أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم جعفر - النص بين الرواية والتدوين















المزيد.....

النص بين الرواية والتدوين


حاتم جعفر

الحوار المتمدن-العدد: 3212 - 2010 / 12 / 11 - 14:38
المحور: الادب والفن
    


النص بين الرواية والتدوين

ربما عد رأي عبد الرحمن بن مهدي أحد مدوني وراصدي حركة القول والبوح والرأي والتفسيرعند مالك بن انس, أحد أركان المذاهب الاسلامية الاربعة, ضربا من التجاوز على الذاكرة الجمعية والتقليدية التي ورثها المسلمون من تأريخهم, حين اعتبر والكلام لازال لعبد الرحمن ( ليس بعد القرآن أصح من موطأ مالك ). والموطأ هو اسم الكتاب الوحيد الذي أورثه مالك ابن أنس لمن يأتي من بعده حيث يتقاطع فيه مع الكثير من الاحكام المحمدية التي جاءت عبر الاحاديث النبوية كفهمه للافطار السهو وغسل الجنابة وما الى ذاك من بعض الاجتهادات التي دونها الكتاب المذكور.
وحتى لا أذهب وتذهبون بعيدا في سوء الظن مما نويته في هذا الاستهلال فهو لايعدو الا ان يكون مدخلا لغايات لا ترتبط بأي شكل من الاشكال وعلى الاطلاق لا بالاحكام ولا بالاجتهادات المتصلة بالاحاديث الشريفة ولا في نقدها كذلك, فلست اهلا لها في هذا المقام, والخوض فيها يتطلب النظر اليها وتناولها من زوايا اخرى وعلى ارضية تختلف تماما عما انا فيه, أما الاتفاق أوالاعتراض أو النقد أوالتعضيد في المواضيع آنفة الذكر فهو شأن آخر ويستدعي سياقا بعيدا ومنحى آخر من الحديث, لنتجاوزه الان ولندخل بما رميته.
وعلى ذمة كتبة تلك الحقبة من الزمن, فقد جاء في الاخبار ومن أكثر من جهة ومصدر وبأجماع المتابعين لهذا الشأن حتى ارتقت الانباء تلك والتي جرى تداولها بين الناس الى مستوى من الدقة بحيث لم تظهر جهة ما تنفي أو تقلل من صدقيتها, لا من المعاصرين لعهد مالك ابن أنس ولا من الذين جاءوا من بعده, كلها تؤكد بأن الامام مالك لم يكتب ولم يدون, بل كان يكتفي بالقول والرواية, حتى ان ما صدر عنه لم يأخذ طريقه الى التأسيس النصي الاّ على يد تلامذة تلامذته في القرن الثالث الهجري, وفي مقدمتهم يحيى الليثي مدوّن الموطأ, وشخص آخر يدعى سحنون مدوّن المدوّنة. هذا ماورد في بعض من كتب التأريخ الاسلامي وكان آخرها كتاب جورج طرابيشي الموسوم (من اسلام القرآن الى اسلام الحديث ).
واذا ما عدنا الى القيمة الفعلية لموطأ ابن أنس وبشهادة المتابعين والمعنيين فقد اعتبر بأنه أول كتاب ألّف في الحديث والفقه معا. ومن حيث البعد الزمني لأصدار هذا الكتاب فقد جاء بعيد وفاته بعقود من السنين. وقد يكون من المناسب طرح الامر بالشكل التالي هل ان مالكا كان عاجز عن التعبير عما يدور بخاطره ليخطه على الورق المحفوظ, خاصة وانه قد جال بأفكاره طولا وعرضا ولم يمنعه عن البوح بها والترويج لها كثرة وزحمة المختلفين. غير ان المتتبع لسيرة ابن أنس سيجد ان وسيلة التعبير بالنسبة اليه هي الرواية, حيث عدها اسلوبا ناجعا يثبت فيها قناعاته وافكاره, وهو في ذلك سيلتقي بالكثيرين ممن اتبعوا هذا الاسلوب في الافصاح عما يريدون.
فعلى الجانب الآخر من العالم, كان لليونانيين قولتهم فمنها انطلقت نعمة الفلسفة وحكمتها ومنها اعطوا للبشرية جمعاء فكرة الترابط بين العلوم وتفاعلاتها ودورها في الدفع بمختلف المعارف وتأثيراتها المتبادلة بعضها على بعض, وكان لسيدها ( سقراط ) القول الفصل في ذلك اذ تخرج من بين يديه خيرة الحكماء ممن حفروا في التأريخ عميقا حتى ظل أثرهم خالدا حتى يومنا هذا, فما من حديث يدور حول الفلسفة حتى حضر اليونانييون بكامل قوتهم. كل هذا الكلام يدخل في بداهة القول وقد يراه البعض ان ليس في ذلك من جديد, غير ان وسيلة التعبير لدى سقراط ربما لايعرفها هذا البعض بأنه كسالف الذكر مالك ابن أنس فقد اعتمد الاثنان في الترويج لما يملكون من معرفة بالاعتماد على الرواية فحسب.
غير ان أبرز مايمكننا ان نطلق عليه اختلافا بين الاثنين, اذا ما رغبنا بعقد مقارنة ما بينهما, فهي النهاية المأساوية التي وضعت حدا لحياة انسان لم تنصفه محكمة التفتيش اليونانية حين نصبت أربعين قاضيا, تبادلوا فيما بينهم مرافعات ( الادانة ) بحق سقراط, متهمينه بمعادات التجربة ( الديمقراطية ) التي كانت أثينا تتبجح بها بالوقت الذي شهدت انهيارا أخلاقيا وعسكريا بعد هزيمتها العسكرية أمام اسبارطة. وقبل أن يحكموا عليه بعقوبة الاعدام بدس السم له فقد ظل ثابتا على مواقفه ومبادئه حين أعلن بأنه سوف لن يرفض فلسفته الى أن يلفظ أنفاسه الاخيرة. في حين لم يتعرض ابن أنس الى أي تضييق أو محاصرة أو محاسبة, بأي شكل من الاشكال.
ومثلما كان تلامذة مالك ابن أنس أوفياء لأفكاره فكان لتلامذة سقراط ذات الموقف وأولهم افلاطون فقد خلّدوا أقوال معلميهم التي كانت تروى عليهم وذلك من خلال تدوينها, ايمانا منهم بأن ماورد على لسانهم ليستحق الذكر والتخليد ففي ذلك نفعا للناس. ربما انطلقوا في ذلك من اعتبار ان النص أدق وأفصح وسيلة للتعبير عن المواقف واثبتها, وهذا صحيح الى حد كبير وبغيابه أي بغياب النص قد تكون وسائل التعبير الاخرى وبظروف معينة أقل تأثيرا وقد لا تصل مبتغاها لعوامل واسباب كثيرة قد يطول ذكرها.
وبذا تكون تجربة شيخ الاسلام الامام مالك وشيخ الفلسفة اليونانية سقراط, قد اثبتت ان وسائل التعبير وايصال الموقف الفكري والفقهي والاخلاقي سوف لن يتحدد ويقتصر على اسلوب بعينه, فوسائل التعبير متعددة وستأخذ شكلا متحركا ينسجم وطبيعة الرسالة المنوي ايصالها, ومرد اتباع طريقة ما بالبوح والافصاح مرتبط بشكل أساسي بجملة من الظروف والاعتبارات, تدفع بأتجاه تفضيل اسلوب على آخر, فكما ورد ذكره فليس بالضرورة ان يكون النص المكتوب سيد التعبير عن موقف معين فهناك الكثير من النصوص التي لا ترتقي الى مستوى حتى الالتفات اليها, فمن بين الالاف من الصحف التي وصلتنا عبر السيرورة التأريخية لم يبق منها غير صفوتها التي استطاعت الثبات والتأثير رغم تبدل الايام والدول.
وانسجاما مع هذا الرأي فأن النص المكتوب اذا ما افتقر الى شروطه الاساسية فسيكون من الاولى على صاحب الرأي التزام جانب الصمت, وربما يكون أشد وأمثل تعبيرا بالقياس مع التدوين المرتبك والذي سيؤدي بلا شك الى نتائج عكسية قد تسيئ لصاحبها من جانب وكذلك قد تحدث صدى سلبيا لدى المتلقي من جانب آخر, هذا اذا ما تجاوزنا سلامة اللغة وجمالها, خاصة في المجالات ذات الاختصاص التي لاتتطلب المعرفة والاحاطة بالموضوع المراد تدوينه فحسب وانما تستدعي حضورا لغويا ينسجم ويتناغم بمفرداته والمادة المدونة.

حاتم جعفر - السويد



#حاتم_جعفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بين لوركا والمعاضيدي
- محكمة التفتيش البغدادية
- المصالحة الصعبة
- مؤامرة على الطريق
- في نقد ( الباب العالي )
- بأنتظار كلكامش
- بعيدا عن الركن الهادىء
- حدوته امريكيه
- مآل الابن الضال
- يا اعداء ( الفدرالية ) اتحدوا
- الحقيقة المرة


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم جعفر - النص بين الرواية والتدوين