|
تقاليد وعادات بالية .. -1- التعازي
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3200 - 2010 / 11 / 29 - 21:14
المحور:
كتابات ساخرة
كانتْ العادة ، في القُرى قبلَ خمسينَ سنة ، عندما يموتُ شخصٌ ما ، ان يشترك كُل اهالي القرية من الرجال والفتيان ، في عملية نقل الجثمان بعد غسله ، الى المقبرة ، والتعاون في الحفر والتهيئة والدفن والردم ، ثم قراءة الفاتحة .. بعدها يقف أهل الفقيد على جانب ، ويقوم اهل القرية بمصافحتهم ، وبهذا تنتهي المراسيم !، خصوصاً إذا كان الوقت موسم عمل ، حيث يتوجه كُلٌ الى حقلهِ او مزرعتهِ او حيواناتهِ ، فكانتْ المعيشة صعبة وإستحصال الرزق يحتاج الى الكَد والجهد ، ولم يكن " تَرَف " التعازي الطويلة والجلوس لأيام ، مُتاحاً في ذلك الوقت !، خصوصاً إذا كان الميت كبيراً في العمر أي بعبارةٍ اخرى ، قد أخذ نصيبهُ من الدُنيا . فكانتْ الطقوس بسيطة وسهلة وسريعة . أما اليوم وبعد ان تعقدتْ الحياة " او تطورتْ " بصورةٍ عامة ، نتيجة زيادة إحتياجات ومتطلبات البشر ، ووصول بعض مظاهر التقدم العلمي الى القرى والاطراف ، مثل الطُرق المُعبدة والسيارات والكهرباء ، وتوفر مصادر سهلة ، للدخل ، مثل الرواتب التي تدفعها الحكومة " مُقابل البطالة المُقنعة على الاغلب " والإعتماد المتسارع على الدولة ، فان أوقات الفراغ قد إستطالت وإتسعتْ ، وظهرتْ تبعاً لذلك أماكن ل ( قتل الوقت ) مثل المقاهي المليئة بالزبائن طول اليوم ، يلعبون الدومينو والطاولي والورق ... بينما النساء في المنازل يقمنَ بكافة الاعمال ويتحملنَ أعباء الطبخ والغسل والتنظيف والترتيب ورعاية الاطفال ، في حين ان الرجال والشباب وبما انهم يقبضون راتباً او تقاعداً ، فان من الطبيعي ان يجلسوا ساعاتٍ طويلة في المقاهي يلعبون ، او يصطفون امام حائطٍ يتلاعبون بسبحاتهم ذات 101 خرزة ، يُحملقونَ في السيارات المّارة ويتبادلون أحاديث مكررة وبلا معنى !. هذا المقطع الكاريكاتوري موجود ومنتشر في الكثير من قرى وقصبات اقليم كردستان وحتى في اماكن اخرى من العراق . عندما يموتُ اليوم احدٌ ما في هذه القرية ، يتوجه العشرات وحتى المئات " إذا كان الجو لطيفاً مناسباً او الميت من عائلة وجيهة " الى المقبرة المحلية ، وفي الحقيقة ان الذين يقومون بالخدمة الفعلية " اي الحفر والدفن " لا يتجاوزون بضعة أنفار ، وكُل البقية يتوزعون على انحاء المقبرة في مجاميع صغيرة يتبادلون الاحاديث وحتى النكات ، ويكونوا قد ربحوا مرتين : أولاً قتلوا الوقت كالعادة ، وثانياً أظهروا إلتزامهم الاجتماعي بالذهاب الى المقبرة !. وبعدها يجلسون في المسجد او في بيت المتوفي لساعاتٍ ، بحجة التسرية عن اولاده او اخوانه ، ويقوم أحد الفقهاء بين الحين والآخر بسرد الاحاديث التي تُذّكِر بأحقية الموت وان ذلك مصير كُل حي .. فيهز الحضور رؤوسهم موافقةً وتأييداً ، ثم يُقّدَم العشاء ويعقبه الشاي والسكائر ، الى ان يحين وقت النوم . وفي اليوم التالي [ يضطر ] أهل المتوفي للتماشي مع العُرف السائد والتقاليد المُتَبعة ، فيجلسون في المسجد ، ويتقاطر المُعّزون ، ويتكرر نفس المشهد لثلاثة أيام متتالية ، علما ان المُعّزين هُم نفسهم على الأغلب الذين كانوا في المقبرة وفي المسجد ، وهكذا ، ولكنهم يحضرون إنصياعاً للتقليد ، وكي لايقول أحد انهم قّصروا في الواجب !. المصيبة ان [ الآخرين ] اي المُعّزين لايفسحون المجال لعائلة المتوفي ، لإلتقاط الأنفاس والاستراحة ... فحتى بعد الغروب ورغم انهم كانوا في المسجد معاً ، إلا انهم يأتون الى منزل المتوفي لتقديم المزيد من التعازي وتأكيداً على وقوفهم الى جانبهم في مصابهم الجَلل ليس في الثلاثة ايام الاولى فقط ، بل يمتد ذلك الى سبعة ايام وحتى عشرة ... ولا يعلمون ان إلحاحهم ومبالغتهم ، هي بِحَد ذاتها ، مُصيبة !!. كُل ذلك تحت يافطة " التقاليد " وتحت عنوان " الأعراف " ... التي نتجاوز بها اللياقة ونُحّمِل عائلة الفقيد ، المزيد من التعب والمعاناة والمصاريف وإضاعة الوقت ... بحجة مواساتهم والوقوف الى جانبهم . كَمْ من الضروري ان نترك هذه المُبالغات السمجة ، ونبتعد عن هذه السلوكيات التي هي مُجرد نِفاقٍ إجتماعي تَعّودنا عليهِ ليس أكثر !. وكم من المهم ان نختصر هذهِ الطقوس ونًخّلصها من الشكليات والرتوش والبُدَع ؟!.
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إيميلات اعضاء البرلمان العراقي
-
يونس محمود : الرياضة ليسَ لها ظَهر !
-
الاحزاب الحاكمة و - مناديل الجّنة - !
-
كتلة - التغيير - ووزارة النفط
-
مشهدٌ مسرحي
-
المالكي المسكين
-
50% من المشكلة إنحّلتْ
-
النجيفي .. مشروع دكتاتورٍ صغير
-
حق التظاهر في اقليم كردستان
-
الرابحون .. والخاسرون
-
بينَ موتٍ .. وموتْ
-
قمة أربيل ... ولبن أربيل
-
إسلاميو البصرة وسيرك مونت كارلو
-
دهوك ... مُجّرد أسئلة
-
مرةً اُخرى ..تأخُر إستلام الكتب المدرسية في اقليم كردستان
-
ضراط السياسيين مُخالف للقوانين البيئية !
-
الرئيس الألماني المسكين
-
للنساء ... للرجال
-
من دهوك الى بغداد
-
نفوس العراق 45 مليون نسمة !
المزيد.....
-
فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ
...
-
انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا
...
-
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة
...
-
الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف
...
-
حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال
...
-
الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
-
الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم
...
-
الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
-
أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم
...
-
-جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|