خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3218 - 2010 / 12 / 17 - 19:18
المحور:
القضية الفلسطينية
لم يكن الكونغرس والبرلمان الامريكي يوما سوى وجه اميركا القبيح, اللااخلاقي, فهي مؤسسات يتم بها مقايضة القيمة السياسية للقرار التشريعي بالمصالح الشخصية ممثلة بالدولار, على الصعيدين الداخلي والخارجي. يعود ذلك الى طبيعة مكونها الاجتماعي من الساعين لاتخام الاثراء على اساس استغلال النفوذ التشريعي. والاتجار بقراراته؟ على حساب القيم والمباديء الاخلاقية.
ان هذا النوع من الناس هم الذين يفضل الفكر والقوى والحركة الصهيونية, التعامل معهم, طالما انه تتوفر له السعة والاثراء المالي, فكيف اذا اضيف للامكانيات الصهيونية قدرات توظيف الصوت الانتخابي اليهودي, واساليب ووسائل لا اخلاقية قذرة اخرى من مثل الاتجار بالرقيق الانثوي اليهودي المغرر به دينيا, وتجارة الاسرار والفضائح,
ان الكونغرس والبرلمان هي المؤسسات الامريكية الوحيدة التي ليس مقياسها الوحيد الوطنية والمسئولية القومية, على عكس باقي المؤسسات الامريكية الاخرى التي يتمحور اداءها على الحفاظ على المصالح والامن القومي امريكي.
ان قرار الكونغرس والبرلمان الامريكي اللااخلاقي, الرافض للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة, إلا بشرط الموافقة الاسرائيلية المسبقة عليه, والداعي لاستخدام حق النقض الفيتو ضده في مجلس امن هيئة الامم المتحدة, لا يزعج الذين اتخذوه معاتبتهم ونقدهم وتقريعهم اخلاقيا, فلا احساس عندهم اصلا بذلك, وهم من الذين لا يستجيبون سوى للرشوة والابتزاز, اما نحن الفلسطينيون فليس لنا من وسائل متاحة في التعامل معهم سوى الصمود واستخدام اشكال القوة المتنوعة دفاعا ضد عدوانيتهم ولا اخلاقيتهم.
غير انه لا يجب الوقوف عند هذا الحد في فهم طبيعة وعمل هذه المؤسسات الامريكية, فلا يجب ان ننسى ان الادارة الامريكية نفسها هي ادارة تنسيق علاقة بين اللااخلاقية التشريعية والنهج الاستعماري القومي الامريكي عالميا, وهي كثير ما يشوب توازن ادائها هذه المهمة خلل الانحيازالى اللا اخلاقية التشريعية الامريكية السافرة, بل وتوظيف لا اخلاقية القرار التشريعي الامريكي في خدمة لا اخلاقية وشوفينية النهج الاستعماري القومي الامريكي خصوصا في التعامل مع قضايا الشعوب, الى درجة انه بات مشكوكا بامر عدالة مطالب الاطراف التي تؤيد الولايات المتحدة مواقفهم في الصراعات.
ان قرار الكونغرس والبرلمان الامريكي الاخير الرافض للاعتراف بالدولة الفلسطينية إلا بعد الموافقة الاسرائيلية عليه, هو في حقيقته ليس بعيدا عن رضا الادارة الامريكية نفسها, بل احتمال ان يكون حسب طلبها الخاص, وقد مررته عبر قناة التنسيق الحزبي وحالة اجماع تشريعي سياسي لكلا الحزبين الامريكيين عليه, استباقا لمسالة عرض القضية على مجلس الامن, وتهيئة لاستخدام حق النقض الفيتو ضد القضية الفلسطينية. وتبرير ذلك بحالة التزام اداري بالتشريع الامريكي.
ان هذا النهج يعكس رغبة ادارية امريكية لعدم رفع وتائر الصراع مع المنطقة الى المستوى العلني السافر, خاصة في ظرف الولايات المتحدة الامريكية بالصراع العالمي المشروط بالازمة الاقتصادية وازمة ويكيلكس في الاداء الدبلوماسي.وهو صراع باتت فعلا وتائره تتفاقم, وتحمل درجة من التحدي للسياسة الامريكية في المنطقة بتشجيع من تكتلات اقتصادية سياسية عالمية اخرى لها مصلحة استراتيجية في تفكيك النفوذ السياسي الاقتصادي الامريكي في المنطقة, كالصين وروسيا واوروبا. مقدمة لاستبدالها بسيطرتها الخاصة,
فمنذ البدء ونحن نرى في الصراع حول فلسطين, شكلا محليا خاصا من اشكال الصراع العالمي, وان الحالة الصهيونية هي حالة انتداب استعمارية عالمية, هيمن على حركتها الاستراتيجية المركز الامريكي, مستغلا الحرب الباردة للحلول محل النفوذ الاوروبي, واستفرد نهائيا بالمنطقة, بعد انهيار المعسكر الاشتراكي. وبدأ في اعادة رسم خريطتها الجيوسياسية, بما يتناسب وتعزيز وترسيخ نفوذه واستفراده بها, من خلال اليات جيوسياسية محاورها, الحرب على افغانستان والعراق ومحور التسوية السياسية لصراعات الشرق الاوسط, عازلا تماما باقي الكتل الاقتصادية السياسية العالمية, وقد تبلور ذلك عبر عمله على تجميد مسار مؤتمر مدريد, وتعزيز وترسيخ مسار اوسلو, الذي منحه حق الاستفراد بمجريات الامور بالمنطقة, بالتنسيق مع الاحتلال الصهيوني الذي استفاد بتعزيز مكانته ونفوذه السياسي في الصراع العالمي, والان يعيد استخدام مكتسبات التفوق الصهيوني ويطرحها للمساومة مع باقي الكتل العالمية في مقابل موافقتها على البرنامج الصهيوني وشعاراته الاستراتيجية, وهي حالة تفوق مغرية مضاعفة القيمة تجمع بين التفوق التقني الامني النوعي و التفوق الجيوسياسي اللوجستي الاستثنائي اهمية لموقع فلسطين الجغرافي في حركة الاتصال العالمي وحالة الصراع مع منطقة الشرق الاوسط.
وقد اشرنا منذ البدء الى الجوهر التاريخي للقضية الفلسطينية وواقعها الراهن باعتبار فلسطين موقعا دائما من مواقع الصراع الاقليمي والعالمي, حمل المجتمع الفلسطيني تاريخيا نتائجه السلبية, نظرا لغياب ارادة سياسية قومية فلسطينية مستقلة, وسيطرة الرؤى الاثنية العرقية الدينية على توجيه قرارها السياسي عبر المراكز الدينية فيها.
الان يبرز من جديد الطابع العالمي للصراع حول فلسطين. ويخرج من اطار القوقعة المحلية والاستفراد الامريكي الصهيوني, حيث تسبب في ذلك تقاطع وقائع التعنت الاسرائيلي والسلبية الامريكية, مع الخروج الفلسطيني _ غير المألوف _ عن سلوك الاستكانة المعتاد للاستفراد الامريكي الاسرائيلي به, وتطلعه الى دور عالمي يقلل من حالة الضغوط الشديدة التي تفرضها عليه حالة الاستفراد اللامريكي الصهيويني, لذلك قام رئيس السلطة الفلسطينية بجولته في امريكا اللاتينية, واثمرت في اعترافات مرشحة للتزايد بالدولة الفلسطينية المستقلة على ما قبل حدود عام 1967م والقدس الشرقية عاصمة لها, الامر الذي حمل معنى تراجع _ محسوب _ عن حالة الالتزام _ المطلق السابقة ومن الطرف الفلسطيني فحسب _ باتفاقيات اوسلو. والسكوت عن عدم التزام اسرئيل بها.
إن الاعلان الامريكي عن وقف الاتصالات مع اسرائيل حول تجميد الاستيطان وتبني الموقف الاسرائيلي, لم يكن سوى عقابا امريكيا ضد السلوك الفلسطيني, ولم تكن الاقتراحات الامريكية التي حملها ميتشل للطرف الفلسطيني سوى مساومة رخيصة تمثل اهانة امريكية للقيم والمباديء القومية الفلسطينية اكبر من الاهانة التي حملتها اتفاقيات اوسلو, وتحمل تراجعا عنها,
( وقال حنا عميرة، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، للصحيفة إن "الموقف الأمريكي جاء في ورقة غير رسمية من ست نقاط، تتحدث عن حل متفاوض عليه للقدس، وتطبيق مبدأ حل الدولتين على الحدود مع إسرائيل والأردن ومصر، وتقرير مستقبل المستوطنات الإسرائيلية، وإيجاد حل منصف وواقعي لقضية اللاجئين، وتقرير حصص المياه". ) الشروق المصرية 16-12-2010.
ان جوهر هذه الاقتراحات هو عودة لاطروحات التوطين ومقولة التقاسم الوظيفي المتعدد الاطراف, وشطب و طمس لعلاقات ومكتسبات الاستقلال والسيادة الفلسطينية التي بلورها النضال والكفاح الفلسطيني منذ 1965 حتى الان, وتعزيز وترسيخ لحالة الاحتلال الصهيوني بصورة نهائية.
اليوم يبرز في الصراع الفلسطيني حالة مساومة جديدة تحمل انحيازا تاما يسقط نهائيا عن الولايات المتحدة الامريكية دور الوساطة السياسية ويضعها في حالة عداء سافر للقومية الفلسطينية ليس بها اي شك, وفي المقابل فان هذا الجديد في الموقف الامريكي يضع قيادة السلطة الفلسطينية امام خيار إما التماسك على الموقف الوطني, الذي سيدلل عليه قبول تحدي تدويل الصراع والخيارات الفلسطيتية الاخرى, او السقوط الخياني عبر العودة الى حالة الاستكانة للتوجه الاستراتيجي الامريكي الصهيوني.
واليوم يقع على عاتق الحركة الفصائلية الفلسطينية كلها مسئولية الاسهام في تحديد اي خيار ستنحاز اليه قيادة السلطة الفلسطيني. خاصة حركة حماس, ولا يحق لاحد ان يقول ان قيادة السلطة اخذت _ منفردة _ قرارها السياسي, فاليوم يجب على الجميع الارتقاء الى مستوى مطلب الوحدة الوطنية وعلاقات التعددية الديموقراطية والمسار الجبهوي والكف عن التمترس خلف مقولة المصالحة ومطالب المحاصصة والخروج نهائيا من النهج الانشقاقي الانقسامي في صورة الفصيل السياسي العسكري. واعتماد مفهوم تعددية الراي ومركزية القوة.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟