أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - نصير عواد - ثلاث هُجْرات..ثلاثة حُرُوب..ثلاثة عُقود















المزيد.....

ثلاث هُجْرات..ثلاثة حُرُوب..ثلاثة عُقود


نصير عواد

الحوار المتمدن-العدد: 961 - 2004 / 9 / 19 - 11:16
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


في الغياب نوثق هجرتنا مستعينين بسدى التجربة ولحمة المعاناة من دون أرقام أو أسماء, ونحن نرى أولئك المنفيين العائدون من رؤية أهلهم بالعراق وقد توزعوا على ضفتي الحكاية بين حزين لأعوام الانتظار والآمال التي انتهت إلى وطن خرب تهدده الحروب ولا يصلح للحياة, وبين متفائل للعراق الجديد بعد رحيل الصنم وداعيا ً الآخرين للعودة والمساهمة والبناء. وهذا التوزيع يقف خلفه تنوع أسباب المنفى المرتبط بتجارب المنفيين السياسية والثقافية. العراقيون حديثو العهد بالهجرات الداخلية والخارجية التي سببتها الكوارث الطبيعية والاجتماعية. والقرن الماضي في بدايته احتضن تلك الهجرات من الريف إلى المدينة ليشهد ربعه الأخير رحلة التيه خارج مفردات الوطن. وغياب الإرث في هذا المجال وضع المنفيين الأوائل في موقع الضحية على الرغم من قدراتهم على العمل والاندماج واكتساب المعرفة, وذلك بسبب الظروف الموضوعية والذاتية التي فتحت لهم كل الأبواب باستثناء ذلك الذي تزينه عتبة البدايات . وعلى ما نعتقد فإن مشكلات النظام السياسي العراقي هي التي أنتجت أسباب تلك الهجرات ووقفت خلف تنوعها وتقسيمها وربطها بطبيعة الأزمات . وفي عجالة هي ثلاث هجرات واضحة المعالم كما ً ونوعا ً ارتبطت الأولى بقمع الحياة المدنية والسياسية في الداخل تمهيدا ً لشن الحرب على الجمهورية الإسلامية في إيران في نهاية السبعينات والثانية ارتبطت باحتلال العراق لجارته الكويت في بداية التسعينات وخروجه منها مهزوما ً ومهددا ً بانتفاضة شعبية َستُذبح لاحقا ً ليشهد البلد حقبة مريرة من الحصار والعزلة والعوز والثالثة ارتبطت بدخول القوات الأمريكية واحتلال العراق في بداية القرن الحالي. ثلاث هجرات مختلفة الأهداف في ثلاثة عقود عنيفة ومتتالية ارتبطت بثلاثة حروب مهزومة أورثت الجميع كارثة ستلهيهم طويلا.
المنفى هو المنفى , تقاسمه الجميع ودفعوا الثمن كل على قدر تجربته وظروفه. ولو ابتعدنا عن الانحياز السياسي أو العاطفي وسمينا الأشياء بأسمائها المعيشية والحياتية فإن الهجرة الأولى هي الأفقر وإن الثالثة هي الأغنى , وإن الثانية أستلفت من المأساة ما يضمن بقائها ومن المهزلة ما يحفظ تاريخها بجانبيه السلبي والإيجابي , هذا إذا صدقنا بفلاسفة القرن الثامن عشر في الأحداث التي تعيد نفسها عبر التاريخ لتأتي في المرة الأولى مأساة وفي الثانية مهزلة . فهم أذن تقاسموا المنفى والانتصارات والهزائم إلى حد ساحت فيها الألوان على بعضها البعض مشوهة حقيقة المشهد, وتبوء الشرير مكان الطيب على الرغم من معرفته أن ذلك لن يدوم طويلا وسيعرف كل منا تاريخ الآخر.
الذاكرتان الرسمية والشعبية لجيران ارض السواد تحتفظان بتفاصيل المأساة التي صاحبت الهجرة الأولى وبهدير الشاحنات وهي تكب المواطنين المهجّرين قسرا ً على خطوط الحدود الوهمية مع إيران, أطفالا ونساء وشيوخ سلبت أموالهم ووثائقهم الرسمية والبالغين من أولادهم, ليواجهوا مصيرا ً هو الأكثر قسوة بين تلك الموجات التي عبرت الحدود الأخرى هاربة بأوراقها وكرامتها,ليعشوا ربع قرن من امتهان الكرامة وعدم القدرة على العمل والدراسة والسفر على الرغم من قوة التكافل الاجتماعي الذي أنتجته المحنة في البدايات والذي سيتعرض هو الآخر إلى التصدع والتراجع بسبب استمرار المحنة وغياب الأمل. أما تلك الموجات التي وصلت سوريا ولبنان والمغرب العربي هاربة من جحيم الديكتاتورية بوثائق مزورة وأموال شحيحة, ستكون حطبا ً لحروب داخلية بلبنان وكردستان العراق ولقمة سائغة بفم المهربين وأصحاب العقارات وأيدي عاملة رخيصة في سوقي العمل الفكري والعضلي على الرغم من الكفاءات العلمية والثقافية التي يتمتعون بها ما دفعهم إلى البحث عن مصادر أخرى للعيش هذه المرة خارج حدود الأمة, من غابات أفريقيا والأمريكتين إلى القطب الجليدي في شمال القارة الأوربية ومرورا ً بجبال باكستان وسهول جنوب شرق آسيا, في حالة تلفت مستمر إلى الماضي ويقين ترسخ في فوضى المحطات أكد قدرتهم على فعل كل شيء باستثناء الوقوف مرة أخرى عند عتبة الباب الأولى . وذاكرة البلدان المجاورة للعراق التي تمتلك مشتركات اجتماعية وثقافية وسياسية ما زالت تحفظ للمهاجرين الأوائل مساهماتهم الكبيرة في أنشطة الحياة العامة( التعليم والثقافة والسياسة) بسبب طبيعة الجالية المثقفة وامتلاكها مشروعاً وقيما ً أخلاقية وسياسية ستتراجع تدريجياً في الهجرتين التاليتين. وهذه الهجرة النوعية تُعد متواضعة عدديا ً إذا ما قيست بالتي تلتها أثر حرب الخليج الثانية في بداية التسعينات والانتفاضة الشعبانية وما صاحبها من مذابح مفرطة بالجنوب والشمال أدت إلى هروب جماعي لم تشهد أرض السواد لها مثيلا, وإلى حالة من التداخل بين الإبعاد والابتعاد والاستبعاد احتضنتها دول الجوار كسوريا والسعودية وتركيا في بادئ الأمر ثم تغيرت وجهتها صوب الأردن بعد ارتخاء قبضة الدولة. فمن نزلوا ضيوفا ً على المملكة العربية السعودية في منتجعي ( رفحاء والارطاوية ) الصحراويين عاشوا حياة سجن حقيقية وقمع ومنع التجوال في الصحراء الفارغة إلا منهم, وسيحملون إلى المنافي الأوربية ندوبا ً قاسية في ملامحهم حتى يومنا هذا. أما اللذين هربوا من جحيم الغازات السامة وحرق القرى الآمنة في كردستان العراق باتجاه الحدود التركية الجبلية والقاسية, سيموتون بردً وجوعا ً قبل أن تسعفهم المنظمات الإنسانية وكأنهم هربوا من سفينة تحترق ليلقوا بأنفسهم في ظلام الأطلسي. وبعد أن تهدئ الحرب الأهلية الغير معلنة ويخيم الحصار بشبكته العنكبوتية ستبدأ أكبر هجرة في تاريخ العراق المعاصر صوب المملكة الأردنية وسوريا ولبنان ومن ثم إلى المنافي الأخرى عبر المحيطات. في هذه الهجرة نجد الهاربين من الموت كالسياسيين والمثقفين والجنود اللذين تعبوا من الحروب, والهارب من الجوع ومعاناة الحصار والبطالة, والباحث عن مغامرة ليتحول المنفى عند البعض مجالاً للإبداع زينته أسماء ثقافية وفكرية معروفة, وعند آخرين نبعا ً لليأس والضياع وعدم القدرة على الاستمرار والتواصل, وعند غيرهم وسيلة للإثراء والعمل والسياحة في اختلاف واضح عن الهجرة الأولى التي ألهتها الخلافات السياسية والفكرية ولملمة الصفوف وتأسيس البدايات, عن الكثير من متطلبات الحياة. التنوع الذي تميزت به الهجرة الثانية ومحاولتها البحث عن ( أو تأسيس) قبائل سياسية كما جرت العادة, أدخلها في صراعات مع الأولى خفية بادئ الأمر سرعان ما تحولت إلى صراعات تجلت في اصطفافات ونشاطات ستثير شكوكا ً تمس المقدس والوطني صاحبها تبلور أسئلة عن الداخل والخارج على مستوى الثقافة والسياسة والاقتصاد بقيت عالقة حتى بعد سقوط النظام الديكتاتوري بالعراق وظهور علامات الهجرة الثالثة المختلفة التفاصيل والمكملة لمشهد المنفى. تنوع مشارب الهجرة الثانية والظروف التي أوصلتهم إلى المنفى وأسلوب حياتهم وعملهم تقف خلف سلبية الموقف وكآبته بعد عودتهم من رؤية أهلهم بالعراق على العكس من الهجرة الأولى( التي لم تكن صافية صفاء اللبن) لكنها كانت تمتلك قضية معلنة عند تركها البلاد أسهمت في تفاؤلها اليوم وفي دعوتها للمساهمة والبناء. الهجرة الثالثة( ونتمنى أن تكون الأخيرة) تختلف عن الهجرتين السابقتين شكلا ومضمونا ً, فهي ( على العموم) لم ترحل بعيدا ً ولم تعبر محيطات أو قارات وبقيت في إطار الجوار العربي والإسلامي بسبب القرب والمشتركات اللغوية والدينية والثقافية الذي أنتج دعما ً وتضامناً كبيرين على مدى ربع قرن. وبما أن ضحايا الهجرة الثالثة أغلبهم من المتضررين من دخول الاحتلال الأمريكي وسقوط دولة البعث فسوف لن تكون هجرتهم صوب ضحاياهم المقيمين بالدول الغربية في الهجرتين السابقتين وذلك خوفا من مقاضاتهم في المستقبل, بل ستكون صوب الدول التي تفتقر لحقوق الإنسان والمنضمات العالمية والدساتير الديموقراطية مستغلين الموقف المعادي للاحتلال التي تعلنه نفاقاً تلك الدول .
وخوف الهجرة الثالثة من ضحاياها أدى بداية إلى إهمال الروابط مع أجيال المنفى في اختلاف واضح عن الهجرتين السابقتين اللتين تقاربتا رغم الاختلافات, واستعاضوا عن ذلك بالعلاقات العربية والرسمية والمالية التي تحقق أمنهم واستمرارهم . الهجرتان السابقتان إلى دول الجوار نتلمس وجودهما في الثقافة والسياسة المعارضة, أما الهجرة الأخيرة ارتبطت من أيامها الأولى بمنظمات رسمية وسرية وإرهابية ومالية جعلت منهم على راس القائمة في توريد السلاح والرجال إلى داخل العراق المهدد بالحروب, وشراء الفلل والعقارات متقدمين على العرب والأجانب وعلى أهل البلد الأصليين أنفسهم, بعد أن وفرت لهم تلك الدول مستلزمات الاستقرار والقوانين التي تضمن حقوقهم وعدم تسليمهم لدولهم كما حدث للهجرتين السابقتين, وهذا اختلاف آخر. وإذا كان الأوائل يتركون أينما مضوا صديقاً أو موقفا ً أو مكتبة فإن الأخيرين سيتركون أينما مضوا عقاراً أو حساباً سرياً بأسماء أولادهم وزوجاتهم. والمتابع للصحافة العربية المجاورة للعراق سيدرك دهشة العرب اللذين عاصروا الهجرات العراقية الثلاث, فبعد أن كانت الدهشة مريرة بسبب كثرة المثقفين والسياسيين والضحايا من بين صفوف المنفيين الأوائل فإنها اليوم مضحكة لكثرة المسؤولين والمطلوبين والمترفين بينهم .. وتلك أيام نداولها بين الناس



#نصير_عواد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنفى .. دليل كاظم جهاد إلى دانتي
- الإرث إلاسماعيلي.. وأحزابنا السياسية
- الحركية .. ومواسم التحليل
- إبحث للمبدع عن عشرين عذر


المزيد.....




- الشرطة الأسترالية تعتقل صبيا طعن أسقفا وكاهنا بسكين داخل كني ...
- السفارة الروسية: نأخذ في الاعتبار خطر ضربة إسرائيلية جوابية ...
- رئيس الوزراء الأوكراني الأسبق: زيلينسكي ضمن طرق إجلائه من أو ...
- شاهد.. فيديو لمصري في الكويت يثير جدلا واسعا والأمن يتخذ قرا ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر جريمة طعن الأسقف في كنيسة سيدني -عمل ...
- الشرطة الأسترالية تعلن طعن الأسقف الآشوري -عملا إرهابيا-
- رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يقول إنّ بلاده سترد على الهجوم ا ...
- زيلينسكي لحلفائه الغربيين: لماذا لا تدافعون عن أوكرانيا كما ...
- اشتباكات بريف حلب بين فصائل مسلحة وإحدى العشائر (فيديوهات)
- قافلة من 75 شاحنة.. الأردن يرسل مساعدات إنسانية جديدة إلى غز ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - نصير عواد - ثلاث هُجْرات..ثلاثة حُرُوب..ثلاثة عُقود