أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - ملاحقة المهنيين















المزيد.....

ملاحقة المهنيين


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3233 - 2011 / 1 / 1 - 00:54
المحور: كتابات ساخرة
    


لدى غالبية الناس اعتقاد بأن الأنظمة العربية الحاكمة تطارد فقط أصحاب الآراء السياسية والمتكلمين بالثقافة وبالسياسة وهذا اعتقاد خاطئ نسبيا لأن الدول العربية تطارد أيضا المهنة اليدوية التي يكسب منها صاحبها عيشا كريما, وصدق أو لا تصدق إذا بإمكانك أن تراقب تحولات الناس من مهنة إلى مهنة بسبب اضمحلال بعض المهن, وإفلاس أصحابها بشكل فجائي.

كنت زمان وأنا صغير أسمع الناس وهم يقولون: هذه الأيام ما فيش أحسن من مهنة (الطوبرجي) وكانت العروس التي يتقدم لخطبتها طوبرجي أو (قصّير) أو (دهّان) توافق عليه فورا وتعتبره رجل يكسب أكثر من أستاذ المدرسة ولا يمكن أن تضيع الفرة من بين يديها وهذا معناه أن العروس كانت تفضل المِهني على موظف الحكومة لذلك أنا واحد من الذين تركوا الدراسة والتحقوا بهذه المهنة سنة 1986م التي تدرُ ذهبا وبعد خمس سنوات حين أصبحتُ معلما أصبحت المهنة ذات سمعة سيئة والكل يفضل عليها أي موظف حتى وإن كان موظفا في البلدية يكنس الشوارع , وسمعت الناس يقولون عنها(الله يلعنها من مهنه....ويلعن كل واحد بشتغل فيها ..مهنة الطوبرجيه كانت زمان مليحه هسع أفضل شيء الميكانيكية) وكل المعا ليم القدماء قالوا لي: (هو أنت أهلك ما لقوش إلك أحسن من هذه المهنه؟).وبعد خمس سنوات قالوا (الميكانيكي هذه الأيام طوال الأسبوع بالكامل يا دوب يقدر يصرف على حاله) هسع أفضل شيء (العسكري في الجيش) وبعد خمس سنوات صاروا العساكر يفلوا من الجيش على شان يشتغلوا في مهنة الطوبرجية أو البليّطه أو الموسرجية وبعد ذلك كثر العمال الوافدين وعاد من عاد من المهنيين إلى وظيفة الجيش والعسكرية ليستلموا واجباتهم الوطنية الموكولة إليهم بأمانة وصدق وروح قتالية, وبسبب الفقر وارتفاع الأسعار صار الناس يقولون (أفضل شيء الشِحده)مهنة الشحاذ أفضل من كل المهن ,ومع ذلك عجز 99%من المهنيين عن الشحده وتحول الغالبية إلى نصابين أو نزلاء في السجون.

ومما ألاحظه في هذه البلد –ولستُ أدري إن كانت كل الدول العربية مثل هذه البلد-أن أي مهني أو أي صاحب مصلحة يشكو اليوم من مصلحته ومن الفقر المدقع بسبب المصلحة التي يمتهنها قياسا بما كانت عليه أيام زمان, فالمزارع يقول : وين الزراعه اليوم ووينها أيام زمان!! , ونجار الخشب يقول عن النجارة ما يقوله الحداد عن الحدادة وكذلك البناءون ونجاروا الباطون , وأعرف مثلاً أردنيا يقول (أجيت أتاجر بالحنه كثرت الحزانا..وأجيت أتاجر بالكِتان قل عدد النسوان).

وقرأتُ قصة (أذربيجانية) ذات يوم تتحدث عن ملك نزل ليتفقد أحوال الشعب فوجد اسكافيا يُصلح الأحذية الخربانة واكتشف الملك أن هذه المهنة تدر ربحا جيدا على الإسكافي لدرجة أنها تستطيع أن توفر للإسكافي هو وعائلته في كل يوم طبخة مكونة من أرز ..ولحم... وخبز... فقال الملك في قرارِ نفسه: هذا معناه أن الإسكافيين شبعانيين وغدا سيفكرون بمزاولة السياسة وسيطالبون بتداول السلطة..الأفضل لي أن أمنع مزاولة هذه المهنة..الأفضل أن يبقى الشعب جائع وأن لا يفكر إلا في لقمة الخبز والجوع , فقرر الملك في اليوم التالي منع مزاولة هذه المهنة وكل من يزاولها سيعرضُ نفسه للمسئولية القانونية, فذهب الإسكافي وعمل في مهنة قطع الأشجار وبيع الخشب واستطاع أن يأكل من هذه المهنة لحما وأرزا وخبزا , وحين علم الملك قرر بذلك منع مزاولة هذه المهنة مما اضطر الحطاب إلى العمل صائد سمك واستطاع في كل يوم أن يبيع السمك ويأكل بثمنه لحما وأرزاً وخبزا هو وعائلته فغضب منه الملك غضبا شديدا فقرر مضايقته أكثر وأكثر طبعا والقصة تطول وهذا ليس مكانا لسردها بالكامل وتنتهي بزوال الملك ومُلكه العضود.

طبعا الدول العربية تنطبقُ عليها هذه الصفة ولكن لا أحد يستطيع أن يمنع الإسكافي من مزاولة المهنة إذا منعتها الدولة لذلك تلجأ الحكومات العربية إلى إفساد المهنة وتخريبها على مُحترفيها إما باستيراد اسكافيين وعمال من دولٍ أخرى وإما بتضييق شروط المهنة ورفع الضرائب عليها حتى في النهاية يجد الإسكافي نفسه مضطرا لترك المهنة والعمل في مهنة أخرى مثل (الطوبار –معلم عمار) وبما أن الدولة لا تستطيع سجن الطوبرجية أو منعهم من مزاولة المهنة فإنها تلجأ إلى أسلوب آخر مثل ألأسلوب الذي مارسته من قبل على الإسكافي فتبدأ بمحاربة المهنة نفسها من خلال رفع أسعار المواد الأولية أو إغراق السوق بالعمالة الوافدة لتصبح اليد الوطنية أرخص من سعر الفجل.

وحين يترك الطوبرجية مهنتهم ويتجهون لزراعة (الباميا) فإن الدولة ستفعل أي شيء يؤثر في سعر الباميا بحيث لا تدع للفلاح ربحا يعيش من وراءه الفلاح عيشة كريمة,فالدولة مثلا إذا رأت الفلاح المزارع قد كَسِبَ من زراعة (البندورة) تقوم فورا بإغراق السوق في البندورة ليس رحمة في المواطن ولكن نِكاية بالمزارع, وإذا المزارع مثلا ترك البندورة وقرف عمره وحياته بسببها واتجه مثلا إلى زراعة البطاطا فإن الدولة فورا تبدأ بملاحقة البطاطة وإغراق السوق بالبطاطة ليس حبا في المواطن ودفاعا عنه ضد تجار النمو الكريه ولكن نِكاية بالمزارع الذي زرع البطاطة, ومما ألاحظه أنني حين أسأل أقربائي المزارعين : ها شو أخبار البصل هذا الموسم ؟ فيردون : ييييه البصل في العام الماضي ربح معنا 10آلاف دينار أردني وهذي السنة خسر 15ألف دينار أردني, وحين أسألهم عن السبب يقولون: هذا العام الدولة استوردت بصل من الخارج ومنعت التصدير للخارج, وكذلك أيام الزيتون ففي السنة التي يكون للفلاح قد جنى محصولا وفيرا تظهر الدولة بوجه الفلاح مثل الشبح لتحرم عليه الربح الوفير.

وأي مهنة تلاحظ الدولة أنها مفيدة وذات مكسب تبدأ على الفور بحكر هذه المهنة وتخريبها أو أحيانا تضطر لخلق الشائعات على بعض المهنيين غير المرغوب بهم سياسيا وثقافيا فتبدأ ببث شائعات أن هذا المهني سيء جدا وذلك لكي لا يجد من يعطيه عملا حتى الصحافة والكتابة والثقافة وأي شيء تحاصره الدول العربية في الداخل وتفسده على الناس, وإن العرب بارعين جدا في أعمال التخريب أكثر منهم في أعمال التعمير, وأحيانا الدولة تقوم بتعويض المزارع ولكن لم أسمع أنها تقوم بتعويض المهني , حتى كمهنيين لو اضطررنا إلى الشحدة في الشوارع فإن ألدولة ستمنعنا وذلك بحجة منع التسول وحماية الوجه السياحي للبلد.

إننا كمواطنين أصحاب مهن شريفة في الدول العربية نشعر أننا نلعب(قُمار) نحن كمهنيين نقامر بأعمارنا ونقامر بمهنتنا مقامرة , وكلما ذهبنا إلى احتراف مهنة جديدة نجد الدولة تقفُ لها بالمرصاد مثل القصة الإذربيجانية.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحق على مين؟
- الإنسان البليد
- الأم هي أول مدرسة
- هلوسات
- أصوات مزعجة
- كل عام والعالم بخير
- من يمثل الفكر الإسلامي!
- الانسان مثل الساعة
- روح الفنان
- مفاهيم مقلوبه
- سقوط أمي
- اقرأ تفرح جرّب تحزن
- مواطن أمريكي
- انحلال الشعور(1)
- الفصام السخيف
- وجوه جديدة وأصناف جديدة
- التجار يحكمون المدينة
- أزياء الحراميه
- أسعار تشجيعية
- المرأة العربية لاجئة سياسية


المزيد.....




- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - ملاحقة المهنيين