أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - أزياء الحراميه















المزيد.....

أزياء الحراميه


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3202 - 2010 / 12 / 1 - 15:26
المحور: كتابات ساخرة
    


أيام زمان كان الحرامي يلبس زياً خاصاً به مثل (الأفرهولات) التي يرتديها بعض العاملين في الشركات الرسمية علماً أن لباس الحرامي لم يكن أفرهولاً بل كان عبارة عن لباس عادي مع تغطيه وجهه بقناع ٍ لا تظهرُ منه إلاّ عيونه كما سنلاحظ بعد قليل ولم يكن يغطي يديه من خلال (قفازات- كفوف) لأن الحكومات القديمة لم تكن تعرف طريقة رفع البصمات علماً أن الحكومات اليوم تعرف كيف تعرفع البصمات ولكن لم نسمع عنها بأنها قد زجت أحداً في السجن أو أنها قد قبضت على لص من خلال بصماته التي تركها في مسرح الجريمة..وكانت جميع فئات الحرامية يتفقون فيما بينهم على زي خاص يلبسونه لكي لا يكتشفهم أحد الذين من الممكن له أن يتعرفَ على شكل السارق في الأسواق أو المجالس العامة ولم يكن الحرامية يسرقون قريتهم وأهلهم وجيرانهم إلاّ قرية أخرى بعيدة عنهم أو مجاورة لهم أو أناساً غير أهلهم وجيرانهم, أما اليوم فإن اللصوص الحرامية من خلال أياديهم الخفيفة يسرقون أهلهم وجيرانهم وقريتهم ومدينتهم ودولتهم وكثيرا ما يحمل اللصوص حقائب وزارية لكي يتمكنوا من سرقة الحكومة والنظام والشعب كله حتى في السنة التي أسس فيها دولة سمير حكومته قالت الناس (سَنة سمير لا قمح ولا شعير) حيث كانت سنة جفاف في كل شيء ..وكان يعجز أي شخص آخر ليس لصاً أي حرامياً بأن يقلد لباس الحرامي وزيه الأصلي ,وكان يمتاز الحرامي عن بقية الخلق والناس بأنه رجل فقير لا يستطيع الإنفاق على نفسه وعياله وبلا مهنة يعتاشُ منها وبلا شهادة علمية وبلا بيت يسكنه وكانت بعض الناس تتمكن أحياناً من القبض على الحرامي فيطعمونه ويسقونه ويتركونه في حال سبيله بدل ضربه لمعرفتهم بأنه جاء يسرق لكي يأكل ويشرب ,وكان عمله يبدأ ليلاً بعد أن يراقب كل الناس حتى الحيوانات الداجنة التي تعيشُ في المنزل الذي ينوي سرقته فينتظر قليلاً خلف الدار ليتأكد أولاً بأن الدجاج قد نام من المعرب على حسب عادته والحمير والبقر والصراصير والفئران قد نامت ومن ثم يتأكد مرةً أخرى من أن أهل البيت قد ناموا جميعهم بما فيهم الأطفالُ والنساء فيخرج من بيته بعد منتصف الليل مُتلصصاً وبيده أدواته المهنية البسيطة التي تنفعه في كسر الأبواب إذا كان المنزل خالياً من السكان أو بفتح الأبواب بطريقة سرية أو بأن يدخل الدار بشكل عادي إذا نسو أهل البيت إغلاق الباب بالشنكل وبالمفتاح.

أما اليوم فإن الوضع قد اختلف جدا فهو يسرقك ويسرقني في وضح النهار وعيوننا مفتوحة كفناجين القهوة بل وغالباً ما يأتينا الحرامي بصورة إنسان شريف وعفيف وطاهر ويتحدث معنا وكأنه ملاك قادم من السماء كالقاصد ألرسولي, وأحياناً زائراً رسمياً لبلادنا فنفتح له بيتنا وقلبنا ونكرمه على عادة العرب الأجاويد في إكرام ضيوفهم بعد أن يأخذوا منهم الجزية ومن الممكن أن يظهر أمامي وأمامك وأنت في الطريق (حرامي) وهو يلبسُ بدلة على آخر موديل فتظن بأنه رجل شريف جدا أرسله الرب في طريقك لكي يطعمك أو لكي يسدد عنك فاتورة الماء والكهرباء ولكن تفاجأ بعد ذهابه عنك بأنه سرقك ...ومن الممكن أن يكون من ذوي حملة الشهادات العلمية الجامعية الكبيرة ومن المحتمل أن يصادفك (حرامي) على الطريق المؤدية إلى السوق المجاور لمنزلك وهو يلبسُ ملابس إمام مسجد وواعظ ديني كبير وبلحية طويلة ممُشطة ومن المؤكد جداً أن (حرامية) اليوم بخلاف الذين لم يكونوا يملكون بيتاً يسكنونه لأننا اليوم رأيناهم يملكون عمارات كبيرة بنوها من أموال مسروقة ومن خلال التهرّب من الضرائب ومن الواجب الوطني والإنساني تجاه أمة يعتريها العوز في صفوف المنحدرين إلى أسفل درجات السُلّمْ أو قد بنوها من خلال وظائف حكومية ومناصب حكومية بمزايا حكومية كبيرة جدا ويحملون ألقاباً تجعلك مخدوعاً بهم مثل المعالي والعطوفة والنيافة والقيافة والسماحة والفخامة, ومن الممكن جدا أن يكون الحرامي اللص في هذه الأيام محامياً في القانون دخلت عليه مكتبه لكي يأخذ لك حقك ممن هو أقوى منك وتفاجأ في نهاية القصة القصيرة بأنه تآمر عليك وباعك إلى خصمك وإلى غيره أكثر من عشرين مرة فتكتشف حقيقةً مذهلة وهي أن المحامين بإسم القانون شركاء علنيون وليس سريون لغالبية كبار اللصوص المحترفين.

أنا ما زلتُ إلى اليوم أحفظ الصورة التي كانت ترسمها أمي في ذهني عن الحرامي ولو كنتُ رساماً لرسمته لكم وهو يقف خلف الدار منتظرا إيانا أن ننام ليدخل البيت لسرقته بعد أن يتأكد من أننا قد ذهبنا لكي نَغطَ في نومٍ وفي سبات عميق ,وما زلتُ أستمع للأمهات وهن يستعملن مصطلح الحرامي كأداة تهديد لأطفالهن : (هسع بيجيك الحرامي) وعند سماع الأطفال لهذه الكلمة فإنهم فورا يستسلمون لأمهاتهم ويرضخون لمطالبهن, وأنا واحد من الناس حين كنت طفلا كانت أمي كثيرا ما تهددني بكلمة (نام قبل ما يجيك الحرامي) فكنت أنامُ وأنا أتخيل بالحرامي وهو قادم ليسرقني وبيده رُزمة مفاتيح أو دزينة مفاتيح ويلبس على وجهه غطاء (كلسات ستات) أو طاقية أو (سِلك-شماغ-شوره) وبيده الأخرى سكين ماضية يقطع بها رقبتي أو يطعنني بها في بطني واضعا يده الأخرى على فمي إذا ما أبديت صوتا مزعجا أثناء تكنيسه للبيت.

وكنتُ وأنا أمشي في الشارع كلما رأيت رجلا يلبس نظارة سوداء ومعه دزينة مفاتيح أرتهبُ منه ومن منظره وأشتبهُ عليه لاعتقادي بأنه حرامي ولص, حتى أولادنا قد أورثناهم هذه العادة فزوجتي تهدد أولادي بالحرامي وذلك لكي ترهبهم لتسيطر على عقولهم وقلوبهم, ومرة من ذات المرات مررت على صديق لي لديه محل مفاتح يبيعها ويخرطها للناس وحين شاهدته لميس وهي معي قالت )ُيُمّه(ماما) هذا حرامي!)
فقلت لها مداعبا وضاحكاً (هذا عموه مش حرامي).

اليوم صورة الحرامية قد اختلفت عن سابق عهدنا بهم فمعظم الحرامية يستطيعون إطعام جميع سكان المدينة أو القرية التي يسكنونها ولكن السرقة تمشي بدمائهم وهي جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية والبرستيج الخاص بهم فإبرستيجهم لا يسمح لهم بأن لا يسرقوا, والمهم أن الألبسة التي كان يلبسها الحرامي ليتوارى عن الأعين ما زالت موجودة مع تطويرها وتحديثها فأهم لباس اليوم للحرامي هو اللحية الطويلة والدشداش الأبيض والمسبحة الطويلة ذات الخرزات البلاستيكية اللامعة وطاقية بيضاء وبهذا لا تستطيع لا أنت ولا أنا بأن نعرف بأنه حرامي لأن كل الناس سيقولون كان يلبس ملابس التقوى طبعاً وكل ذلك دون أن يشعر بالحاجة إلى تغطية وجهه أو للخروج من بيته ليلاً ,ذلك أن أخلاقه وهيئته المصطنعة تكفيه ليتخذها سترا.

ومن الممكن أن يحمل الحرامي اليوم حقيبة وزارية تساعده في التخفي أو بأن يفتح محلاً تجاريا يكتب على باب المحل (آرمة) كبيرة جداً عرضها متر واحد بطول أربعة أمتار وعليها آية قرآنية تقول (أحل ألله البيع وحرّمَ الربا) أو من الممكن أن يفتح الحرامي مكتباً للمقاولات الإنشائية باسم (شركة التقوى) أو مؤسسة التقوى وبهذا فهو يختفي خلف اليافطة كما كان الحرامي القديم يختفي خلف القناع الذي يغطي به وجهه فهو يختفي اليوم خلف اسم المحل وخلف كل آية قرآنية يكتبها على باب محله أو وهو يتخذها شعاراً له كلما فتح معه أحد الناس موضوع الحلال والحرام.

ومن الممكن أن يلبس الحرامي في هذه الأيام شعارات سياسية تنادي بالحرية وبالمساواة لكي يسلب منك كل ما يجعلك حرا وطليقاً , وتجده يتسترُ بمحاربة الفساد والمفسدين لكي يُغطي جريمته ومن الممكن أن ينادي بمحاسبة الأشرار علماً أنه الشرارة التي تنطلقُ منها كل شرور العالمْ,وغالباً ما يترككَ مندهشاً من الطريقة التي سرقك بها بعد أن يغادر مسرح الجريمة.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسعار تشجيعية
- المرأة العربية لاجئة سياسية
- يسافرون للعلاج!
- الطلاق بالثلاث
- في الجلجثة
- عرق الجبين
- براءة الأطفال
- الهجوم وسيلة للدفاع
- رسالة إلى الشعب الأمريكي
- تشابه أسماء
- ما زلتُ أنتظر الرحيل
- العقل السليم في الجسم السليم
- الكذب على الأطفال
- الانتخابات لعبة حقيرة
- الأرض المحروقة
- الشفافية مصطلح أردني
- فاقد حاسة الذوق
- الدراجة حررت المرأة والمصنع حرر الرجل والمرأة
- الأصحاء عقليا
- غير قابل للتطور


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - أزياء الحراميه