أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصرقوطي - خضرقد















المزيد.....

خضرقد


ناصرقوطي

الحوار المتمدن-العدد: 3220 - 2010 / 12 / 19 - 01:28
المحور: الادب والفن
    


(( خضر قد )) ... هو الذي رأى
ناصرقوطي
تعد رواية ( خضر قد والعصر الزيتوني ) للروائي نصيف فلك ، من الروايات التي تتخذ من أحداث الواقع المعيش مهيمنة رئيسة وتفضح بجرأة طرحها مصادرة مصير الإنسان وخياراته بأسلوب واقعي تهكمي قريب إلى الواقعية السحرية بما يكتنف عوالم أبطالها من أحداث ومصادفات غرائبية هي جزء من معانات ـ قل نظيرها ـ قد تعرض لها إنسان مابين النهرين ففي مقاطع كثيرة من الرواية نرى شخوصها يفشلون حتى في اختيار ميتتهم وهم يحاورون بعضهم البعض بعبارات التهكم والمرارة والسخرية . السخرية التي لا توازي إلا سخرية الجلاد من ضحيته ، وبمقاربات كثيرة يقودنا الراوي بصحبة بطله " خضر قد " ومحنته المريرة ويضعنا وجها لوجه أمام أزمة وجود الإنسان في مرحلة شديدة الحساسية كانت تلقي بظلالها المعتمة على كل شيء حتى طالت بتشوهاتها العميقة الروح قبل الجسد . فالرواية رحلة نضال شاقة لبطلها (خضر قد) رحلة ميتافيزيقية إلى الماوراء ، رحلة تختلط فيها دموع اليأس بضحكات النجاة من المصير الأسود الذي تصوغه فزاعات الحروب إنها ـ تراجيكوميديا ـ عراقية وهي دعوة للخلاص ـ خلاصنا ـ وخلاص بطلها وبوحه المستمر للنفاذ من عوالم النتانة وهروبه ألقسري للحفاظ على آخر ماتبقى من نبض روح الإنسان النقية المتبقية فيه وبقيا ضمير إنساني ينبض في عالم تسوده الذئاب الزيتونية التي تحاول أن تغطي عين الشمس بغربال سطوتها وجورها . ان الرواية سيرة بطولة لملايين العراقيين الذين صودرت حرياتهم فباتوا في النزع الأخير على حافات يأسهم يتلهفون لنهاية تليق بإنسانيتهم التي عجزت كل وسائل الدكتاتورية عن مصادرتها كما إنها رسالة من أرض السواد للأجيال القادمة لا امتثالا وتماشيا مع مقولة الطغاة الرثة (( لكي لاننسى )) إنما درسا لعدم الخضوع والمهادنة للطغيان . لقد نجح الكاتب نجاحا باهرا وهو يقودنا من فصل إلى فصل ويعرض علينا صور المأساة بمرقاب تجربته العراقية المحض وهو ينقلنا إلى معانات بطله من مدينة الغبار ( الثورة ) إلى مدينة الثلج
( جومان ) في شمال الوطن ثم لجوئه إلى إيران في رحلة تكاد تكون أسطورية نتحسس وبأصابع راعشة عمق الجراح التي تغوص عميقا في وجدان معظم شخوص روايته بدءا من صديقه ( ميري ) و(فرشته ) الإيرانية وانتهاء بحبيبته
( سلامة ) التي قادها حبها الجارف لخضر إلى الهروب من أهلها لتنتهي تلك النهاية المفجعة . إن رواية ( خضر قد والعصر الزيتوني ) وثيقة صادقة لمرحلة من التاريخ القريب ثبتت الكثير من الأحداث الصادمة التي لايتخيلها عقل ، كل صور الرعب الميتافيزيقي الذي مر على أرض السواد ، فالرواية بقسوة طرحها وتعريتها الفاضحة للسطوة التي كنا نرزح تحت ظلالها الوخيمة تعلمنا درسا مفاده أن واقعا كالواقع العراقي بإمكانه أن ينتج أدبا لا يقل أهمية عن أدب كولومبيا أو البرازيل ، أدبا له نكهته الإنسانية الفريدة وصدق شخوصه وما يبوحون به على الورق وتصديهم لغول الديكتاتورية الذي يزدرد أحلامهم وكل التابوات الأخرى التي تصدى لها كاتبنا بنقمة سخريته وكشفه للمستور من الخبايا . إن موسيقى الرعب تظل تعزف بصخب بين سطور الرواية حتى الصفحات الأخيرة بوتيرة مؤلمة ، ويصخب الإيقاع مع ارتفاع عصى المايسترو ، ويتضاعف النزف كلما علت نبرة التهكم والسخرية من شخوصها للثوابت التي تحاول مسخ وخنق عوالمهم ، فباتوا عراة ونصف مجانين يجترون مُثُلْ الإنسان العليا ويتمردون حتى على ذواتهم فلم يزدهم القهر أو القسوة إلا صلابة وقسوة وسخطا على الحياة التي يحيون في كنفها تحت ظل أعتى مسوخ الديكتاتوريات الجائرة وهي تفضي بهم إلى مالم ينحدر إليه حتى الكائن الأدنى في سلسلة الانتخاب الطبيعي . فالقارئ يشعر بلهجة التهكم والسخرية من أول كلمة ومن الاستهلال (( مرت بسلام أيام طباخات الرطب وانقشع آب اللهاب الذي أحال بغداد إلى فرن يشوينا كما الصمون أو مثل خبز باب الأغا : حار ومكسب ورخيص )) ص8 كما يعبر معظم شخوص الرواية حافات الجنون وهم يحولون المأساة إلى ملهاة في اجترارهم وسخريتهم من كل ما يحيط بهم وما كلمة ( أيباخ ) إلا ناقوس خطر يختصر كل شتات وجع العراقيين ويظل يرن في المتن الحكائي وينبثق في اشد مراحل القسوة التي يتعرض لها البطل والشخوص . (( أيباخ .. ماذا فعلت بك الحروب .. دعني أرى وجهك وقلبك وعقلك )) ص143 فتظل كلمة ( أيباخ ) تنبثق كلازمة موسيقي جنائزية تعبر عن الأسف والخذلان حتى الصفحات الأخيرة حين يرى ( خضر ) ـ أيام الانتفاضة ـ وقد التجأ إلى أحد البيوت في مدينة العمارة هربا من الزيتونيين ويرى طفلا يحبو قرب جثث عائلته فيتساءل خضر من مكمنه فتنبثق اللازمة (( أيباخ .. تف على كل العالم .. تف على كل البشرية )) ص152 في السطور اللاحقة يرسم لنا الراوي لوحة دقيقة لما مر به الآلاف بل الملايين من العراقيين فنرى (( صعد " خضر قد " إلى سيارة كبيرة يسمونها " منشأة " ولمح مقعدا خاليا في عمق السيارة ، جلس يدخن فور ماتحركت خارجة من كراج " العلاوي " . رأى نفسه محشورا في سيارة الحرب ، تغص بالجنود النائمين بشتى الوضعيات الذبيحة التي فرضتها آخر شهقة على الجسد .. عيونهم حفر سود جاهمة ، هي ثقوب سوداء تشرب كل الظلمات ولا ترتوي ، مع ابتسامة موحدة ، ملطوشة على الفكين من الأذن إلى الأذن ، ليست ابتسامة بل تكشيرة محايدة تقع بين بحر الرعب وبين صحراء الذهول ، تكشيرة واحدة مستنسخة فوق وجوه جنود مرغمين على أدائها مثل قدر لابد منه كصرخة الولادة . قرر" خضر قد " أن ينزل هنا في هذا المكان المهجور حيث لا أثر لحياة ولا نور على امتداد البصر ، ينزل من سيارة الحرب في هذا الظلام المخيف ليغير طريق موته ، الموت الذي اختاروه له ، إلى طريق موت آخر هو يختاره ، وصاح : ـ نازل .. عيني نازل )) ص52 في فصل ( حرب الكلاب ) بعد ان يحتدم النقاش حول الحرب ويحاول خضر أن يربط بين الحادثة المعروفة لبيع القطط والكلاب بداية الثمانينات مع بيع الشهداء مقابل قطعة أرض أو سيارة وفي سطور أخرى يرسم لنا صورة مرعبة تنضح من بين ثناياها خسة من أشعل جذوة الحرب فنرى (( .. وسمعت خلفي جثة تبقبق ، التفت إليها كانت سوداء تصاعد منها بخار بلون .. بلون ، لا أعرف لونه ، ولكنه بلون الخسة والنذالة ولون الجريمة . يابه وحق الحسين أبو عبد الله ، رأيت وجوه الجثث غير المحروقة من الجنود العراقيين والإيرانيين ، رأيت وجوههم تذوب في التراب ، انمحت من أشكالها ملامح الشك وانمحت رعونة البطولة والنصر والزهو ، وجوه خالية من الخوف ومن رعب المسؤولية ، وجوه مستسلمة للتراب بحنان وشوق مثل من رجعوا إلى أصلهم إلى أهلهم لا بل إلى أهل أهلهم ، وجوه متعانقة مع بعضها البعض في أخوة الموت ، لا هذا الميت يعرف انه إيراني ولا هذا الميت يعرف انه عراقي ، متحاضنين كأن الواحد يعتذر للآخر في أسف فات وقته ، وجوه فيها غصة ندم لم يتحقق . ورأيت الكلاب كيف تأكل جثث الجنود ، هززت يدي ساخرا من إدعاء كلا الطرفين : بأن الكلاب لا تأكل جثث شهدائهم ، وأنا هاأنا رأيت الكلاب بعيني التي سوف يأكلها الدود ، رأيت الكلاب لا تفرق بين جثة العراقي وجثة الإيراني . الكلاب وحدها ، وحدها المنتصرة . وهذه فعلا حرب الكلاب . )) ص38 في اسم الشخصية الرئيسة للرواية هناك الكثير من الكلام فـ
( خضر قد ) هذا الاسم الغريب الذي التصق بصاحبه ماهو إلا مفارقة صارخة نكتشف أبعادها في صفحة 61 لحظة نرى خضر يبكي أمام صورة لنصب الحرية ويرثي جواد سليم حتى يصيبه العي أمام الرفيق الزيتوني ( موحان ) الذي يسأله مرات عديدة وبلهجة عامية ( أنت شاب لطيف ومثقف .. شبيك مخبل نفسك وصاير مضحكة .. وخضر يجيب ..قد .. ومنذ تلك الحادثة التصقت قد بخضر أينما حل ) ص62 ان هذه الشفرة التي يعرضها علينا الكاتب ماهي إلا انشداه البطل المأساوي وعجزه عن الإتيان بأي كلمة تعادل أو توازي حجم الخراب الذي تراه عين الذات المثقفة الواعية إزاء ما يحدث من تشوهات على أرض الواقع ، انه عسر البوح أمام التفاصيل الصادمة ومصادرة كينونة الفرد العارف بما يدور من حوله . نحن نعرف كيف يصنع الارتباك والوحشة مصطلحنا وسر كلماتنا الأشد خصوصية وكيف تفضي بنا العزلة وتبتكر لنا طلاسمنا حين نكون منقطعين عن كل ما حولنا . في ذروة هذيان خضر ولجوءه إلى إيران بعد ان يجتاز غابة من الأشجار الميتة ـ لاكما يجتاز جلجامش غابة الأرز وبحثه عن الخلود ـ إنما ليحافظ على آخر ماتبقى من إنسانيته فيظل يكرر جملته الغامضة ( كنت مع ، وليس وحدي ) التي ستصبح لازمة أخرى تتردد في الصفحات الأخيرة من الرواية (( راح خضر يكرر جملة ملتوية جعلها النغمة الأساسية في سمفونية هروبه يقول : كنت مع وليس وحدي . وكأنني أعرف من كان معي ولاأعرف هويته ، أو ربما كنت أتحايل على تسميته فهل هو الله : أمي ، سلامة ، القدر ، حظي ، مخرج فلم حياتي ، ملك الموت أم ملك الحياة ، شبح مجزرة حياتي ، طوطم الخوف ، غريزة الحفاظ على نوعي ، أم هي كل هذه المجموعة برمتها مع أشياء أخرى حصرتها في جملتي الملتوية : ـ كنت مع ، وليس وحدي . ) ص76 إن رواية (خضر قد والعصر الزيتوني ) تلخص مأساة شعب وتخبرنا كيف يفر الإنسان إلى آدميته ويغدو بطلا بمواجهته القبح والتشوهات وهو يطعن براية الانتصار قلب الهزيمة .



#ناصرقوطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرباء
- أعماق
- الحائك
- ايقاع الأمكنة
- قصة
- المحنة
- عين النخلة
- وهم الطائر
- قصة قصيرة
- قراءة في مجموعة - خمار دزديمونة - للقاص فاروق السامر
- رواية شلومو الكردي (وأنا والزمن)دراسة نقدية


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناصرقوطي - خضرقد