أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كريم الصامتي - لعل الذكرى تنفع..!















المزيد.....

لعل الذكرى تنفع..!


كريم الصامتي

الحوار المتمدن-العدد: 3231 - 2010 / 12 / 30 - 20:37
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



كريم الصامتي
من نوستالجيا ذاكرة عين العودة
لعل الذكرى تنفع.. !
-1-
فَاتَ المِيعَاد.. وَبَاتَ الأمل شِبه معدومٍ في إنقاذ هذه الحَاضِرة من اغتصاب الأهل لها، وَلَظُلْمُ ذوي القُرْبَى أشدُّ مضاضة لو كانوا يعلمون. فَفِيمَا سيُفِيدُنا اليوم البُورْتْرِيه الجميل الذي يرسمه لنا من عاشوا وعاشت فيهم الذكرى، والحلم الذي نام طويلاً طويلاً داخلهم كالجَهِيضِ المُسْتَكِين؟ هل يمكن للكلام المُبَاح اليوم أن يُحَرِر الحلم المؤَجَل؟ أَكْتُبُ وأَتَسَاءَلُ عن هذا المصير! مصير العودة إلى العين التي لم تَبْخَل يوماً عن إرواء قاصديها، أين رَحَلَ ماؤُها المنكسر على الصخر؟ أين هي رائحة النعناع البري، وكرمة التِّين التي كانت تستقبل ساقي الماء بثمارها كل حينٍ، إلى أي حتف هُجِّرَت تلك النخلة الولُودَة الباسطة ذراعيها بالوصيد فوق تلك الربوة المُدَلَعة بنبات السُمَّار والدُّوم الحاضن للأرنب البري والسُّمَان. أي دعاء اليوم تُرَتِلُه فيمن رفعوا الوقار عنها ونَفَوْهَا عن أُلْفَةِ المكان وصُحْبَة الزمان؟
عين العودة بدون نسب الآن. مات شهودكِ، فلْيَأْتِيكِ القراصنة من حيث شاؤوا. ياه.. كم كان مصيرك مخجلا ! ومن سَيُصَدِّق حكاية الرُوَّاة بأنكِ كنتِ قصيدةً، وفتاةً بكراً تأسِرِينَ الرَّائِينَ من بعيد. راقدة فوق رَبْوَتِكِ كقلعة ضاربة في عمق التاريخ تَلُفُكِ حقولُ الكُرُومِ المُنْحَنِية، مُلَقَّحَةً بِنَبَات العُلَيْقِ. تَتَخَلَلُكِ أشجار التوت، وتُعَطِّرُكِ رائحة أزهار الدُفلى. لوحة طبيعيّة موشومة بعشق من هندسوا لِحَطَّتِكِ البهية. لَيْتَنِي أبثُّ فيكِ الرُوحَ بالكلمات الهاربة منِّي، لَيْتَ عُمْرِي يَكْبُرُ في الماضي !
قالوا أنكِ كنتِ مَحَجَّ المسجونين داخل حيطان إسمنت العاصمة الخانق، والحديقة الخلفية للعَدْوَة، وافرةَ الأشجار والأعشاب، نقيّة الهواء. وأن طيور اللقْلاَقِ ذاتِ الأصلِ الشّريف شَيَّدَت زواياها من خَصْلاَتِ صمتكِ الدافئ، وكانت تُهديكِ كل مساء نشيدًا. وزَعَمُوا أن الأطباءَ كانوا يقحمونكِ في الوصفةِ العلاجيّة التي يكتبوها لعائديهم ممن يعانون من الأسقام الرئوية من سكان العاصمة ووَصِيفَتِها ثمارة.
يحكِي عنكِ أحدُ عجائزِ المدينة بحسرة شاعرة فيقول: " كانت المدينة جْنَّة، الناس صَافْيَة والقلوب مْتآلفة، والخير مْدَفْقْ... إيهْ يَا لِيّامْ". يقاطعه آخر فيسترسل في نوستالجيا الذاكرة كيف كانت القرية آمنة مما ابْتُليَّ به غيرها من شر تعدي المجرمين، وتطاول أيادي الناهبين على حوائج الناس. ويقول بتعبيره: " كانت بْواب مَحَلَاتْنَا ديما مفتوحة، ْلوْقَرْ أو تِيقَار". ويُواصل ثالثهما: "عين العودة، يا ولدي، كانت مَزَارًا لوُفُود القنَّاصين، ولاعبي الكرة الحديدية، ومقصدا معتادا للدرَّاجين".
ولَمَّا طالَعتُ بعضَ صُوَّرَكِ التائهة في أرشيف قاطنِيكِ القُدامى، وجدتكِ نموذجاً شَبيهاً بهندسة القُرى الفرنسية الصغيرة، بأسْقُفِ بِنَايَاتِكِ ذات القرمود الفخَّارِي المائلة. مَداخِلُكِ من جهاتٍ أربعةٍ تَتَعَانَقُ في قلبكِ بشكل متعامدٍ، تحرسهما الكنيسة من مُبِيقات العبور. سُبُلٌ مزينةٌ بأشجار الكَلِبْتُوس والنَّخل الباسقات على طول جنباتها، كأنها تقدم سلاماً عسكرياًّ للزائرين، يتساقط بلحها زخات زخات، يطعم الحمام بدون حساب. وعلى مدخلكِ من مِحَجَةِ ثمارة تَتَسَلَلُ إلى الآذان أصوات حناجر تلاميذ المدرسة المركزية المتناغمة مع تغاريد عصافير الحَسُّون (سْطَيْلَة) والدأخواني (الجَوْشْ) والقُبْرَة المُتَوّجَة (قَوْبَع)، الجَذْلاَنَةِ ببذور ثمار الصنوْبَرِ المُتَطَاول في فضائها الرَّحْب، مَزْهُواً بِتلاقُح أغصانه المَيَّادة في السماء، متفرجة على مراوغة السُنونو لرُؤُوس الصّغار كل أَصِيلٍ، وا أسفاه.. على سفر الخُطَّاف مع الأطلال، وُئِدَ في حُطام القسم الذي كان موقوفا عليه ! وأين تَوَارَت يا تُرى لَهْفَة الأصوات؟ ما عُدْنَا نسمع صداها كَحَفِيف أشجار الصنوبر في المساء.
تُؤَدَةً، يَدُبُّ السَّائر إلى الأمام مُنْفَلِتا، يُعَانِد إغارة عَرَمْرَمِ الارتسامات، فَتَتَلَقَفُهُ نافورتان تتلألآن في المدى، نَائِخَتَان وسط حديقتين متقابلتين، أُولاَهُمَا على شِمال القادم من ثمارة مكان "الباشوية" حاليا، والثانية على يمينه، مكان المقهى المواجهة للبلدية والحوانيت المرسوسة خَلْفَها كأسنانٍ نَخَرَهَا التَّسَوُسُ، فلا هي صالحة للقَضْم ولا هي مجَمِّلَةٌ للفم. وعلى هامِشَيِّ الطريق الآتي من الرباط والمتجه نحو الرُمَّانِي شُيِّدَت الفِلَلُ ذاتِ المساحات الكبيرة والطابع الإفْرَانِي الآسر، والتي لا يزال بعضها راسياً في مكانه كخالة "الزين" على وَجَنَةِ عجوز غدر بها الزمان وغارت عليها التجاعيد. لا زالت حانة "جيلو" تخدم رُوَّادَها بتقديم فناجين البن، تُسَاهم في تعديل الأمزجة، وتحافظ على نشوة الكأس أو ذكرى النشوة. كطاحونة الهواء الرَّاسِيَة على تراب مكتب البريد تدور عبثاً في الفراغ تَلْهُو بها الريح، تَئِّنُ ناذبة عوائد الزمن، وتَجْتَّر الذكرى هي الأخرى كعجائز المدينة. وكَصُوَرِكِ التي داهمتني، وكأحلام أطفالِ المدينة الذين ينتظرون أن نَتْرُكَ لهم بقعةً بيضاء فوق قماش اللّوحة التي يُخَرْبِشُها الكبار بدون معنى. فمن يَكْفُل "للمحاجير" حقهم في الرّسم البريء..؟
-2-
عندما أسْرَحُ في اسْتِشْرَاف مُسْتَقْبَلِكِ، أرَاه مَسْرَباً مُلَغّماً بالحافات الوَعْرَة، وَمُجَفَفاً من علامات التًشْوِير، الخطر متنوع، "الحَافِظْ الله" من سائقيك المُتَهَوِّرُون، الأفَّاكُون على الناس، يُوهمُونَهُم بالسَّرَاب الهارِبِ دومًا إلى الأمَام. فإلى أيّ جَائِحَةٍ يَقُودُونكِ؟ وهل يَسْتَذْكِر "أبناء العين" الذين باعوها بثمن بَخْسٍ. أوالذين رَكَنُوا منهم إلى الصمت جَاثِمِين. والذين اغْتَربوا عنها ولم يَعُد يَجْذِبُهُم غير شِوَاءِ سوق الإثنين، وموسم شراكة المَعْقُودِ على نَواصِي خَيْلِه الخَيْرُ. والذين رَبَتْ أَسْتَاتُهُم المُكْتَنِزَة من بَلْعِ عَطَايَاها، مُتَنَفِسَة بكل حرية، مُلَوِّثَة الجَوَّ بـ"حُزَاقِها" الكريه دون حِشْمَة أو تحفظ. والذين وَفَدُوا إليها من كل حَدْبٍ وصَوْب، فلم تُثْنِيهِم خائبين، حتى اتهمكِ البعض بأنكِ تَهَبِينَ البرَّانِي الرزق وتنسينَ آهاليكِ. هل يتذَكَرُ هؤلاء قاطِبَة سِيمَات شخصياتكِ الكُومْبَارْسِيَّة، وصُنّاع الحديث، ووَاشِمِيكِ بطابعهم الخاص...؟ هل لا زالوا يتذكرون مُزَاحَهم السعيد مع "سي اليازيد" عندما يُقَايضُون حُمْقَه اللطيف بين الرِيَّال و "الفيليل"، ويتكلفون بحمايته من استفزاز الصبية؟ من يُهْديك اليوم يا "سي اليزيد" قمصيه بكل حب وإيثار؟ هل يتذكرون حِلْمَهُم على "بَيْطُوزْ" لمَّا يَعْتَرِض سبيلهم فيتوقفون حتى يُكْمِل طَوْفَتِه الشهيرة عليهم؟ هل لا زالوا يتذكرون غرائب "الفقيه سي الممتاز" قائد الولائم ومبذع النواذر، ويتحلقون حوله لسماع طرائفه؟ هل يعترفون بِتَلْمَذَتِهِم على يد "سي الوطاطي محمد" رمز مجموعة مدارس عين العودة، مُكَرِّس الانصهار مع القبيلة والمُسايِرِ لطابعها المحافظ، المعروف بأناقته المُحْتَفِية بالحياة، ومن آوائل مالكي السيارات بعين العودة آنذاك مُنَافِساً الأعيان والوُجَهاء؟ هل يتذكر رجال التعليم بمؤسسات "المدينة" حاليّاً الأستاذ "منصور الملياني" أيْقُونة النِضال المُسْتَمِيت وصَاحِب حق "لاهاي" غير الضائع؟ هل يَذْكُر المُتصارعون اليوم حول القيادة الوهميّة لِنَاصِية كرة القدم المحلية في اجتماعاتهم المراطونية، إسم "سي الحسين المراكشي" كمؤسسي الفعل الرياضي بالمنطقة، هل يقدرون على الاعتراف بمجهوداتهم دون نرجسية مُفْرِطة؟ من يُذَكِّر سماسرة عين العودة، أن الاتجار في عَوَزِ النّاس، لن يُعيق البُسطاء من بائعي أُضْمُومَات القزبر والنعنان، وعسَسِ اللّيْل، وكَانِسِي السوق... عن التشبث بتعليم أبنائهم ورفعهم درجات فوق هَامَاتهم الحاقدة؟ كم وكم ممن ينبغي أن يستحيي منهم من يطمِسُون مجهوداتهم وذاكرتهم، وأعتذرُ للكثيرين من الشخصيات التي بَصَمَت تاريخ "المدينة" عن عدم ذكرها بهذا المقام، بارك الله عمر الأحياء منهم ورحم الأموات...



#كريم_الصامتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإله مات.. الإله حي
- النقد النيتشوي للمسيحية*
- - بلدي وإن جارت علي عزيزة-
- طموح المغرب التنموي وهواجس الجيران


المزيد.....




- في وضح النهار.. فتيات في نيويورك يشاركن قصصًا عن تعرضهن للضر ...
- برج مائل آخر في إيطاليا.. شاهد كيف سيتم إنقاذه
- شاهد ما حدث لمراهق مسلح قاد الشرطة في مطاردة خطيرة بحي سكني ...
- -نأكل مما رفضت الحيوانات أكله-.. شاهد المعاناة التي يعيشها ف ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- صفحات ومواقع إعلامية تنشر صورا وفيديوهات للغارات الإسرائيلية ...
- احتجاجات يومية دون توقف في الأردن منذ بدء الحرب في غزة
- سوريا تتهم إسرائيل بشن غارات على حلب أسفرت عن سقوط عشرات الق ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- الجيش السوري يعلن التصدي لهجوم متزامن من اسرائيل و-النصرة-


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - كريم الصامتي - لعل الذكرى تنفع..!