أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - هموم مصرية ( 1 ) قراءة فى ملف الأقباط .. إلى أين تذهب مصر ؟!















المزيد.....


هموم مصرية ( 1 ) قراءة فى ملف الأقباط .. إلى أين تذهب مصر ؟!


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3199 - 2010 / 11 / 28 - 02:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هى مجموعة مقالات معنية بهموم وطن يتجه نحو التشرذم والإرتداد والإنزلاق نحو مستقبل المجهول .. وطن يجد نفسه بين فكى مصالح برجوازية شرسة و هيمنة تيارات دينية رجعية .. قد يبدو أنهما قطبين ولكنهما فى علاقة جدلية تعضد كل منهما الأخرى وتسمح لكل منهما بالوجود والفاعلية .

سأستهل هذا الملف بقراءة متأنية فى ملف أقباط مصر لتكون محاولة لإلقاء الضوء على الحالة القبطية متكأة على دراسة تحليلية لا تفتقد لفعل المعايشة .
بالفعل الواقع القبطى فى مصر يحتوى على صور ومشاهد كثيرة تُعبر عن حالته وما وصل إليه ..ولكن سأكتفى هنا ببعض المشاهد المبعثرة التى ترصد الحالة الطائفية فى مصر والتكوين النفسى والفكرى للأقباط من خلال واقع فرض نفسه ورسم ملامح تكوينه لينتج حالة تنحو نحو الإنعزال والتشرنق والإغتراب .

*** المشهد الأول .. أسماء مُغرقة فى التميز .

ماذا يُسمى الأقباط المصريون أولادهم وبناتهم ؟
الأسماء التى يختارها أقباط مصر لأولادهم أخذت مظاهر مختلفة .. ففى بداية السبعينيات إنتشرت ظاهرة تسمية الأطفال المسيحيين بأسماء قبطية قديمة مثل مينا - بيشوى - كيرلس - دميانة ...وبعد فترة ما بدأت الأسماء الأجنبية تتسلل إلى القائمة بل تلقى شيوعا ً فيسمون أولادهم وبناتهم بمايكل - جون - بيتر - دافيد - سيلفيا .

قد يرى البعض أن هذا الأمر يبدو طبيعيا ً وليس هناك ما يُثير الإنتباه بإعتبار أن الأسماء والأزياء والعادات تُمثل شخصية وهوية أى جماعة دينية أو طائفية أو عرقية .
ولكن بالنسبة لأقباط مصر فالوضع مختلف إلى حد كبير فلم تكن الأمور بهذه الصورة المُمعنة فى التميز على الدوام .. ففى أجيال سابقة لم تكن أسماء المسيحين تختلف عن أسماء إخوانهم المسلمين بل كان السائد حينها أسماء مشتركة غير مُمعنة فى التميز مثل عادل - مجدى - ابراهيم - هدى - عاطف - سامى .
إتجاه الأسماء نحو الإغراق فى الأسماء القبطية أو الغربية ليس أصيلا ً فى المجتمع القبطى فلم تكن سائدة بهذا الشكل إلا فى الأجيال الحالية .. لذا لايُمكن إعتبارها تمظهر أصيل لأقلية دينية وذلك عندما نلاحظ بأن الأسماء لم تكن مُغرقة فى تميزها القبطى أو الغربى فى الأجيال السابقة بل لم تكن متواجدة بشكل ملحوظ .

يمكن تفسير هذا بأن الأقباط عندما إستوعبهم المجتمع وعاشوا فى ظل مجتمع ليبرالى أو شبه ليبرالى أو تحت مظلة مشروع قومى وحدوى إستوعب الكل لم يكن هناك ما يزعجهم بشدة أو يمنحهم إحساس بالإنتقاص والتهمييش فذابوا فى المجتمع المصرى بشكل طبيعى ولم يجدوا أى رغبة بأن يصرخوا بهويتهم ... كما أن المناخ العام حينها لم يسمح للتطرف الإسلامى المتمثل فى الجماعات السلفية موطئ لقدم كى يتواجد ويتصاعد ويخلق من المشاحنات والتمايز الدينى وسيلتة لإستقطاب الجماهير .. لذا لم يتشرنق القبطى حول ذاته باحثا ًعن مفردات تؤكد هويته .

نجد إن إرتفاع موجة التطرف الإسلامى وتصاعد تأثير الجماعات المتطرفة فى الفترة الساداتية كان فى إطار صفقة سياسية لم تتوانى هذه الجماعات فى القيام بدورها بمحاصرة اليسار المصرى ولم يمنعها تحت تأثير فكرها الإستئصالى ورغبتها فى خلق مشروع جذب للجماهير من زرع بذور الكراهية والإضطهاد ضد أقباط مصر كوسيلة لإستمالة الجماهير المغيبة نحوالتشرنق فى مشروعها الدينى .. ومن خلال هذا المناخ وفى ظل نظام متواطئ يسعى إلى إثارة قنابل دخان وإلقاء الزيت على النار لتصل الأمور بترديد السادات مقولته الشهيرة : عليهم أن يدركوا أننا فى بلد إسلامى ! ... يتشرنق الأقباط فى داخلهم ليبحثون عن أسماء قبطية قديمة نحو تأكيد هويتهم الأصيلة ولا مانع من أن تظهر فكرة غبية تجد هوى لدى بعض الأقباط بأنهم أصل مصر وهذه بلادهم بينما هؤلاء المسلمون المصريون هم عرب وافدون .!!

بالفعل أقباط مصر يكونون جذر أصيل من جذور مصر القديمة ولكن من الحماقة والغباء تصور أن الأجداد الذين أسلموا هم ونسلهم قد خرجوا من جذور مصر وتحولوا إلى عرب وافدين .!
فى ظل حالة الإضطهاد والتحقير والتهمييش للمسيحيين يزداد الإغتراب وإلى المزيد من التشرنق والميل نحو الهجرة إلى الغرب ... وتتخيل الذهنية القبطية بغباء إضافى بأن أمريكا والغرب هم حماة المسيحية المصرية وان لولا موقفهم لأندثر الأقباط فى مصر لتتجه الأسماء نحو التحلى بأسماء غربية .
بالطبع هو تفكير غبى ناتج عن الإحباط والتهمييش والإضطهاد ليتوهم الأقباط بأن هناك طوق نجاة وحماية من امريكا .. ولا يعلم هؤلاء البائسون أنهم يُقَدمون كذبيحة على مائدة المصالح الأمريكية .!!

*** المشهد الثانى : علاقات إجتماعية إنعزالية متشرنقة .

لفت إنتباهى أن كل أصدقاء إبنى هم مسيحيون فقط .. فلديه قائمة طويلة من الأصدقاء والزملاء تخلو من أى صديق مسلم ماعدا زميل له يسارى ينحدر من أصول عائلة يسارية .. و لم تأتى صداقته به هكذا إلا بعد أن عرف بأن أباه وأعمامه هم أصدقاء لىّ من أيام زمن اليسار الجميل !.. كما تلمس أن زميله اليسارى هذا ليس له نزعات طائفية أو توجسية تجاهه .
للأسف الشديد لم يكن إبنى هو المنفرد والمتفرد بهذه الحالة فى نوعية صداقاته وعلاقاته لأكتشف أن هذه حالة عامة فلا يوجد مسيحيون يصادقون مسلمين ولا مسلمون يصادقون مسيحيين .!!
أتذكر جيلى وأتأسف على هذا الجيل البائس الذى أصبح طائفيا ً متشرنقا ًُ , فلم نكن نحن هكذا ... فكل صداقاتى كانت فى الأغلب مع مسلمين ولم نكن نختار صداقاتنا على ارضية هوية دينية بل نتاج علاقات إنسانية تفرض الصداقة .
لم أجد غضاضة مثلا ً فى الإنحياز لصديقى المسلم ضد صديق مسيحى إذا كان لديّ القناعة بوجهة نظره فلم أكن اقيم وزنا ً للهوية الدينية لأحد .. ولم يرجع هذا لكونى لادينى الفكر منذ حداثتى ولكن كان هذا مناخا ً عاما ً تتواجد فيه علاقات الصداقة والمودة بين المسلم والمسيحى .
ولكن الآن لم يعد يوجد حتى الإنحياز بعد أن فرض الإنعزال والتشرذم والتشرنق منهجه .

بالطبع السبب واضح للعيان ..فعندما كانت البلاد فى مشروع وحدة وطنية حقيقية انصهر الجميع فى علاقات إنسانية راقية فرضت حضارة السبعة آلاف سنه نفسها .. و لكن عندما تصاعد الخطاب الطائفى وظهر الإضطهاد ليبدأ بالسب والسخرية من المسيحية والأقباط من على المنابر ووسائل الإعلام إلى نظرة متوجسة ودونية للمسيحى إلى ظهور تفرقة فى المعاملة والحقوق لتكتمل بالإعتداء على الكنائس والأقباط وممتلكاتهم , من هنا بدأت بوادر الإنعزال والتشرنق والتماهى فى أحضان بعضهم البعض ..ليجد المسيحى عالمه فى رفاقه المسيحيين وأمانه فى الإرتماء بأحضانهم ولتتحول الكنيسة أيضا ً إلى ملاذ آمن وبحث عن محتوى .

* ** المشهد الثالث : مشاعر القبيلة .

المسيحى ينزعج عندما يسمع أن هناك من أسلم وذهب للقبيلة الأخرى .. هو بالفعل ليس لديه تشريعات أو نصوص تجعله يُمارس إضطهاده وقهره للمرتد عن مسيحيته , ولكن هذا لا يعنى أنه سيمنحه مشاعر ودية بل على العكس سيُصدر له كل اللعنات , ولن يتوانى أن ينبذه ويحرمه من التواصل مع أفراد أسرته بل سيَحرمه من الميراث بالضرورة .
الطريف فى الأمر والذى يدعو للدهشة أن تجد الملحد مقبول لدى المسيحيين والكنيسة عن الذى يعتنق الإسلام !!..أى أن رفض الله ذاته بكل منظومتة الخرافية مقبول طالما لم يغادر القبيلة ويذهب للقبيلة الأخرى .!!

تأسلم مسيحى هى المصيبة التى تحل على أهله وأسرته وعائلته لتظل ملتصقة بهم !!.. ووصمة العار التى تعلق على جبينهم لتنتقص من مكانتهم الإجتماعية وسط العائلات الأخرى ..بل ستنال من حظوظ بنات العائلة .!!
المسيحى شأنه شأن المسلم لا يقيم وزنا ً لحرية الفكر والعقيدة والسلوك ولا يَعنى بها .. فهو ينظر للمسيحى المتأسلم نظرة دونية ليصب عليه لعناته وإحتقاره ويرى بأن إسلامه لم يأتى إلا بعد تورطه فى علاقة عاطفية أو هروبا ً من علاقة زوجية متدهورة وصلت حدا ً يستحيل فيها البقاء فلم يجد إلا هكذا طريقا ً للفرار . !!
بينما تجد نفس المشهد مغايرا ً تماما ً عندما يعرف أن هناك مسلم تنصر فتجده يفرح ويتهلل وتغمره العزة والفخار ولا تتوانى النساء عن إطلاق الزغاريد ..وكأن هذا الوافد الجديد سيرفع من شأن حياتهم البائس أو سيزيد المسيحية قوة ...هو بالطبع شعور لا يخرج عن الزهو بالمنضمين للقبيلة .
الحقيقة أن معظم حالات التأسلم تتم فى هذا المنحى .. فترى المتأسلم لم يقرأ نصا ً واحدا ً فى القرآن ولا فى الإنجيل حتى تقول أن تغييره الدينى تم على بناء على قناعات فكرية .. ولكن هى تكون فى الأغلب نتيجة هوى إستأثر عليه أو أزمة تملكته ولا سبيل لحلها إلا بالإنسلاخ والإرتماء فى كيان آخر يمنحه الخلاص .

سواء كان إعتناق المسيحى للإسلام ناتج عن وعى وإيمان حقيقى به أو نتيجة هوى ورغبات فهذا حق طبيعى له ولا يجب أن ينال على أثره الكراهية والنبذ والإضطهاد فالأمور لا تتحمل كل هذا لأن الأمر لا يزيد عن حق الإنسان بإستبدال خرافته بخرافة أخرى .

تجد أزمة المسيحيين الحقيقية تتجلى عندما يكون التأسلم لشخصية بارزة أو ذات دلالة .. فهنا يكون العار كله قد حل على الكل .!! ليتوجهوا لكنيستهم صارخين مُتظاهرين مُطالبين بإسترداد المتأسلمة من أسر الإسلام !!..ودعوات لحوحة لقياداتهم الكهنوتية بممارسة الضغوط لعودة المرتد أو المرتدة إلى القبيلة .

المثير للسخرية والشفقة معا ً ..أن تجد المسيحى لا يتظاهر محتجا ُ على حال معيشته البائس وإنتهاك حقوقه وحريته وكرامته الإنسانية ولا يصرخ فى وجه مغتصبي لقمة عيشه .. بينما تكون ثورته حاضرة وعروقه منتفخة غضبا ً على حال وفاء قسطنطين . !!!!! ... إنه شئ يدعو للرثاء والقرف .

المسيحيون شأنهم شأن المسلمون يتعاملون مع الإيمان مثل الإنتماء للقبيلة فلا يصح الخروج منه فيكون كل الغيظ والثورة والنحيب للذاهبين للقبيلة الأخرى ... وللأسف لا توجد أبجديات حرية الإيمان والعقيدة , بل يتم التعامل مع الدين بشكله البدئى عندما كان هوية وإنتماء وشعار للجماعة البشرية يبرز وحدتها وتميزها .. وهو كان هكذا منذ البدء وظل كذلك ليتشرنق الإنسان داخل القبيلة .


*** المشهد الرابع : الإستقلال التام أو الموت الزؤام .

فى مشاهد قديمة للشعب المصرى بمسلميه وأقباطه كان شعار " الإستقلال التام أو الموت الزؤام " يًرفع فى مواجهة الإحتلال البريطانى ...ولكن تمر السنون ليتبدل الشعار إلى " الإسلام أولا أو الموت الزؤام " وفى صورة مماثلة " الكنيسة أولا ً أو الموت الزؤام " .!!
من أيام قليلة قام الأقباط بأول تصادم فى تاريخهم مع النظام .!! ليسقط إثنان من القتلى وعشرات الجرحى ..ولتسأل عن سبب هذه الثورة العارمة والتى سيسجلها التاريخ كأول تشابك بين الشباب القبطى وقوى الأمن .!
لن تجد السبب يتعلق بأحوالهم المعيشية البائسة ولا إغتصاب حقوقهم فى عيش كريم .. كما لم تكن الثورة على البطالة والغلاء التى تنهشهم ,, ولا على صعوبة ممارسة حقهم الطبيعى فى الزواج بعد أن بدد الغلاء أحلامهم الصغيرة .
السبب الداعى لهذه الثورة العارمة والدماء المراقة أن قوى الأمن أرادت فرض نظام خالفته الكنيسة بتحويل مبنى إدارى فى حيازتها إلى كنيسة تُقام فيها الصلوات .!!
يمكنا أن نتلمس صور كثيرة فى هذا المشهد الدرامى الغبى..
أن القضية كلها لم تحتاج لكل هذه الجلبة ولا لجيوش الأمن المركزى لتنفيذ القرار .. فيكفى أن يتم تعديل الرخصة من مبنى إدارى إلى مبنى كنيسة طالما أن المبنى قائم وفى حيازة الكنيسة نفسها .!!
أن النظام يفرض هيمنته على أمور تافهة ويتغاضى عن آلاف المخالفات التى تتم والتى هى أكثر وطأة من مجرد مخالفة رخصة .. فلم يجرؤ أحد أن يزيل حجر من مسجد تم بناءه كله من غير ترخيص .
أن النظام بممارسته الحازمة تلك يُمارس فكر هيمنة وسطوة وإبراز للقوة مع مغازلة للتيارات الدينية فى الطريق وخصوصا أننا مقدمين على إنتخابات نيابية .
أن سلوك الأقباط الغريب هو سلوك فوضوى وكل ما يعنيهم أن الكنيسة أصبحت آخر خط لا يجب تجاوزه .. فلم يعد تدهور أحوالهم المعيشية البائسة تثيرهم بل تعديل رخصة البناء يكون شاغلهم وقضيتهم لتنزف عليها الدماء .

يمكن تفسير هذا المشهد بأنه يأتى نتيجة إحباط عام وسطوة نظام يضرب بيد من حديد فبحث عن قضية يمارس بها تحديه وغضبه .
للأسف الشديد لا يملك المواطن المصرى أمام حقوقه المغتصبة وطاقة غضبه الحبيسة إلا أن ينفس عنها فى عمل كهذا متحصنا ً بأن دينه وكنيسته ومسجده هو ماتبقى له بعد أن نهشت البرجوزاية وأدواتها لحمه .
هذا عمل بائس يعطى دلالة على أن المواطن المصرى فقد البوصلة ولا يعرف إلى أين يوجه صراخه وغضبه .


*** المشهد الخامس : الكنيسة لم تعد معبد بل هوية وإنتماء ووطن .

لم تعد الكنيسة دارا ً للعبادة ولكن أصبحت كيان يجد فيها المسيحى إنتماءه وهويته ووجوده ..وللأسف الشديد أصبح الإنتماء للكنيسة إنتماء يفوق الإنتماء لمصر !! وحتى لا نكون شديدى القسوة فسنقول أن إنتماء المصرى لدينه سواء كمسلم أو مسيحى يفوق الإنتماء لمصر ولعل هذا يرجع لأسباب كثيرة .. سنجد من خلال الحالة القبطية إجابات لهذا الإنتماء الغير طبيعى .
مع تصاعد التيارات الدينية الإسلامية وتأثيرها على الشارع المصرى حدث تسميم للعلاقات الإسلامية المسيحية وظهرت حالات من الإحتقان الطائفى والممارسات الإرهابية التى تمثلت فى الإعتداء على الكنائس ومنازل المسيحيين وممتلكاتهم .. ولتأخذ حدها الأدنى بالسب والسخرية مع تهمييش كامل لأى دور قيادى للأقباط فى الدولة ويصل الإضطهاد ذروته بممارسات فردية ليعلن صاحب عمل مسلم بصراحة وفجاجة أنه لا يريد لمسيحى أن يعمل لديه .. أو يعلنها صاحب عقار أنه لا يريد أن يؤجر عقاره لمسيحى .
بالفعل هذه الحالات لا تكون حالة عامة ولكنها تتواجد وللأسف تتسع رقعتها .. ليتجرع المسيحى المرارة ويزداد تشرنقه داخل كيان الكنيسة .
لا يجب أن نغفل عن دور الدولة فقد بدأ منذ عدة أجيال إنسحابها عن القيام بدورها تجاه المواطن المصرى وهذا يشمل المسلم والمسيحى على السواء .. فإنسحبت عن توفير فرص عمل وحياة كريمة لمواطنيها ورعاية إجتماعية وصحية لينهش الكل البطالة والغلاء والإنتهاك .

وجدت الكنيسة نفسها مُجبرة على ممارسة دور الدولة وعلى حماية المسيحيين فتعاظم دورها فى المجتمع القبطى و لم تكتفى بممارسة وظيفتها المحددة بممارسة الصلوات والطقوس لتمتد رقعة الأدوار فتظهر أنشطة إجتماعية ورياضية و مستوصفات ونوادى وما شابه .. بالطبع هى محدودة إلى حد ما ولكن كفيلة أن تجعل القبطى يحس أن هناك كيان يحتضنه ويجد فيها ملاذه وهويته وإنتماءه .. ولتزداد الأمور سوءا ً بمزيد من التشرنق والإنعزالية .

لقد تحولت الكنيسة بالنسبة للمسيحى إلى وطن يجد فيه أمانه وملاذه وحمايته .. ولم يكتفى بتسليم أموره الروحية لقياداته الكهنوتية بل وصلت للتسليم بأموره الدنيوية ونمط حياته .
يظهر تأثير الكنيسة الطاغى على المجتمع القبطى فى ترشيح الكنيسة لقائمة إنتخابية محددة لتجد الإمتثال من الجمهور المسيحى لما تحدده قيادات الكنيسة .. فالقائمة التى سيحددها البابا هى القائمة التى سيتوجه المسيحيون لإنتخابها ..حدث هذا فى الإنتخابات السابقة عندما كانت أصوات الأقباط تذهب إلى الحزب الوطنى تلقائيا .
لا تقل أين حرية الأقباط وإرادتهم ورغباتهم ..ولا تقل أين ذهب مثقفى ومتعلمى الأقباط حتى يلغوا فكرهم وإرادتهم وحريتهم وينقادوا لما تُرشحه الكنيسة .!!
للأسف يتم التعامل مع الأمور بسحق لحرية القبطى والمثير للدهشة أنه يتم بإرادته بعد ان وصل لحالة من الإنبطاح والتسليم لهذه المنظومة بإنصياعه طواعية لها .. فالبابا يرى أفضل منه ويعرف أين مصلحته ... والمؤسف أنه يُسلم بهذه الرؤية !!

تصاعد دور الكنيسة جاء رغما ً عنها فى ظل مناخ طائفى وغياب تام لدور الدولة ليتصاعد دور القيادات الكنسية وتُمارس نفوذها وتعضد من سلطتها فى الشارع المسيحى وليتشرذم المجتمع ويتجه نحو التشرنق فلم تعد هناك إلا خطوات نحو الجيتو .. لا يكون الجيتو هو التشرنق فى المكان فقط فيكفى ان يتشرنق البشر نفسيا ً .

فى سعى نظام السادات نحو إجهاض اليسار المصرى والتجربة الناصرية وكافة منجزاتها الإجتماعية ممهدا ً الطريق أمام الطبقات البرجوازية الطفيلية للنهب والهيمنة فى إطار تنفيذه لأجندة سياسية أمريكية فى المنطقة .. قام السادات بإطلاق جماعة الأخوان وكل التنظيمات المنبثقة عنها للتواجد بغية محاصرة اليسار وإجهاضه وتجهيز البلاد لمرحلة قادمة يتم فيها مسح التجربة الناصرية وتجهيز الكعكة لطبقته الجديدة وإرساء المشروع الأمريكى .

كان السادات يعلم أنه سيدفع فاتورته فى مقابل ذلك بتوتر العلاقات بين المسيحيين والمسلمين بل ستُقدم البلاد على مسلسل من النعرات والإحتقانات الطائفية ولكن لن نقول بأن هذه الأمور لم تعنيه أو أن الفاتورة كانت ثقيلة عليه ولا مفر منها .. بل بالعكس كان يسعى لهذه الفاتورة ويراها فى خدمة أجندته السياسية .!!!
نعم كان يُدرك ان وجود مثل هكذا صراع طائفى سيصرف الجماهير عن الإلتفات لطبقته البرجوازية التى تتهيئ لنهب مصر ..فالجماهير ستغرق فى هذا الإستقطاب ليبحث الكل عن هوية وإنتماء بعد غياب هويتها ومصالحها الحقيقية .. وفى ظل عدم الوعى وشراسة النظام وتصاعد البرجوازية وفى ظل سياسات تمحو كل الضمانات الإجتماعية يغرق الجميع فى صراع خائب وعبثى ليتم تنفيذ المشروع الأمريكى بالمنطقة الذى بدأ بمشروع الصلح مع الكيان الصهيونى .
لا يدرك أقباط مصر أن أمريكا لا يهمها إلا مصالحها وستقدم المسيحيون على مذبحها طالما ستظل مصر فى الحظيرة الأمريكية .
يجب ان يفهم الكل مسلميه وأقباطه أن هذا هو بداية الإنهيار والسقوط فى مستنقع اللاعودة ..يجب ان يعى الجميع ان المشاحنات الطائفية ليس مصدرها جماعات متطرفة منحرفة فحسب بل هى مخلب القط الذى يراد له أن يتواجد ليكون صارفا ً للإنتباه عن النهب المستمر لمصر مع تمرير أجندات سياسية تنحو نحو التبعية وتنفيذ المخططات الأمريكية .

إن المشاحنات والنعرات الطائفية ومراحل التشرنق هى تعبير عن حالة غضب لم يجد الوعى المصرى طريقا ً لإداركه ..هو تنفيس عن غضب ضل طرقه ليفرغه إما فى ملعب آخر أو متشرنقا ً حول ذاته وخلق قضية يتحامى فيها كآخر خطوط المواجهة ..إنه ينصرف عن الملعب الرئيسى حيث الصراع الطبقى .. فهكذا هم يريدونه مُنصرفا.
نحن فى حاجة أن نعى ونفيق من هذه الغيبوبة لأننا للأسف فى طريق اللاعودة .

دمتم بخير ....



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 5 ) - نحن نخلق آلهتنا و ...
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 4 ) - الله محدود أم غير ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 17 ) - الإرهابيون لماذا هم هكذ ...
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 3 ) - من يُطلق الرصاص ؟ ...
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 10 ) - صور متفرقة .
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 2 ) - إختار الإجابة الص ...
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 1 ) - العالم ديّ بتستهب ...
- نحن نخلق آلهتنا ( 10 ) - الله جعلناه لصا ً .
- * الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 16 ) - تعلم كيف تكره فهو أوث ...
- لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ( 10 ) - إبحث عن الذكر .
- تديين السياسة أم تسييس الدين ( 5 ) - آيات حسب الطلب .
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 9 ) .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 15 ) - كيف تكون مزدوجا ً فاقدا ...
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 8 ) - لن نرى حضارة طا ...
- لماذا يؤمنون ..وكيف يعتقدون ( 9 ) - فوبيا الآخر والشيطان ..إ ...
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 7 ) .
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 14 ) - كيف تكون متبلدا ً و مست ...
- نحن نخلق الأسطورة والميثولوجيا والحلال والحرام ويمكن أن نسرق ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 4 ) - وهم الخطيئة والذنب ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 3 ) - هل يوجد شر ؟!


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - هموم مصرية ( 1 ) قراءة فى ملف الأقباط .. إلى أين تذهب مصر ؟!