أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - لا عَرَقَ في العراق















المزيد.....

لا عَرَقَ في العراق


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 3215 - 2010 / 12 / 14 - 16:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اصدر مجلس محافظة بغداد الشهر الماضي، قراراً يقضي بغلق محال بيع المشروبات الكحولية والأندية التي لا تحمل ترخيصًا رسميًا، وكل محال بيع الخمور وتخزينه، وذلك ليس لمناسبة شهر محرم الذي يسري فيه مفعول الغلق سنويًا، بل لأن القرار لم يستثن أي منها، وكذلك الأندية الاجتماعية، ومعنى هذا أن بغداد ستكون بعد شهر محرم الحالي، دون خمر، (ويا حسرتاه يا بغداد والله يرحم أيامك يا صدام يا بن وضحة)، ولن يفتح فيها أي مخزن لبيع المشروبات أبوابه، لا المجازة منها، ولا غير المجازة، ويمكن القول لا عرق في العراق، وسيتحسر أصحاب "الكيف والرواق" على أيام زمان قبل الهجمة الوهابية البوشية المشتركة على العراق وتسليمه لقمة سائغة لديناصورات الزمان.(خبر محرر من مصادر مختلفة)
ونزيدكم من الشعر بيتاً في هذا الجو الظلامي المكفهر، إذ صدر قرار أدهى وأدق رقبة وأكثر وحشية وهمجية وبربرية، وهو إلغاء قسم النحت وإزالة كافة التماثيل والمنحوتات من مبنى كلية الفنون الجميلة ببغداد بدعوى أنها أصنام، هكذا. من يذكر همجية الطالبان في تدمير تماثيل بوذا في باميان في 2001، رغم تدخل القرضاوي، وذهابه شخصياً للملا عمر ولكن من دون فائدة. هل هناك فرق بين الرؤية الشيعية والرؤية السنية للحياة والإنسان بالمجمل، والمحصلة؟ لا نعتقد ذلك.
وبذا انضمت بغداد إلى منظومة الخليج الفارسي، وتساوى العرب والعجم، من حيث فرض حظر على تناول وبيع والاتجار بالخمور، وهذه واحدة أخرى من مظاهر ودلالات سقوط العراق الجريح بيد القوى الظلامية التي أعادته، وبكل أسف قروناً إلى الوراء، وهذا هو الخوف والرعب الحقيقي حين يؤول الأمر لتلك القوى، من حيث تبيان طريقة تفكيرها، وطبيعة توجهاتها الضحلة والبسيطة، والتي لا تتجاوز رسالتها الحضارية، مشروع منع الخمور والاختلاط، وفرض النقاب والحجاب، وكفى الله المؤمنين شر التمدن والحضارة والتفوق والإبداع. إذن ها هي ما تسمى بمدينة عربية تدخل نفق الظلام، علماً أن هذا الخمر كان متداولاً في أوج ما يسمى بالزحف البدوي، حين كانت بغداد حاضرة الدولة العباسية، ومركز ما يسمى بالخلافة، ولنا في أشعار أبي النواس، وجلسات الأنس، وحكايا بغداد العباسية، ما يعنينا عن أن الخمرة لم تكن محرمة، أو تواجه محظوراً كما يفعل أصحابنا في بغداد اليوم.
لم تعد بغداد تمتلك الكثير مما يمكن أن تتباهى به أمام دول الجوار، وهي تفقد سماتها الحضارية، والتنويرية، والمدنية الواحدة بعد الأخرى، وذلك منذ أن سطا "المعممون على مقاليد الحكم فيها، وحولوها إلى مدينة ظلامية أخرى، كالقصيم، وبريدة، والطائف، ويا فرحة "بني وهاب" بهذا الإنجاز. نعم لقد كانت بغداد موضع حسد من كثير ممن يسمون بالعرب، وذلك لطبيعة الدور والمستوى الحضاري والمدني والرقي الاجتماعي الذي وصلت له ذات يوم، لكن مع هؤلاء المعممين فقد أصبحت موضع شفقة ورحمة، وتساوت إلى حد كبير مع مدن الملح والظلام الصحراوية التي ليس لها من رسالة حضارية تقدمها للبشرية إلا منع الخمور والاعتداء على الناس ومنع الاختلاط وفرض مظاهر الدروشة والطقوس البالية التي ليس فيها أي مظهر أو دلالة أو مضمون حضاري يمكن التعويل عليه.
ما أبشع المدن وما أحطها وأرذلها وأرثها وأوسخها من دون فرح، وضحك وابتسامات، المدن التي تتعرى في الليل كي تستقبل أولئك الحالمين بالفرح والهروب من ضغوطات الحياة. كم هي مدننا كئيبة ومعتمة وغير مؤنسة وحزينة وباكية ومجروحة مع مظاهر الدروشة والبؤس والبهللة التي تعمل الأنظمة الحاكمة على زرعها في نفس الإنسان كي تقتل فيه أية روح للإبداع والعطاء، وتشنق أحلامه، وتجهض أفراحه، ولماذا كتب علينا أن نكون بؤساء، وحزاني نلطم ليل نهار على موت الحسين، ونتباكي ونلعن أنفسنا لأننا لن نستطيع أن نبلغ لمكانة وعظمة وفرادة أولئك البدو الغزاة الأوائل الذين أورثونا كل أمراضهم المجتمعية البدوية التي وضعوها في قالب مقدس عقدهم النفسية والبيولوجية والجسدية والجنسية ضد المرأة وضد الفرح وكل أحزانهم وآفاتهم البشرية التي لا تنتهي، فيحار المرء ويحاول مثلاً أن يجد رابطاً أو وشيجة بين النقاب والإيمان مثلاً.
ماذا تعني المدن بلا مرقص، ولا حانة، ولا خمرة، ول أناس يفرحون ويطربون ويهجزون ويتبادلون الأنخاب؟ ماذا حققت هذه الشعوب المنكوبة بعد 1400 عام من التقليد الأعمى لسيرة السلف الصالح وموروثاتهم الفكرية والثقافية والسلوكية في الزجر والمنع والصد والرد والردع والتحريم والتخويف وقتل الفرح وزرع القنوط والتجهم والعبوس ووأد الابتسام سوى احتلالها للمراتب الدنيا في كل مجالات الحياة، في الوقت الذي تقدم فيه كل شعوب العالم وتتمدن وترتقي وتحقق الإنجازات دون الالتفات لهذه الصغائر والتوافه التي تشغل بال الفقهاء ومن يقف وراءهم من أولي الأمر؟ ولماذا فرض هذه الوصاية على شؤون الناس وأذواقهم ومن أعطى الشرعية وبأي حق وقانون يتسلط المعممون على خيارات الناس وحياتهم ويمنعون عنهم ما هو مباح لهم في الآخرة، مع الصديقين والأولياء والأنبياء، ألم يبشر المؤمن بأنهار من العسل والخمر في الجنان؟ فهل الأرض أقدس من الجنة وترابها وشخوصها؟ لماذا لا تتساوى الأرض بالجنة وبقوانينها وبما سيكوون بها؟ لماذا نحول الحياة إلى جحيم من أجل الفوز بالفردوس؟
إن هذا القرار الجائر ما هو إلا اعتداء صارخ وانتهاك فظيع وفظ أخرق لحق من حقوق الناس ينكر عليهم خيارتهم الخاصة، ويتدخل ويحشر الأنف في شؤون الناس وحياتهم كما هو الحال مع هذه المنظومة الهمجية التي لا تبالي البتة بخيارات وحقوق الناس وميولهم وأذواقهم التي وهبتهم إياها الطبيعة، وهي ملكهم وحقهم المصان والمقدس الذي لا يجب لأي كان فرض أية وصاية ومزاجية مستقاة من رؤى أيديولوجية وعقائدية عليهم.
لا عـَرَقَ، ولا "أصنام" (فن الإبداع النحتي يسمونه أصنام)، في العراق، وناهيك عن الأبعاد الاقتصادية المدمرة لهذا القرار في جانبه المادي الصرف، فلن يكون بمقدور أي عراقي، على الجانب النفسي والعاطفي والإنساني، اليوم الترويح عن نفسه وسط الخوف والرعب والقمع والإرهاب وفضائح الطبقة الحاكمة التي يعيش تحت وطأتها، وتحولت إلى مدينة أخرى من مدن الظلام الكئيبة الكالحة البائسة المتخشبة التي تعج بها منظومتنا البدوية المسماة دولاً عربية، فمهمة هؤلاء كانت على الدوام، قتل الحياة وكل قيم الجمال ومحاربة الإنسان أينما كان وهذه هي رسالتهم الخالدة لبني الإنسان. نعم ماتت بغداد، بهذا القرار الجائر، ككل مدنهم الأخرى التي لا تنبض بأي نوع من الفرح والحياة، فللفقيد الرحمة ولآله، من بعده، الصبر والسلوان، على هذا المصاب وهذا البلاء.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جلد النساء: وحشية ثقافة الصحراء
- فضائية الحوار: الحلم المشروع والخطوة الضرورية
- غزوات وهابية جديدة
- الله يسوّد وجوهكم
- رسالة إلى السادة قادة مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي
- العرب بين الويكيليكس وأوراق الكلينيكس
- هل يفلح إعلان دمشق في بدونة سوريا؟
- كيف يفكر البدو؟ الإسلام السياسي في الميزان
- الإنترنت لكم بالمرصاد فاحذروه
- لماذا يشيطنون حسن نصر الله ويقدسون ابن لادن؟
- لماذا لا يباع الخمر علناً في الدول الدينية؟
- إعلان دمشق كمشروع ماضوي
- لماذا لا تنشئ الولايات المتحدة محكمة دولية لأحداث 11/9؟
- خرافة الحجاب والنقاب: لماذا نزلت أمكم حواء عارية من السماء؟
- أوقفوا جرائم التطهير الثقافي: في أصول الفاشية والإرهاب العرب ...
- إعلان قندهار: الاستقواء بالسلفيين
- هل يتخذ سعد الحريري قراراً شجاعاً؟
- رفض الاندماج: لماذا يهاجر العرب والمسلمون إلى الغرب؟
- هلال ذي الحجة
- أثرياء الصدف الجيولوجية من العرب والفرس


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - لا عَرَقَ في العراق