أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مسعد عربيد - الانتخابات الاميركية ـ الرئيس الاميركي: نموذجاً أم استثناءً؟















المزيد.....


الانتخابات الاميركية ـ الرئيس الاميركي: نموذجاً أم استثناءً؟


مسعد عربيد

الحوار المتمدن-العدد: 964 - 2004 / 9 / 22 - 11:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خواطر مغترب في الانتخابات الاميركية
الحلقة الثانية

الرئيس الاميركي: نموذجاً أم استثناءً؟
شخصنة النظام الحاكم أم إخفاق في الفهم؟

مسعد عربيد

قد يثير هذا العنوان انزعاج الكثيرين وربما يرى فيه بعضهم مساساً بذكائهم! ومهما يكن الأمر، فسوف اجازف بطرحه ومحاولة الاجابة عليه. ويحدوني في هذه
المجازمة سبب آخر، وثيق الصلة بالانتخابات الاميركية القادمة. فبالاضافة الى شخصنة النظام السياسي الحاكم، والتي لا تقتصرعلى الرئيس بوش بل كثيراً ما تكررت في التاريخ الامريكي الحديث، فان مناهضي بوش يرددون الكثير من المزاعم والمواقف قوامها أن بوش قد إنتهك "القيم الاميركية" وإنحرف عن "النموذج الاميركي" ولا بد من إنتخاب كيري كي "نسترد هذه القيم" ونعيدها الى مسيرتها الطبيعية. كما يذهب الكثيرون من أصحاب النية الطيبة الى القول بان هذا الرئيس قد هدر الاحترام الذي أحرزته أميركا في العالم وان صورة أميركا لدى الشعوب الاخرى أضحت "مهددة" بالخطر جرّاء سياساته. ويغالي بعضهم، متبجحا، بان بوش قد إنحرف بأميركا عن منحاها ومسيرتها الطبيعيين وأخذها الى منعطف شاذ وخارج عن "السياق الاميركي".

وبهذا نصل الى الشق الخفي في هذه الاطروحات والذي ينطوي، من زاوية تحليلنا، على مخاطر جسيمة في فهم النظام الاميركي الحاكم:

ـ فهل صحيح أن "أميركا قبل بوش" كانت تلقى الاحترام لدى الشعوب الاخرى؟
ـ وهل صحيح، على سبيل المثال، أن العالم وقف محبا ومحترما لاميركا إبّان سنوات الحرب الفيتنامية الطويلة والدامية؟
ـ وهل صحيح أن الرئيس بوش يمثل حالة شاذة خارجة عن النموذج الاميركي؟ أم أنه يمثل "الاعتيادي" وإن تميز بخصائص وسمات معينة؟

ولا تقتصر هذه الاطروحات الوهمية على المحافظين الاميركيين (وإلاّ لما كانت هناك جدوى من مناقشتها)، فقد ندد الكثيرون من الاميركيين التقدميين ومناهضي إحتلال العراق، بالرئيس بوش شخصيا وبإدارته واعتبروا سياساته مخالفة "للقيم الاميركية" وغيرها من العبارات المشابهة (قيم الاسرة الاميركية، الحلم الاميركي، طريقة الحياة الاميركية). وتكاد مثل هذه العبارات تخنق الحياة الاميركية وخاصة في مرحلة ما ـ بعد أحداث 11 أيلول 2001، دون أن تحمل دلالة معينة أو فهماً محدداً ودون أن يضعها أحد تحت المجهر ويتحرى مصداقيتها والغاية من إجترارها. كما لا تقتصر هذه الإدعاءات (وآثارها) على الاميركيين البيض وحدهم، بل صدقتها الملايين من الاثنيات غير البيضاء (الملونة) في أميركا: السود واللاتينو والعرب والمسلمين والاسيويين ةغيرهم.

ولا نقصد التنكر لوجود قيم معينة واسلوب حياة معين لاية تشكيلة إجتماعية سواء كانت أميركية او غيرها. إلاّ اننا نعتقد أن هذه المفردات تشكل، وليس بمحض الصدفة، "أداة" و "آلية" تخدم نسقا فكرياً وايديولوجية معينة. وعليه فان تناولنا لهذه المفردات يقوم أساساً على فهم وظيفتها الاجتماعية والثقافية والايديولوجية في المجتمع، أي مجتمع.

ومع حلول الانتخابات الاميركية وتصعيد مرشحي الرئاسة لحملاتهم الانتخابية، نلحظ تفشي مثل هذه الكليشهات. وتدرك الاغلبية العظمى من الاميركيين، من خلال تجارب العقود السابقة، أن الوعود والبرامج الانتخابية لا تخدم إلاّ المرشح وبرنامج الطبقة الحاكمة ولن يتحقق منها سوى القليل. كما تدرك في كثير من الحالات أنها ليست سوى تمويه للحقائق الموضوعية والمادية للواقع الاميركي وتسليع (commodification ) للقيم وطموحات المادية والروحانية والاخلاقية والاجتماعية ...الخ. ومع أنّ النفاق السياسي والانتخابي أمر شائع في العديد من المجتمعات والبلدان، إلاّ أنّ هذه المجتمعات لا تدّعي الديمقراطية المطلقة، ولا تصنع من نفسها معياراً للحرية والعدالة، كما انها لا تنصب نفسها استاذة على كافة شعوب العالم كما تفعل المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة.

محاذير

وقبل أن نجازف في طرح المسألة بهذه الطريقة المباشرة ودون مواربة، فانه يتوجب علينا الحذر من الانزلاق في إطلاق تعميمات مجحفة. فهل يجوز وضع المجتمع بكل طبقاته وفئاته، ومصالحه وتناقضاته، وتنوعاته الاثنية والثقافية، في "سلة واحدة" وتحت تعميم أو تصنيف واحد؟ بالطبع لا.
إلا أن المقصود هنا هو تشخيص الحالة العامة والثقافة السائدة وليس إتهام كل فرد وكل أميركي بهذه التعميمات والاوصاف.

وبالرغم مما يعتري المرء من تردد ورفض حين يصطدم بتعميم رجعي أو متخلف لقطاعات من الجماهير والشعوب والامم، إلاّ أنه يتوجب علينا أن نبحث عن أسباب وجذور هذه الظواهر في التناقضات الطبقية والاقتصادية والاجتماعية التي تولدها الانظمة الرأسمالية والرجعية والفاشية. وليست الحالة الاميركية فريدة، بل لقد شهدنا خلال القرن العشرين حالات مشابه، وان أختلفت في سماتها وخصائصها. نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، دعم أغلبية الاسرائيليين لسياسات حكوماتهم (العمالية والليكودية المتتالية على حد سواء) في إحتلال الاراضي العربية وتدمير حياة الفلسطينين وإبادة مدنهم وقراهم ومواردهم، ودعم الكثيرين من الالمان لهتلر والنازية عبر ثلاثينات القرن الماضي، وتأييد الملايين من الاتراك للمذبحة الارمنية التي إقترفها النظام التركي والتي يستمر التواطؤ تجاهها والتنكر لها حتى يومنا هذا.

هل أسقط بوش ورقة التوت؟

هل يشكل الرئيس بوش، حقاً، خروجاً عن "السياق الاميركي" أو تهديداً لما يسمى ب"القيم الاميركية" كما يحاجج مناهضوه؟ أم أنه يعبر في حقيقة الأمر عن كثير من هذه القيم وربما بدقة؟

هل أسقط بوش ورقة التوت، وربما من حيث لا يدري، التي أختبأ خلفها النظام الحاكم في الولايات المتحدة طيلة قرن من الزمن، خلف أقنعة الديمقراطية والحرية والمجتمع المدني المتطور ..الخ؟

تستعصي الاجابة على هذا السؤال دون فهم أو تحديد ل"القيم الاميركية". وربما تسهم عودة خاطفة الى التاريخ الاميركي الحديث في الاجابة عليه (انظر لاحقاً). أليس التاريخ أكثر مصداقية من الابواق الاعلامية والثقافية والاكاديمية المنتفعة والمأجورة، وأكثر ثباتا من مواقفهم الموسمية التي كثيراً ما تترك الجماهير محبطة حائرة.

ربما تكمن الحقيقة، كما قال أحد الخبثاء، في أن الكثيرين من مناهضي بوش، على تنوع منابتهم الاجتماعية والسياسية، لا يريدون بوش في البيت الابيض، ليس لانه لا يعبر عن القيم الاميركية، بل لانه قدم هذه القيم الى العالم عارية ودون رتوش وأزال بفضل ضحالته الفكرية، البرقع التي كانت تتقنع به. كما أنه تسبب في حرج وأوجاع كبيرة لقطاعات متعددة من الاميركيين الذين إعتقدوا بانهم قد تمكنوا، بفضل آليات الاعلام والدعاية، من تلميع صورة أميركا لدى العالم.

هل يعقل ان يستطيع رئيس بهذا القدر من الضحالة الفكرية والثقافية تشويه "قيم أميركية عريقة" ومتشربة في المجتمع والتاريخ؟ وإن كان حقا قد شوهها أو تجرّأ على ذلك، فلماذا ذاك الصمت المطبق من قبل الكونغرس ومجلس الشيوخ وكافة فروع المؤسسة الحاكمة؟ ولماذا التواطؤ من قبل الاعلام "الحر والديمقراطي" والمثقفين والاكاديميين؟ لماذا سمح له هؤلاء بتمرير ذلك؟ ولماذا لم تَرفع راية العصيان إلاّ القلة؟ هل لأن الاغلبية صامتة في جهلها أم تغط في سبات فرادتها المفرطة، أو ربما لانها خائفة أو غير مبالية؟ أو لانها لا ترى التناقض بنفس النظّارت الاجتماعية والانسانية بل ترى أنّ مصلحتها في التستر والتواطؤ والسكينة حتى يهدأ الاعصار؟

"ديمقراطية" حكم الشعب ولكن الرئيس هو المسؤول الوحيد

لقد أنزل بوش بالعالم دماراً كبيراً وربما يحمل المستقبل المزيد منه. إلاّ ان هذا الرئيس، كأي رئيس نظام آخر، لم ينفذ كل هذه السياسات والحروب لوحده ولا يتحمل المسؤولية لوحده. إذا كان حكم الشعب هو السائد في أميركا، فاين هو دور ومسؤولية أجهزة الدولة والكونغرس ومجلس الشيوخ؟
إذا كان رئيس الولايات المتحدة سيتحمل لوحدة تبعات هذه السياسات فأين هي الديمقراطية التي تقوم على حكم الشعب وممثلية المنتخبين ديمقراطياً؟ واين هي "مؤسسات الديمقراطية" و"المجتمع المدني" من هذا كله؟ هل تواطئت هذه ايضا مع الرئيس؟ ولمَ لا تجري محاسبتها ومسائلتها؟ لماذا لا تجري محاسبة ومسائلة الحزب الديمقراطي "المعارض"؟ هل تواطئ الشعب ومنظماته واحزابه أيضاً بسبب الجهل أو الخوف والتخويف أو اللامبالاة؟ أو ربما لان قطاعاً كبيراً من الشعب لم يرى في الامر شيئا جديدا، فقد قام رؤساء سابقون بالامر ذاته؟ أو لان الكثيرين يؤيدون ما فعله الرئيس دفاعا عن الوطن أمام "الخطر المحدق" الذي مثله النظام العراقي السابق على أمن الاميركيين "وارتباطه" بمنظمة القاعدة التي تسببت في أحداث 11 أيلول 2001؟ لماذا تقتصر المعارضة السياسية ومناهضة الحرب على قلة متناثرة في بعض المدن الكبيرة حيث تغلب التعددية الاثنية أي حيث لا تسود الاغلبية البيضاء بل يميل لون البشرة الى السمرة؟

تساؤلات في "النموذجية" الاميركية

ـ ينحدر الرئيس بوش من أسرة بيضاء ثرية راكمت ثروتها من إرتباطاتها "النفطية" مع الاسرة السعودية الحاكمة ـ حامية الحرمين.
* وهل من فرق بين ثروة تجمعها عائلة كنيدي (الديمقراطي) من استثمارات الويسكي الاسكتلندي وثروة أسرة بوش من نفط العرب، فكلاهما سيّان في منظور رأس المال.

ـ عاش بوش ثرياً منعماً ولم يذق الفقر والعوز في حياته، ولم يأبه يوما بجار فقير أو بمعدم جائع على قارعة الطريق.
* ولكن، أليس هذا الثراء هو الحلم الاميركي The American Dream ؟ أليست تلك هي القيم المنشودة التي يبثها النظام الحاكم والنظام الاقتصادي والاجتماعي والتربوي المعمول به في الولايات المتحدة؟ وكيف يختلف هذا كله عن "القيم الاميركية"؟

ـ يمارس الرئيس بوش (اسوة بغيره من الرؤساء السابقين أو على الاقل هكذا يدّعون)، الالعاب الرياضية مثلما مارسها كلينتون وبوش الاب ويعرضا لنا على شاشة التلفزيون مقدار ما يتمتعان به من العافية والحيوية.
* وهذا أيضا أمر اميركي نموذجي لا يقوم به رؤساء الدول الاخرى.

ـ يقضي الرئيس بوش جلّ عطلاتة واجازاته مرتديا الجينز والقبعة الكاوبوية مارحاً سارحاُ في مزرعته في تكساس مع رعاة البقر.
* وليس في هذا الامر أيضا ما هو غير نموذجي.

رب قائل بان هذه حجج شكلية واهية ولا تغوص الى جوهر المسألة. وهذا صحيح. فهي امور تتعلق بالشكل. إلاّ أنها تحمل سمات هامة ومعايير لا يجوز إغفالها في نشأة وتكوين الفرد في سياق سيكولوجية وسوسيولوجية المجتمع الاميركي.

إلاّ أن نموذجية الرئيس بوش، رغم هذه الاعتبارات، تقبع في مكان آخر وتتألق في معايير مختلفة:

فهو الرئيس الذي يذود عن أمن ومصالح الاميركيين؛ ويشن الحرب على الارهاب، وهو الذي يرى بأن أميركا هي البقعة المثلى والمكان الافضل وربما الوحيد على وجه الارض حيث تزدهر الحرية والديمقراطية والعدالة، وانه لا بد من "تصدير" هذا المثال الى مناطق العالم الاخرى مثل العراق وكوريا الشمالية وكوبا وهايتي ..الخ حتى لو إقتضى الامر إمتطاء دبابة أو إسقاط هذه القيم على الشعوب الاخرى من بطن طائرات ف 16 الحربية.


الحرب في السياق الاميركي

يقرّ بعض الاميركيين بان رئيسهم، على خلاف سابقيه، يتميز بهمجية ممزوجة بغباء ندر أن شهد تاريخهم الحديث مثالا لها. إلاّ أن السؤال يبقى: هل يشكل بوش، كما يحلو لهؤلاء الادعاء، خروجا عن "سياق التاريخ الاميركي"؟ أم أن الفرق بينه وبين سابقيه يتجلى في الدرجة والمدى وفي الاسلوب والاداء؟

ألم يغزو بوش الاب العراق قبل أن يأتي أبنه على تدمير هذا البلد؟

ألم يشدد كلينتون (الديمقراطي) الحصار والعقوبات حول عنق العراق مما تسبب في تدميره وقتل مئات الآلف من أبنائه وأطفاله كي يقدم لخليفته بوش الابن عراقاً منهكاً منهاراًعلى طبق من ذهب؟

ألم يكن كلينتون همجياً حين دمّر يوغسلافيا؟

ألا تحاصر الولايات المتحدة كوبا منذ 44 عاما وحتى يومنا هذا (مرورا بعشرة من رؤسائها الديمقراطيين والجمهوريين تباعاً )؟ ألم ينزل هؤلاء الرؤساء (بدءً بجون كنيدي الديمقراطي) بتلك الجزيرة وبشعبها شتى أنواع الدمار والجوع والعوز؟

وماذا عن فيتنام وحربها الدامية، وهايتي، الثورة السوداء الاولى في نصف الكرة الغربي، والمكسيك والسلفادور ونيكاراغو وايران (1953)...الخ، ألا يشكل هذا "سياقا" ماديا وتاريخيا مطابقا لسياسات بوش الراهنة وادارته؟

لا ننكر، من قريب أو بعيد، بان إدارة بوش الابن تتميز بمشروع متطرف وايديولوجية مغرقة في الرجعية وأنها تسير نحو توسع الامبراطورية وتدمير البشرية بخطوات حثيثة ومتسارعة. إلآّ أن هذه السمة، على أهميتها وخطورتها، لا تعدو كونها تعبيراً عن خصائص المرحلة الراهنة ومتطلبات مشروعها ولا تشكل عن تغييراً في الاتجاه أو المنهج أو الجوهر. يبطش بوش بافغانستان والعراق، تماما كما بطش كلينتون بيوغسلافيا (1999) والعراق (1998)، فهل يشكل الفرق في الاسلوب والتفاصيل خروجا عن السياق وإختلافا في المنهج والمصلحة أو في جوهر النظام الحاكم؟

يتمثل السؤال الامين والبسيط بما يلي:

هل يأبه الاميركيون (باستثناء بعضهم) حقاً بالشعوب الاخرى وضحاياها وأطفالها وحضاراتها وتاريخها؟

وهل يحرك هذا الدمار التي تنزله حكومتهم (بمختلف إداراتها الجمهورية والديمقراطية) بتلك الشعوب، هل يحرك فيهم ساكنا؟

وماذا عن الحروب غير العسكرية،عن الملايين من فقراء العالم الثالث وضحايا العولمة والحروب الاقتصادية وضحايا تدمير البيئة وسرقة لقمة العيش ونهب موارد ومياه وأراضي هذه الشعوب؟

وماذا عن ضحايا ودمار الحرب الطبقية التي تحتدم في المجتمع الاميركي، حرب رأس المال الحاكم ضد جماهير الشعب وفقرائه ومعدميه، وضد الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية وضد المهاجرين والاثنيات وضد العرب والمسلمين وغيرهم؟

إذا كان الاميركيون يأبهون حقاً بعذابات شعوب الارض، وأن كان السبب في عدم إكتراثهم وإدارة ظهورهم للعراقيين، (حسب ما يدّعي الخبثاء من أصحاب التبرير وإفتراء الذرائع)، هو جهلهم بما تفعله حكومتهم التي تغرر بهم، فماذا عن التاريخ الحديث والماضي غير البعيد والذي أصبح في حكم المؤكد: ماذا عن القنابل الذرية التي القيت على هيروشيما ونغازاكي وحروب كوريا وفيتنام ومذابح غواتيمالا، على سبيل المثال لا الحصر؟

الإختيار ألالهي

يتقمص بوش عقيدة، قد لا تكون نموذجية، إلاّ أنها واسعة الانتشار بين ملايين الاميركيين الذين يعتنقونها أو على الاقل يصدقونها: عقيدة الاختيار الآلهي لهذا الرئيس الموكل بتنفيذ الرغبة الالهية على الارض، ولا يتورع الرئيس بوش من أن يخرج بها العقيدة على الملأ.

ومهما تعددت تجليات هذه العقيدة، ولتجنب النقاش البيزنطي في أصولها وسعة إنتشارها، فانه ليس من الانصاف إتهام الرجل لوحده بها وتحميله وزرها. فهذه الخرافات التوراتية (الدينية) الغيبية ومثلها الكثير تنساب داخل نسيج المجتمع الرأسمالي الاميركي وبين ملايين الاميركيين وتشكل جزءً لا يتجزأ من ثقافتهم وتراثهم الجمعي المسيحي/البروتستاني الاوروبي الابيض. وهي أيضا، وربما هذا هو الاهم، صناعة مزدهرة في الولايات المتحدة تدر على أصحابها ارباحاً هائلة، وتروج لها آلاف الكنائس والمؤسسات والجمعيات الدينية والاجتماعية والانسانية ومنظمات المجتمع المدني في أميركا. كما يغزو العديد منها مجتمعات العالم الثالث مقدمين العون المالي والفني من أجل "بناء اسس الديمقراطية والحرية" في تلك المجتمعات "المتخلفة". وسواء تعاظم عدد الاميركيين المؤمنين بهذا المذهب أم تتضاءل، فما يهمنا أن نبينه هنا ان الظروف المادية والموضوعية (الاجتماعية ـ الاقتصادية ـ السياسية) للتشكيلة الاجتماعية في الولايات المتحدة بما في ذلك بنيتها الفوقية (المنتظمة في النسق الفكرية والايديولوجية والثقافية السائدة ومجمل القيم الاخلاقية والاجتماعية والدينية)، هذه الظروف هي التي توفر التربة الخصبة والسياق المواتي لنشوء وترعرع مثل هذه المفاهيم وترسيخها في المجتمع.

الرئيس الذي يكره القراءة

يسخر الكثيرون من الاميركيين من رئيسهم مدّعين أنه يفتقر الى مهارات الخطابة والبلاغة اللغوية ولا يجيد القراءة أو لا يحبها ويتندرون بالحادثة التي نقلتها وسائل الاعلام (ربما هفوة) حيث أمسك بالكتاب مقلوبا لدى زيارته لاحدى المدارس الابتدائية الاميركية. وليس الامر مجرد تهمة أو تجني الاعداء والحاسدين، فقدرات الرئيس ومهاراته الفكرية واللغوية تتجلى في إدائه.

إلاّ أن السؤال، على فظاظته، يظل: أليست هذه حال أغلبية الاميركيين، رغم أن بعضهم قد يجيد القراءة أكثر من الرئيس؟ هل الشعب الذي أوصل هذا الرئيس الى منصب الرئاسة (بغض النظر إن كان قد تلاعب باصوات الناخبين، أو تواطئت المحكمة العليا في تجليسه في البيت الابيض، فهذا شأن يعود أيضاً الى الشعب ومؤسساته الديمقراطيه التي قبلت به)، هل هو شعب، اسوة بغيره من الشعوب المتقدمة صناعيا، حيث تحتل القراءة والمطالعة موقعا مركزيا في الحياة اليومية والثقافه السائدة؟ هل كان شعب واسع الثقافة، ثم جاء الرئيس بوش مشوهاً لهذه الصورة وشاذاً عن هذا الواقع وإستثناءً للاعتيادي؟

نشاهد في الولايات المتحدة مكتبات ضخمة وأنقية وحركة نشر مزدهرة، كما تتوفر الكتب ووسائل المطالعة، فلماذا إذن ينخفض معدل القراءة بين الاميركيين الى مرتبة متدنية بين "المجتمعات الصناعية المتطورة" ؟ أي كيف نفسر التناسب العكسي بين إزدهار طباعة الكتب ونشرها من ناحية، وبين إنحطاط معدل القراء ة والكم المعرفي والمستوى الثقافي للاميركيين مقارنة بغيرهم من المجتمعات الغربية، من ناحية اخرى؟

هل لأن الكتاب (المطالعة) ودوره في المجتمع الاميركي تقليعة موسمية تخدم أساسا الانشطة الاقتصادية الاميركية؟ هل يكمن السر في مضمون هذه الكتب أم في أسعارها الباهظة وقدرة المستهلك (أو عدم قدرته) على إقتنائها؟ هل الكتاب، من منظور رأس المال، سلعة تدر الربح، كغيرها من السلع، أم أن الكتاب في حياة الاميركي منهل لاستقاء المعرفة والعلم والمعلومات؟

***

تساؤلات كثيرة تزدحم بها هذة المقالة، تظل الاجابة عليها متروكة للقارئ. فليست الاجابة هي ما توخيناه بقدرما توخينا إثارة التفكير النقدي وإقتحام بعض المسلَمات، فكثيراُ ما تختبأ الاجابة في السؤال ذاته. وسواء كان الرئيس الاميركي نموذجاً أم استثناءً فان التحدي الحقيقي يكمن في فهم ونقد النظام الحاكم، أما مهمة اليساريين والتقدميين والمعارضين فتتبلور في خلق البديل والتغيير الثوري: فهل نحن أمام شخصنة للنظام أم إخفاق في الفهم؟



#مسعد_عربيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاهدات مغترب في إشكاليات الانتخابات الاميركية ـ الحلقة الاو ...
- بين ناصر ولينين تأملات في الموت المبكّر وإغتيال الحلم
- الانتفاضة الساباتية بعد عشرة اعوام: مرحلة جديدة أم خيار بين ...
- في رحيل إدوارد سعيد مفكراً وإنساناً
- الهيمنة المطلقة...خواطر في اسلحة الدمار -الاشمل
- تشى غيفارا ... والحضور الدائم خواطر في الغيفارية في زمن العو ...
- مستقبل الاشتراكية في كوبا: اشكاليات الحاضر وتحديات المستقبل


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مسعد عربيد - الانتخابات الاميركية ـ الرئيس الاميركي: نموذجاً أم استثناءً؟