أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رندا قسيس - و في البدء كان الحيوان الطوطمي_الجزء الثاني















المزيد.....

و في البدء كان الحيوان الطوطمي_الجزء الثاني


رندا قسيس

الحوار المتمدن-العدد: 3206 - 2010 / 12 / 5 - 15:16
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في مقال سابق تطرقت للحديث عن الطوطم، و هنا لا بد لنا أن نلقي الضوء على ما يسمى بالتابو الوليد من ملاحظة الانسان الأول لظواهر الطبيعة القاتلة.
دعونا في البدء نلقي نظرة سريعة على عملية الاستنتاج الفردي التي يتم تعميمها بشكل واسع.
نعلم ان النتائج الفردية عبارة عن حصيلة لصور عقلية عالقة في الذاكرة طويلة المدى و المليئة في نفس الوقت بالمشاعر و الأحاسيس المرافقة لها أثناء حدوث التجربة الفردية، ليقوم بعدها الدماغ بتصنيف جميع الصور المتشابهة في الذاكرة الباطنية و الترابطية و التي تعلن عن نفسها من خلال السلوكيات.
لا شك ان كل منا يعيش واقعه من خلال خيالاته ان كانت غنية أو فقيرة التجارب، إلا ان ما يفرق بين الفرد الواعي المنهمك في اغناء تجربته و معرفته و بين الفرد القابع تحت سلطة الاكتساب المشروط هو الرغبة في تخصيب الخيال الذاتي المستمد من العلوم و المعرفة، بدلاً من الاستسلام إلى نتائج تجارب كانت وليدة الجهل و التعميم.

من الطبيعي أن يحرم الانسان البدائي ما كان يجهله تجنباً للمخاطر، فلم يأت التابو من رغبة جماعية أو فردية في تنظيم الكتلة، و لهذا نجد خلو التابو في البدء من أية عقوبات تمارس على الأفراد الخارقين لتابوهات الجماعة، و ذلك لأن التابو نفسه كفيل بقتل أي فرد أراد لمسه بشكل مقصود أو عن طريق الخطأ، فهو لا يعكس أي فعل لأنه يعني الامتناع، فهو كابح و ليس محفز، و هذا ما يفرق بين التابو و بين التشريعات الدينية التي نتجت فيما بعد عن تحول في التابو الناشئ عن المشاعر النفسية المصابة بالهلع و الفزع ليكون جواباً عاماً لكل الاصابات الناتجة عن حوادث متكررة و الآتية من الصدف و الظواهر الطبيعية.

نعود إلى ربط الانسان البدائي نفسه بالطبيعة، و ذلك ليس لقدرته الواعية على انه جزء من النظام الطبيعي، أو احساساً بكل كائن حي، بل جاء من عوامل نفسية ممزوجة بمشاعرالعجز عن التحكم بالخارج.
لاشك ان الجماعات استغنوا عن خرافات كثيرة سابقة، و ذلك ليأسهم من تكرار التجارب التي لا تبوء بأية نتيجة، فمع ادراك الانسان لعدم جدوى المعتقدات السحرية في السيطرة على الخارج و التي تدعى بالتجربة الخارجية التي بدورها تندمج مع الادراك الداخلي لانسان لا يعي تفاعلاته النفسية، لينشأ عن هاتين التجربتين محاولة اللجوء إلى ما هو غيبي.

عند قراءتنا لبعض كتب التاريخ، نجد و بسهولة استخدام شعوب العالم، بعد مرحلة "الانسان الزراعي"، لحيوانات تقوم بتبشريها بخطر ما أو بإستكشاف بعض الينابيع الطبيعية، و ربما يعود ذلك لملاحظة الانسان حدة القدرات الحسية عند الحيوانات، فمثلاً و كما كتب "تاسيت" المؤرخ الروماني عن تقديس اليهود الأوائل للحمار بعد كشف قطيع من الحمير الوحشي ل "موسى" ينبوع المياه بعد أن استفحل به و بجماعته العطش. نلاحظ أيضاً وفي نفس الكتاب ل "تاسيت" سبب تقديم اليهود الثور قرباناً و ذلك لرغبتهم بالانتقام من المصريين الذين كانوا يقدسون الثور تحت اسم "أبيس".
اذاً نستطيع لمس آثار النظام الطوطمي في منطقة نشوء الديانات الابراهيمية، و لا بد التنويه إلى أن النظام الطوطمي تطور منسجماً مع المراحل التطورية للانسان، فالنظام الطوطمي الأول و الذي رافق مرحلة الانسان الصياد يختلف عن النظام الطوطمي في مرحلة الانسان الراعي و مرحلة الانسان الزراعي.

نعود إلى التابو المرافق للنظام الطوطمي و الذي يعبر عن منع لمس الغرض التابو و أثره على الديانات الابراهيمية، فمثلاً نجد أن المرأة بعد الولادة، في بعض القبائل سابقاً، وعلى حسب "دوركهيم"، كان يتم الحجر عليها لمدة أربعين يوماً، و ذلك لعدم كسر "تابو الدم"، حيث كان من المعتقد أن الدم هو روح الحياة، و لهذا فإن الطوطم الذي يرمز إلى سلف العشيرة و المسكون في كل فرد منتسب لها هو المؤجج لمبدأ التواصل الدموي بين أفراد العشيرة و طوطمهم.
من هنا جاء حجر المرأة بعد الولادة لما يقتني دمها من الطوطم المقدس، و بتعبير آخر يحتوي الدم على مفهوم الإله البدئي. ربما علينا أن نقارن وجه الشبه ما بين التابو القديم للدم و الملخص بتابو المرأة بعد الولادة و أثناء الحيض و بين تحريم المرأة للصلاة و الصوم أثناء الحيض، و كما ذكرت في المقال السابق أن المدنس جاء كتعبير نفسي لإلغاء مشاعر التقديس لشيئ ما ضاع سبب منشأه عبر العصور.
و بما أنني أتكلم عن المرأة، فلا بد للإشارة أيضاَ إلى عادة ضرب النساء بالخيزران و التي نجدها عند بعض الكهنة الرومانيين سابقاً، حيث كانوا يهرولون بأنحاء المدينة في الخامس عشر من الشهر الثاني في كل سنة، لضرب أية امرأة عابرة يرونها، و ذلك اعتقاداً منهم بزيادة خصوبتها عن طريق الضرب بالخيزران. هذه العادة لم تكن مقتصرة على ضرب المرأة بالتحديد لزيادة الخصوبة، بل كانت بعض القبائل تضرب حيواناتها أيضاً لزيادة خصوبتهم (تومسون، فريدز، سالومون).

بما ان التابو كان متوغلاً في النظام الاجتماعي ، فعلينا التنبيه إلى تغير مفهومه عبر العصور و التي نتجت عنه تشريعات عقابية تقوم الجماعة بتنفيذها، و ذلك خوفاً منهم من انتقال العدوى إلى الأفراد الآخرين.
اذاً كان الخوف من انتقال عدوى انتهاك التابو هو المسبب الأول في تأجيج شعور الخطيئة عند الجماعة و التي نشأ عنها ضرورة التطهير لغسل الخطايا، فنجد على سبيل المثال، اتباع طقوس معينة في قبيلة "أكيكييوس" الافريقية لشراء أخطائهم من خلال الاعتراف لساحر القبيلة في أكثر الأحيان، ليقوم الساحر بالإعداد لطقوس معينة تبدأ بتقيئ المخطئ لكل ما تحتويه معدته، و ذلك لتخفيف شعور الخطيئة عند مرتكبيها و المتمركزة بشكل جسدي وليس بشكل ضميري، و من هنا جاءت فكرة كبش الفداء عند بعض القبائل، فبدلاً من عقاب المذنب المرتكب لجريمة ما، يقام بزج عنق الحيوان الأضحية للتخلص من خطيئة الانسان بدلاً من عقاب المذنب (فريدزر).
تواجدت عادة كبش الفداء في مجتمعات كثيرة التي سبقت الديانات الابراهيمية، ففي زمن "بلوتارك" و في مدينة "كيرونيه"، كان يتم جلد العضو الذكري لأحد العبيد مع الصراخ للكلمات التالية " ارحلي عنا أيتها المجاعة، و تعالي الينا أيتها الصحة و الفيض".

وجدت هذه العادات في مرحلة الانسان الزراعي، فالرواسب الطوطمية استطاعت أن تتحول إلى معتقدات روحية و إلى مبدأ العقاب و الثواب الإلهي التي تتخللها طقوساً دينية من فكرة كبش الفداء إلى اقامة الصلوات لإستجلاب المطر، أي ان المناخ قد لعب دوراً أساسياً في ترسيخ هذه المعتقدات، لا بل أكثر من ذلك، نرى و ليومنا هذا دور المناخ في ترسيخ هذه الطقوس، فالبيئة التي تتوافر بها حاجات الانسان و التي تقوم بإشباعهم تحفز أفرادها على التفكير و الاستكشاف لأمور كثيرة، فحالة اشباع حاجيات الانسان البيولوجية محفزة لعملية التفكير و الابداع.



#رندا_قسيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- و في البدء كان الحيوان الطوطمي_الجزء الأول
- أين موقع الثقافة العربية من العلمانية؟
- حق الاختلاف في منهجية التفكير
- نحو يوم وطني لفض غشاء البكارة!
- العصاب لدى رجال الدين
- الدين: المسبب الأول للعجز الادراكي
- ذروة النشوة و انسجام الذات
- الدين و علاقته بالتعنيف اللفظي
- الدين...اسقاطات الغرائز الطفولية-2
- الدين...و اسقاطات الغرائز الطفولية-1
- احياء الاله من الصراعات الداخلية
- عداء -الانا- للحرية
- الجماع و لحظة العودة الى الرحم
- عدوانية الصور الابراهيمية
- متلازمة الجنس و الموت
- لا حرية لسارقي الحريات
- انتعاشات باريسية حرة-2
- انتعاشات باريسية حرة-1
- ابناء الخطيئة
- الفكر، الدين خطان منفصلان


المزيد.....




- نهشا المعدن بأنيابهما الحادة.. شاهد ما فعله كلبان طاردا قطة ...
- وسط موجة مقلقة من -كسر العظام-.. بورتوريكو تعلن وباء حمى الض ...
- بعد 62 عاما.. إقلاع آخر طائرة تحمل خطابات بريد محلي بألمانيا ...
- روديغر يدافع عن اتخاذه إجراء قانونيا ضد منتقدي منشوره
- للحد من الشذوذ.. معسكر أمريكي لتنمية -الرجولة- في 3 أيام! ف ...
- قرود البابون تكشف عن بلاد -بونت- المفقودة!
- مصر.. إقامة صلاة المغرب في كنيسة بالصعيد (فيديو)
- مصادر لـRT: الحكومة الفلسطينية ستؤدي اليمين الدستورية الأحد ...
- دراسة: العالم سيخسر -ثانية كبيسة- في غضون 5 سنوات بسبب دوران ...
- صورة مذهلة للثقب الأسود في قلب مجرتنا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رندا قسيس - و في البدء كان الحيوان الطوطمي_الجزء الثاني