أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - المناضل-ة - الامبريالية اليوم















المزيد.....


الامبريالية اليوم


المناضل-ة

الحوار المتمدن-العدد: 3220 - 2010 / 12 / 19 - 22:44
المحور: مقابلات و حوارات
    


اليكس كالينيكوس

أجرى المقابلة التالية مع اليكس كالينيكوس، من قادة حزب العمال الاشتراكي في بريطانيا، مجلة Razón y Revolución ونقلتها إلى الفرنسية مجلة Que Faire ? ، وعنها عربتها المناضل-ة


ل يمكن أن تقود الأزمة الراهنة إلى حرب جديدة بين القوى الامبريالية كما حدث في الحربين العالمتين الأولى والثانية؟ [ صفحة 1 ]
هل تعتبرون فكرة الرأسمالية الاحتكارية ملائمة لتعريف المرحلة الراهنة من تراكم الرأسمال؟ ما مكانة قانون القيمة و التنافس الدولي في هذا التفسير؟ [ صفحة 1 ]
تفترض نظرية الامبريالية سيطرة الاحتكارات، ما يستتبع إنكار المنافسة، وفي نهاية المطاف، قانون القيمة. على هذا النحو يدافع بعض الكتاب عن فكرة أن الأرباح الرأسمالية لن تبقى وقفا على استخراج فائض القيمة وأن رفع فائض القيمة لن يبقى انشغالا للرأسمال. هل تشاطر وجهة النظر هذه؟ إن كان الأمر كذلك، ماذا ستكون العواقب على صراع الطبقات؟ [ صفحة 1 ]
ماذا يجب أن يكون دور الثوريين السياسي في البلدان المتأثرة بالغزو العسكري ( العراق ، أفغانستان)؟ و هل التدخل "أجنبي" محض؟ [ صفحة 1 ]

هل تعتقد أن فكرة لينين التي مفادها أن الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية صحيحة؟ هل ترىأن ثمة تغيرا نوعيا في دينامية الرأسمال بفعل تدخل الدول الامبريالية كما كتب لينين؟
عنوان لينين الأصلي هو الامبريالية أحدث مراحل الرأسمالية، وهذا ما له مستتبعات مغايرة للعنوان المألوف الذي جاء لاحقا. اعتقد أن لينين وكبار ماركسيي متم القرن 19 ومطلع القرن 20 الآخرين كانوا على حق حينما شخصوا تغيرا نوعيا في الرأسمالية في عصرهم. الطريقة التي سألخص بها هذا الأمر انطلاقا من وجهة نظر مطلع القرن 21 هي أن الامبريالية هي لحظة تداخل التنافس الاقتصادي بين الرساميل و المزاحمة الجيوسياسية بين الدول لتشكل، كما أبان دافيد هارفي عن حق، وحدة متناقضة و غير مستقرة[1]. هذه فكرة طورتها مطولا في كتابي الأخير Imperialism and Global Political Economy (2009).

تقول نظرية الامبريالية عند لينين إن أنشطة القوى العالمية خارج الاقتصاد هي سبب غياب تطور البرجوازيات المحلية بالبلدان التابعة. هل ترى أن هذا التأكيد على العلاقات السياسية تفسير جيد للتخلف أم نستطيع تفسير هذا المسار بقانون القيمة و التنافس العالمي؟
لست متأكدا أن هذه قراءة جيدة للينين. كان لينين، بانتقاد نظرية كاوتسكي حول ما فوق الامبريالية l’ultra-impérialisme ، يؤكد أهمية التطور المتفاوت – وليس فقط أن ثمة تفاوتات اقتصادية بين الدول والمناطق، بل تفاوتات ملازمة للرأسمالية و أن توزيع التفاوتات يتغير باستمرار، ما يجعل مستحيلا قيام تحالفات قارة بين القوى المسيطرة. يقول "قبل نصف قرن كانت ألمانيا تفاهة بائسة" لكنها كانت في عصره إحدى القوى الامبريالية الرئيسية[2]. يستتبع هذا أن قوى جديدة أخرى قد تظهر في المستقبل بفعل الطابع المتفاوت للسيرورة الإجمالية لتراكم رأس المال. أكيد أن لينين ليس منظرا للتبعية، وحتى لو ارتكب أخطاء (لاسيما نظرية الارستقراطية العمالية)، اعتقد انه سيوافق على قول إن العلاقات بين الدول و المناطق محكومة ب"قانون القيمة والتنافس العالمي".

ه

ل يمكن أن تقود الأزمة الراهنة إلى حرب جديدة بين القوى الامبريالية كما حدث في الحربين العالمتين الأولى والثانية؟

أشك في احتمال وقوع الأمر في المدى القصير، لأن المنافسين المحتملين للولايات المتحدة الأمريكية بالغو الضعف ( روسيا)، ومنقسمون جدا ( الاتحاد الأوربي)، وخاضعون جدا (اليابان) ، أو حذرون جدا (الصين) لمواجهتها، وليس أي منهم في وضع خطير لدرجة التفكير في هكذا مواجهة. لكن التوترات بين الولايات المتحدة الأمريكية و الصين هامة- في المدى المباشر حول التجارة ومعدل الصرف- ومن شأنها ان تتفاقم في العقود المقبلة. و إن إمكان مواجهة جدية بينهما مستقبلا إمكان حقيقي.

يمثل الدين الخارجي إحدى العناصر المأخوذة بالحسبان لتعريف البلدان التابعة قياسا بالبلدان الامبريالية. لكن في العقود الأخيرة أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية إحدى البلدان الأكثر استدانة. ماذا تعني هذه الظاهرة في فهمنا للامبريالية؟
إنها مسألة موضوع جدل كبير. يدافع بعض الجامعيين الراديكاليين، من قبيل الفقيد جيوفاني أريغي، عن فكرة أن دين الولايات المتحدة الخارجي أمارة على انحدار الامبريالية الأمريكية، على شاكلة ما حدث لبريطانيا خلال ما بين الحربين. لكن هيرمان شوارتز كتب في كتاب حديث بعنوان Subprime Nation أنه منذ مطلع سنوات 1990 تطورت دورة من التدفقات المالية تقوم فيها جملة بلدان –ليس دول آسيا الشرقية وحسب بل حتى أوربا القارية و الإمارات البترولية- بشراء سندات عمومية ، أمريكية بوجه خاص، ما يتيح لشركات أمريكية أن تقوم باستثمارات مباشرة بالخارج أكثر مردودا . ويرى شوارتز أن هذه الدورة، التي تمر عبر نظام التمويل العقاري الأمريكي، أتاحت للولايات المتحدة الحفاظ على نسبة نمو أكبر مما لدى الدول الرأسمالية المتقدمة الأخرى، ومن ثمة إعادة إنتاج مكانتها كقوة مهيمنة. يستند تحليل شوارتز على حجج إحصائية مفصلة عديدة. لكني أعتقد أنه يبخس قدر عدم استقرار وضع حيث الولايات المتحدة تابعة أكثر فأكثر للقروض المبرمة مع الصين التي ليست أهم منافس محتمل للهيمنة الأمريكية وحسب، بل لا تزال إحدى أفقر بلدان العالم. في الماضي كانت القوة الامبريالية المهيمنة تمول الدول الرأسمالية الأضعف – تلك كانت العلاقة بين بريطانيا و الولايات المتحدة في القرن 19، أو بين الولايات المتحدة و أوربا الغربية و اليابان في سنوات 1940. لكن حاليا، تسهم قوة امبريالية صاعدة في تمويل القوة المهيمنة . مع ذلك تتمثل إحدى أهم مميزات تحليل شوارتز في كون الحالة الراهنة للتدفقات تعمل لصالح الطبقات السائدة بالدول الدائنة. هكذا يقول بخصوص الصين إن " أبناء نخبة الحزب، الذين تشكلوا في نخبة اقتصادية جديدة، لهم مصلحة في نموذج الأجور المنخفضة، مع صادرات قوية، هذا النموذج الذي ُيحافـَظ عليه بدفق الرساميل نحو الولايات المتحدة"[3]. أو أيضا أن البنوك وصناديق المعاشات لدى من يسميهم شوارتز "الأغنياء المطرودين"-اليابان و ألمانيا و باقي أوربا القارية- بحاجة إلى القدرة على شراء جزء من كميات السندات الكبيرة التي يولدها النظام المالي الأمريكي و التي تعجز أنظمة التقنين الصارمة لديها عن منحها . لكن الوضع متناقض للغاية. و كما الأمر في سنوات 1930، يمثل الصراع بين الدول الدائنة و تلك المستدينة عاملا متعاظم الأهمية في الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة. ليس هذا صحيحا فقط فيما يخص العلاقة بين الصين والولايات المتحدة.إذ أن بعدا أساسيا في أزمة منطقة اليورو هو الصراع بين ألمانيا و الاقتصاديات الطرفية بجنوب أوربا التي استدانت بقوة لدى البنوك الألمانية والفرنسية بهدف الاستيراد من ألمانيا أساسا.


هل تعتبرون فكرة الرأسمالية الاحتكارية ملائمة لتعريف المرحلة الراهنة من تراكم الرأسمال؟ ما مكانة قانون القيمة و التنافس الدولي في هذا التفسير؟

لا، بنظري ليس مفهوم الرأسمالية الاحتكارية مفيدا بوجه خاص. إذا اعتمدناه حرفيا يستتبع أن ثمة في بعض القطاعات مقاولة مهيمنة. لكن هذا خاطئ تجريبيا. حتى في أوج "الرأسمالية المنظمة" في منتصف القرن 20، عندما كان ممكنا أن تهيمن مقاولة واحدة في قطاع وطني ما، بدعم الدولة بوجه عام، كانت تلك الشركات خاضعة لمستوى معين من المنافسة من قبل منافسيها المحليين أو الأجانب. لكن العقود الأخيرة شهدت تدمير تلك الأنواع من الاتفاقات الامتيازية او بالأقل تقويضها جديا. وحتى مقاولات كبيرة جدا و ذات قاعدة صلبة كانت هدفا لضغوط قوية من المنافسة الأجنبية- راجع انحدار جينرال موتورز و صعود تويوتا في أسواق السيارات الأمريكية والعالمية. قانون القيمة يفرض نفسه عير تنافس" رساميل عديدة". بما أن مفهوم الرأسمال الاحتكاري يعني نهاية التنافس – ليس في قطاع واحد ( ما يتناوله ماركس كإعادة توزيع لفائض القيمة من المقاولات غير الاحتكارية إلى الاحتكارات) وحسب، بل في اقتصاد بكامله –فانه يعني أيضا نهاية قانون القيمة.

بهذا المعنى كان باران Baran و سويزي Sweezy منطقيين تماما بالقطع مع نظرية القيمة الماركسية في كتابهما الرأسمالية الاحتكارية. لكن مقدمة حجتهما خاطئة: الرأسمال الاحتكاري لا يوجد في الاقتصاد بكامله. ما هو قائم في حالات عديدة هو تنافس احتكاري قلي oligopolistique . و إن Guglielmo Carchedi ، الذي قدم تحليلا جيدا حول كيفية دمج هذا الشكل من التنافس في نظرية القيمة، يلخص جيدا الوضع بقوله: توجد احتكارات (بالمعنى الدقيق)، لكن الواقع المعاصر تسيطر فيه احتكارات قلة، أي وحدات رساميل كبيرة متقدمة تكنولوجيا، ظفرت بقسم هام من السوق بسب تطبيق التكنولوجيا الفائقة على نطاق كبير. و إن تطبيق تلك التقنيات الفائقة على نطاق كبير ( الذي بات ممكنا بفعل حجم الرساميل المستثمرة) هو الذي ينتج موقعا متفوقا في السوق و تنافس تلك الرساميل. لا تلغي احتكارات القلة التنافس، بل (...) تنخرط في أشكال جديدة وأخرى قديمة من التنافس مع كونها قادرة على تقليص تنافس رساميل أصغر وأضعف[4].


تفترض نظرية الامبريالية سيطرة الاحتكارات، ما يستتبع إنكار المنافسة، وفي نهاية المطاف، قانون القيمة. على هذا النحو يدافع بعض الكتاب عن فكرة أن الأرباح الرأسمالية لن تبقى وقفا على استخراج فائض القيمة وأن رفع فائض القيمة لن يبقى انشغالا للرأسمال. هل تشاطر وجهة النظر هذه؟ إن كان الأمر كذلك، ماذا ستكون العواقب على صراع الطبقات؟

كما سبق أن أوضحت، انأ لا أتفق مع هذا المنظور. صحيح أن لينين يسمي الامبريالية "المرحلة الاحتكارية للرأسمالية". لكن بما انه يتصورها أيضا ناتجة عن التنافس بين الدول الرأسمالية الكبرى، تبدو نظريته غير منطقية. و التوترات جلية في فقرات مثل هذه:" لا تزيل الاحتكارات المزاحمة الحرة التي نشأت عنها، بل تعيش فوقها وإلى جانبها، مولدة لهذا السبب جملة من التناقضات والاحتكارات والنزاعات في منتهى الشدة والقوة."[5]. اعتقد أن جوهر قسم كبير من تحليل لينين منسجم أكثر مع فكرة التنافس الاحتكاري القلي. و إن بوخارين، الأكثر دقة كمنظر اقتصادي (لكنه أقل مرونة، وهذا ما أشار إليه لينين عندما مؤاخذته إياه بأنه غير ديالكتيكي)، يبصر نتائج فكرة الرأسمالية الاحتكارية. بنظره أوج الامبريالية هو رأسمالية الدولة، حيث يمكن إلغاء الميول إلى الأزمة الاقتصادية (التي يماثلها بعدم تناسب الاستهلاك والإنتاج و بين مختلف فروع الإنتاج) بفضل أشكال تحكم سياسية. و يعتقد أن لاعقلانية الرأسمالية مستمرة مع ذلك في شكل تنافس سياسي-عسكري. قبيل انهيار وول ستريت في العام 1929، أدى هذا التحليل ببوخارين إلى رفض إمكان أزمة اقتصادية كبيرة. و كما أشير في كتابي، تكمن إحدى أوجه الضعف الرئيسية في النظرية الماركسية الكلاسيكية حول الامبريالية في نقص تكاملها مع فهم جيد لنظريات الماركسية حول القيمة و الأزمات.

مثلما يعتقد بعض الكتاب بوجود اختلاف بين بورجوازيات أمم المركز و البلدان التابعة، يعتقدون أن ثمة فروقا بين الطبقات العاملة في فئتي البلدان هاته. ما رأيك؟
جلي أن ثمة فروقا بين الطبقات الرأسمالية و بين الطبقات العاملة ناتجة عن موقعها النسبي في التراتب العالمي للثروة و للسلطة. لكن إن كنتم تحيلون إلى نظريات مثل مفهوم الارستقراطية العمالية لدى لينين، أو فكرة التبادل اللامتكافئ، التي تستتبع أن عمال الشمال يشاركون في استغلال عمال الجنوب، فإني لا أتبنى تلك النظريات. إنها تفتقد إلى أسس متينة في النظرية الماركسية عن القيمة وهي غير مؤكدة تجريبيا. نظرية الارستقراطية العمالية يكذبها كون عمال التعدين ذوي الأجور المرتفعة، و المنظمين جيدا هم من تصدر الثورة العمالية في أوربا برمتها ضد الحرب العالمية الأولى، وانضموا إلى الأممية الشيوعية. إن البيروقراطية النقابية – الشريحة الخاصة من المداومين المضطلعين بدور وسطاء بين العمل و الرأسمال- ظاهرة اجتماعية-سياسية هامة لكنها مغايرة للارستقراطية العمالية لدى لينين، هذه المكونة من عمال مؤهلين يعيشون من أرباح استعمارية. كان روزا لوكسمبورغ رائدة التحليل الماركسي للبيروقراطية النقابية، وليس لينين. لا يفلح منظرو التبادل اللامتكافئ في تفسير لماذا لا تتجه تدفقات الرساميل الرئيسية من الشمال إلى الجنوب، وهو ما يجب أن يترتب عن فكرة أن الأجور المنخفضة ببلدان الجنوب هي المصدر الرئيسي لفائض القيمة الإجمالي. في ما بين عامي 1992 و 2006 تلقت البلدان المتطورة أكثر من ثلثي تدفقات الاستثمارات المباشرة بالخارج. بوجه عام الولايات المتحدة و بريطانيا هي بلدان الاستقبال الرئيسية للاستثمارات المباشرة بالخارج، وليس الصين أو الهند. هذه الإحصاءات تزيفها عروض الشراء العامة و عمليات الاندماج في وول ستريت و بورصة لندن، لكنها تعكس أيضا واقعا أعمق. ليست درجة الاستغلال محددة في النظرية الماركسية حول القيمة بمستوى الأجور الفعلية فقط، بل أيضا وبشكل حاسم بإنتاجية العمل. إن مستويات الإنتاجية أكبر بكثير في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وبالتالي يبقى مربحا للمقاولات أن تواصل الاستثمار بها. طبعا مستوى عيش عمال الجنوب أدنى بكثير من نظيره لدى عمال الشمال. ليس لديهم دول الرعاية المتطورة بأوربا الغربية، و يتعايشون مع تشكيلات بالغة التعقيد من ما دون البروليتاريا وصغار التجار الذين يميل علم الاجتماع السائد إلى تصنيفهم ضمن " القطاع اللاشكلي". إنها أوضاع اجتماعية وسياسية بالغة الأهمية تمثل دوما فروقا هامة بين الشمال والجنوب. لكن تلك الفروق لا تعني أن عمال الشمال يستغلون إخوانهم و أخواتهم بالجنوب.

ما تعريف علاقة استعمارية و /أو شبه استعمارية ؟ وما الفرق بين إمبراطوريات القرنين 17 و 18 و مستعمراتها قياسا بالعلاقات بين الدول- الأمم في القرن 20؟
الأفضل ولا شك أن ُيفهم من"علاقة استعمارية" علاقة إخضاع سياسي مباشر- مثلا علاقة بريطانيا بالهند فيما بين سنوات 1750 و سنوات 1940. عرّف لينين البلدان شبه المستعمرة بما هي" أشكال متنوعة من البلدان التابعة التي تحظى اسما بالاستقلال السياسي لكنها واقعة عمليا في شباك تبعية مالية و دبلوماسية"[6]. و ثمة أمثلة مقترحة : "الإمبراطورية اللاشكلية" البريطانية في الصين و أمريكا اللاتينية قبل العام 1914. لكن الحذر واجب لأن مجرد امتلاك السيادة الدولانية يميل، كما أشار لينين، إلى إعطاء الطبقة السائدة في"شبه المستعمرة" هامش مناورة أكبر مما لو كانت رعايا استعمارية للدولة الأخرى. يمكن أن نلاحظ هذا مثلا في الأرجنتين في سنوات 1930 و 1940 التي كانت تحاول استعمال تنافس الامبرياليات البريطانية والألمانية للحصول على مزيد من الاستقلال. الشكل الدولاني ليس شكليا محضا: انه مصدر فرق. إن إدراك هذا الأمر هام لأن ثمة الآن عدد من الدول الرأسمالية فيما يسمى" شبه المحيط"- الصين و الهند وكوريا الجنوبية و أفريقيا الجنوبية- من المضحك اعتبارها "أشباه مستعمرات"، لأنها استعملت سيادتها وما يتيح نظام العلاقات بين الدول من إمكانات لتصبح مراكز تراكم رأسمال مستقلة نسبيا. إذا نظرنا إلى سؤالكم بمعنى أوسع، يكون من السعة بحيث لا يتسع المقام للجواب عليه. اسمحوا لي بالأحرى بالإشارة إلى فرق دال بين الامبرياليتين البريطانية والأمريكية. كما سبق أن لاحظ بيري اندرسون Perry Anderson، تتمثل خاصية مميزة للرأسمالية البريطانية في كونها تطورت في تنافس مع كيانات سابقة للرأسمالية- إمبراطوريات خراجية بالشرق و ملكيات مطلقة بأوربا. ورثت بريطانيا في الهند آليات الاستخراج للإمبراطورية الموغولية ( رغم أن الهند كانت متزايدة الاندماج في الدورات الرأسمالية المحض). و حتى في ذروة الهيمنة البريطانية منتصف القرن 19 تجدون اللورد بالميرستون يدبر العلاقات مع الإمبراطوريات الترابية الكبرى مثل النمسا و بروسيا و روسيا. وكان صعود منافسين رأسماليين في متم القرن 19 - الولايات المتحدة وألمانيا- هو ما أدى إلى انحدار بريطانيا بما هي قوة مهيمنة بالضبط في سياق التنافس بين الدول الرأسمالية هذا. يتمثل عنصر أساسي في سيطرة واشنطن في قدرتها على إضفاء طابع مرسسي على التعاون بين الدول الرأسمالية المتقدمة تحت قيادتها. تلك دلالة خلق مؤسسات خلال النصف الثاني من سنوات 1940- مؤسسات بروتن وودز، وحلف شمال الأطلسي و منظمة الأمم المتحدة ،الخ. ما سعت إليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ نهاية الحرب الباردة هو الحفاظ على نظام التعاون الممأسس هذا، لكن الخاضع لسيطرة الولايات المتحدة، وتوسيعه (توسيع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوربي مثلا). وتتمثل خاصية هامة للوضع الراهن في المفعول المزعزع الكامن لما يسمى "اقتصاديات السوق البازغة" – الصين والهند و البرازيل و أفريقيا الجنوبية وتركيا ،الخ التي كانت خارج تلك البنيات أو على هامشها. يمكن اعتبار استبدال مجموعة الثمانية الكبار G8 بمجموعة العشرين G20 – الذي بدأه جورج .و. بوش ودفعه أوباما أبعد- كمنتدى اقتصادي رئيسي بين الدول، محاولة من واشنطن لدمج تلك الدول كليا في الفضاء الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة بتوسيع نظام التعاون الـُممأسس هذا. سمعت روبير ويد Robert Wade يجزم أن G20 يتيح للولايات المتحدة استعمال مجموعة البرازيل-روسيا- الهند- الصين ضد الاتحاد الأوربي، لكن هاذين التأويلين متماسكان تماما بينهما.

كيف يمكن تفسير إرساء قواعد في أمريكا اللاتينية و الشرق الأوسط لكن في أوربا أيضا ؟


منذ تحليل ويليام ابلمان ويليامز William Appleman Williams الرائد في كتاب The Tragedy of American Diplomacy (1959)، كثيرا ما نُظر إلى الولايات المتحدة بما هي"امبريالية غير ترابية". بعبارة أخرى، بدل ضم رسمي للمستعمرات سعت الرأسمالية الأمريكية إلى خلق سوق عالمي مفتوح بوسعها السيطرة عليه بفعل قوتها الاقتصادية النسبية. أعتقد أن هذا التفسير صحيح إجمالا- لاسيما لأن الولايات المتحدة كانت تسعى إلى السيطرة على عالم دول رأسمالية. و الإستراتيجية البديلة حاولتها ألمانيا في ظل حكم هتلر، أي بناء إمبراطورية قارية بالغزو العسكري. و حتى لو لم يفشل ذلك بالهزيمة العسكرية، لم يكن له على الأرجح أن يدوم أبديا: لن تتمكن دولة SS ("فيالق الحماية" في ظل النازية) من تدبير أغلب المجتمعات الرأسمالية المتقدمة في تلك الحقبة بالقمع والإرهاب وحده. إذن تبين أن الإستراتيجية الأمريكية، القائمة على السيطرة غير الترابية، أكثر مردودا (السبب الرئيس لذلك قوة الرأسمالية الأمريكية الأعظم مما لدى أي من منافسيها). لكن ما اكتشفه الأمريكيون مرة أولى أثناء الحرب العالمية الثانية، وتاليا خلال الحرب الباردة، كان هو أن تلك الإستراتيجية تستوجب عرض القوة العسكرية على نطاق واسع جدا. كان أمل الولايات المتحدة الأمريكية، في 1939-41 و مباشرة بعد 1945، أن تتحمل بريطانيا القسم الأعظم من العبء العسكري بأوربا. لكن بريطانيا كانت أضعف من ذلك، واضطرت الولايات المتحدة إلى نشر قواتها الخاصة، أولا لهزم ألمانيا، وتاليا، بوجه خاص بعد اندلاع حرب كوريا، لاحتواء الاتحاد السوفيتي. استلزم ذلك تطوير شبكة عالمية من القواعد الجوية و البحرية – سيرورة بدأت خلال الحرب العالمية الثانية: دفع روزفلت ورؤساء حكوماته إلى تملك جزر عديدة بالمحيط الهادي من أجل ذلك الهدف. و هذا على نحو ما امتداد لما قامت به بريطانيا في القرنين 18 و 19، أي تملك جملة قواعد تتيح للبحرية الملكية- التي كانت نمط عرضها الرئيسي للقوة- العمل على الصعيد العالمي. من المهم الإشارة إلى عنصر الاستمرارية التاريخية هذا لأن البنتاغون ما يزال يفضل الاعتماد على القوة البحرية والجوية بدلا من القوات البرية. تملك الولايات المتحدة الأمريكية أقوى جيش بالعالم، لكن نجاحاتها قليلة. و الحرب البرية الكبيرة الوحيدة التي نجحت بها منذ 1945 كانت الحرب ضد العراق في 1990-91، لما كان العالم برمته تقريبا إلى جانبها. وكانت حرب كوريا تعادلا، و حرب فيتنام هزيمة، و حرب العراق شبه فشل، هذه التي مازالت نهايتها غير مؤكدة، و لا يبدو أن الأمور تسير جيدا في أفغانستان.


ماذا يجب أن يكون دور الثوريين السياسي في البلدان المتأثرة بالغزو العسكري ( العراق ، أفغانستان)؟ و هل التدخل "أجنبي" محض؟

جوابا على سؤالكم الثاني، ليس التدخل غالبا أجنبيا صرفا. ثمة في العراق وفي أفغانستان عنصر حرب أهلية جوهري. ففي العراق، بمجرد أن تطورت المقاومة لم تبق الولايات المتحدة متمكنة سوى بفضل استعمال التوترات بين السنة والشيعة، مع كلفة بشرية رهيبة. لكن الواقع السائد هو واقع احتلال أجنبي. من الناحية المبدئية، يجب أن يكون دور الماركسيين الثوريين في هكذا أوضاع ربط مقاومة الاحتلال بالصراع الطبقي، بالسعي إلى فتح منظور تحرر اجتماعي وكذا وطني. وتوضح تجارب حركات المقاومة في أوربا تحت الاحتلال النازي إمكانات هذا التوجه وما ينطوي عليه من مشاكل.

مع الاسف، نواجه في العراق و أفغانستان أوضاعا حيث اليسار العلماني، الذي كان تاريخيا قويا بكلا المجتمعين، فاقد لكل اعتبار- إلى حد ما بسبب تشاركه مع قوى امبريالية ( الاتحاد السوفيتي في حالة أفغانستان، والولايات المتحدة في حالة جناح الحزب الشيوعي العراقي الذي أيد غزو 2003). النتيجة أن قوى سياسية إسلامية مهيمنة في النضال ضد الاحتلال. هذا لا يؤثر على مهامنا خارج العراق و أفغانستان: يجب أن تركز الحركة المناوئة للحرب على حملة إنهاء الاحتلال، ويجب أن يستقبل الثوريون بفرح هزيمة الولايات المتحدة وحلفائها من طرف المقاومة، الإسلامية في غالبها. ومهام الثوريين داخل تلك البلدان صعبة للغاية مع الأسف، وهي أن يرسوا في شروط غير ملائمة بتاتا أسس يسار جديد، معاد للرأسمالية وللامبريالية فعلا.

اليكس كالينوكوس



#المناضل-ة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دورنا ضمن اليسار الجذري
- البرتغال: أضخم إضراب عام بتاريخ البلد
- ايرلندا: أوربا تهب لنجدة البنوك
- قمة حلف شمال الأطلسي في لشبونة تكرس النزعة العسكرية للقرن 21
- قبل 40 سنة، تأسيس المنظمات الماركسية-اللينينة بالمغرب السياق ...
- الهجرة: الهروب من جحيم الرأسمالية التبعية نحو ويلات الرأسمال ...
- دور الأممية الرابعة ومهامها [القسم الاخير]
- عمل الثوريين في النقابات اليوم
- فرنسا: نموذج تعبئة جديد
- فرنسا: حركة اجتماعية غير مسبوقة
- أفغانستان : الامبريالية في ورطة
- مميزات الحالة السياسة، ومهام الاشتراكيين الثوريين
- عبودية خادمات البيوت وجه لهمجية الرأسمالية التابعة
- الدولة الإسبانية: مواصلة التعبئات حتى سحب سياسات أرباب العمل ...
- مقابلة أوليفييه بوزانسونو مع جريدة لومانتيه
- فرنسا: لنبرهن على ان الشارع هو الذي يحكم
- على هامش وفاة أمين عام الاتحاد المغربي للشغل : النقابة العما ...
- أزمة من طراز 1929 بوتيرة بطيئة ؟
- أي آفاق لصعود النضالات بأوربا؟
- النساء و أزمة الحضارة


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - المناضل-ة - الامبريالية اليوم