أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جمال علي الحلاق - أزمة الإيمان والمؤمنين















المزيد.....

أزمة الإيمان والمؤمنين


جمال علي الحلاق

الحوار المتمدن-العدد: 3214 - 2010 / 12 / 13 - 03:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



قرأت مقالاً باللغة الإنجليزية تحت عنوان " شكرا لله على الملاحدة الجُدد" ، وكان كاتب المقال ( ميشيل دود ) ، وهو واعظ مسيحي بدأ ينظر للملاحدة الجدد باعتبارهم أنبياء الله ، ويرى أنّ الدين - أيّ دين - لا ينجو إلا إذا بدأ وعّاظه يؤمنون بأنّ الله لا يزال يتكلّم ، وأنّ العلماء الآن يردّدون كلماته الجديدة ، ويرى ميشيل دود على سبيل المثال أنّ داروين صاحب نظرية النشوء والإرتقاء ، لم يقتل الله بنظريته ، بقدر ما عقلنه ، أيّ جعل الله أكثر عقلانية .

هذا المقال ، كما أرى ، هو أعلى محاولة في ردم الفجوة ما بين العلم والدين ، غير أنّ الإيمان به يحتاج الى معرفة تجريبية عاليّة لكي يتحوّل من تنظير الى ممارسة وحياة .

الناس في قضيّة ( خلق العالم ) نوعان ، نوع يرى البداية الأولى ماديّةً صرفة ( إختلف فلاسفة اليونان الماديين في العنصر الأوّل لنشوء الكون ، فقالوا الماء أو النار أو العناصر الأربعة ) ، ونوع يرى أنّ البدايّة من خلق إله ( تختلف صورة هذا الإله من دين لآخر ) ، وما أريد التركيز عليه هنا ، أنّ الإيمان بقي على ما هو عليه منذ بدايته الأولى ، أمّا الإلحاد فقد تغيّر ونمى وأصبح أكثر ثقلاً وحضوراً أيضا .

الفرق واضحٌ جداً ، يكمن في أنّ الناس في حقل الإيمان يرون أنّ العالم بأكوانه ومجرّاته محشورٌ في كتابٍ واحدٍ ثابتٍ محدّدٍ وتام ( يختلف هذا الكتاب من دين لآخر ) ، كتاب قال كلّ شيء ، ليس العالم فقط ، بل قال الحياة من بدايتها الى أقصى منتهاها ، بل قال ما وراء الحياة أيضا ، أي أنّ المؤمن يعيش برفقة كتاب يبدو فيه الوجود طريقاً واضحاً لا لبس فيه ، ولا يحتاج الى بحث ، بل يصل في بعض الأحيان الى عدم إحتياج الكتاب الى أيّ تأويل أيضا ، الكتاب غير معني بتوالي القرون ، ولا باختلاف الوعي البشري ، ولا حتى بنمو الحسّ الإنساني ، فما حدث وما يحدث الآن وغداً ليس إلا ترجمةً لكلماته ، وعليه فالمؤمن يقرأ كتابه ليفهم العالم ويفهم حياته ، لا ينظر الى علاقاته اليوميّة التي تؤسّس حسّه الإجتماعي ، بل ينظر في الوصايا التي تحجّم شكل ومضمون حياته ، يتبع الوصايا حتى وإن جاءت بخلاف ما يريد أو يشتهي ، المؤمن يدافع عن قيده باعتباره الحريّة القصوى .

لا ينظر الى المجرّات ، بل ينظر الى الكلمات المقدّسة كي يفهم السماء والفضاء ، فإذا ما نزل الإنسان على سطح القمر تهافت الوعّاظ الى التكذيب ، يحاولون أن يصرفوا عيون الناس عن التلفاز ، مثلما صرف القساوسة عيون التلاميذ عن منظار غاليلو كي لا يروا أقمار المشتري .

المؤمن مسيّج بخطوط حمراء ، لا يمكنه الفكاك منها إلا بالإحتيال ، وهو الدور الذي يقوم به الفقهاء وأصحاب السلطة بالنيابة ، الإحتيال على المؤمن أو على النصّ ، مستثمرين في ذلك تضارب النصوص داخل الكتاب المقدّس .

كان ( ابن هرمة ) شاعراً مدمناً على الخمر في المدينة ، وكان هناك دائماً من يشهد على سكره ، فيقام عليه حدّ السكر ، وهو الجلد ثمانين جلدة . ذهب الشاعر الى بغداد حيث قصر الخلافة ومدح الخليفة المنصور فلمّا أراد الأخير أن يكافئه ، قال الشاعر : لا أريد إلا إزالة حدّ السكر عني ، فاحتجّ الخليفة : هذا حدّ من حدود الله ولا يجوز تعطيله ، فقال الشاعر : يمكنك أن تحتال عليه . قال : كيف ؟ قال : بأن تجعل حدّ الشاهد على سكري مائة جلدة . ففعل المنصور ، ومنذها والشاعر يمشي سكراناً في شوارع المدينة وهو يصيح : من يشتري مائة بثمانين ؟

أمّا الناس في حقل الإلحاد يرون الكتاب ذاته ذرّة من ذرات العالم المتّسع ، أناس يعيشون داخل رؤيتهم للعالم ، فيتطابقون من حيث التجربة مع واضعي الكتب الأولى ، لكنّهم لم ولن يكتفوا بها ، بل حاولوا قدر ما استطاعوا في الماضي ، وقدر ما يستطيعون الآن وغداً ، أن يعيشوا تجاربهم الذاتية في العالم ، وأن يتوصّلوا عن طريق البحث والتنقيب الى قراءاتٍ أخرى للبدايّة الأولى ، دون وضع عقبات مقدّسة . الملحد ينطلق حرّاً في فهمه للعالم ، يشعر بضرورة وجوده ، ويحاول قدر ما يستطيع أن ينفخ الجدوى كروح في جسد زمنه الخاص .

إنّها زوايا نظر مختلفة ، لكنّها باختلافها تنتج لنا نماذج بشرية مختلفة أيضا ، وقد يكون من الصعب ظاهريّاً التمييز بين مؤمن وملحد يمشيان معاً في شارع واحد ، غير أنّ صراعات نفسية وذهنية تختلج المؤمن بين لحظة وأخرى ، الملحد في منجىً منها ، المؤمن متوتّر دائماً إزاء الوقت ، المأكل الغريب ، الملبس والملامسة ، متوتّر إزاء أيّ انفتاحٍ في لغة الحوار ، المؤمن يعاني صراعات تولد نتاجاً لثبات الدين واتّساع العلم كمعرفة ، مع كلّ إبتكار سيكون هناك شياطين وأرواح ينبغي قمعها ، ومع نمو المعرفة ودخولها ضمن اشتراطات الحياة اليومية يلجأ الفقهاء ( داخل كلّ الأديان ) الى المساكتة ، لأنّ الحياة الجديدة تتطلّب أن يسكتوا عن هذا النص أو ذاك داخل الكتاب الواحد التام ( لم يعد التصوير حراما مثلاً ) ، لأنّ شروط حياة المؤمن في النهاية لن تكتفي تقنيّاً بمفردات كتابه اليتيم ، بل تتجاوزها لاستخدام آخر صيحات التكنولوجيا لإدارة شؤون حياته ، كإن يسكن في أحدث الطرز المعمارية ، أو يستخدم أحدث وسائل النقل ، يستثمر ويواكب آخر الإبتكارات العلمية التي تساهم في تسهيل العيش داخل عالم يزداد تعقيدا ، لكنّه مع كلّ هذا يواصل تشبّثه بكتابه الواحد التام كما لو أنّه خيط نجاته من ضياع لا مفرّ منه ، المؤمن هنا يلتصق بكتابه باعتباره الطمأنينة القصوى التي لا يمكن الإقامة والإستقرار من غيرها ، هو لا يرفض المعرفة الجديدة التي يمكن إدراجها ضمن التأويل ، فتكون حياته ضرباً من التأويل المهادن ، سيكون هناك نفاق مستمر في تأويل النصّ المقدّس ، نفاق مع الله وحوله ، وسيتم التغاضي عن صيرورة الحاجة ، وعن اشتراطات الحياة اليومية الجديدة ، ( خروج المرأة الى العمل ، وصعودها الى أعلى المراتب الوظيفية ) ، هكذا يتجرّد الكتاب الواحد التام من واحديته ، بل أنّ عقلانية الكتاب تنهار بشكل مستمر ، تجعل المؤمن في النهاية لا يتقاطع مع أيّ إبتكار علمي ، وتخفّف من حدّة رفضه لأيّ تطوّر إجتماعي ، لكنّها تدفعه الى التقاطع مع أيّ فكرة أو نتيجة علمية تلامس البدايات الأولى ، فالأمر محسوم جدلا ، هكذا ، البداية شأن الخالق فقط ( طلب البابا من علماء الكونيات منتصف ثمانينيات القرن الماضي أن يبحثوا في ما بعد الإنفجار الكبير للكون ، وأن يتركوا البحث في الإنفجار نفسه لأنّه أمر الله وإرادته ).

الملحد ، ينطلق من وجوده في العالم ، هكذا ، كائن بشري موجود في لحظة زمنية تاريخية لها حدودها ونوافذها نحو المستقبل ، لحظة لها خصوصيتها وأسئلتها التي هي في النهاية خصوصية الكائن الذي يقيم فيها ويعبرها ، الملحد ينظر الى حياته باعتبارها جملة مفتوحة ومستمرة ولا نهاية لها غير الموت ، الموت هو النقطة التي تلي نهاية الجملة ، النقطة في نهاية الجملة هي إشارة لإكتمال المعنى ، وعليه فالمعنى غير منتهٍ ما دام الفرد حيّاً ، والأسرار قائمة ، لكنّها آيلة تحت ضربات البحث العملي الى الإنكشاف . وهذا ما لا نراه في حالة المؤمن لأنّ النقطة موضوعة حتى قبل بداية الجملة ، المعنى تمّ واكتمل منذ البداية الأولى قبل أن يولد الإنسان ، وهذا يجعل حياة المؤمن ضرباً من التضاد ، تجعله مركّباً قلقاً ، لكنّه يدفن قلقه هذا في تراب طقوس بعينها تجعله كائناً أكثر ميكانيكية ، تكراريّة الطقوس في حالة المؤمن ، إضافة الى الدخول في الحشد ، يمنحانه الطمأنينة .

لا تزال عملية مواجهة المصير وجهاً لوجه ، دون سند أو دعامة ، أمراً مهولاً بالنسبة للمؤمن ، ولا يزال الركون الى إله – ولو كان فزّاعةً من صنع الإنسان ذاته – أكثر طمأنينة للمؤمن من الركون الى قوانين الكون!



#جمال_علي_الحلاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة المعرفة الجاهلة
- من دكتاتورية الفرد الى دكتاتورية المجتمع
- الصخرة لا تنزل يا كامو / إعتذار متأخّر لبشرى
- قلق البوصلة ... الى مَنْ ؟ والى أين ؟
- نزهة القائد العام للحواس
- إحباط ليس في أوانه
- بين كلب جياكوميتي وكلب أبي / صفحة من كتاب أصدقائي
- آني جدّي قرد
- مراسيم الدّفن الجميل / صفحة من كتاب أصدقائي
- الى ليلى محمد أقف على رؤوس أصابعي
- قراءة منحازة لحادثة أحمد عبد الحسين وتداعياتها
- لا يزال كامل شياع يقود دراجته بإتّزان جميل
- علاقتي ببيتهوفن - صفحة من كتاب أصدقائي
- التضامن تمرين في النجاة رسالة الى السيدين جلال الطالباني ونو ...
- موت حبّابة وانتحار العالم / الانتباهة التي تلد خروجا
- دور المكان ووضوح المفاهيم في استئصال العنف
- رؤوس أقلام مدبّبة في الإستمتاع
- تعطيل آية السيف أو حذف نصف القرآن
- كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟ القسم الثاني
- كيف نؤسّس جيلا يعرف كيف يعيش ؟


المزيد.....




- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جمال علي الحلاق - أزمة الإيمان والمؤمنين