أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توفيق آلتونجي - البلبل الفتان ويكيلكس















المزيد.....

البلبل الفتان ويكيلكس


توفيق آلتونجي

الحوار المتمدن-العدد: 3207 - 2010 / 12 / 6 - 19:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بذا قضت الأيام ما بين أهلها
مصائب قوم عند قوم فوائد


قارئي الكريم يحكى أن طاغية أراد النيل من أحد وزراءه الذي كان يشك في إخلاصه له ولعرشه فما كان منه إلا أن أعد خطة محكمة للتخلص من هذا الوزير. كتب على قصاصتين من الورق كلمة "يعدم" أي لم يعط أي اختيار آخر أي أن حكم الموت هو الاختيار . وضع الورقتين على الطاولة أمام كرسي العرش الذي تربعه حيث يحيط به الأمراء والنبلاء والحشم والخدم. أرسل أمرا بحضور الوزير إلى مجلسه لأمر عظيم. هرع الوزير تنفيذا لأوامر ملكه. لكن قارئي الكريم غاب عن بال الملك الظالم أن "البلبل الفتان" كان قد أفشى بسر خطته خلسة عند الوزير الذي لم يخل هو بدوره من الدهاء والحكمة.
حضر الوزير إلى قاعة العرش انحنى بخضوع و أدى التحية وسلم على الجميع.
بادر الملك فورا بالحديث بغضب كاشفا ما سر إليه من خبر مفاده أن مؤامرة تحاك ضده في الخفاء يقودها الوزير للإطاحة به والاستيلاء على العرش.
قال الوزير نافيا الاتهام ، وحلف بأغلظ الإيمان :
- مولاي وولي نعمتي كيف لي أن أكون جاحدا بنعمتكم علي وكرمكم إلا متناهي، كذب المنافقون وربي.
رد الملك بسخرية :
- سنرى ذلك يا وزيري العزيز.
قال الوزير الضحية:
- كل ما يأتيه مولاي خيرا بإذنه تعالى. إني والله تحت أمرك يا مولاي وما لي إلا طاعتك ورضائك عني.
قال الملك الظالم في نفسه : انه لوزير خبيث يحاول كسب عطفي ورحمتي لكن القرائن والأدلة لا تقبل الخطأ.
- حسنا أيها الوزير كما ترى أن هناك ورقتين مطويتين على الطاولة إمامي احدهما يجرمك والأخر يخلصك من الموت والقصاص ويبرأك من التهمة الموجه لك. فأحسن الاختيار كي تثبت براءتك يا وزيري.
فكر الوزير ودار برأسه يمينا وشمالا كي يظهر بمظهر الباحث عن الحقيقة وكي يختار الورقة التي تبرؤه من تلك الجريمة. كما نعلم قارئي الكريم أن كل ذلك كان مجرد احتيالا على الموقف. الوزير كان طبعا على علم بالمؤامرة وان الملك قد حفر بئرا ليقع فيه بحتفه.
قال وبكل ثقة:
- أمرك يا مولاي.
أرسل يده ليلتقط إحدى الورقتين قائلا:
- أنا سأختار قدري بهذه الورقة وأرجو من ملكنا الرشيد أن يقرأ ما خط على الورقة الأخرى الباقية على الطاولة.
وبسرعة خاطفة وضع الورقة في فمه وبلعها.
ما كان من الملك إلا أن قرأ على الملئ ما كتب على الورقة الأخرى.
فرد الوزير لقد اخترت براءتي يا مولاي.
أن عالم اليوم هو عالم يحمل في طياته أمورا كثيرة ذات خاصية ثنائية كالسيف ذو حدين. حدين يجريان في الناس كالسيف قاطعا نزولا وصعودا يقتلان ومن الصعوبة اختيار أي من تلك الحدين أفضل وأحسن.
القارئ أمام كم هائل من المعلومات في عالم لا يعرف للزمن وللوقت حدا يتواصل ليل نهار مع العالم أينما كانوا وأينما حلوا وفي أي وقت من النهار أو الليل. المشكلة التي نعانيها نحن اليوم، كمتلقي للمعلومات ، هي مدى صحة تلك المعلومات وصدقها. أن العديد من المؤسسات التعليمية تعتمد في جمع المعلومات على الانترنت. حتى المدارس تشجع التلاميذ في البحث على الشبكة العنكبوتية على المعلومات ولكن الإشارة إلى مصدر المعلومة شرط أساسي لمعرفة مدى جدية المعلومة. المواطن في الشرق يعتمد على صحة الخبر الذي يسمعه أو يقره ويصدقه أحيانا دون الرجوع إلى المصدر والتأكد من صحة تلك المعلومة.
كانت "زرقاء اليمامة" صادقة عندما رأت الأشجار تسير ببطء متوجه صوب القلعة الحصينة لكن لم يصدقها احد فسقطت القلعة وحاميتها في أيدي الأعداء، كما تروي الحكاية الشهيرة. هكذا يعتمد مدى تصديقنا على الخبر المسموع على عوامل عدة وربما بالدرجة الأولى يعتمد على معارفنا ومستوانا العلمي والفكري ناهيك عن استعدادنا النفسي لقبول الغيبة والنميمة. نرى أن العديدين يقومون بتحليل الخبر بصورة تفصيلية وبالاعتماد على الاستقراء والمنطق. بينما نرى آخرين يصدقون كل رواية وحديث دون التحليل وتحميص. فتبين من صحة الخبر مهم جدا في سياق رمي الآخرين وتجريمهم والتوصل إلى استنتاجات واتخاذ قرارات خاطئة.
هذا ما نراه يحصل اليوم مع الوثائق التي نشرتها موقع وكيليكس الالكتروني من معلومات. هنا لا نريد الدخول في نقاش حول أسباب ودوافع نشر تلك المعلومات ولا الجهة التي تقف ورائها تاركين الأمر للدول المعنية والقانون الدولي. أن تسريب تلك التفاصيل الدقيقة من بيانان وأفلام ووثائق سرية تدخل في باب المعلومات الاستخبارية والسرية للدول والحكومات وحتى الشخصيات والأحزاب السياسية وتؤثر بصورة مباشرة على العلاقات الدولية للدول من ناحية ومن ناحية أخرى على الرأي العام الدولي.
أن تلقي تلك المعلومات التي سربت جوبهت على إشكال متعددة من قبل الدول والحكومات المعنية. بعض الدول اعترفت ضمنيا بصحتها وحاولت أن تدافع عن موقعها في حين رفضت حكومات دول أخرى تلك التسريبات جملة وتفصيلا متهما إياها بالتظليلية والبعد عن الواقع وإنها غير صحيحة وصادقة.
إما في دول الشرق فنرى إن التشكيك حول صحة تلك المعلومات كانت الإستراتيجية الرسمية لتلك الدول. هذا التوجه يتطابق مع توجهات المواطن الفكرية في الشرق من ناحية التصديق بوجود "نظرية المؤامرة" في كل شيء. كما لم يصدق قوم زرقاء اليمامة بروايتها في زحف الأشجار وزحفها نحوهم. في عالم القرية الكونية وحرية التعبير ونقل المعلومات يقدم لنا موقع ويكيلكس وجبة شهية من المعلومات السرية حول ما يدور خلف الستار وخلف الأبواب المغلقة. ماذا يريد هذا الموقع إن يقول لنا قارئي الكريم؟ انه عالم جديد هذا الذي نعيشه اليوم عالم مفتوح خال من الرتوش وواقعي، خال من أي ساتر ومانع للرؤية وحاجب ورقيب. عالم يفصل بين السري والمعلن ويقدم المستور والغير مرئي للقارئ والمشاهد على الهواء مباشرة ويطلب منه إن يتفاعل مع الحدث في عملية سيؤدي حتما إلى تسريع العملية الديمقراطية في المجتمع الدولي.
اليوم نرى الحادثة حال حصولها ولكن حتى ما نراه بأم عيننا قد يكون مفبركا. هذه الفبركة ساعد عالم الأفلام الهوليودية تقربيها إلى أذهاننا منذ فترة بعيدة. ففي عالم الخيال يمكن العودة ومعايشة إحداث الماضي ورؤية شخصيات كنا نسمع عنها ونقرأ في بطون كتب التاريخ, الحدث التاريخي في عالم البشرية دون ريب هو الانترنت وعالم الاتصالات والوسائط المتعددة التي لا تعرف التوقف وتتطور كل ثانية.
نحن أمام ظاهرة جديدة تسمى "ويكيلكس " تفتح لنا إسرار الماضي القريب دون إن يكون لنا أي إمكانية للتأكد من صحة المعلومات. إلا إن ردود الفعل للحكومات المعنية بتلك الوثائق جدير بالتوقف والتأمل. دول تؤيد صحة المعلومات الواردة ضمنيا ودول تتحاشاها ودول تدخل في جبهة الدفاع عن النفس وربما نرى مظاهر أخرى في المستقبل. لكن قارئي الكريم لماذا يغيب عن فكرنا بان في عالم مليء بالتناقضات كل شيء وارد. كل دول العالم تحتفظ بعلاقات أمنية واستخباراتية وتتبادل المعلومات لصالح شعوبها وامن أوطانها وإنسانها. عالم أصبح فيه كل شيء مستهدفا حيث يحصد الإرهاب بمعناه الموسع أراوح البشر والأبرياء يوميا. نحن كبشر أمام منعطف تاريخي يتطلب منا الكثير خاصة فيما يخص المعلومات والمعرفة. فدرجة معارفنا حدي في هذا العالم في تصديقنا أو تكذيبنا للخبر. اليوم الذي سوف يتم فيه التحكم والسيطرة على كل ما يجري على الأرض من الفضاء الخارجي ليس ببعيد. تصور قارئي الكريم حين يحصل عطب في سيرتك ستصل بكومبيوتر في الفضاء يقوم بتصليح سيارتك عن بعد ويقدم لك خدمات أخرى. نعم قارئي الكريم نحن أمام مجتمع جديد يقبل بالتصديق بكل شيء مهما كان خياليا وبعيد عن المنطق والخيال أي عالم ما بعد الخيال الإنساني. إذ ن كيف يمكن تصديق كل ذلك. نرى إن الصورة النمطية والبديهيات تؤدي بنا إلى اتخاذ القرارات الخاطئة. البشر امكانياتهم محدودة من حيث الرؤية والسماع والفهم وأمور أخرى كثيرة. ناهيك عن هذا وتلك فنحن نرى أمورا من زوايا مختلفة ونفهمها بصورة مختلفة قلما نجد اثنين يشرحون أمرا ما أو حادثة معينة بنفس التفاصيل.
هذا الموقع يأخذنا إلى صميم الحدث الذي نسمع عنه فقط في الحكايات لكننا نرى في ختام المطاف إننا عاجزون عن عمل أي شي. لكنني وكما ذكرت إن كل ذلك يزيد في مساحة الديمقراطية وتطبيقها ونصرا لحرية التعبير والاختيار. أتمنى إن لا يكون كل ذلك حادثة عابرة في عالم يتغير يوميا وأتمنى كذلك إن لا يؤدي تكرار نشر المواضيع عاملا يبعد الاهتمام عن الحوادث المهمة في حياتنا المعاصرة. عصرنا عصر التغير والانفتاح على الأخر ، عصر ينطلق فيه الروح حرا مغردا ودون قيود وحواجز.



#توفيق_آلتونجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعراء دهوك يتغنون باسم المحبة
- انعكاسات الثقافة والتغير الديمقراطي
- الحنين الذي يرتعش له شغاف الحجاب الحاجز في لقاء مع الشاعر وا ...
- جماعة كركوك الأدبية مسيرة البحث عن الروح في مدينة القصيدة ال ...
- العشق على الطريقة النمساوية
- تركيا والسير بجنوح
- رومانيا، عقدين من الحلم بالحرية
- جرائم الشرف وثقافات الشرق
- نظرة الى المهاجر بعيون غربية
- الملف التقييمي الذي سيصدرفي التاسع من كانون الاول 2005
- رد على اسئلة الحوار المتمدن حول العمل المشترك
- الحركة النسوية الكوردستانية ومؤسسات المجتمع المدني
- أستفتاء وأستطلاع رأي ألشعب أداة لترسيخ الممارسة ألديمقراطية ...
- تحت ظلال علم العراق الجديد
- وداعا يا فقر والى اللقاء يا فقراء
- توسع الاتحاد الاوربي نحو الشرق- حلم الملوك- ومتاهة تركيا


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توفيق آلتونجي - البلبل الفتان ويكيلكس