أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم آل مسافر - جرار القطار















المزيد.....

جرار القطار


نعيم آل مسافر

الحوار المتمدن-العدد: 3221 - 2010 / 12 / 20 - 00:41
المحور: الادب والفن
    


ليتني كنت حصانا أسطوريا كبيرا ً.. بهيئة أسد , وجناحي نسر, وقوائم ثور .. تجتمع بي القوى الخارقة العجيبة , التي تتكون من خليط قوى الحيوانات , البشر, والآلهة..ليس من أجل افتراس ما أشاء.. كسلطان غاشم , يفترس رعاياه , اللذين يعتقدون أن افتراسهم قضاء وقدر.. يتصورون أن كل شي قسمة ونصيب يجب أن يرضوا به .. لأنه ظل الله في الأرض .. ولا من أجل الطيران بجناحي النسر فوق الجبال والسهول .. لأرى كل شيء متقزما ً بعيني , ماعداي .. يراني الجميع بحجم عصفور صغير وسط فضاء فسيح..ولا لكي أسحق بقوائمي القوية جميع الأفاعي المختلفة الأحجام..والهيئات الشيطانية..التي أغوتني بأكل حشائش الآلهة وخرافها وفواكهها,الممنوع علي الاقتراب منها..حتى لا أكون من الخالدين..وألتقي بعد سحقها , بنجمة صبح تتلألأ في ليلة صحو مقمرة ..فأستجمع كل قوى الإغواء الذكوريه , لإغوائها بالنزول من برجها السماوي الأثير..إلى برجي الأرضي الترابي الفاني..لتنجب من نطفتي المقدسة هرقلا ً.. نصفه أرضي والآخر سماوي .. يهزم جميع الأشرار.. يرث الأرض وما عليها بقدرة قادر .. إنما أتمنى ذلك .. لجر قطاري المشدود إلى عنقي .. منذ ولادتي .. بسلاسل وهميه , وأخرى حقيقية .. كل واحدة منها , أقوى من الأخرى .. تضيق خناقي .. يوما بعد يوم .. حتى أصبحت كحبل مشنقه.
قطاري تزداد عرباته , عددا وعدة .. كلما طال المسير .. حتى صار أطول من لحظة انتظار..أثقل من نعاس في عين مجهد .. ليتني بقيت كسيحاً .. كي لا استطيع السير على قدمي .. ولم تضطر عمتي المسكينة , في عامي الرابع .. أن تمارس من أجلي طقسا , قد تكون له جذور سومريه .. تحملني بطبق مصنوع من خوص النخيل .. تستجدي بي من سبعة بيوت .. مرددة ً أهزوجة على شكل تعويذه شعبيه .. تطلب فيها من اللذين تستجدي منهم أن يضعوا في الطبق شيئا ً لكي يمشي الكسيح ( حطوا بالطبـﮕ شي .. خلو المـﮕرم يمشي) .. إيمانا ً منها أني سأشفى من الكساح بهذه ألطريقه ..
أحيانا أخرى أتمنى لو أني ..أرى كابوسا مزعجا , قد استيقظ منه في أي لحظه .. أمسح العرق المتصبب على جبيني .. حامدا الله , أنه كان كابوس لا غير .. معاهدا نفسي , ألا أنام ومعدتي ممتلئة .. على أن أقرأ كل ما أحفظه من أذكار وأدعيه .. تجعل النوم هانئا .. تطرد الكوابيس .. أضع في مخدتي جميع الأحراز , التعاويذ .. من صنع جارتنا (أم كامل) .. مقابل التأكيد لها أنها مباركه .. ومرسله من قبل أحد الأولياء الصالحين , لتحقيق الأماني .. ربما يكون تفسير الرؤيا معكوسا .. هي تدعي حسب علمها أللدني المزعوم .. مما اوحاه إليها من أرسلها .. نقمة على جيوب الأزواج اللذين لايظهرون المحبة لزوجاتهم .. أن من يموت في الرؤيا يطول عمره في الحقيقة .. وحسب هذه النظرية يكون المتعب مرتاحا والجار مجرورا ...
مؤخرا ً أصبح لايهمني ما يسقط من عربات قطاري الذي أجر..مايضاف إليه من حمولة , عربات جديدة .. الأمر سيان بالنسبة لي .. ربما لأن بساط أحلامي الوردية .. أصبح فاقدا لقدرته السحرية _ الخارقة _ على الطيران , والتحليق بي عاليا في سماء الاماني العريضة .. التي لم يتحقق منها إلا النزر اليسير .. مما جعلني أفكر في جدوى هذا المسير المضني .. أللذي يزداد شقاء كلما تقدمت أكثر .. مرورا بمحطات لاتنتهي .. كثرة النجوم في ليل رأسي, لحيتي,(....) .. تزيد من مخاوفي .. أسير نحو محطة أخيره مجهولة الزمكان .. من الممكن أن تكون أي محطة أمر بها هي المحطه الأخيرة .. كذلك اللحظة التي أعيش .. ركاب قطاري في جميع العربات لايعرفون ما أعاني من أجلهم .. لايشكرون..!!!
ليتني أشاهد أحد أفلام الرعب .. وقد اندمجت فيه كثيرا .. وصلت لحد تصور أني أعيش أحداثه بالواقع .. الفلم ينتهي بعد قليل .. ويتضح أنه فلم ليس إلا ... ويعرض بعد الفاصل مسرحيه كوميديه .. أعيش أحداثها .. أضحك حد البكاء..
سأتوقف..ليكن ما يكون .. لست (روبوت) .. عاجلا أم آجلا اتوقف .. ما الداعي للاستمرار؟ .. لا يجلب إلا المزيد من العناء .. في النهاية يكون الوقوف رغما عني .. الآن الخيار لي .. اللحظة , المكان , عدد العربات , ثقل حمولتها .. إن ضعفت أرادتي وأردت التراجع عن قراري _ للمسير ثانية _ بيني وبين القطار مسافه كافيه للجُبن..
لقد بدؤوا باجتيازي .. لايهم .. أنا أفضل حالا ً منهم فقد اخترت التوقف .. في النهايه سيتوقفون .. يجتازهم آخرون وآخرون .. ركاب عرباتهم ينظرون إلي بأسى ..
_مسكين سيدهسه القطار..
مساكين .. أنا مرآة لهم يرون بها حالهم بعد حين .. نحن هكذا , دائما لا نعتبر .. حتى وأن حصل ثواني معدودة ونكون فيه من الزاهدين .. بمقدار لذة رعشة الجماع .. وينتهي كل شيء .. لم لا أنظر إليهم بنفس الطريقه؟؟التي ينظرون بها إلي .. هم مرآتي أيضا .. يعانون ما أعاني .. ويحي!!! هذا يستدعي أن أكون في أحدى عربات قطار أخر .. وهو مستمر .. ينتظر أو لاينتظر الشكر مني ... ولا أعرف ما يعاني.
لم لا انظر ابعد من أنفي؟ اللذي يتصبب منه العرق كأنه كوز خزفي .. يبدو أن المسألة أكبر من هذا بكثير .. ألعربة التي أسير فيها .. قطارها يسير في عربة قطار آخر .. وآخر .. وهكذا .. إلى مالا نهاية .. وربما إلى من لاينتظر الشكر منا جميعا ..
ياله من ماراثون عجيب!!!! يختلف عن أي ماراثون آخر .. الجميع يتسابقون فيه .. سواء كانوا راغبين أومكرهين .. المشكلة أن أكثرهم لا يدري على أي شيء يتسابق .. إلى أي نقطة يريد الوصول؟ يتميز بكثرة الحوادث وبشاعتها .. أكثر من الهموم .. أبشع من نفوس مريضه .. السكك متقاطعة .. متشابكة .. العلامات المرورية لم تعد تحظى بثقة جراري القطارات .. لكثرة العابثين بها .. يعطي إتباعها والسير وفق ضوابطها , نتائج عكسية أحيانا .. ناهيك عن السرعة الجنونية لبعض المتسابقين ..التي تتجاوز الحد المسموح به .. بل أكثر تهورا من تصرفات مراهق لايخاف العقوبة على فعل شنيع ..
ليس مهما أن آخذ دورا رئيسيا أو ثانويا .. الأداء الجيد هو المهم .. هذه مسرحيتي الوحيدة ودوري الوحيد .. سأعمل بنصيحة (أم كامل) .. أقص رؤياي على نفسي في بيت الخلاء .. لكي تفسد الرؤيا ولا يتحقق منها شيء .. أو أستمر بجر القطار .. أقصى درجات الجبُن أن لا أستمر .. سلسلة العربات , القطارات , الماراثونات , السكك , لاتنتهي .. ماذا أخسر لو جعلت محاولاتي بإعادة النظر إلى الأمور بعددها؟ ربما أنا الآن أجر طفلا .. لاتساعده قدماه وخطواته الصغيرة , على مجاراة ساقي الطويلتين .. كمالك الحزين .. في حالة تأخري على موعد مهم .. قد تأخرت عنه سابقا .. وان لم يسعفني الوقت وخطوات الطفل , أحمله على كتفي وأسير مسرعا .. يسعني العذر عن التأخير هذه المرة لعدة دقائق ..
أو آخذ سيارة أجرة وإذا وصلت لأحد التقاطعات المزدحمة .. أترجل ثانية ً وأحمله على كتفي .. قد تكون (أم كامل) ماما نويل قريتنا والقرى المجاورة ؟ من يدري ؟ ...
قيمة أي شيء ومعناه , بمقدار نظرتنا إليه .. هي التي تعطيه بعدا ومعنى آخر .. يتطابق أو لا يتطابق مع قيمته الواقعية .. الصراصير تعتبر البالوعات قصورا .. أنا على الأقل أفضل من صرصور .. سأحدد أفضل الاحتمالات .. وما أتوقعه سيحصل .. توقعت أن انجح في امتحان البكلوريا ونجحت .. الأمور كانت تشير إلى أني سأفشل .. مدرس مادة الإنكليزي , تعهد أمام الطلاب بأنه لن يمارس مهنة التدريس أبدا إن نجحت .. توقعت أن يعود (عباس) من ألغربه وعاد .. كانت بوصلة الأحداث تشير إلى استحالة عودته .. مادام هنالك من هو قادر على جر القطار .. فأنا قادر أيضا .. لأن غودو جدير بالانتظار .. وأنا أقوى من حصان أسطوري.



#نعيم_آل_مسافر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة في متاهة الضوء
- قال الشاعر ح2
- قال الشاعر ح1
- رحيم الغالبي كما عرفته
- اذا الديمقراطية وئدت
- ليس بعيدا عن هنا
- الأختلاف والخلاف
- النقد والتجريح
- قصة قصيرة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم آل مسافر - جرار القطار