ابرام شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 3194 - 2010 / 11 / 23 - 22:50
المحور:
المجتمع المدني
إن الحالة أو الطقس أو العادات الجماعية تقضي على فكر الفرد وخياله وعقله في أن يكون له استقلالية التفكير, التخطيط, استقلالية في إنتاج الفكرة. فالفرد عندنا ملزم بالجماعة. ولا يجوز طرح فكرة خارج قناعات السرب, لا يجوز أداء سلوك لا ترضى عنه الجماعة! فلماذا كل هذا التوحد والتماسك ياتُرى؟!
أذكر مرة أن أخي الذي بدت عليه بوادر مرض العلمانية "هكذا هي معروفة في قريتنا" بدلا من أن يشعل شريط المنشد الديني وضع في المسجل معزوفة موسيقية حزينة لبتهوفن!!
ربّاه ما الذي جرى يومها؟ لن أسرد ما جرى من حروب طاحنة يومها ضد الكافر أخي.
إن الحظ الأكبر من تفكيرنا وما ينتجه عقلنا, نحن الشرقيين, مهدورة في ما مشى عليه المجتمع, وما آمن به هذا المجموع
الفرد عندنا يجب عليه أن يصلي مع الجماعة فالصلاة مع الجماعة أفضل من الصلاة بشكل فردي عند الله ورسوله والكل يستمع إلى نفس الخطيب وإلى نفس القصص من مآثر الأنبياء والصالحين فالمسجد لا يحتوي سوى نسخ القرآن الكريم الذي يحتوي في كل نسخه على نفس الأفكار ونفس الجمل! ولا توجد كتب تاريخ السيرة أو كتب إسلامية عامة من قبيل كتب علماء الدين الأولين وفلاسفة العرب من أمثال إبن رشد, فالكل يسمع بأن ابن رشد هذا كان في زمانه طفرة ومحبوب من قبل الجميع ولكن لا أحد يعلم ماذا كتب هذا "الشيخ الجليل!" –حسب ما قاله أحد خطباء المساجد يوما- وليس المطلوب من المسلم هنا في المسجد أن يحمل وينهل إلا ما قاله الله وخطيب الجمعة وليس المطلوب منه أن يبحث في تاريخ الدعوة أو أي شيء من خارج المرسوم والمحدد له. فمن أجل وحدة الصف يجب أن يعتقد الجميع بنفس المعتقدات وأن تكون العقول كلها متشابهة إلى أبعد حد في تلافيفها وما تحمله هذه التلافيف من معلومات فالإختلاف يؤدي إلى التشتت والضلال!
أما الطالب فيجب أن يتلقى العلم في صفوف الدراسة الموحدة وبالزي الموحد والمنهاج أوالكراس الجامعي والمدرسي الموحد والمدروس بدقة وعناية لكل الأفراد -فالكل سواسية- فليس هنالك مكتبة مدرسية يطلب من الطالب أن يغوص في أعماقها وأن يختار معرفة ما يريده وما يحاول التوصل إليه دون أن تكون الفكرة التي يجب أن يستقيها مصممة من قبل وزارة التربية وبإرشاد من القائد المفدى! يجب على جميع الطلاب أن يطمحوا لأن يكونوا أطباء ماهرين أو مهندسين كخيار ثاني, فلا أحد يحلم بأن يكون "رئيس جمهورية!" مثلا لا سمح الله فهذه الأفكار الضارة يتم إقتلاعها من جذورها من قبل جميع المدرسين بل ومن قبل حتى آنسات الحضانة الذين أصبحو بدورهم مصنع لإنتاج المواطنين الصالحين المستقبليين! الكل في بلادنا يحب الثورة والحركة التصحيحية المجيدة والكل يكره حركة الإخوان المسلمين "العميلة أداة الصهيونية" حسب الشعار المدرسي الصباحي في كل مدارس سورية! وباختصار كل أبناء الوطن عقلٌ واحد, قلبٌ واحد وقائدٌ واحد ولا مكان لأي إختلاف أو أفكار دخيلة مندسة من هنا وهناك فحينها الكل سيقف وقفة رجل واحد! وتباً للرقم واحد الذي مازلت أكرهه من أيام الإبتدائية.
حفلات الزفاف والمآتم في بلادنا موحدة والرقصات في هذه الحفلات موحدة وجماعية ليس فيها أي أداء فردي فالدبكة عامة ومشتركة وموحدة! وفي المآتم نفس الآيات يجب أن تلقى على المسامع بل ويفضل أن تكون بصوت الشيخ نفسه –عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله- يجب على الجميع أن يتزوجوا بنفس الطريقة ويحزنوا بنفس الطريقة فلا مجال لتعبير أوتفكير فردي مختلف فالمجتمع موحد منظم مثل خلية النحل لا يخل أحد بالنظام والأعراف والمعتقدات الدينية المقدسة ولا مكان للفوضة لا الخلاقة ولا الهدامة.
"شيوعية العقل!"
إن ما يحدث في مجتمعاتنا الإسلامية هو "شيوعية للعقل" ولا أقصد أن العقل عندنا يؤمن بالفكر الشيوعي بل التعبير هنا مجاز بقصد أن العقل عندنا هو واحد فهو نفسه عند الجميع في ما يحتويه من أفكار ومعلومات ونادرا ما يفلت من السرب هنا وهناك طفرة تعاني الأمرين حتى تهرب من الوطن بأتجاه الغرب! فالمواطنين جمعياً يهتفون بروح القائد والنظام ومن غير المحتمل أن تجد أحد ينتقد الحكومة أو السلطة ويخرج خارج السرب العرمرم الذي يخرج في مظاهرات جماعية جرارة من أجل تصريح عادي أطلقه أحد القادة أو الصحفيين الغربيين بحق القائد المفدى! حتى المثقفين عندنا –باستثناء القلة- ليس من السهل أن ينتقد حادثة اختطاف أحد رفاقه من قبل الأجهزة الأمنية, فهو لن يستطيع أن ينظّر للموضوع بأن الوطن و"سيد الوطن" قد يكونوا مخطئن بحق المواطن, فالمألوف غالباً هو العكس. وأقصد بفكرة الوطن هنا النظام لأن ذات الوطن منصهرة في ذات النظام أو بالأحرى في ذات القائد المفدى حفظه الله ورعاه.
الأجهزة الأمنية والفكر الحر الخلاق...!
الملفت للنظر أن هذه الأجهزة "ذات اللباس الغير موحد!" وذات الأساليب الغير موحدة في الدفاع عن الوطن ضد مواطنيه هي التي يترك لأعضائها الإبداع في إبتكار أساليب الدفاع عن الوطن من الخطر الداخلي ألا وهو مواطني البلد! فهذه الأجهزة ليس لديها أي ضابط أو منهج معين في سلوكها تجاه المجتمع, ففي سورية مثلا لا يوجد قانون يحاسب هؤلاء الأمنيين فيما يرتكبوه ضد المجتمع, فهذه الأجهزة خبيرة وذات فكر خلاق في محاصرة المجتمع وملاحقته وعزله عن العالم الخارجي بكل براعة من خلال حجب الأنترنت عنه وتشفير القنوات التلفزيونية وما إلى ذلك من أفكار متجددة تأتي من المنهج المتبع في إعداد هذه الكوادر وتنميت إبداعاتها الفردية وإتاحة الفرصة لكوادرها الأمنية لكي يظهروا إمكاناتهم في حقل تجارب كبير وبائس ألا وهو المجتمع الشرق أوسطي...
#ابرام_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟