أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نوال السعداوى - النساء وكتابة الأدب














المزيد.....

النساء وكتابة الأدب


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3229 - 2010 / 12 / 28 - 10:57
المحور: الادب والفن
    


سألنى أحد النقاد: لماذا تكتب المرأة الأدب؟ سألته بدورى: ولماذا يكتب الرجل الأدب؟ سكت طويلا يفكر، لم يتعود أن يواجه بسؤال جديد لم يسمعه من قبل، تربى فى أسرة كانت أمه تطبخ وأبوه يكتب، تصور أن هذا هو قانون الطبيعة أو القانون الإلهى، أن المرأة تطبخ للرجل طعامه والرجل يكتب للعالم أفكاره، لكنه التقى صدفة فى ندوة أدبية بامرأة كاتبة مبدعة بهرت العقول بأفكارها ورواياتها، ووقع فى حبها كثير من النقاد، بعضهم متزوج من امرأة تطبخ فى البيت، وبعضهم غير متزوج يبحث عن زوجة تطبخ، تنافس النقاد عليها، يحاول كل منهم الاستيلاء عليها كل بطريقته، أحدهم نشر عنها مقالا طويلا بصورة جميلة فى الجريدة الكبرى، دعاها آخر إلى الغداء ولمح إلى أنه يبحث عن شريكة لحياته، الثالث متزوج وله أولاد وأحفاد عرض عليها الزواج مباشرة دون إضاعة للوقت: كيف تعرض علىّ الزواج وأنت متزوج؟ اتهمها بالكفر أو بالجهل بدينها الإسلام، قطعت علاقتها به فانتقم منها، أصبح ينشر مقالات نقدية تهاجمها وتحط من شأن كتاباتها الأدبية، وكان يرأس مؤسسة ثقافية ذات نفوذ، اسمها أصبح محذوفا من الكاتبات المبدعات، وصعدت فى عالم الأدب نساء أقل منها موهبة عرفن الطريق الصحيح إلى قلوب النقاد.

من هى الكاتبة التى لم تتعرض فى حياتها لمثل هذه المشاكل؟ كيف تنجو الكاتبة بنفسها من براثن رجال يتربصون بها كالقدر؟ أخطر ما يحدث للكاتبة هو أن تتزوج، وإن كان زوجها هو قاسم أمين ينادى بتحرير المرأة فى كتبه وخطبه إلا أنه يتحول عاجلا أو آجلا إلى رجل يتوقع من زوجته أن تطبخ وهو يكتب، حين تقول له إنها كاتبة مثله ومن حقها أن تكتب يبادرها بقوله «أنت زوجة ولك دور أهم تجاه أسرتك، إن كانت كاتبة حقا تضع الأدب فوق الطبيخ فهى تبادره بالسؤال» ولماذا لا تطبخ أنت وأنا أكتب؟ أو على الأقل نشترك معا فى المسؤوليات داخل البيت؟،

لكن الرجل المصرى لم تدربه أمه على الطبيخ، لم ير أباه يدخل المطبخ، لهذا يغضب الزوج من زوجته الكاتبة ويعتبرها شاذة، خاصة إذا كانت أكثر موهبة منه، يشعر نحوها بالغيرة أو النقص، يحاول أن يشدها بالقوة إلى مستواه الأدبى الأقل، يحاول أن يثير غيرتها بالتعرف على المراهقات، يحاول أن يستنزف قوتها فى أشياء لا علاقة لها بكتاباتها الإبداعية، منها غزواته النسائية، حين تصرف الكاتبة نظرها عن كل هذه التفاهات يشتد غضبه منها، يجعل حياتها سوداء مليئة بالمشاكل والشكوك والصراع اليومى.

عرفت كاتبات توقفن تماما عن الكتابة من أجل الزواج أو خوفا من الطلاق، عشن طوال حياتهن فى ندم وحزن على التضحية بأعز ما يملكن وهى الكتابة الإبداعية، وعرفت كاتبات اخترن الطلاق من أجل الاستمرار فى الكتابة، هل سمعنا عن كاتب مبدع ضحى بالأدب من أجل زوجته أو أسرته أو من أجل الأبوة؟ مثل هذه الأسئلة ضرورية حتى ندرك القيم المزدوجة التى نتربى عليها، والتى تجعل كتابة الأدب فى حياة المرأة مصدرا للشقاء والألم وليس الفرح والتحقق،

كم كاتبة مبدعة انتهت حياتها بالانتحار، ليس فى بلادنا فقط بل فى بلاد العالم؟ هل تذكرون أروى صالح التى يحاول التاريخ الذكورى دفنها ومعها كتبها؟ هل تذكرون فيرجينيا وولف التى تركت لزوجها ورقة وداع وسارت هائمة فى الحقول حتى النهر، ملأت جيوبها بالحجارة وغطست فى الماء حتى القاع؟ لماذا تنتحر الكاتبة المبدعة؟ لم ترد فيرجينيا وولف على هذا السؤال، كانت كتومة تخفى عن زوجها تعاستها الزوجية، وكان زوجها كاتبا مثلها (ليونارد وولف) لكنها كانت أكثر منه موهبة وشهرة، لم يكن هذا الوضع بين الزوجين مقبولا فى الحياة الإنجليزية الأبوية الطبقية الأرستقراطية فى بداية القرن الماضى، كما هو غير مقبول الآن فى بلادنا، كان الزوج يغلف غيرته بطبقة من ترفع النبلاء الفرسان، ويخفى قسوته بغلالة شفافة من الحنان الزائف. أصدرت فيرجينيا وولف قبل موتها كتابا كاملا عن مشكلة الكتابة فى حياة النساء، لم تناقش فى كتابها أهم مسألتين: طبيعة المرأة الحقيقية وطبيعة كتابة الأدب الحقيقية، وهما مسألتان شائكتان تركتهما كما هما دون شرح أو إجابة، تناولت فقط نقطة واحدة صغيرة من وجهة نظرها الخاصة، وهى: إذا أرادت المرأة أن تكتب فيجب أن تكون لها غرفة خاصة بها وحدها وأن يكون لها بعض المال تعيش به.

كانت فيرجينيا وولف شديدة الحذر فى كتاباتها عن حياتها الخاصة، تحاول دائما أن تخفى نفسها داخل شخصية أخرى من خيالها، مثلما تفعل معظم الكاتبات والكتاب من طبقتها العالية فى ذلك العهد، تراكم الغضب من الزيف والازدواجية فى أعماقها، أصابها بمرض الاكتئاب والحزن الدفين، كانت تضطر إلى الابتسام فى وجه زوجها كل صباح، عذاب يومى على مدى السنين، زوجها الأرستقراطى الإنجليزى أيضا بدوره يبادلها الأدب والرقة والرقى.

فى كلمة الوداع له قبل أن تغرق فى النهر كتبت له هذه الكلمات الغامضة الكاشفة: «يا أعز إنسان، أوشكت على الجنون ولن نستطيع أن نعانى كما عانينا فى تلك الأيام السوداء، لا شفاء هذه المرة، لن أستطيع المقاومة بعد اليوم، لا أستطيع الاستمرار، وأعرف أنك تستطيع العمل بدونى»، هل يمكن لأحد أن يكشف أغوار هذه الكلمات التى تبدو بريئة؟



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء ورجال القرن الواحد والعشرين
- هل ينمو فكر جديد؟.. حوارات نوال ومنى
- أعظم نساء ورجال القرن؟
- خروف العيد: حوارات نوال ومنى (٢)
- خروف العيد: حوارات نوال ومنى (١)
- تمجيد المرأة والعقل الأجنبى.. وتحقير أنفسنا وزوجاتنا
- السلطة الأبوية والتجارة بالجنس
- صمتوا حين كان الكلام واجباً
- الضمير الحى فوق الهوية القومية والدينية
- وجوه تتكرر فى كل عهد
- الدكتوراة الفخرية والتعددية والنسبية
- جلسة مع كاتبات فى القاهرة
- الصورة المفبركة بدل الحقيقة المؤلمة
- المرأة الكاتبة
- «سارة بالين» وجوارى القرن الواحد والعشرين
- الدكتورة نوال السعداوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول ...
- التاريخ سينصف تجربتي والطفلة في داخلي تنتصر على الشرطي
- شهرزاد جديدة أكثر تحررًا
- خطورة قوانين الأحوال الشخصية الدينية
- عن النقاب والنفاق والسلطة


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نوال السعداوى - النساء وكتابة الأدب