أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صادق البصري - بيت النار ..















المزيد.....

بيت النار ..


صادق البصري

الحوار المتمدن-العدد: 3231 - 2010 / 12 / 30 - 01:49
المحور: الادب والفن
    



بيت النار (قصة قصيرة )

يجلس على قارعة الطريق وحيدا ، كهل بكوفية حال لونها ،وسترة مغبرة ..جالسا لا يلوي على شيء ، ساهما اغلب الوقت يقتفى آثار خطوات المارة بنظرات مشوشة وملامح وجه كسير حفر الزمن خطوطه على قسماتها فأحالها أخاديد ..أب لعائلة تشتت أفرادها ،البنين توزعوا بين قارات الأرض كرذاذ تطاير هنا وهناك ، والبنات تزوجن في أماكن متباعدة وشح الملتقى ، لم يبق له سوى عد أيامه الأخيرة بمسبحة قلقه ، منسي كقبر قديم تكاثر من حوله الدغل ، ممسوح اسم قاطنه من ذاكرة الشاهدة ،كأنه كان يودع بنظراته صباحا خيال العربات المارة وضجيج المكائن العابرة ،وجلبة النساء والأطفال ناحية جادة السوق ،والغبار يلف الحي ويصعد بدوامات حاملة معها الأوراق وأكياس النايلون موزعة النفايات أمام البيوت المهجورة وعلى سقوفها الواطئة ،ويطيل جلوسه حتى الغروب مستقبلا العائدون من عمال وكسبة وعربات الحيوانات و السيارات القديمة التي تجر خلفها غبار يغشى الحي،وكان يمكث جالسا إلى ساعات متاخره من الليل وكأنه ينتظر عائد ما .
كان واجبي مراقبة الطريق وتشخيص السيارات المارة والمتوقفة داخل الحي وفي أطراف المدينة ،وتثبيت أرقام البيوت الشاغرة أوالتي هُجر أهلها و التي يستخدمها المسلحين كنقاط انطلاق لعملياتهم ومخازن للعتاد ،كان يتحتم علي أن اضطلع بقراءة وجوه الغرباء وأدون ملاحظاتي ومن ثم أرسله على شكل تقريرعن طريق اللاسلكي لوزارة الدفاع ،بواجب أشبه ما يكون استخباريا مدنيا في مدينة هجرها معظم أهلها ،من جراء الاقتتال وتصارع المسلحين للسيطرة بغياب القانون ، كانت الحياة في المدينة تتوقف كليا الساعة الثالثة عصرا مما يجعلها مدينة أشباح بدون حظرا للتجوال ،بين فينة وفينه اسمع إطلاق نار ،وجثث أشخاص ترمي قرب التلة الترابية عند أطراف المدينة ،وكانت البشارة دائما تأتي عن طريق مايكروفون الجامع القريب من الحي بأنهم قتلوا الأعداء ،اعرف حينها إن مجزرة جديدة وقعت ،كان الظلام يلف المدينة مبكرا ،فيختفي حتى نباح الكلاب ،
اقتربت من الشيخ وسألته : هل تنتظر احد ما هنا .
أجابني : أنا من نفس هذه المنطقة وقد ولدت فيها ، وبيتي هناك قرب المدرسة ،وأعيش وحيدا منذ أن ماتت زوجتي في انفجار السوق ، وهجرني أولادي وبناتي ، كان مسرورا لان أحدا كلمه ،وراح يعدد أسماء أولاده وبناته وجيرانه .
قلت :آه أنها فعلا ظروف محيرة .
أجاب : ولدت هنا وكانت تلك مدرستي ،آه كم لعبنا عندما كنا صغارا في تلك الأزقة ، وتلك هي آثارنا كتابات على الجدران ،غادر الكثيرون من ناس هذا الحي ومن المدينة ، إلا أنني لم أغادر .
تفتحت قريحة الشيخ بالكلام وراح يشرح الحوادث التي عصفت بمدينته ، وأسماء الأشرار الذين حرموه من جلاسه أصدقاء الطفولة من جيرانه .
قال : غادروا جميعا لأماكن بعيدة ولا اعرف عنهم شيء ..
لكنني قلق على الصغيرة ابنتي التي تزوجت منذ سنة وذهبت مع زوجها إلى مكان ناء ، وزوجها من طائفة أخرى .
كنت استمع لحديث الشيخ وأراقب الشارع والسيارات المارة بسرعة ، بأضواء شاحبة ،كان المساء يمر حذر، وفي أي لحظة تتجمع المليشيات المسلحة بنداء من مايكروفون الجامع القريب ،وفي أية لحظة تُقتحم البيوت ، وتفجر لتتحول إلى ركام ، أو تحرق وتسفك دماء ما تبق من ساكنيها .. كان الشيخ لازال جالسا بمكانه ، سألته عن أصدقائه وسكان المدينة الذين غادروا
قال :كنا نجلس في هذا المكان أنا وأصدقائي من الجيران نتبادل الحديث ، ونلعب الدومينو ونسمع النكات ونضحك كثيرا ونحتسي الشاي ، إلى ساعات متأخرة من المساء ، وكانت ابنتي الصغيرة تأتي لتضع على كتفي معطف الفرو لبرودة الجو مساء ..إني جد قلق على ابنتي الصغيرة ، الأولاد لاخوف عليهم فقد كبروا وتفرقوا ، ولا اعرف أين هم ألان ، لكن ابنتي قالت أنها ستزورني يوما .
تجمع بعض الشباب مدججين بالسلاح في مفارق الطرق بمعية معمم يتقدمهم وكانت وجهتهم مدخل المدينة من جهة الغرب ،وكان لابد من تحذير السرية التي كانت تربض هناك بسلاح بدائي .
سألت الشيخ هل تعيش ألان وحدك في ذلك البيت ؟
أجابني : كانت لي عائلة ، زوجة ، وأولاد ،وبنات ، زوجتي ماتت في حادث انفجار السوق ولم اعثر على رفاتها ، والأولاد تفرقوا قال لي شخص يعرفهم أنهم هاجروا كل في بلد ، ابنتي الكبيرة تزوجت و نسيتني تماما ولا تتذكر حتى اسمي ،والوسطى ذهبت مع زوجها إلى الشمال وضاعت إخبارها ،والصغرى آه .. كم أنا قلق عليها زوجها من طائفة أخرى ولا ادري أين هم ألان ، كما ترى أنا أعيش وحدي في ذلك البيت ، لا أهل ولا أولاد وبيتي كما يبدو مقفر يسكنه الظلام .
جاءتني رسالة إن السرية تصدت لمجموعة الشباب في الطرف الغربي للمدينة ، وطاردتهم واعتقلت كبيرهم المعمم واقتادته إلى السجن .
ماذا كنت تعمل من قبل سالت الشيخ الجالس ؟
أجاب : كنت سائق شاحنة كبيرة أجوب البلاد من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها ، ولي في كل محافظة انزل فيها أصدقاء وخلان ، كنت انقل البضائع من الميناء في الجنوب لأوزعها على المحافظات ، وكانت نهاية رحلتي وطوافي الطويل مهجعي بيتي كما الطيور التي تعود إلى أعشاشها في المساء ، حيث كان لي زوجة وأولاد وبنات ،ماذا افعل في البيت ألان بعد أن تركوني ، أكثر ما يقلقني طفلتي الصغيرة أنها عطوفة ومرحة لكنها ضعيفة البنية ، وزوجها من طائفة أخرى ، هل تعتقد أنها ستزورني يوما ؟
قلت له يستحسن أن لا تبق في هذا المكان .
أجابني : انه بعد برهة سيعود إلى بيته
وسألني كمن يريد أن يبوح بسر خطير ، وقال :هل تعتقد أنهم سيتذكرونني ، اقصد الأولاد ، وهل ستنجو ابنتي الصغيرة حتى لو علموا إن زوجها من طائفة أخرى ، أنهم قساة لايعرفون الرحمة ، بالأمس احرقوا منزل جاري وأتى الحريق على كل شيء في المنزل ،ولحسن الحظ أن لا احد في المنزل فقد اخذ جاري عائلته وغادر منذ البداية،
كما أنهم أجبروني على القبول في أن أعيرهم نصف بيتي ، قالوا انه بيت كبير على عجوز يعيش وحيدا ، جاعلين من نصف الدار مخزنا للذخائروالاسلحه ،وصاح بي شيخهم انك ستدخل التاريخ بمساعدتك لنا .
سمعت إطلاق نار كثيف من جهة الغرب وعلت الأجواء حمرة انفجارات ، وسرت أصوات مزمجرة لعربات وشاحنات تحمل جنود أسرى ، مزقت صمت الليل الدامس ،ووصلت أول طلائع المهاجمين الشباب بمعية المعمم بعد أن اقتيد آمر السرية مقيدا ، وبضعة جنود عراة يطاف بهم في أزقة المدينة المظلمة ،حينها جاءتني رسالة الانسحاب
بكى الشيخ ونهض من جلوسه الطويل ، كلمته لم يعرني إذنا صاغية وبنبرة حزينة قال : لا اشك يوما انه كان لي بيت هنا وكانت لي عائلة وكنت أجوب المحافظات وأعود لبيتي ،لا اشك إنني قلق عليهم وأكثر ما يقلقني هي ابنتي الصغيرة ترى هل ستفي بوعدها لي وتزورني كانت تلك أمنيتي . لم يعد يخاطبني مشى يتخبط ، ابتعد ، واختفى في الظلام .


******************************************************************************



#صادق_البصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للوزراء الدمج حصرا (نصائح)..!؟
- مالكي يوم الدين وحق الرد (للمأجورين) !؟
- رسالة مفتوحة الى الاستاذ كامل النجار
- مزيد من النور :الحوار المتمدن يتألق
- نشيج شموس غاربة ..
- خريف البطريرك -بشارة ماركيز ووهم الانعتاق /قراءة متأخره
- لوركا..الفكاهة في ممازحة الموت
- نزف كلمات ..
- رمضان شهية للأحتيال
- دمعة على ثرى صاحبي ..
- الدين ليس بديلا للحياة
- رموز .. وطنية !؟
- ثلاسيميا أمراء الطوائف
- رسالة وذاكرة..
- طلاسم الخزاعي ..أسئلة البكلوريا هذا العام انموذجاً
- دوله حقيقيه .. دوله وهميه !؟
- يا أيها النمل ادخلوا جثتي ..
- الصندوق ذي الجلد المرمري ..
- حلم صبي من شمال الجرح ..
- لافتاتٍ...سود


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صادق البصري - بيت النار ..