أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله البصري - سيكولوجيا الحزن العاشورائي















المزيد.....

سيكولوجيا الحزن العاشورائي


عبدالله البصري

الحوار المتمدن-العدد: 3230 - 2010 / 12 / 29 - 14:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



من الصفات الرئيسة التي يتميز بها الإنسان عن باقي الحيوانات هي صفة الحزن، فنجدها واضحة بانفعالاته وملامح وجهه، وحدوث بعض الاضطرابات في الجسم منها البيولوجية والفسيولوجية، التي تدلي بأن هذا الإنسان يمر بحالة حزن.
ويعرف بعض علماء النفس الحزن بأنه إستجابة متعددة الأوجه للخسارة، وخصوصا عند فقدان شخص أو شيء تربطنا به علاقة قوية .
ويرى "فرويد" أنه على الرغم من الآثار الاجتماعية والنفسية الضخمة فإن الحزن في حقيقة الأمر هو حالة من الدفاع عن النفس أمام وضع جديد.
أما "ويلسون" فيرى إن الحزن هو الإنطفاء الداخلي.
اتفق الباحثون على إن الحزن مسبب أساسي للضغوط والاضطرابات النفسية والقلق والإكتئاب وأحيانا يؤدي بالشخص إلى الانتحار.
و من الأحاسيس التي يشعر بها الإنسان والتي تحتوي على حزن شديد هو عندما يخاف من الموت أو يموت له شخص عزيز، أو يفقد حاجة مهمة، فسيمر هذا الإنسان الحزين بخمس مراحل كما ترى إليزابيث كيوبلر روس، وإن هذه المراحل الخمس أطلقت عليها دورة الحزن، وهي كما يلي:
1- النكران: عبارة عن دفاع مؤقت للفرد وهذا الشعور يستبدل عادة بالوعي الشديد بالمواقف والأفراد والأشياء التي ستترك بعد الموت، فمثلا يقول: (أنا بخير.. لا يمكن أن يحدث هذا.. هذا ليس لي).
2- الغضب: وبعد إدراك الإنسان بأن النكران إنتهى وإن الأمر أصبح حقيقيا، سيشعر بالغضب ولا يستطيع أن يرعى هذا الشعور، أو يسيطر عليه بسهولة. فمثلا يقول: (لمَ أنا؟ هذا ليس عدلا!. كيف يحدث هذا لي؟ من الملام على ذلك؟).
3- المساومة: مرحلة تحتوي على الأمل وتمكن الفرد من فعل أي شيء لتأجيل الموت أو الفقدان، أو يتأمل عودة الشيء المفقود مثلا، وعادة ما تتم هذه المفاوضة مع قوى عليا يؤمن بها قد تكون "الآلهة" فمثلا يقول: (دعني أعيش لرؤية أطفالي يكبرون.. سأفعل أي شيء من أجل أن تعود لي.).
4- الإكتئاب: يبدأ الفرد في هذه المرحلة بفهم حتمية الموت أو فقدان الشخص أو الحاجة، وبعدها سيصبح أكثر صمتا ويرفض مقابلة الزوار ويمضي معظم وقته في البكاء، ويتجنب الأشياء المحببة له. وترى "كيوبلر" يجب أن نتجنب إبهاج الفرد في هذه المرحلة لأنها حالة يجب أن يمر بها ويتعامل معها. ويقول الفرد في هذه المرحلة: (سأموت على أية حال، أو انتهى الأمر.. ما الفائدة من أي شيء أفعله؟.. لقد رحلت، أو لقد رحل الشخص أو الشيء المفقود).
5- التقبل: يشعر الفرد في هذه المرحلة بالتفهم ويستسلم للحدث، ويفضل أن يترك وحيدا، وبعدها سينعدم الألم تدريجيا. وتعد هذه المرحلة نهاية الصراع مع الفقد. وفيها يقول الفرد: (ما حدث حدث ويجب أن أكمل الطريق، لا فائدة من المقاومة، ومن الأفضل أن أستعد لما يأتي).

بعد أن عرضنا نبذة بسيطة عن انفعال الحزن لدى الإنسان، يحق لنا القيام بمقارنة بين حالات الحزن التي نشاهدها في حياتنا اليومية، ونرى هل إن هذه الحالات استوفت كامل شروط الحزن أو بعضا منها، أو إنها لم تستوفِ أي شرط من شروطه؟
فمن الظواهر التي نشاهدها في مجتمعنا والتي يمارسها الشيعة تحديدا، هي الحزن أو إدعاء الحزن في شهر محرم، والذي يمتد من أول يوم في هذا الشهر، وحتى آخر يوم من شهر صفر. وترى الناس في تلك الفترة يقلعون عن سماع الموسيقى والغناء، وبعضهم يقلع عن مشاهدة التلفاز من الأساس، ويرفض كل وسائل الترفيه، والبعض الآخر يمارس نوعا من الحركات أو الطقوس الجماعية التي تتمثل باللطم على الصدور، أو ضرب الأصلاب بالسلاسل وحز الهامات بالسكاكين أو (القامات)، وتتغير الأجواء في تلك الفترة بصورة غريبة جدا بحيث إنك لا تسمع سوى عويل الناس ومنشدي القصائد الرثائية الواصفة للفجيعة التي حدثت في كربلاء للحسين وأهله وأصحابه. وتنتشر اللافتات السوداء والأعلام على البيوت والمحال ودوائر الدولة – كما يحدث في العراق عند قدوم هذه الأشهر – وتجد الكثير من الناس يرتدون الملابس السوداء للتعبير عن الحزن أو للتمظهر حزنا وأسفا.

توطئة:-
" إن هذه العبادة المختلقة إنتشرت بين الشيعة في عهدهم الأول عندما قرروا البحث عن عبادات يخالفون بها بني أمية. و أرادوا من خلالها إظهار اختلاف عقيدتهم عن باقي المسلمين، و لذلك سعوا إلى التهويل و التشديد بضرورة هذه العبادة و ضرورة الأخذ بها، فجعلوا لها لباسا أسودا يميزها، وتذرعوه للحداد على الحسين و أهل بيته. وعندما جاء زمن البويهيين الذين حكموا إيران والعراق باسم حماية الخلافة العباسية، قاموا بتنمية الاحتفالات بهذه المناسبة و أصبحت جزءا من الكيان الشيعي، وأشتد هذا الأمر بمجيء الشاه إسماعيل الصفوي، فقام بإعلان الحداد الكامل في العشر الأوائل من محرم، ويشمل الحداد كل البلاط الصفوي سنويا، وكان الشاه يستقبل المعزين و المتباكين في عاشوراء، و كانت هناك احتفالات خاصة لهذا الغرض تجتمع فيها الجماهير و يحضرها الشاه بنفسه، كما أن الشاه الأول عباس الصفوي والذي استمر حكمه خمسين عاما، كان يلبس السواد يوم عاشوراء و يلطخ جبينه بالوحل و يتقدم المواكب السائرة في الشوارع وهي تنشد أناشيد لرثاء الحسين ولعن بني أمية .

هل هذا حزن حقيقي؟ أي هل إن الإنسان في هذه الفترة يمر بحالة حزن حقيقية؟ لا أعتقد!. وذلك للأسباب:
1- إن الحزن الحقيقي يحدث مباشرة بعد فقدان حاجة أو شخص عزيز، وهذا الشخص أو الحاجة يشترط أن يكون موجودا في حياة هذا الإنسان، ويكون مهما جدا لما يوفره له من إشباع نفسي أو جسدي أو إجتماعي، وكما نعلم إن الحسين لم يكن موجودا في حياة أي فرد من هؤلاء الناس الحزينين، لأنهم ولدوا ووجدوه ميتا. فكيف بهم يحزنون عليه وهو حاجة مفقودة من الأساس ولم يعتادوا عليها؟!. وحتى وإن كان يشبع لهم حاجات كما يتوهمون، فمسألة موته لم تضرهم شيئا، وهم أساسا غير مقتنعين بموته، والدليل يحاكونه بأدعيتهم ويطلبون منه الشفاعة وقضاء الحاجات، وينذرون له النذور، وهذا نوع من التناشز النفسي والمعرفي!.
2- إن أغلب هؤلاء الناس أو بالأحرى جميعهم، ينامون بدون أرق، ويأكلون بشكل طبيعي، أي إن الحزن لم يمنعهم النوم والطعام، ويمارسون حياتهم، ويضحكون أحيانا، ويجتمعون ويتبادلون الحديث. وهذا الشيء يدلي بصورة قطعية إن هذا الإنسان ليس حزينا. فمن الصفات الأساسية التي يتصف بها الشخص الحزين هي قلة رغبته للطعام، والشعور بالإكتئاب، والتعرض للأرق، وعدم القدرة على الضحك.
3- من المعروف إن قضية الحسين قديمة جدا وقد مضى عليها ما يقارب الألف وأربعمائة عام. وبما إنهم جاءوا إلى الدنيا وسمعوا عنه هذه القضية المحزنة بالنسبة لهم، فلمَ لا يحزنون عليه في أيام أخرى غير أيام عاشوراء؟ علما إن هذه الأيام لم تغير شيئا من الموضوع، فقضية الحسين هي نفسها في كل يوم. وهنا نتساءل هل إنهم سمعوا قصة الحسين أول مرة وحزنوا عليها؟ هل كانوا مع الحسين في المعركة ويذكرهم هذا اليوم بيوم قتله وعائلته؟ فهم يتعاملون معه عن بعد زماني ومكاني، وهذا لا يعتبر حزنا حقيقيا على الحسين.
4- إن هذا الحزن يتطلب منهم أن يكونوا أناسا شديدي الحساسية، عاطفيين سريعي التأثر. ولو بحثنا في المشاعر الحقيقية لهذه الفئة لوجدنا أغلبها بليد المشاعر والأحاسيس. فلمَ لا يحزنون على غير الحسين، و تأريخنا مليء بأناس قتلوا بطريقة أبشع من الحسين.

إن الفرق بين الحزن العاشورائي والحزن الطبيعي الإنفعالي الحقيقي، هو إن الأول نابع من حاجة غير محققة يتطلب تحقيها من خلال القيام ببعض الأفعال التي يتوقع القائم بها بأنها ستلين قلب المحزون عليه ومن ثم يمده بالأجر والثواب أو يقضي له حاجة صعبة التحقيق، أو يتوسط له عند إلهه الذي يتصوره غافلا عنه. ويحاول هذا الإنسان أن يغير من إرادة وأخلاق الله عند التضرع لوسيط بينه وبين الله. أما الحزن الحقيقي نابع من خسارة شيء مهم كان يوفر لهذا الفرد حاجات مادية أو نفسية مثل الإطمئنان أو الشعور بالأمان أو بمكانة إجتماعية رفيعة.
علمنا إن الحزن الحقيقي يحدث بعد خسارة الشيء أو توقع خسارته، أو المرور بموقف مؤلم. وكل هذه الأمور لم تحدث عند حزيني عاشوراء. وحتى وإن حدثت حالة حزن لدى الإنسان في عاشوراء فستكون وقتية وتنتهي بعد إنتهاء المراسيم، وذلك تأثرا بالأجواء السوداوية، وهذا يحدث للإنسان حتى عندما يسمع أغنية أو قصة أو قصيدة لها علاقة بخبراته والتي يمكن لها أن تؤثر به تأثيرا نفسيا. وبما إن هذا الفرد ليس حزينا حقيقيا، فكل ما يفعله عبارة عن تمثيل يخدع به نفسه ومن ثم يخدع الآخرين، وإن أغلب هذا التمثيل غير شعوري، تبثه حاجات غير محققة، عالقة بهذا الفرد تتطلب إشباعا. فبعضهم يمارس هذه الطقوس لكي ينفس عن كبت جنسي أو عدواني، وهذا ما نشاهده عند الذين يضربون أجسادهم بالسلاسل ويضربون رؤوسهم بالقامات، ويكاد يجمع أغلب علماء النفس بأن هذه الأفعال عبارة عن حاجة إلى العقاب لدى ممارسيها أو عدوانية مكبوتة إرتدت على الذات بسبب الإعاقات دون تحقيقها. وهناك بعض آخر يمارس هذه الطقوس لكي يعوض بها نقصا معينا، فقد يكون هذا الفرد منبوذا من قبل المجتمع، فيحاول أن يزين ذاته أمامهم من خلال البحث عن سمة مقبولة لدى المجتمع ومن ثم ممارستها ليكون مقبولا اجتماعيا، وبعدها تتغير نظرة الناس عنه. وهناك بعض آخر مصاب بتعصب قومي أو جمعوي، أو عرقي، يبحث دائما عن الإنتماء لجماعة معينة تمثل قوة، وهذا يحدث عند الأشخاص المصابين بعدم الأمان، أو الخوف من الوحدة. وهناك بعض آخر يمارس هذه الطقوس لكي يجذب أنظار الفتيات اللائي ينظرن المواكب بنهم علهن يسترقن نظرة من فارس الأحلام المتوقع، فتجد الفتيات ينتظرن هذه الأيام لكي يمارسن حريتهن المفقودة في الأيام العادية كالخروج من المنزل لمشاهدة المواكب، وترى أغلبهن مصابات بالحرمان الجنسي أو الرومانسي، فيستغلن هذا الجو لإبرام العلاقات العاطفية مع الشباب المتواجدين من أجلهن وليس من أجل الحسين!.وغيرها من الأسباب النفسية أو الإجتماعية التي تدفع الإنسان لممارسة هذه الطقوس، ولا مجال لحصرها هنا. ولو جمعنا كل دوافع الناس التي تدفعهم لممارسة هذه الطقوس، لوجدناها تنم عن حاجات غير محققة يفتقدها الفرد. ونقول: إن هذه الممارسات تعتبر أشياء مخدرة للعقل، وذلك بسبب طول مدتها، وجهل ممارسيها بأساس المشكلة، فأغلب الذين يمارسون هذه الطقوس، لا يمتلكون معلومات ولو بسيطة عن هذه القضية التاريخية، فرجال دينهم لم يفهمومهم لماذا خرج الحسين للحرب ولماذا قتل وما هو دافعه؟ فترى رجال الدين يصورون في مجالسهم هذه الفجيعة بصورة سينمائية تراجيدية تتحدث عن الطريقة البشعاء التي قتل فيها الحسين وأهله وكيف سحقوه بالخيل، وكيف ملأت السهام جسده الطاهر المقدس، وكيف قتلوا الطفل الرضيع، وكم كان يحمل الحسين من الكرامات والمعجزات التي أبا إستخدامها في هذه المعركة، وغيرها من الخرافات التي يتناقلها معمموا المنابر وثللهم الفجة المخدرة، التي تحاول أن تخدر الآخرين. فتجعل الناس يتصارخون ويتباكون بحجة التأثر بقضية الحسين، والحقيقة إن كل واحد منهم يبكي على ضيمه وعلى نفسه، لأنه لم يدرك الحسين من الأساس، ولو كان هذا الإنسان حساس لهذه الدرجة، فيفترض به أن يبكي ويسلخ جلده ويؤنب جسده ضربا عندما يسمع بالإنفجارات التي أسالت دماء مليون حسين على أرض بغداد، وقطت رأس مليون عباس، ويتمت مليون رضيع!.
إن من أهم الأسباب التي تودي بالإنسان إلى الإيواء داخل هذه المجاميع الشاحذة لحاجاتها بسلوكيات حركية ضاربة للجسد، هي السلطة أو الدولة، فعدم إشباع الحاجات المادية والنفسية والأمنية لهذا الإنسان ستؤدي إلى ممارسة الروحانيات، ومن ثم الإحتماء داخل هذه المجاميع التي توفر له الأمن النفسي المفقود من قبل السلطة. فالشعوب المترفهة اقتصاديا ومن ثم نفسيا، تقل فيها مثل هذه الطقوس وتصبح عبارة عن روتينيات تمارس بطريقة سطحية.
ولكي لا نخرج من الموضوع الأساس الذي هو الحزن. بعد أن تطرقنا إلى صفات الحزن وأجرينا مقارنة بسيطة بين الحزن المتعارف عليه سيكولوجيا والحزن العاشورائي الذي يحيق الشيعة في شهر محرم وصفر. يحق لنا الآن بأن نقر بعدم وجود أي حزن لدى هؤلاء الناس، وكل الإدعاءات بالحزن ما هي إلا خداع خدع به الإنسان نفسه، وأرى إن هذه الأجواء الحزينة تذكر الإنسان بأضيامه وهمومه ومفقوداته وتجعله يحزن عليها وليس على الحسين، وهذا أفضل تحليل لهذه الظاهرة الإيحائية الجماعية، فالإنسان بطبيعته لا يحزن إلا على الأشياء التي تؤثر في نفسه والتي قد يكون عايشها في حياته، وتربطه بها علاقات مباشرة تجعله قادرا على إدراكها من قريب ومن بعيد، وأحيانا يحزن على أشياء لا تربطه أية علاقة بها سوى إنها تؤثر في نفسه عندما يقوم بتحسس هذا الألم ويتخيل نفسه هو المصاب به، أو تذكره بشيء مهم في حياته، فمثلا يحزن شخص على رجل دهسته سيارة في الشارع، وهذا الموقف ذكره بصديق عزيز عليه مات نفس الميتة، أو مثلا يتصور نفسه هو المدهوس وليس الرجل ومن ثم ينتقل هذا الإحساس بفعل مستقبلاته الحسية إلى جهازه العصبي، ويتحسس هذا الألم بصورة إصطناعية يؤلفها الدماغ ويؤمن بها. فهناك الكثير من المثيرات التي تنتقل إلى جسد الإنسان عن طريق إدراكه لموقف ما ومن ثم اضفاء هذا الإحساس على جسده حتى يشعر بألم يشبه الألم الحقيقي، وهذا نوع من تأثير النفس على الجسد الذي يصنع توهم الألم.
وقد يتساءل سائل أو يعترض معترض على كلامنا هذا فيقول: نحن نعلم إن هذا الحزن مصطنع، ولكننا نحاول أن نشارك الحسين حزنه ونواسيه، وامتناعنا عن سماع الغناء والترفيه ومشاهدة التلفاز واللهو ما هو إلا إحتراما للحسين في ذكرى هذه الفاجعة.
وهنا ستنعقد مشكلة أخرى، لأن الإحترام بطبيعته يوجه نحو الأشياء العاقلة وحتى غير العاقلة ولكنه يمارس بصورة مباشرة مع الأشخاص والأشياء. فالإحترام هو سلوك ممارس سواء كان تعمدي أو لا إرادي تحكمه السيكولوجيا التي يتمتع بها الشخص القائم بالإحترام، وإذا أردنا أن نحترم الحسين مثلا ونمتنع عن ممارسة بعض الأفعال لغرض إحترامه، فيجب أن نمارس هذا الإحترام كل يوم وبدون مناسبة - علما إن ممارسي الطقوس لا يعرفون الإحترام لأنهم لم يحترموا جسدهم -. أما الإحترام العاشورائي، فهو عبارة عن إحترام للزمان أي للوقت الذي يتمثل بذكرى يوم معين، ومختصر إن هذا الإحترام موجه إلى الزمان وليس لشخص الحسين. كذلك إن الإمتناع عن ممارسة المرفهات لا يعني إحتراما للحسين، لأن الحسين في نفس الوقت حسب أدبياتهم لا يبالي بالحزن المصطنع غير الحقيقي، فهو أيضا لن يبالي إلى الإمتناع المصطنع عن الترفيه وسماع الغناء في شهر محرم.
كذلك إن التصور الذي يفضي بأن الحسين غير مرتاح ويحتاج إلى من يواسيه سيسقط نهائيا عندما تقرأون آي القرآن والأحاديث النبوية التي تثقون بها، فيقول القرآن: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" وكما تدعون بأن الحسين قتل في سبيل الله، فهو حي يرزق بين يدي ربه في (خيمة من لؤلؤة مجوّفة عرضها ستون ميلا) ومتكأ (على فرش بطائنها من استبرق) و تحيطه الحواري (فيهنّ قاصرات الطرف لم يطمثهنّ إنس قبلهم ولا جان ) والغلمان والخدم من كل الجهات (ويطوف عليهم ولدان مخلّدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) ويحتسي من أنهار الخمر والعسل واللبن، ويرتدي الحرير والسندس، ويتحلى بأساور الذهب واللؤلؤ (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضّة وسقاهم ربّهم شرابا طهورا) ويذكر أسطوريي عاشوراء ويتمنى أن يواسيهم هو وليس هم، لأنه أسعد منهم حالا!.

وإذا قال قائل: نحن نمارس هذه الطقوس لكي نعيد ذكرى الحسين للناس، ويعرفه الذي لا يعرفه.
إن هذا الإعتراض يسقط نهائيا ولا يوجب النقاش به، لأن الذي يريد أن يعيد ذكرى الحسين، يجب أن يتطرق إلى مبادئه ودوافعه وغاياته، وهذا الشيء مفقود جدا بسبب طغيان صفة قدسية الحسين على العقول المخدرة، وتجعلهم لا يتذكرون منه سوى الفجيعة، وينسون بأن الحسين خرج ثائرا على سلطان زمانه، وفي تلك الحالة إنهم يقومون بإعادة ذكرى اللطم والبكاء والمواكب والسلاسل والقامات، وليس إعادة لذكرى الحسين.

حقيقة ليست هناك مشكلة في ممارسة الطقوس بشرط أن تخضع لضوابط وحدود، وهذا ما نشاهده في كل حضارات وثقافات بلدان العالم وخصوصا الشعوب المتخلفة العاجزة التي يكثر فيها التضرع للتمائم والأموات، فهي عملية للتنفيس عن المكبوت، ولخداع النفس بتحقيق حاجات معينة، وهي مسكنة للكثير من الآلام، إلا انها تمارس بفترات قليلة وليس بهذه الشدة التي تعطل عمل الدولة، وتغلق فيها الشوارع وتسبب أضرارا للناس، وتثير التعصب والغلو في الأشياء وتجعل الإنسان ناسيا نفسه وحقوقه والظلم الذي يحيقه.
إن القضية الحسينية جندت من قبل أرباب العمائم لأجل تخدير عقول الناس وإستغلالهم إقتصاديا وسياسيا عن طريق السلطة التي يتنعمون بها، والهدف من السيطرة هو تسيير هذا الكم الهائل من العقول وراء غاياتهم التي لا تمت موضوعة الحسين بصلة، وشراء أصواتهم الإنتخابية عن طريق إلهائهم بسيانيديات خرافية جرداء تقطع كل خطوة نحو التقدم.



#عبدالله_البصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دحض فرضية قصور العقل على إدراك الذات الإلهية
- هذا هو الحب !
- في قانون التوازن في الطبيعة ووجود الإنسان والكون


المزيد.....




- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله البصري - سيكولوجيا الحزن العاشورائي