أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين السلطاني - الصديقان المحو والاثبات















المزيد.....

الصديقان المحو والاثبات


حسين السلطاني

الحوار المتمدن-العدد: 3216 - 2010 / 12 / 15 - 13:51
المحور: الادب والفن
    


الى / حمد الدوخي قائد الدراجة


في آخر مرةِ رأيتهما فيها ، كانا ثمليّن في ساعة مبكرة من صباح غائم ، رأيتهما يترنحان بجسديّن نحيفيّن ، يمسك أحدهما بيد الآخر ، بقيت أتأملهما حتى غابا عن ناظريّ تماما ، وما إن تحقق غيابهما التام حتى أحسست بأن المكان بدأ يترنح هو الآخر ، تاركين فيه بقايا ضجيج صامت ، ولم أك ساعتها لادرك إن مشاهدتي لهما في ذلك الصباح ستكون الاخيرة والى الابد
كانا يندفعان الى عمق ساعتي اليدوية ، يعبثان بإيقاع زمنها المنضبط ، يلاحقان عقاربها ليردوها الى الخلف أو يدفعان بها الى الامام محاولين الافلات من إنضباط الزمن .. يكسون المكان بألوان صارخة .. يبدلان ملامح المدينة ..يرفعان شارات المرور ويغيران أتجاه السير ويبدلان إتجاة التماثيل والنصب ، وماكنات خيالهما لاتكف عن لعبة محو الامكنة وإثبات غيرها والولوج الى روح الزمن والفتك بتقدمه الدقيق ، وفي لحظة من لحظات هذا العبث إنفصلا بشدة عن بعضهما ، فلم يعد بمقدور أحدهما معرفة الآخر ، فحطا بعيديّن كلاهما عن الآخر فتعطلت طاقاتهما على تخليق الأمكنة وتدوير الازمنة .

* * *





الأول :-

ولدتُ لإم قصيرة القامة عُميتْ بعد ولادتي بعام واحد ، أمأ أبي فقد هدته رصاصة فلاّح أراد أن يتدفق ماء الساقية لزرعه فجف ضرع شياهنا وتشققت أرضنا وظلت أختي تمشي عرجاء ، ومن ثقب في عنوستها تسللت أمي لتموت هي الاخرى فدفنها إمام قريتنا على سفح تلٍ من تلال الجزيرة الغربية ، والقرى في عامها الألف تشبه نفسها في عامها الاول ، قرى صفراء وخيالي يستقرأ الإخضرار في جهة من جهات العالم ، ولا شيىء يمنعني من تلمس طريق الإخضرار والإندياح فيه سوى علاقتي بطيور القرية وأختي الكسيحة ، حدستُ إن الطيور في كل مكان وأن كانت غيرها ، وأختي غدت تزحف لتلمس حاجتها فكانت تضمحل وأنا أنشّد الى إخضرار بعيد ، هذا الإخضرار صار لحمة حلمي وفردوسي عندما تعلمت لعبة خطرة لتصير من خلالها المروج الخضراء مدنا باذخة وحيوات فريدة دخلتْ على خطها كلمات تعلمت للتو نطقها ،ونساء ضاجعتهن بخيالي ، فأستهوتني لعبة التخيل بفعل وسيط إسمه الخمرة فعاد أبي شيخا مسورا برائحة القديسين وأمي بدت عروسا باسقة الطول وأختي يتزاحم الخطاب على بابها فتقفز من عشاقها بخطوات كنغر .. ولما أفيق ، أرى الأمكنة تنبح على خيالي والزمن يسحلني من أرديتي ليعيدني الى صواب الساعة ، فأفر من جديد لمروجي ومدني ونسائي وفراديسي ، هذه المرة بقيتُ أتقدم الى الامام ، رأيت الاسفلت وعجلات يركبها العوام والهوام ورأيتُ سكك الحديد تلمع ورأيت الابراج والدخان ثم وطأت المدينة .


الثاني :-

في عام النسر تلد أمٌ واحدةٌ طفلا سيكون فارس القرية .. في عام كهذا ولدتُ أنا ، ولم تشاطر أمي واحدةٌ من النساء لتلد نسرا مثلي ، هكذا تقول إسطورة قريتنا عن هبوطي الى العالم ، ومنذ عاميّ الثالث صدقتُ أنني نسر قريتنا ، وعليّ من الآن تعلم الطيران والإنقضاض وتخويف الطيور ليكون الفضاء رهنا بجناحيّ ، وما عداي ليحلق قريبا من قمم النخيل ،وكادت هذه الهالة الاسطورية أن تودي بوجودي لولا إني تعلمت كلمات غامضة ... كثيرا ما أثارت ضحك الطيور التي أخافها النسر الذي كنته ، فإعتّلت صحتي وضمر جسدي وصرتُ نحيفا تنوشني أحجار أقراني وكلماتهم النابية ، ولكن ظللتُ أستمد قوتي من فرط كلمات غامضة أزخها على الورق بسرعة أمطار آذار .
في عامي الثالث عشر وطأتُ المدينة الصغيرة فنشّطت خيالي ، فتزوجتُ مدرساتي وأستمنيتُ على الطالبات ، وهتكتُ الحجب فضاقتْ علىّ سواقي المدينة ، ورحت أتلمس طريق المصبات ، وفي عمق الأنهر حيث السباحة عكس التيار والمجال أوسع ، تعلمت لعبة خطرة ساعدتني في هتك مزيدا من حجب السر ، والاطلالة على عالم بكر كان ينساق أمام كلماتي إنسياق الغنم أمام راعيها ،بيد إن الحرب أتتْ وفي مراقيها توسدتُ الالم ، فسكنتُ لسنوات عن الافراط في الاحلام ، فإذْ ما تكون قريبا من الموت يبزغ شرط الحياة ويغيب الحلم قليلا ، وعندما أنتهت الحرب لم أعدْ الى أهلي ووقعت تحت هيمنة مكان خلاب جذبني بسحره الآخاذ


الأول :-

في المدينة الكبيرة وعلى الرغم من سعتها ، تجد الحالمين أمثالي في كل مكان ، لاسيما في الحانات والمواخير ، فما كنا نتخيله صار حقيقة ملموسة ، فها هي أرداف النساء وقناني الخمر وسحر القصائد وتحليل العالم ووفادة الافكار الساحرة تٌترى جميعها في عالم المدينة ، حتى سحبني الاغواء بعيدا ، وصار العالم محض قصائد وأغاني ونمو وعي وأرتشاف اللذة من مضانيها .. فهناك في زاوية الحانة ثمة من يشبهني .. لأذهب إليه

الثاني ( تكرار متطابق ) :-

في المدينة الكبيرة وعلى الرغم من سعتها ، تجد الحالمين أمثالي في كل مكان ، لاسيما في الحانات والمواخير ، فما كنا نتخيله صار حقيقة ملموسة ، فها هي أرداف النساء وقناني الخمر وسحر القصائد وتحليل العالم ووفادة الافكار الساحرة تترى جميعها في عالم المدينة حتى سحبني الاغواء بعيدا ، وصار العالم محض قصائد وأغاني ونمو وعي وأرتشاف اللذة من مضانيها .. فهناك في زاوية الحانة ثمة من يشبهني .. لأذهب إليه


تطابق آخر

قلنا للحاضرين تعالوا ... وقلنا للغائبين أذهبوا
وبين السؤال والسؤال دم وبرتقالْ
وعلى العصافير أن تنفض من دمها ريشا
ومن سؤالها سؤالْ
هل الوقت غادرنا فلم نعد الى عنب
وذهبنا بعيدا في المحالْ
اليوم أدركنا إنّا حريون بمجد الغائبين
وبكل ذكريات هذا الغزالْ
تركنا قرانا تلوذ بالصفار
وجئنا نبوح لهذي المدينة فرط هذا الخيالْ


* * *

لاتتمايل ، كي تبقى الدراجة متوازنة ( قال لي ) ، مردفا :-
تمسك بوسطي فالدرب زلقة
تمّسكت بقوة بوسطه ماسكا لحم خاصرته ، بدا واثقا من نفسه وهو ينعطف من شارع الى آخر ومن زقاق الى زقاق ، يدندن بلحن إغنية قديمة تتحدث عن الرحيل الذي لا أوبة منه ، وبين وقت وآخر يلامس بإبهامه لسان جرس الدراجة ليزغرد كاسحا المارة من طريقه .
بدت المدينة واسعة ونظيفة وقد كست الاشجار والحدائق أرصفتها عدا ذلك الامر الغريب الذي لم أعهده فيها ، إذْ بدا الناس مرتدين شتى الازياء من تلك التي رأيتها في كتب المنمنمات والمقامات والرحالة مرورا بأزياء السلاجقة والبدو والاتراك وشيوخ العشائر وأفندية بغداد وأزياء حاضري ، ولمّا تزل الدراجة تنقاد بسلاسة لحركة البدال ، تخف وتسرع ، تهبط وتعلو ، كنا نجول العالم .. وبيننا قنينة خمر .. رشفة لي ورشفة له .. يؤكد لي أن لا أعب أكثر مما يعب.. البدال يدور .. قال ..غني .. قلت ليغني كلانا .. كنا نغني والدراجة تنحدر بنا لهوة واد سحيق .



#حسين_السلطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهرجان بابل .. صدمة المثقف أم أسلمة الفنون
- تأويل ما سأرى
- قصيدة النثر .. التحامل عليها ، لماذا ؟
- نحو قراءة وسطية لظاهرة الحجاب
- كاف ياوثري ج3
- كاف ياوثري.. نص البديعة .. ج2
- كاف.. يا وثري ... نص البديعة
- أمشي مع النفري
- كلمات ساتركها على الارض
- جدل
- حمل في مرايا الذئاب
- وصية ماركيز الأخيرة
- كلمات سأتركها على الارض
- إبعدوا الصخرة عن سيزيف
- ياقوت الحيلة
- أمرأة الدهليز


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين السلطاني - الصديقان المحو والاثبات