهدمون بيوتك علي رؤوس الاطفال الابرياء ..
من يسمح عنك الدموع و الدماء و من يزيل الخوف و الرعب ...
فبكاء نساء اللائي فقدن اكبادهن .. و جزع كهول ضلوا الطريق ...
4
لبنان يا وطن الصمود كيف يتركونك وحدك للمصير ..
انهم يغضون الطرف عنك في الشد ة و البأس ...
الذين كانوا بالامس القريب يفتنون و يدعون بالزود عن حياضك ...
الذين كانوا يحرضون و يدقون الطبول أين هم الان منك ي لبنان ...
ها هم يشاهدون مأساتك يا لبنان و لا يحركون ساكن ..
كلهم يا لبنان أجلوا رعايهم و اقفلوا سفاراتهم ...
أما انت يا لبنان فستبقين هنا تواجهين وحدك كل البلاء ..
أنت يا لبنان ستصمودين و ستصبرين و تثابرين ..
5
أرضك اليوم يا لبنان معمل لتجريب القنابل ...
أنهم بلا خجل يختبرون قدراتهم علي التحطيم التدمير ...
يقيسون المدي و الاذي بالصواريخ الجبانة ...
يجربون القوة العمياء و يمتحنون براعة القتل الارعن ..
كل العالم قد صار جباناً يا لبنان ...
كل العالم فقد الحس صار عالمنا أعمي و ابكم و اصم ..
ولاة العالم و قادتها باعوا ضمائر هم .. و ضمائر الشعوب حية يا لبنان ..
و تخلوا عنك يا لبنان و شريعة الامم اضحي في طي النسيان ..
6
قالوا انهم يخلطون الاوراق لاعادة قواعد اللعبة من جديد ...
كذبوا قولهم باطل لانهم لا يراعون في اللعبة ادني المعايير ...
تجاوزا كل الخطوط لانهم اصيبوا بداء عمي الالوان ...
فلكل حروب العالم خطوطها الحمراء الا حربك القذر يا لبنان ..
ارواح اطفالك تزهق بلا شفقه .. و اجسادهم تقطع اشلاءً بلا رحمه ..
البسمة الحلوة علي الخدود تشوه .. و الضحكات تسرق و تقتل ..
عويل النساء التاءهات في شوارعك يا بيروت تبحث عن الاجابة ...
و السؤال يا بيروت الي متي ستكونين أرض لصراعات الاخرين ..
7
و قد نسأل في يوم من الايام الشيخ حسن نصرالله ...
عن الحسابات الصحيحة و الخاطئة و عن العبر و الواعظ القادمه ..
و سنسأل اسرائيل عن شهوة القتل و السحق و الدمار و عن النصر و الهزيمة ..
سنسأل اسرائيل عن انتظار الذرائع و ترقب الفرص لتدمير لبنان ..
و قد نجروء و نقول لأيران الحليفة الصديقة أين كنت في يوم الشدة و المحن ..
ان قوتك يا امريكا العظيمة قد صار وهماً و هوساً و جنون....
انا في انتظار ان تعود الي الامم المتحدة قوتها و عزمها ...
و انا في انتظار ان يعود الي مجلس الامن ناصية القرار و نفوذ التطبيق ...



18 / 7 / 2006م


















الكهنة والشعب في ميانمار.. !
**********

قد تكون مثلي فمعرفتك بالديانة البوذية هي المعرفة العامة التي يعرفها يعرفها اصحاب الديانات السماوية عن الديانات سائر الاخري ... كما ان معلوماتنا عن الكهنة البوذيين و ممارساتهم و طقوسهم الدينية القاسية قد لا تهمنا كثيراً في الوقت الراهن ...و لسنا هنا بصدد النقاش عن الاديان و كثرتها او عن تشعباتها المعقدة ... لان كل صاحب دين او مذهب طائفي يؤمن بأن دينه و عقيدته و مذهبة هو الصحيح و هو الحق اما كل الذين علي غير ملته فهم علي ضلال و مصيرهم النار .. و قد ينظر كل المتطرفين في العالم من اصحاب الديانات السماوية الي البوذيين بنظرة الاستعلاء الديني ... و علي أساس هذا القياس الغير عادل فهم ينظرون الي ثورتهم و انتفاضتهم بسلبية هذا المنظار الضيق جداً ... و هذا ما و يحجب عن عيونهم رؤية مأساة هذا الشعب الذي يعيش حياة العوز الفقر هوصابرعلي حكامه المستبدين الطغاة ما يقارب العشرين عام ...
أن الاحرار في كل ارجاء العالم لا يملكون الا ان يتعاطفوا مع الشعب البورمي و يأزروه في ثورته ... حتي ينال المطالب و الحقوق الديمقراطية ليعيش كسائر الامم و الشعوب الحرة ... و مهما اختلف وجهة نظرك عن الرهبان البوذيين فأنت تملك الا ان تحترمهم لوقارهم الجم ... انت لا تملك الا ان تبدي الاعجاب بالبساطة التي تسيطر علي ملامحهم المسربلة التواضع ... خرج كهنة ميامار من معابدهم التي قل ان يخرجوا منها لأي سبب من الاسباب الكثيرة التي لا توافق مذاهبهم الدينية ... تلك المذاهب التي تدعو الي الزهد و التقشف واذلال الجسد و قضاء جل الوقت في التأمل في الالهة و الصلاة اليها ... و خروج الرهبان و تركهم لأديرتهم هو استجابة وطنية و ربما هو نداء ديني ايضاً ... أن تركهم للمعابد و الأديرة هي تلبية و تضامن و تجاوب مع نداء الشعب ضد واحد من ابشع رموز الدكتاتورية التي لا تزال تحكم علي شعوبها بقوة الحديد و النار في عالمنا المعاصر عالم الالفية الثالثة ..
فبعض الثورات التي شهدتها العالم في الاعوام الاخيرة كانت حمراء و بعضها برتقاليه و اخري صفراء... وشهدت لبنان ثورة الارز بعد مقتل رفيق الحريري و في الانتفاضة الثانية وقام اطفال فلسطين في ثورة الحجارة .. و يوجد ايضاً ثوار في مختلف بقاع العالم يفضلون أن يلونوا ثوراتهم بالدماء القانية .. و بعض شعوب في ثوراتهم يدمرون اوطانهم و يقتلون شعبهم بدون تميز يفعلون ذلك كأنهم يقولون علينا و علي اعدائنا ... و لست ادري كيف يصنفون تفجيرات بغداد و باقي المدن العراقية بالثورة .. لا فهي ليست ثورة بأي حال من الاحوال لانها تدمر و تخرب لكل شي انها تقتل الاطفال الابراك تهلك لأنفس من غير ذنب .. كما ان بعض من الحكام المستبدين ترهبهم الثورات و تخيفهم و لكنهم لا يكلفون انفسهم عناء البحث عن السبل الممكنة و الخيارات الافضل و المتاحه لحلول المشكل مع شعوبهم .. فهم فقط يفكرون في ايجاد اقصر الطرق التي تمكنهم من البقاء علي كراسي السلطة و هذا ما يجعلهم يفرطون في استخدام القوة و البطش و التنكيل و القمع الزائد و التقتيل ...
اما شعب ميامار فقد اختاروا ان تكون ثورتهم صفراء بلا ضجيج و لاصخب و لا تحطيم و تكسيرا و تخريب.. اختار الشعب ان يكون ثورته علي طريقة زعيم الثورات السلمية المهتاما غاندي و هو علي فكرة رجل دين بوذي .. عاش في بريطانيا التي كانت تستعمر بلاده و تعلم في مدارسها .. عاشر المسيحين و دخل كنائسهم و قد وجد المثالية في المسيح و اتخذ من تعاليمه المباديء السامية و القيم الجملية نهجاً لحياته و سلوكه ... و لكنه عندما اصطدم بواقع ممارسة المسيحيين في الحياة العامة قال لهم وقولته الشهيرة ( أحب مسيحكم و اكره مسيحيتكم ) . و الذي يهمنا هو ان غاندي أسس للثورات البيضاء و أكد مبدأ القوة التي تكمن في الضعف .. و علي نهج غاندي سلكت داعية الحريات و الديمقراطية البورمية اونغ سان سوكي المرأة البورمية الحديدية التي قادت ثورة الطلاب البورميين في العام 1988م .. و اونغ و هي ابنة الرجل الذي قاوم الاستعمار و رفع علم استقلال بورما .. قادت اونغ سان ثورة الطلاب حتي النصر حيث تم لها ما ارادت فأنشئت الرابطة الوطنية للديموقراطية التي استطاعت بدورها ان تصل ببورما الي مشارف الديمقراطية لولا قمع العسكر و تشبثهم بالسلطة .. و ما اشبه اليوم بالبارحة فها هي ميانمار تخرج الي الشوارع بعد عشرين عام لتواصل ما انقطع من ثورة الزحف الاصفر ... فازت اونغ سان بجائزة نوبل للسلام و قد خاطبها رئيس اللجنة في لحظة تسليم الجائزة قائلاً هذه (نموذج رائع لقوة من لا سلطة لهم )
و الامل الكبير لشعب ميانمار هذه المرة هو تضامن كهنة رانجون و انحيازهم التام الي خيار الشعب بل و تقدمهم لقيادة ثورتهم البيضاء. ها هم الكنهة البوذيين في مسيراتهم السلمية يجوبون شوارع كل المدن البورميه من اقصاء الي ادناها و الارادة القوية ستحقق لهم ما يربون الي تحقيقه ...
و هذا ما أزعج العسكر ... هذا ما أهتزت له عروشهم في رانجون العاصمة فتحسسوا بنادقهم بل اطلقوا نيرانها علي الشعب ... ان القمع الارعن الذي يمارسه حكام رانجون هو تعبير من اصابهم الخوف و الرعب ...
هان الوقت لكي يصحو الضمير العالمي و يقف مع الشعب البورمي في محنته ... فقد سكت العالم في العام 1988م عندما بطش حكام بورما بالطلاب فقتلت منهم اكثر من ثلاث الاف شخص ... أن المأساة ستتكرر اذا لم يتحرك الامم المتحدة بأيجابية و فعالية و قوة تضغط بها حكومة ميانمار حتي تستجيب لمطالب شعبها المتعطش الي الحرية و الديمقراطية و الحياة الافضل ....
نأمل ان لا يستكين قادة العالم الحر بالفرجة و المشاهدة و الاكتفاء بأبداء الاسف و الاستنكار فقط .. نأمل ان يقوموا بواجهم الاكمل تجاه هذ الشعب ...


الملكية العمرية ...
قصة قصيرة

بحسب حكايات جدته و امه و ابيه عن سنة ميلاده ، يمكنك ان تستخرج له شهادة التسنين بهذا التاريخ 1 / 1 / ----- م .. أضف أي عام من اعوام القرن الماضي فأنت علي صواب ... وقد تزيد او تنقص من عمره عدة شهوراو عقد من الزمان و هذا لا يفرق بقليل او كثير .. أن تاريخ ميلاده مقرون بسنة المجاعة الذي ضرب قريتهم و اسم رئيس دولة ما تقع في ما وراء البحار .. انه الرئيس الذي اغاث أهله بالذره و القمح و بعض من الزيت ... و لو لا فضل ذلك الرئيس و احسان تلك الدولة لعد واحداً من الاطفال الاموات في تلك السنة .. حيث حصد غول الجوع أروح المئات من المواليد و الكهول من سكان تلك القرية علي حد سواء ...
الاهالي في تلك الاصقاع لا يهتمون بل يبالون كثيراً بشهادات الميلاد .. كما ان الداية او المولدة و الحكيم في الشفخانات الريفية في كثير من الاحاين لا يولون أي أهتمام بمسئلة شهادات الميلاد .. و قد تستخرج الداية او التمرجي شهادة الميلاد عند الطلب و الدف .. الا ان هذه الشهادة ستكون عرضة لمخاطر لا حصر لها .. فبعض الاباء يحسبها ورقة بلا قيمة مادية و بالتالي فهو لا يهتم بتسجيله و يعجزعن دفع قيمة استخراجه .. مع ان جهات الاختصاص يحرصون علي الكتابة عليها باللون بأنها تستخرج مجاناً .. و بعض الاباء يعرفون قيمتها الرمزيه التي ستذكرهم بسنة ولادة نجلهم البكر أي ولي عهدهم .. اما الاباء من الفاهمين و المتعلمين المدركين لقيمة شهادات ميلاد الاولاد و البنات، فهم يحتفظون بها في القطاطي القشية او في غرفهم نومهم الطينية .. انهم يضعونها في شنط الحديد او في كوة القطية .. و شهادة الميلاد دئماً ما تكون معرضة لمخاطر الحرائق التي تلتهم منازل القرية في كل صيف .. و ان سلمت الشهادة من حريق قطية القش في الصيف المنصرم .. فهي سوف لن تسلم ابداً انهيار أوضة الطين في الخريف القادم بفعل السيول المرتقبة .. و حتي ان سلمت فهي بقايا شهادة ممزقة صدئة .. بقايا شهادة تلاشت فيها ألاحرف و الارقام التي دونت عليها بخط يد الداية او الحكيم بقلم الكوبيا ..
و المحظوظون فقط هم من تهتم الداية و الحكيم بأرسال تواريخ ميلادهم الي المسجل العام للمواليد .. فتدون في ارشيف سجلات المواليد و الذين يسجلون هم قلة نادرة جداً من سعداء الحظ.. و لا غرابة ابداً في ان يكون جل السودانيين مولودين في يوم 1 / 1 / ----- م.. و صاحب قصتنا واحد من الذين كانت لهم شهادة ميلاد وقد رأي شهادة ميلاده بعينيه الاثنين في صباه الباكر .. كان اباه مهتماً جداً بالشهادات و كان يحرص علي دسها في كتبه القديمة الموجودة بدارهم العامر ... كبر صاحبنا و تدرج في مراحل تعليمه الي تلك المراحل العمرية التي يسأل فيه المرء عن عمره و سنة ميلاده ...و السؤال عن العمر يلازم الانسان كما يلازمه سؤال الناس عن اسمه .. وانت تسأل عن عمرك متي زرت أي طبيب لمداوة مرض الملاريا التي لا تفارقك حتي في الربيع دعك من الخريف .. و تسأل عن عمرك و شهادة ميلادك عندما تطلب الوظيفة الحكومية حتي ان كانت تلك الوظيفة هي وظيفة بواب بمستشفي الخرطوم التعليمي في العهد القديم او في العصور الغابرة عندما كان لحراس ابواب المستشفيات صولاتهم و جولاتهم .. مع العلم بأن وظائف كل البوابات أضحت تتطلب الحصول علي الشهادات الجامعية و مواصفات الشخصية المدعومة بالوساطة و التذكية ..
و يسألونك عن شهادة ميلادك لحصرك ان كنت طالباً ضمن قائمة الطلاب المطلوبيين لقضاء الخدمة الوطنية او الاجبارية ... و ان كنت موظفاً فعمرك ايضاً مطلوب لنفس المهمة ألزامياً او أجبارياً .. و هنا مربط الفرس فعندما كانت الخدمة الالزمية هي للفئة العمرية بين 1960 الي العام 1964 استخراج بطلنا شهادة تسنين بتاريخ 1 /1 / 1965 م ... تمكن صديقنا منقو من الانفلات من اداء الخدمة و دارات الايا م و استدارت السنين .. اتسعت الرقعة الزمنية للمطلوبيين للخدمة الوطينة بحسب اتساع رقعة الحروب الاهلية في الخارطة السودانية .. لتشمل الفئة العمريةما بين العام 1976 الي العام 1958 م ... جن جنون بطلنا سوف لن تسلم الجرة في كل مره .. انه لا يريد قضاء الخدمة الوطنية و لا يطيق ابداً سماع الاوامر العسكرية حتي تلك التي كانت تمارس في مدارس الاولية عند طابور الصباح من صفا و انتباه ...
لن يعدم الحيلة لمن يبحث عنها .. طرق ابوب السجل المدني العام هذه المرة باحثاً عن تاريخ ميلادة الحقيقي حتي يتمكن من زمامية الملكية العمرية التي تناسب مرحلته الراهنة.. لم يعثر صاحبنا علي اسمة في سجل مواليد السودان لا في قريته و لا في ولايته و لم يجده حتي لدي مكاتب السجل المركزي بالخرطوم .. كان يعلم علم اليقين بأن له شهادة ميلاد اصلية بتاريخ ميلادة الحقيقي .. تلك الشهادة التي فقد ربما بفعل الارضه التي تكثر في منطقته الرطبة .. و الارضة للذين لا يعرفونها تلك الحشرة الصغيرة التي تجرب أكل كل شي حتي الحديد و الحجر . و كان الشك في بعض الاحيان يراوده بأن تكون الشهادة واحدة من المفقودات .. تلك المفقودات التي ضاعت من شنطة والده في الليلة التي سرقت فيها عنزتهم البيضاء ..
اجتهد كثيراً حتي يخرج من ورطة الخدمة الوطنية التي صارت بعبعاً يخافه الكثيرين من الموظفين في كل القطاع العام .. ما عدا القلة التي لها ظهور تسندهم و حوائط يتكئون عليها عند الشدة .. ذلك لان عدم ادائها يهدد مستقبلهم بفقدان وظائهم التي يأكلون منها عيشهم اليابس ..تمكن اخيراً من استخراج شهادة ميلاد اصلية يتوسطها صقردجيان كبير بلون اخضر جميل ... و قد تمكن الصقر الاخضر من انقاذ صاحبنا من اداء الخدمة الوطنية لان الشهادة التي استخرجه بأمضاء المسجل العام تقول بأنه من مواليد العام 1957م .. و هذا كافي لاثبات خروجه من الفئة العمرية المستهدفة لاداء الخدمة الوطنية او الخدمة الالزامية .. و لكن الشهادة التي استخرجها اخيراً كافية ايضاً لأحالته الي التقاعد او المعاش و فقدان الوظيفة .. لا زال القلق و الرعب الوظيفي يساوره في الحل و الترحال ..
فيا تري بماذا تنصح صديقي في هذه المرة ايضاً حتي لا يحال الي المعاش مبكراً .. فهو رب اسرة كبيرة و عياله صغار... أنني أرجوك بان لا تتعب نفسك عناءاً حتي تمد له طوق النجاة ... فهو كفيل بأنقاذ وظيفته .. فقط أرجو ان لا تستغرب ان جاءك غداً بشهادة ميلاد يثبت فيه بأنه من مواليد العام 1977 م ..


29 / 9 / 2007م






















صورة من مأسي الحروب...!
*******

في ذاك المكان يكبر مأستي و يختفي قضيتي ..

هناك يضيق مساحة حياتي ووجودي ..

تظلم الدنيا و يسود الكون في عيوني هنالك ..

فلا أري الا ملاك الموت يطوقني من كل ناحية بسيفه المسلول ..

أري الموت من خلفي و امامي و من فوق رأسي بسكينه المسنون ..

أراه يلاحقني يطاردني كلص او سارق .. او ..

أجده في شارعي عند باب بيتي ..
و في مكان عبادتي وصلاتي ..

فيا لتعاستي و يا لشقاوتي يا لمأسأتي و ذلي و هواني ..

****

حتي في مخفر الحكومة لا انجو بنفسي من يد القاتلين ..

لا انجو من الراشقين بالحجارة .. الطاعنين بالحراب و الخناجر الذابحين بالسكاكين ..

لا أنجو من الموت ذبحاً و حرقاً بالنار حياً و ميتاً ..

لست بوذياً ليحرق جثتي .. او ليزر رماي في البحر ..

لكنها الكراهية العمياء التي لا تقف عند حد القتل ..

انها البغضاء التي تجر جثامين قتلاها علي الارض كالكلاب ..

انها الاحقاد الرعناء تمثل بالجث و تشوه صور خلق الله ..

الرعونة التي لا تراعي النساء او الكهول ..
ولا و حرمة قتل الاطفال الابرياء
فيا لتعاستي و يا لشقاوتي يا لمأسأتي و ذلي و هواني ..

***
ليس في الموت شماتةً و ضحك و فرح او ابتهاج ..

لكنهم فرحوا لقتلي و أقاموا لذلك كرنفالاً و مهرجان ..

غنت النساء و زغردت الحسان ..

و الصبايا انشدن بالاهازيج الشجية ..

تم قتلي .. تم جزري .. تم حرقي و زر رمادي..

فيا لتعاستي و يا لشقاوتي يا لمأسأتي و ذلي و هواني ..

برضي و موافقة من حكومتي و صمت برلمان بلادي ..

سرقوا نقودي .. فياللعار أخذوا سرايلي و كشفوا عن عورتي ..

***

نادوا في اسواق النخاسة عن بيع اطفالي بأبخس الاثمان ..

لو كان للبشر أثمان او لارواح بني ادم اسعار ..

بالخنجر المسموم مذقوا احشاء النساء الحوامل ..

قطعوا اولادي اكبادي اشلاءاً في مرأي من نظري و بصري ..

فيا لتعاستي و يا لشقاوتي يا لمأسأتي و ذلي و هواني ..

فماذا قال القوم عن مجزرتي و مأسأتي ..

ماذا قالوا عن ذبحي كالنياق ..

و عن حرق جثتي كالكلب السعران..

***

قلل القوم الاسياد من شأن مصيبتي ..

بل مزقوا و اتلفوا ملف قضيتي ..
من برلمانهم أهدرت كرامتي البشرية ..
نسفت انسانيتي و حقي في الحياة و الوجود ..
فيا لتعاستي و يا لشقاوتي يا لمأسأتي و ذلي و هواني ..
الي هنا تعرفون أثمي وذنبي .. و تعرفون جرمي و خطيئتي ..
و تعرفون سر قتلي وذبحي و سبب حرق جثماني ..
و تعرفون حجم كارثتي و مأساتي …

ود المقبول 1987 م



بين الروح و الجسد
*************
الجسد قشرة من المنظر و المظهر .. و هو رسم و شكل و يكل ..
اما الروح فهو لب و جوهر الروح هو عمق بعد
الجسد تتصيده الشهوات و تفترسه المغريات ..
و الروح يقاوم اهواء الجسد و ما يشتهي و يرغب ..
و كلاهما الروح و الجسد يسبحان في فلك محوره الانسان ..
و عمل الروح السمو و العلو و الارتقاء بالجسد في اتجاه .....
الروح يمني الجسد بالملكوت و يدعوه الي ما وراء عوالم الكون ..
الروح تشبعه المرئيات و الملموسات و المحسوسات من الماديات ..
و طموح الجسد اشباع ثورات الغرائز و اطفاء نيران النزوات ..
و بعض أماني الجسد ترضيها بريق مظاهر الجمال و سحرها المنمق ..
الجسد بضعفاته يميل الي جر الروح الايقاع به في لارضيات...
بينما الروح في عشقه للابدية ينازع و يصارع لاجل الامجاد...
و ارادة الروح تجاهد لرفع الجسد الي حيث البقاء الخلود ..
الما الجسد المادي المغلوب علي امره فتكفيه اللذة الانية الزائلة ..
و عندما تتغلب غرائز الجسد علي ارادة الروح ...
عندما تتهيمن اللذة علي الارادة يهوي الانسان و يسقط في براثن الاثم ..
تنتصر عزيمة الروح فيرتفع الانسان درجة في سلم طباع الملائكة ..
الروح تقهر الروح تظفر علي الجسد فتقربها خطوات الي الله ...
اما انهزام الجسد و الروح معاً فهو وقوع في مصيدة الشرير ..
فأغلب هوان جسدك بقوة ارادتك الروحية ..
انتصر علي غرئزك الجسدية بصلابة روحك و شكيمتها التي لا تلين ..
انهل و اشرب و أروي روحك من الينابيع الله الابدية ..
كي لا تسقط في مستنقعات المغريات الدهرية ..
ذلك لان الجسد يموت و يلحد و يفني ...
اما الروح فسيحيا و يصعد و يخلد ..
و أنت بالروح لا بالجسم انسان ...


17 / 7 / 2008









( ربيكا ) المرأة الحديدة



علمينا يا ربيكا كيف يكون الثبات و الصمود عند المصائب و المحن

علمينا يا ربيكا كيف يكون حبس الدموع في لحظة الاسي و الوهن

كنت يا ربيكا شمعتنا المضيئة لما صار الدنيا في عيونا ضلمه

كنت لبلادنا العزاء و الرجاء لما حل في وطنا الخبر الفجيعه

لما راح بطل السلام كنا فاقدين الامل رحنا في دنيا الضياع

جئت أنت يا ربيكا جبت للناس اليقين جئت أنت رجعت للناس الأمل

لما قلت الناس بموتوا بس بيبقي أفكارهم الحية باقية ما بتفوت معاهم

لما قلت قرنق مات و يبقي السلام الجابو لينا ذكري حيه ما بتموت

يا ربيكا علمينا كيف يكون الصبر فينا لما نفقد شخصيتنا العبقريه

يا ربيكا علمينا لذة الحلم الجميل بكره يكبر يبقي واقع و حقيقة




31 / 8 / 2005 م





جانب من ثقافة جبال النوبه (المصارعه )
************
قصه قصيره

يعد المصارعةعند النوبة رياضة و فن و مدرسة و ثقافيه قائمة بذاتها .. ففي الماضي القريب البعيد لم تكن المدارس موجودة بتلك المنطقة .. كما ان العملية التعليمة و التربوية بصورتها الممنهجة لم تعرف طريقها الي جبال النوبة باكراً كباقي مناطق السودان الاخري .. فأن وصم و شتم النوبة بالتخلف فتخلف النوبة هي بجريرة ارتكبها غيرهم ... كانت الفطرة الطبيعية السليمة و قوانينها الاخلاقية السامية هي التي تنظم حياة البشر في جبال.. و كان النوبة في الجبال ابناء للطبيعة هي بنت الاله .. فان قلت بأن النوبة في عهدهم الاول كانوا وثنيين فأنت تظلمهم و تجور .. ذلك لانهم في حقيقة الامر كانوا اصحاب ديانات و شرائع توحيدية بنصوص غير مكتوبة ... كانوا يعبدون الله من خلال حياتهم اليومية الروتينية و من خلال ممارساتهم لعاداتهم و تقاليدهم التي توارثوها عن اجدادهم .. و لسنا هنا بصد ارتباط جبال النوبة بخلفيات تاريخية هي موضع جدال .. فالنوبة من خلال اسبارهم و طقوسهم و اعيادهم التي لم تكن موجهة الي صنم او اتجاه أي موجود من الموجودات الكائنة التي خلقها الله .. كانوا يؤمنون بالله العلي القديرالموجود في كل مظاهر الطبيعة من حولهم .. فالشمس و القمر و الليل و النهار كانت وجهاً من اوجه القوة الخفية التي يهابونها و يخشون تقلباتها .. و كانت السحب و الامطار ترمزان للخيرات التي تأتيهم ببركة الماء .. فالامطار تعكس وجهاً اخراً لقوي الخير الذي يتطلعون اليه صباح مساء .. و كان المرض و الموت و الفقر و الجوع و العطش و جهاً ثالثاً يمثل غضب و لعنة تلك القدرة الغير مرئيه بالنسبة لهم لذلك كانوا يعملون حسابها .. و بنصوص و شرائع الطبيعة و سننها عاش النوبة في سلام و وئام و أمن و ايمان برب الكون و الطبيعة و كل عناصرها .. و لم يكن النوبة في تلك الازمنة الغابرة من أهل الشر او المبادرين بها بينهم او ضد غيرهم .. فقد تعلموا السلم الاجتماعي من الطبيعة بنت الاله و معبودتها ..
كانت الحرفة السائدة عند النوبة هي الرعي و الزراعة .. فلاطفال يفتحون عيونهم باكراً علي الماعز و الابقار و الزراعة و الحقول الخضراء .. فينشئون و يشبون بين الزرع و الضرع ..يتعلمون الفنون و المهارات الخاصة بحمايتها و الاعتناء بها من اللصوص و المعتدين من الوحوش البرية بالليل و اناء النهار .. فكهوف الجبال التي تحمي النوبة في الشدة و الضيق و عند اعتداء الاخرين علي ديارهم .. تكون مأوي للمرافعين و النمور و الاسود و اللصوص في اوقات السلم و الامان .. كما يختبيء في جحورها الصوص في أزمنة السلم و الاطمئنان .. أن الصبية الراعين السارحين بمواشيهم في تلك التلال و الروابي التي تطل علي القري هم الاقرب دئماً الي اللهو و اللعب من متابعة انعامهم او حراسة حقولهم .. و هذا ما يتابعه و يغتنمه اللصوص المرابطين اثناء ساعات النهار اقتناصاً للفرص المواتية ..و النوبة غالباً ما يتحاشون مشاكل الزراعة و الرعي و اللصوص و الوحوش قدر الامكان .. ذلك باقامة المزارع الكبيرة علي مسافات بعيدة من القرية ..و يتركون المساحة الواقعة بين القرية و الزراعة لرعي بهائم اللبن واغنام ضعفاء القريه من كبار السن و الفقراء الذين يملكون عنزة او اثنين ..اما الجباريك فهي تزرب و تسور بأحكام تفادياً للمشاكل بين الجيران .. اما اصحاب الابقار الكثيرة فهم غالباً ما يقيمون ببهائمهم في الفرقان في اتجاهات معاكسة لاماكن الزراعة ..
و الرعي مهمة يقوم به الصبية و الشباب في الغالب الاعم .. اما الزراعة فهي من اختصاص الرجال و النساء و بعض الفتيات .. الرجل الاب رب الاسرة يصحو مبكراً ليتناول وجبة افطارخفيفه سريعة( فك الريق ) و من ثم يخرج الي الحقل لتلحق به زوجته محملة بالاكل و الشراب .. و في منتصف النهار عادة و هو وقت القيلوله حيث يركن المزاعين لقسط من الراحة تحت ظلال الاشجار الكبيرة .. يتناولون وجبة النص الذي يتكون من العصيدة و بليلة السمسم و اوراق شجر التبلدي و العرديب الرخص او اوراق بعض النباتات التي يتم خلطها بالدكوه ( الفول السوداني المظلوط ) , او السمسم المسحون .. في تلك الاثناء يشربون جرعات من المريسة لزوم الانتعاش و الحيوية و تجديد النشاط لمواصلة العمل كدحاً .. و الذين لا يشربون المريسة يقدم لهم المديدة بديلاً.. و المريسة عند الاهالي في جبال النوبة وجبة ضروية وهامة للبعض .. أنهم لا يعتبرونه خمراً او مسكراً بل طعاماً و غذاءاً عادياً .. و في البيوت قد تتأسف النسوة الكبيرات في السن لضيوفهن شديد الاسف اذا كان من بين الضيوف من لا يشرب المريسة .. فالضيف العزيز يكرم بالذبائح و تقديم المريسة .. المريسة عند النوبة هي سيدة الموائد في الاسبار و الاعراس و النفائر.. كما في الاعياد التقليدية الخاصة بأفراح الحصاد و اعياد الشكر و الزواج و كرامات الموت ..
الامسيات وجزء الليالي القمرية يقضيها النوبة في السمر و الانس و الجزء الاخر يخرج فيه الشبان و الفتيات الي ساحات اللعب و الغناء و الرقص .. تبداء ليالي الغناء و الرقص غالباً حينما يتجه الهلال ليكون بدراً .. وذروة ليالي الفرح و الطرب و الرقص تكون في نهاية شهر اغسطس أب .. عندما يظهر باكورات خيرات الخريف من عيش الريف و الفول السوداني و ورق اللوبيا .. و خيرات اخري كثيرة تجود به الارض ، فأرض جبال النوبة الواعدة دائماً بالبركات لآهلها البسطاء لا تخذلهم او تبخل عليهم بنعمها متي افلحوها .. الابقار و الماعز من ناحيتها لا تقصر فهي ايضاً تجود بخيراتها من للبن والسمن و الروب وا للحوم السمينه التي يأتي الصبيان المقيمين في الفرقان .. صبيان الفرقان يأتون ايضاً بالعسل والصيد من الغزلان و ألارانب و جداد الوادي والكوير .. بحلول سبتمبر ايلول يكون الكل قد أكل و شبع و فارق شبه الجوع و المجاعة التي كانت تحاصر سكان جبال النوبة عادة في يوليو و اغسطس .. و شهري يوليو و اغسطس معروفين لدي الجميع بأنهما اشهر الفاقة و القحط و الجوع و المرض و الموت ايضاً.. فالبهيمة و الطفل و الكهل العجوز الذين يتخطون هذه الاشهر احياءاً سيرافق الصبيان و الفتيات الي ميادين المصارعة في اكتوبر ..
ولموسم الصراع طقوسها و اسبارها و مهرجاناتها التي تعم كل القري و الفرقان و الحلال .. فالفتيان الابطال المصراعين يدخلون في معسكرات مقفولة تحكمها ضوابط صارمة جداً يحرص الجميع علي تطبيقها بحزافيرها و يحثون الاخرين بعدم الاخلال بها .. يمتنع الصبيان عن أكل الحوامض و شرب المريسة و يلتزمون بالفطير و اللبن و العسل و السمسم .. لا يخرجون في النهار الي القرية و هم ممنوعون من اتيانها في الليل ايضاً فكل طلباتهم تأتيهم في الفريق .. الفتيات ملتزمات دائماً باحضار احتياجات صبيان الفريق المعسكرين لآولمبياد المصارعة التي ستقام بعد بضعة ايام ... الحسنوات يحضرن الي الفريق في جماعة و يغادرنه قبل العصر مسرعات .. و تلك الفترة هي لرفع الروح المعنوية للمصارعين و الاطمئنان علي سلامة أكلهم و شرابهم و نفسياتهم .. و الاطمئنان علي نومهم و عدم سهرهم و الاطمئنان ايضاً علي نمو ابدانهم وبروز عضلاتهم و ضمور خواصرهم و و انتفاخ صدورهم..
منتصف اكتوبر الي منتصف نوفمبر زمان محدد بين النوبة و من ساكنهم لاقامة كرنفالات واحتفالات و مهرجانات المصارعة .. فالزروع و الحقول نضجت و اينعت و ما بعده هو فترة لراحة الناس من مشاق الزراعة استعداداً للحصاد بعد نيل كؤوس المصارعه و خطف اضواءها .. يتباري الفتيات الحكامات في اغاني التشجيع والاناشيد التي تكيل المديح و الثناء للفرسان و الابطال ..كما يتزين الفرسان المصارعين بحبات السكسك البديعة الالوان و الاشكال .. السكسك المزخرف هي هدايا مرصعة بأيات الحب و التقدير و العرفان تقدم من الحبايب و بنات الاعمام و الخلان العزيزات .. هي هدايا من اخريات في اشواقهن الحارة للظفر بقلب بطل من الابطال المافسين لنيل لقب فارس المصارعين في هذه الدورة .. و للسكسك عشق وجداني عميق لدي كافة الشعوب في جبال النوبة .. و لا ادري مغزي هذا العشق.. كما ان تيجان ريش النعام الملونة تعلو هامات المصارعين المزهوين بأستعراض عضلاتهم باشارات تسرع نبض الخصوم في الفريق الاخر.. الصدور العارية تستبين الرسوم و الوشم و باشكال و علامات ترمز للفحولة و الرجولة و القوة .. و الوجوه تشع فخراً و اعتزازاً بالنفس و الفخر بالقبيلة ..
الكشكوش في أرجل المصارعين تصدر منها اغنام منسجمة مع غناء الحكامات و زغاريد الامهات الداعيات بغلبة اكبادهن طمعاً في نيل كأس التي تكون شرفاً للقبيلة الفائزة لعام كامل .. و فتيات قبائل النوبة علي اختلافهن لسن بأقل استعداد من الصبيان لهذا المحفل السنوي الكبير .. فمواسم المصارعه هي موسم للفرجة و العرض وللقاءات و المقابلات و للفت الانظار و رمي السهام و افتناص الفرص التي لا تتكرر الا مرة واحدة في السنه .. و كل صاحب حظ و نصيب سينال بغيته من هذه التظاهره الكبيرة و يحقق ما يروم و يبتغي و الا فالمطلوب سيئ الحظ عام اخر من الانتظار الممل ..
اذاً فللمصارعة الحرة عند النوبة معنايها و دلالتها الاجتماعية و الثقافية و الفنية والاقتصادية ايضاً .. فموسم المصارعة هو عيد للتجارة و الربح و الكسب و جني الفوائد .. هو ايضاً عيد للشباب للتعارف و الصداقة و الحب و الاختيار و الزواح ... المصارعة عيد لكل القبائل التي تعيش في جبال النوبة للتعايش و التدخل و التمازج و الانصهار .. هذه كلها بجانب المصارعة كرياضية بدنية لها فنونها الاستعراضية للمهارات الجسمانية و العضلية و الخلقية و الاخلاقية .. و فنون مقارعة الخصم و النيل منه برميه علي الارض دون أذي او مس شعرة منه لو بكلمة .. و للمصارعة في جبال النوبة جمهورها و شعبيتها و عشاقها او مريديهاو محبيها المتيمين ايضاً ..


النيم لألام الاضراس و الرطوبه


عمري الان تجاوز الخامسة و الاربعين قليلاً ، و الرجال في الغالب يتمنون ان لا يتجاوز اعمارهم سن الاربعين .. كما ان النساء يفضلن البقاء و استمرار اعمارهن تحت الثلاثين .. و الاربعين و الثلاثين عند الرجال و النساء علي التوالي هي الحد الاقصي لعمر الزهور و الشباب و الحيويه .. و الرجل الذي يتجاوز الاربعين شاء ام أبي يسمع من يقول له يا عمو ... و كلمة عمو هذه تزعج جداً الرجال لانها تذكرهم بالكبر و تقدم العمر و السن.. و الفتاة التي تصل الثلاثين سناديها الصغار بخالتو و عمتو .. تقشعر بدن الفتاة لحظة سماعها كلمة خالتو و عمتو فتتحسس المرآة في شنطة يدها حتي تراجع عمرها في اقرب فرصة متاحة .. اما مدي قلق الرجال من تقدم العمر فهو ادني من مستوي انزعاج الفتيات .. ذلك لان الرجل لا تزعجه كثيراً الكبر لكنه يخاف جداً من علاماته و مظاهره .. فتجد بعضهم يسرع باقتلاع اول شعرة بيضاء تنبت في الشارب.. و بعضهم يحرص علي شراء صبغة تسويد الشعر حرص الفتيات علي افتناء كريمات تبيض الوجوه . فيا لغرابة الامزجه الرجال يسودون الشعر و النساء يبيضون الوجوه كل تقرباً للطرف الاخر . و للفتيات أعذارهن لأنهن يخفن من ان يفوتهن قطار الزواج فيتهمن بالعونسة . بيمنا الرجل الذي يصل الستين يسعي لطلب من هي في العشرين . !!
و للاضراس و ألامها ايضاً علاقة ما بتقدم الاعمار و كبر السن .. و هذا لا ينفي الامور العلمية و الصحية الي تختص بنظافتها و الاهتمام بها بعيداً عن التسوس و الاشياء التي تصيبها بالضرر من المأكولات و المشروبات المسكرة.. اما عن اوجاع الضروس و ألامها للذين لم يختبروه بعد .. فهي اشبه بألام و اوجاع المخاض التي تنتاب المرأة البكرية عند الولادة .. و مع انني لم اختبر ألام و أوجاع المخاض الا أ نني استطيع أن أجزم بأن ألام و أوجاع الضروس لاتقل عنها ابداً هذا ان لم تزد عنها قليلاً .. اتذكر جيداً تلك الليلة الظلماء الطويلة الموحشة عندما داهمني فية ضرسي بألام غير مسبوقة علي الاطلاق فتمنيت بأن لا أبقي في فمي ضرساً واحداً عند الصباح.. كاد رأسي ان ينفجر بالصداع و أحالت ضرسي ليلتي الي ليلة من صرخات و أنين و بكاء الرجال المكتومة .. حاولت جاهداً خلعه بالألات التي توفرت لدي بدون جدوي .. عند الصباح الباكر سكن الألم قليلاً .. ذهبت الي طبيب الاسنان الذي كشف علي اضراسي .. و بعد عملية التخدير استعمل الطبيب ألات لخلع الاضراس لا تقل بدائية عن تلك حاولت استعمالها في الليل .. فقلت في نفسي لو كان لي مخدراً لخلعت ضرسي بيدي و أرحت نفسي من ألام ليلتي السوداء تلك ..
مرت نحو عامين و أضراسي كأضراس الذئاب قوة لا يقف امامها عظمة من عظام الفراخ ... او قطعة لحم من لحوم الحملان الصغيرة التي لم يتجاوز عمر الحول... هذا رغم ميلي الكثير الي أكل البقوليات و التقليل من اللحوم ما استطعت الي ذلك سبيلاً .. هذا خصوصاً بعد ظهور انفلونزا الطيور و حمي الوادي المتصدع و ما ادراك بالوادي المتصدع .. في كانون الاول ديسمبر الماضي عاودني ألام الضروس فاسرعت الي طبيبي .. أمرني طبيبي بالرقود علي دكة الكشف فأستسلمت لأوامره راقداً .. أضاء فمي بقنديله الكهربائي فاحصاً ، طلب مني أن اضع يدي علي الاضراس التي تؤلمني فوضعتها .. أخبرني بوجود ضرسين مسوسين و هما في مراحل التسوس الاولي ..
قلت لطبيبي : أخلع الصرس الاكثر تسوساً لأرتاح من الي الابد ..
قال لي الطبيب : حدد لي أنت أي الضرسين هو الاكثر ألماً بالنسبة لك .
قلت له : انت من يحدد الضرس الاكثر تسوساً الذي يستوجب الخلع ..
احتدم النقاش و الجدال بيني و طبيبي الخاص .. فمن جهة هو يطلب مني تحديد الضرس الذي يوجعني و من الجهة الاخري اطلب منه ان يحدد الضرس الاكثر تسوساً و بالتالي هو الضرس الاكثر ألماً و يستحق الخلع و الرمي في مزبلة الاوساخ او الدفن بعيداً ..
لم نصل الي وفاق مع طبيب الاسنان .. فقال لي هناك حلاً سيريحك من كلا الضرسين ..
قلت له : هيا هات الحل سريعاً فأنا علي عجلة من أمرني لأرتاح من متاعب الاضراس ..
قال الطبيب : الحل هو أن أخلع لك الضرسين معاً مرة واحدة ..
قلت للطبيب : هات حلاً اخر يناسبني و يلائم عمري ، فانا أرفض هذا الحل القاسي الظالم رفضاً باتاً ..
قال الطبيب : هناك حلاً اخر أقل قساوة و اكثر عدلاً سيرضيك .
قلت له : ما هو الحل الاخر الذي سيرضيني ..
قال الطبيب : ان أحشي لك الضرسين حشوتين ثابتتين ..
وافقت بالحشوتين الثابتتين و حمدت الله علي نعمة بقاء اضراسي في حنكي .. تم حشوه الضرسين بالمعجون و الجبص و اشياء اخري لا أعرفها علي عجل .. قبض طبيبي أجرة الحشوتين شاكراً .. ودعته راضياً مسروراً مغبوطاً جزلاً ..
لم يدم الحشوتين اكثر من نحو شهرين فعاودتني اوجاع الضروس من جديد .. ترددت هذه المرة كثيراً عن الذهاب الي طبيب الاسنان .. لكن مجلس من مجالس عزاء احد الاقارب في ضاحيتنا سمعت بعضهم يتحدثون عن مقاومة السوس بالسواك بأفرع شجرة النيم المرة .. و مضي القوم في امتداح شجرة النيم و مكارمه و فضائلة في علاج الكثير من الامراض .. كتسوس الاسنان و الرطوبة او الروماتيزم و امراض اخري اذكر منها فائدتها للرجال . كان بالقرب منا بعض الابقار ترعي فأشار اليها احد الرجال قائلاً : انظروا الي تلك الماشية السمينة الممتلئة صحة و عافية .. انه بفضل أكلها لأوراق للنيم . !!
و لانني كنت اعاني من الضروس فقد قطعت علي نفسي بأن النيم سيكون فرشاتي و معجوني الاول ما دمت حياً أمشي برجلي علي هذا الاديم .. و لانني كنت اعاني أيضاً من ألام الرطوبة في ساعدي الايمن فقد حرصت علي شرب كوب من مشروب النيم المغلي الطازج عند كل صباح بدلاً عن كوب الشاي .. كنت احضر اوراق النيم لأمي في صباح الباكر لتغليه لي و هي تعد الشاي لباقي افراد اسرتي الكريمة ة ... داومت علي شرب كوب النيم في الصباح لثلاث اسابيع و هي الفترة التي قضيتها مع اسرتي في بلدتنا .. كانت أمي تمانع احياناً من غلي النيم قائلة كفاك شرب النيم يا ولدي ( النيم مر و انت ما قدر المرارة ) .. و كانت أمي تحدثت جاراتها و كل يزوها و هي قلقة علي ولدها الذي سيقتله مشروب النيم المر .. فقد صدق أبني بعض مزاعم عواجيز البلدة بأن مشروب في الصباح الباكرهو علاج للاضراس و الرطوبه و ..... الخ .


1 / 3 / 2008 م



#ايليا_أرومي_كوكو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم هو يوم الاحد الموافق التاسع من يناير 2011 م
- المناضل يوسف كوه مكي : غياب الابطال و رحيل الاوطان
- مطلوب خمسة اعوم لدولتي الشمال و الجنوب لتوفيق الاوضاع...!!
- ذكري احداث مأساة السودانيين بوسط القاهرة تتجدد فينا ..
- في ليلة الميلاد سأشدو علي أرض و شعب السودان السلام
- بزوغ دولة عبد الرحيم حمدي : السودان في محور دنقلا سنار كردفا ...
- بعض من كلماتي أهمس بها لنفسي .. ! ( 2 )
- بعض من كلماتي أهمس بها لنفسي ..!
- جبال النوبة : اعادة انتشار الجيوش و توجس من اعادة التوطين
- سلفاكير ميارديت: إعلان الجنوب عن عفو عن كل المنشقين والمتمرد ...
- فضيلي جماع : لم يبق إلا الإعتراف !
- من اشهر قصص الخيانات الزوجية ( الاميره ديانا نموذجاً )
- بيروت و القاهرة وجهان لعملة واحدة (العنصرية )
- رحلتي الي جبل الدهب في شيبون
- وحدة السودان بين الممكن و المستحيل
- يوم في حياة أمرأة من جبال النوبة ...
- هل ينجح المال القطري في صنع السلام في السودان
- سلفاكير ميارديت : مزيداً من الصبر لأجل الوطن ...
- صديقي المصاب بمرض الايدز سيظل صديقي
- الفوز الجرائري سوداني الهوي مئه بالمئه


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايليا أرومي كوكو - ...! السفر في أعماق الذات