أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - هدوء ألقمر















المزيد.....

هدوء ألقمر


جلال نعيم

الحوار المتمدن-العدد: 968 - 2004 / 9 / 26 - 08:53
المحور: الادب والفن
    


رُفعَ أذان ألعشاء في مدينة بغداد وضواحيها فاستعاذ أبوه بألله من ألشيطان ألرجيم ذي ألعين ألمفقوءة وألأصابع ألطويلة ، وتقاطر إخوته إلى ألمغاسل للوضوء .. شهد" حسام " ألصغير كلّ ذلك بعينين يقظتين وقلب مرتجف ..
( ألله أكبر ) صرخ ألمؤذّن في ألتلفزيون ..
( ألله أكبر ) إرتعشت ألجدران مثل راقصة غجريّة ..
( ألله أكبر ) يتردّد الصدى ، وحسام ألطفل يشعر يوميّاً بألحرج وهو يراقب هذه ألطقوس ألغريبة ألتي طالما حلُمَ بألمشاركة فيها .. ماذا يفعل ؟ ألجميع يُصلّي إلا هو .. قالوا له " مازلتَ صغيراً " قال لهم " وماذا في ذلك ؟ " قالوا له " مازلتَ تبول في فراشكَ " قال " وماذا في ... " ولم يدعوه يُكمل . قالوا له بلهجة واحدة " عندما تكبر ستعرف ... " . ودّ كثيراً لو يكبر سريعاً .. برمشة عين .. قال لأمّه " أريد أن أكبر .. " قالت له " لا تخف يابني ستكبر يوماً .. " قال " ألآن .. أريد أن أكبر ألآن " . قالت له " سيُكبّركَ ألكبّار يوماً " . " مَنْ هو ألكبّار يا أمّي ؟" . أجابته بخشوع " ألله .. إنّه ألله ياولدي " .
مرّة حاول أن يرسم _ بخياله طبعاً _ ملامح ألربّ ألرحيم ألذي طالما سمع عنه وتمنّى لقاءه فتخيّل في ذهنه اشكالاً عديدة .. وجه امّه البيضوي ألمُطلّ من فوطتها البيضاءعندما تخرّ ساجدةً بحزن أبدي ، ملامح شيخ الجامع ألذي زارهم مرّة فذبحوا شاة تحت قدميه ، وبعض ألوجوه ألبيض التي أبدعها خياله بالإستعانة بأفلام الرسوم المتحرّكة .. إلإ إنّه ما أن فتح فمه متحدّثاً عن ذلك حتى تصدّوا له بعيونهم ألمخيفة وأصواتهم الزاجرة " إن ألله ليس بشراً ولا يشبه ألبشر .. " قال " أريد أن أراه ؟" فقالوا له غاضبين " إن ألله سبحانه وتعالى لا يُرى .." أراد أن يسأل بملء فمه ألصغير " لماذا ؟ " لكن ألوجوه ألغاضبة جعلته يتراجع ويفرّ حزيناً لأنه لن يستطيع رؤيته وإنه خالف توقعاته ولم يكن يشبه وجه أمه أو سحنة شيخ ألجامع .. " ماذا يشبه إذن ؟ "
وعاد الى محاولته مرّة أخرى فتخيّل ألربّ شجرة .. " نعم شجرة عيد ألميلاد ألمضيئة كما تظهر في التلفزيون " . ولم يُطق صبراً فقال ذلك لأخيه ، ألذي يتظاهر بأنه يكبره بقرون طويلة ، فزجره بقوّة ، وسدّد سبّابته مشيراً إلى رأس حسام ، وقال بخشوع ، وكانه ينطق بنبوءة " هذا ألولد يسكن في رأسه شيطان قوي " . إرتجف حسام . إرتجف بعنف وكأنه يعاني من نوبة صرع ، فقد شعر لوهلة بأن ألشيطان ألرجيم ، ذو ألعين ألمفقوءة وألأصابع ألطويلة ، يُعشعّش في دماغه ، ولم يعجَبْ كثيراً عندما رآه في ألحلم يفتح أذنه اليمنى بسبّابته وكأنه يفتح باب غرفة ويدخل إلى رأسه .
ولكن ، رغم ذلك ، لم يتخلّ حسام عن تخيّلاته ، فقد اراد بكلّ صدق ، أن يعرف ، أو على ألأقل أن يتخيّل صورة ألرب ألذي خلقه ومنحه ألحياة ، ألرب الذي منحه ألأكل وألشرب وألملابس وألحقائب وألدرّاجات والحلويّات وألمدرسة وألمُعلّمة ألتي تضمّه إلى صدرها بحنان كلما رأته .. كما إنه أراد أن يعاتبه لأنّه خلق كلب ألجيران ألذي عظّه مرة ، وزرقته ، على اثرها ، جارتهم حقنة آلمت مؤخرته .. أراد أن يراه كي يبكي بحجره ، ويسأله لماذا قبض على روح صديقه " هيثم " في تلك الظهيرة أللاهبة .
عاوده الحزن مرّة أخرى ، ولكنّه ألحزن ألمقرون بألإصرار هذه ألمرّة .." لا بدّ أن أعرف ألسرّ .. لماذا يخفونه عنّي ؟ .. لمَ لا أستطيع رؤيته ؟ لابُدّ وإنهم يلتقونه سرّاً .. ؟ " ظنّ بأن أبيه وإخوته يلتقونه سراً ، خارج ألبيت ، فقرّر مراقبتهم قدر إستطاعته ، خاصة عندما يخرجون معاً .. وصادف نهار الجمعة أن خرجوا ، فانفلت وراءهم ، وعندما وصلوا ألجامع تسلّل خلفهم ، فالفى ألجامع غاصّاً بنسخ مكرّرة عنهم ، نفس أللحى ، نفس "ألدشاديش" ألبيض ، وحتى عند سجودهم .. سجدوا وكأنهم رجل واحد ، له هيئة واحدة ، تعكسها مرايا لا نهائيّة ..
وتكرّر ألنداء ( ألله أكبر ) .
وتكرّر ألصدى ( ألله أكبر ) ..
وحسام لا يدري لماذا تنتابه ألرعشة كلما سمع ألإسم الذي طالما إشتاق للقياه . وفجأة لاحت له فكرة أضاءت في أعماقه بنور داخلي مفاجىء .. " ايكون ذلك الشيخ الذي يتقدم ألصفوف ؟ .. هل كذبوا عليه عندما قالوا إنه ليس من ألبشر ؟ " . وما أن تقدم خطوات وحدّق في وجه ألشيخ حتى خبا ألنور الذي سطع في أعماقه وزايله ألأمل ، فقد كان ألشيخ "جبّار " ألذي بصق في فمه مرّة إلتماساً لشفائه من مرض ألمّ به .. والله لا يبصق في أفواه ألأطفال ، بلا شك .. !
عاد حسام لممارسة حياته اليوميّة ألمعتادة . عاد للقفز هنا وهناك مقلّداً ألسندباد وساسوكي وعلي بابا ، وإستأنف لعبه مع أبناء ألجيران ومتابعة أفلام ألرسوم ألمتحرّكة والعصابات ، ولكن هذا ألموضوع لم يغب عن باله أبداً ، يذكره مع كلّ أذان ، ويتحسّر ، لأنه لم يُسعد بلقاءه ، ويطلب منه ما يريد .. وفي إحدى ألليالي رأى أمه تلهج بالدعاء ، وقد تخلّت عن فوطتها البيضاء ، واخذت تضرب صدرها بحرقة دامعة . كانت تنظر إلى ألقمر ألذي توسّط عباءة ألليل ، وتهتف " يا إلهي " . في تلك أللحظة إنفتحت ألغاز السرّ أمام عينيه ، وظنّ بأنه قد وصل إلى ألنهاية ألسعيدة ألتي كانت تطالعه عند نهاية ألأفلام .. فإما أن يكون ألله هو ألقمر نفسه أو يسكن هناك ، فوق ذلك ألقمر ألعظيم الذي يضيء ألليالي ألموحشة ..
عرف ألسرّ أخيراً ..
طار فرحاً ، وقرر بأن يحتفظ به لنفسه .. وقضى ألليالي مناجياً ربّه شاكراً فضله إن مَنّ عليه بحلوى لذيذة أو إبتاعت له أمه ملابس جديدة ، وعاتباً عليه إن خسر في لعبة أو إعتدى عليه أحد .. وفي ليلة رعب مجهولة إستيقظ على صوت صراخ ألأطفال وبكاء ألأمهات وصلوات ألآباء . في تلك ألليلة ألتي لن يتمكن من نسيانها أبداً ، خرج من باب ألدار وقد إختلطت في أعماقه مشاعر ألفزع وألغضب ، فرأى ألسماء مُلبّدة بطائرات كانت تقذف حمماً مختلفة ألألوان .. إنفلت حسام راكضاً في ألساحة ألواسعة ، أمام ألدار ، غير عابىء بصوت أمه ألباكي وتوسلاتها الخائفة . إخترق ألساحة ألفارغة وما أن قارب منتصفها ، حتى مادت ألأرض تحت قدميه ، وأضيء ألكون بسحابة نار دوّى أثرها إنفجار عنيف لقنبلة دكّت ألأرض فأسقطته أرضاً ، إنكفأ على وجهه ، وإمتزجت دموعه بتراب ألأرض ألتي شعر بها رخوة تحت قدميه وكأنها إسفنجة مهترئة .
في تلك أللحظة ، أزاح حسام ألتراب ألذي إمتزج بدمعه ، ورفع عينين غاضبتين إلى ألسماء ، نظر بحقد إلى ألقمر .. ألقمر ألذي بدا مكتملاً ، مضيئاً و .. هادئاً .. هادئاً تماماً .



#جلال_نعيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نافذة إلى عالم آخر
- أحلام سينمائيّة
- لهاث ..
- ألدنيا ألخضراء
- نص ونقد : (ألعاصور) أو شارلي ألعراقي مُتمرّداً على آلهة أزمن ...
- إنوثة...!
- فيفا كولومبيا ..! - قصّة
- سياط .. - قصّة
- إحتراق ..! - نصّ
- حوار شخصي مع عبد ألهادي سعدون ..!
- خمسة مسافرين .. في خمسة زوارق ورقيّة ..
- إنّهم يقتلون الجياد .. !
- روزاليندا ..!
- اليوم ألأخير للمطر ..!
- وقت للحب .. !
- مجانين
- إستمناء آخر
- محاجر


المزيد.....




- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 67 مترجمة على موقع قصة عشق.. تردد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جلال نعيم - هدوء ألقمر