أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - الخندق _ قصة قصيرة















المزيد.....

الخندق _ قصة قصيرة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3209 - 2010 / 12 / 8 - 22:55
المحور: الادب والفن
    


فكرة واحدة ترتطم ككرة في رأسي منذ سوقي إلى الحرب كواحد من تعساء أربعة أجيال تعيسة فاجأتها الحرب على دروب الحياة التي لم تكن واضحة المعالم في يوم ما،لا اريد الموت بمزاج مقرف يلبسنيه المعتوهون المستقوون على ضعفي و هشاشة وجودي في وطن لا يعبأ كثيرا بنعمة الحياة و يؤمن على مدار ساعة الحياة إن الإنسان خلق فقط ليموت و على ذلك فما الضير أن يختار لك الآخرون طريقة موتك ، أليس أحسن من عناء التفكير بأنواع المصير تأتيك نهاية لم تتعب كثيرا في الأستعداد لها و ينتهي الأمر، هذا ما كنت أفكر فيه والسيارة الباص المرسيدس تغذ السير نحو البصرة حيث سأكون جسدا حيا ولو لحين أعوض جسدا قد مات ممزقا بشضايا صنعت و صدّرت و القمت في فوهاتها لهذا الغرض ، وبين نزولي من الباص و استقراري في الموضع الشقّيّ الذي يمتد كأفعي متلوية لا تلبث حتى تصادف جحرا يغور بعيدا في الأرض فتدلف اليه ، ذلك الذي يسمى (موضع) و تلك الأفعى هي ذلك الخندق القتالي الذي صنع لنلوذ به من القصف و نيران القناصة ، قلت وبين نزولي من الباص الذي كرهته و استقراري في الموضع القتالي راحت أفكاري تنسرب من دماغي الواهن كانسراب ماء القربة المخرومة، ولكن عجبا هل يمكن الأستغاثة بأفعى، نعم يصح ذلك في الحرب ، لكنه يبقى ، أعني ذلك الخندق كأفعى ضخمة لا يفارق خيالي وأود أن تتقيأني هذه الأفعى في يوم ما ولو مسلوخ الجلد ، مرّت على وجودي في الموضع ثلاثة أسابيع و يوم واحد، عندما خلصت إلى انني يجب أن لا اتمادى في التفكير لئلا يجلب ذلك لي الجنون و هكذا رحت انخرط في الهجوم الأخير ليس لي إلا رعبي مما أنا فيه متحولا الى كائنا يحاول البقاء حيا وقد نجحت و انتهى الهجوم بتحولنا الى فئران محاصرة تذود عن حياتها بكل وسيلة، كنت أقلب افكاري ذات اليمين وذات الشمال قانطا و مستاءً مما أنا فيه من شعور يتدنى ليهبط لحضيض الفئران التي تشاركنا الحياة و تدعونا للتنازل عن كبرياء المخلوق البشري التي لا تنفع في مثل حالنا نركض كأننا تلك الفئران في الموضع الشقّي و لكن ليس بمهارتها و قدرتها الفائقة على حماية نفسها من أخطارنا وهذا اسبوعنا الرابع قابعين في مواضعنا محاصرين بعد التفاف العدو على مواقعنا و عزلنا لكن والحق يقال كانت سريتنا المعزولة قادرة على المماطلة و المقاومة الى حين ، خرجت الآه من صدري كقنبلة صغيره و انفجرت بوجه فاأرة كانت تتحين الفرصة لألتقاط ما لا نراه نحن من بقايا صمون الجيش اليابس ،كان حديثي بداخل رأسي عن ورطتي و كرهي للحرب والجيوش ولون التراب الذي يغطي كل شيء ، أخرج الضابط الضئيل رأسه قليلا ونادى أن نوبتي في الحراسة حلّت الآن هذا هو كل عالمنا الآن ، إذ جلسنا الليلة البارحة و ناقشنا وضعنا بهدوء ، قال الضابط المجند الذي كان كأحدنا لا يميزه أي شيء عنا بعد إن نزع رتبته و أخفاها تحسبا من احتمال أسرنا ،نحن لا نشكل شيئا برؤوس مفكري الحرب و عرّابيها لذلك علينا التفكير بواقعية ، لاوجود لأي شيء سوى الموت أو الأسر وكنا نعلم جيدا أن نسبة الموت كانت الغالبة و على ذلك فهو عدونا الآن علينا أن لا نموت ، كان ضابطنا الضئيل من دورة خريجي الكليات المجندين يحلم بالبقاء حيا و ليمضي قدما لشيخوخته كعباد الله الآخرين و عندما أكمل كلامه قلنا نعم أنت على حق علينا البقاء أحياء مهما حدث ، قال أيضا علينا أن ننسى القادة و الصعاليك الآن لنمارس حربنا ضد الموت، أبعدنا فكرة انتهاء الحرب و توقف القتال ، ذلك لأن أدمغة السياسيين محشوة دائما بمادة تمتص ولا تنضح ، هي كالإسفنج لذلك لا بأس أن نستوعب حربنا الصغيرة و مساحتها الضيقة في ذلك الخندق الملتوي كأفعى والمرشح لأن يكون قبرا فارها عندما تقتلنا و تدفننا فيه تلك القنابل التي تستطيع إزالة عمارة من أربعة طوابق ، حين فكرت بذلك شعرت ببؤس شديد و بغرابة أن يصنعوا مثل هذا الشيء من أجل أجسامنا الواهية و الضئيلة مقابل انفجاره العملاق و عندما أصل بتفكيري لهذا الحد أتصالح مع الموضع و ترابه محاولا جهدي الإنتماء الى عالمه الصديق و ترابه الحنون و أعلن تراجعي عن كرهي للأفعى التي تماهت مع الخندق الطويل الملتوي ، في أغلب الأحيان لا نملك إلا الإسراف بسرد أحلامنا ، تسبقها دائما جملة فيما لو رجعنا سالمين
قال العريف عبد: لا أريد أن يلفونني بعلم مبقع الألوان يسلمون جثماني إلى امرأتي الشابة التي لم انجب منها بعد إلا نجم و نجمة ، تعطيها الحكومة ثمنا جيدا لتحمل بعد ذلك لقب امرأة الشهيد ، يمكن أن تبني لها بيتا و تقبض أول كل شهر راتب الشهيد ليهنأ الذي يتزوجها من بعدي وأنا أتفسخ في قبري سعيدا من أجل الوطن،.. صرخ عبد لالا ..لا لا أريد أن أموت وعندما نسي نفسه ورفع قامته إثر انفعاله الأخرق كانت رصاصة القناص تبحث عن مكان في جمجمته ، مات العريف عبد وهو حانق ورافض لفكرة موته ، لم يكن عسيرا علينا دفنه في مكان ما من جوانب موضعنا الشقي ّ، سريتنا كل فصيل فيها مشغول بدفاعه و نحن لا يمكننا الأنسحاب تحت هذا الوابل من الرصاص وقذائف الهاون و معلوماتنا تشير إلى انهم أمامنا و خلفنا، في الليل لا ننام أبدا دون أن ننسى انهم يملكون نواظيرا ليلية كما نملك نحن ، تخيفنا أحيانا الكلاب السائبة فقد تعودت على أكل جثث الجنود الذين لا يمكن اخلائهم في الأرض الحرام ، رأيت ذلك بعيني كانت وليمة للكلاب تلك الجثة تقضمها الكلاب قليلا قليلا ، في الليلة الأولى اختفى نصف الجثة الأسفل ، و في الليالي التي أعقبتها لم يتبق منها إلا كتلة الرأس أكلت الكلاب معالمها الرخوة أنفه اذنيه و خديه ، صار بعد ذلك ككرة تدحرجها و تلهو بها الكلاب ليلا ، و هكذا يمضي الوقت وتدهمنا صولة الجوع ،لم نكن نهتم في الأيام الأولى ولكننا الآن قد فقدنا القدرة على الحركة ، والتراب لا يؤكل ولن أستطيع أكل الفئران وإن مت جوعا ، أمامنا على بعد مائة متر فقط مزرعة لوبياء و بطيخ كان ذلك ألذ ما نتشهاه ،ما الحيلة و القناص بالمرصاد ليلا و نهارا ، لم يكن احد منا نحن الثلاثة ليستطيع إقناع الآخر بأن يكون الضحية القادمة من أجل البطيخ و اللوبياء ، لذلك لم يكن أمامنا إلا القرعة وقد وافقت عليها بسرعة و بحماس ذلك لأنني سيء الحظ بالقرعة لم يظهر اسمي يوما فائزا في قرعة لذلك كنت شبه متأكد من عدم فوزي بالقرعة و قلت في سري هنا تكمن فائدة سوء الحظ ، لكنني لم اعلم أن الحظ السيء سيجعلني فائزا في الإقتراع وهكذا كان علي أن أتقبل النتيجة بصدر رحب ، أجرينا قرعة الموت في منتصف النهار وعلي أن أزحف ليلا للمزرعة أجلب منها البطيخ واللوبياء و إلا متنا جوعا و كان برميل الماء في الموضع لم يتبق منه إلا قليلا في القعر، كان أمامي متسع من الوقت لأقلب تصوراتي عن نهايتي المحتملة ثم رحت أقص عليهم كيف إنني سأموت الليلة ولن يستطيع أحد جري إلى الموضع و دفني جنب العريف عبد وراحت خلايا جسدي تتقبل فكرة المرور بين أنياب الكلاب و اختفائي شيئا فشيئا في بطونها الجائعة ، ورحت بعد ذلك أدندن أغنية حزينة ولم تكد الشمس تغيب حتى اندلع قصف كثيف من جهة ما لا نستطيع تأكيدها فنحن في المنطقة الميته حيث تمر من فوقها آلاف القذائف المتبادلة ما كان لنا إلا أن نختفي في الموضع العميق المسقف بخشب اعمدة سكة الحديد السميك والمدفون جيدا بأطنان من التراب ، بعد فترة ليست بالقصيرة ساد الصمت و بدأنا نسمع بعض الأصوات و صليل سرفات الدبابات، دخل علينا رجال عفر الوجوه كانت قوانا خائرة لا نقوى على شيء ، رفعنا أيدينا فوق رؤوسنا ، ضحك الجندى المترب الوجه قال انتهت محنتكم ،
بعد سنة كانت زوجة العريف عبد قد تزوجت ابن عمه و لم يكن من بد الأستمرار في الحياة ، لم تفارقني صورة الكلاب وهي تدحرج كرة صنعتها هي .



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نوح على النخل - قصيدة
- سيرة المحموم الحلقة السابعة عشرة (17 ) كابوس في أوانه
- إنتظارات
- طيف من زمن بعيد-قصيدة
- الحلقة السادسةعشرة من سيرة المحموم (16)
- أسئلة-قصيدة
- تقاسيم على نصف وتر- قصيدة
- الحلقة الخامسة عشرة من سيرة المحموم (15)
- طرق على صفيح فارغ
- الحلقة الرابعة عشرة من سيرة المحموم(هذيان في يقظة) (14)
- أيام و أحزان- قصيدة
- الحلقةالثالثة عشرة من سيرة المحموم( الهذيان السادس)
- بم التأسي- قصيدة
- الحلقة الثانية عشرة من سيرة المحموم( الهذيان الخامس)
- تراتيل من زمن مضى
- الحلقة الحادية عشرة من سيرة المحموم
- رشد المجتمع
- الحلقة العاشرة من سيرة المحموم( الهذيان الرابع)
- صديقي الأبلق
- الحلقة التاسعة من سيرة المحموم (9)


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - الخندق _ قصة قصيرة