أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - (ليل، وثلج وأوتار) لمحمد توفيق . . قراءة نقدية في ماهيّة الصورة السينمائية الشعرية















المزيد.....

(ليل، وثلج وأوتار) لمحمد توفيق . . قراءة نقدية في ماهيّة الصورة السينمائية الشعرية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3193 - 2010 / 11 / 22 - 15:14
المحور: الادب والفن
    


ينتمي فيلم (ليل، وثلج وأوتار) للمخرج العراقي محمد توفيق الى تيار السينما الشعرية. وقد سبق له أن أخرج بعض الأفلام المهمة في هذا الاتجاه مثل (ظِلال) الذي اشتغله بدقة وحِرَفية عاليتين، وربما كان الكمّ الكبير من المشاعر والأحاسيس الجيّاشة التي يتوفر عليها هي التي أمدّته بهذا الزخم الهائل من القدرة التعبيرية التي أوصلته الى مشارف التجريد في الأقل. كما أن فيلم (الفصول الأربعة) لا يخلو من الحرفنة التعبيرية التي أشرنا إليها وأن كان نصيب الموسيقى منها أكبر من الصورة السينمائية، ولا غرابة في ذلك إن حضرت موسيقى باهرة السطوة والتأثير مثل موسيقى أنطونيو فيفالدي. أما فيلمه الجديد (ليل، وثلج وأوتار) فهو يميل الى تحقيق هذا النَفَس التعبيري وصولاً الى الشاعرية المُشار إليها سلفاً، ولكن السؤال الحاسم هنا هو: هل حقّق المخرج بعض ما يصبو إليه، أم أنه تلكأ قليلاً بسبب وعورة الطريق الشاعري وخطورته في آنٍ معاً؟
لنلِج الى تفاصيل الفيلم ونفحص بنيته الداخلية العميقة علّنا نسلّط بعض الضوء على ثيمته وخطابه البصَري الذي راهن على قوة الصورة السينمائية وجماليتها التعبيرية التي لا تحتاج الى الافصاح عن نفسها بالكلام أو الحوارات المُعدّة سلفاً.
لابد من إحاطة القارئ علماً بأن المخرج محمد توفيق لا يخوض في مثل هذه الأفلام التعبيرية، ذات النزعة الشاعرية ما لم تُحِطه أسباب شخصية ونفسية محددة، وكأنّ المخرج يريد أن ينتصر على الأوضاع والضغوط النفسية القاسية التي يمر بها بمنجز إبداعي متفرد، فلا يجد حرجاً في أن يقف على الحافة على الرغم من خطورة هذه المجازفات التجريبية التي قد تأخذ المخرج الى طريقين لا ثالث لهما: إما إبداع تحفة بصرية تصمد أمام تقادم السنوات أو انجاز لغط بصري مفكّك لا يخرج عن إطار التصوير التسجيلي العابر.
يشي الفيلم على مدى الدقائق السبع بأجواء موحشة وكئيبة، ففضلاً عن الليل الذي يلّف المدينة بشكل حقيقي، ويهيمن على حياة المخرج بشكل مجازي، إلا أن الثلج أو نُدَفهُ المتساقطة على الأصح هي الأكثر سطوة على المشهد التصوير. فهذه المفردة الجميلة والساحرة هي التي تأخذنا الى الفضاء الشاعري الذي إلتقطته كاميرا محمد توفيق وعزّزته بعض معالجاته الفنية، فالفيلم لا يزال مادة خام في بعض فقراته، ويحتاج الى المزيد من المعالجات الفنية التي تنتشله من فكرة التصوير العابر أو الاعتباطي. ثمة لقطات ومشاهد قصيرة جميلة ورائعة تدلل على خبرة محمد توفيق البصرية، ولكن الخبرة والعين الذكية لا تكفيان لصناعة فيلم جميل قادر على إبهار مُشاهديه. فعملية بناء الفيلم مهمة جداً في خاتمة المطاف، لأن المخرج بالنتيجة لابد أن يحقق رؤيته الاخراجية التي دفعته لصناعة هذا النوع السينمائي المحدد الذي يبحث عن نخبة بشرية مثقفة، وعيون مدرّبة قادرة على التأويل والامساك بالعناصر الجمالية التي تفلت من عين المشاهد العادي.
الليل يمّد جناحيه السوداوين على مشارف مدينة كوبنهاكن حيث يقيم فيها المخرج منذ سنوات طوالا. كما أن سطوة الثلج واضحة على مدار الفيلم، وربما تكون نُدفة الثلج هي المفردة الأثيرة التي يعوّل عليها المخرج في صناعة فيلم شاعري شديد التعبير.
يلحظ المُشاهِد ندرة الأشخاص الذين يتحركون في الهزيع الأول من الليل، وهذا الأمر هو الذي يعزّز الوحشة الداخلية وقتامة الأجواء التي تسيطر على ذهنية المخرج أو روحه الى حد ما. إن هذا الانشغال أو القلق الدائم الذي يتحوّل الى هواجس متواصلة لا يستطيع أن يتخلّص منها أي مبدع إلا بواسطة عمل إبداعي محدد. وهذا ما يفعله محمد توفيق بالضبط، لأنه بالنتيجة يحاول أن يفرغ هذا الكمّ الكبير من الشحنات النفسية الضاغطة التي يتعرّض لها بين أوانٍ وآخر.
كل شيء مُحاصَر بنُدف الثلج التي لا تكّف عن الهطول، المارة، السيارات، أعمدة النور، الإشارات المرورية، المنازل، الأبنية الحكومية، الشوارع، الأرصفة، الساحات العامة، الأشجار وما الى ذلك. وعلى الرغم من هيمنة الثلج على كل الأمكنة التي لمّتها عدسة الكاميرا وحصرتها في مدار النظر، إلا أن عين محمد توفيق المدرّبة بصرياً، كما أشرنا، قد ركزت على أعمدة النور والاشارات المروية التي وفرت له عنصراً جاذباً يستطيع بواسطته أن يبهر المتلقي أو يستحثه في الأقل على المشاركة الوجدانية التي قد تفضي الى نوع من المشاركة التفاعلية أو العضوية مع السياق العام لفيلم لا يعوّل مطلقاً على الكلام المنطوق أو أي شكل من أشكال المهيمنات الأدبية المكتوبة.
تلعب الموسيقى دوراً مهماً في أفلام محمد توفيق القصيرة، ولكنه أخرّ ظهورها في هذا الفيلم، ربما لأنه كان يريد تأكيد العزلة التي أشرنا اليها سابقاً. إذ جاءت منسابة عذبة من آلة القانون التي يعزف عليها الفنان عمّار القيسي الذي سيتحول الى بطل للفيلم من غير إدعاء بهذه البطولة. اللافت للانتباه أن المكان الذي كان يجلس فيه العازف عمّار القيسي كان مَثاراً للدهشة والغرابة، ومبعث هذه الدهشة أنه يجلس على قارعة الطريق في ليل شتوي تتساقط فيه الثلوج الأمر الذي يُلحق بهذه الآلة الحساسة الكثير من الضرر، كما أن عزفه في ذلك المكان غير مبرر لأنه لا يتخذ من (العزف على الطرقات) مهنة له كما يتضح من سياق الفيلم. اللهم إلا إذا كان هذا العازف القادم من العراق تحديداً مصاباً بالكآبة، ويعاني من العزلة والتوحد، ولم يجد بُداً من الخروج في هذه الليلة القارسة الى هذا الشارع الغارق في وحشته وبرودة أجوائه.
وحتى هذه الآلة الموسيقية ذات الذور الآشورية أو العباسية تبدو غريبة في كوبنهاكن على الرغم من أنها وصلت الى أوروبا عن طريق الأندلس، إلا أنها سرعان ما تلاشت حينما فرض البيانو حضوره الهائل وأزاحها من المشهد الموسيقي الأوروبي.
كان يمكن للمخرج محمد توفيق أن يفيد من كثير من اللقطات التي مرّت مروراً سريعاً مثل جرّافة الثلج، وواجهات بعض الأبنية التي ركزت عليها عدسة الكاميرا، والعمل النحتي الرائع للفنان أريك بولسون الذي يغطي الثلج بعض ملامح فيكراته الثلاثة العارية.
تجدر الاشارة الى أن الفيلم يتوفر على عدد غير قليل من اللقطات الجميلة لعل أبرزها تلك اللقطات التي تصور الحركة القوسية للنُدف الثلجية التي تنهمر من سماء كوبنهاكن لتفرض على القاطنين بين فيها نوعاً من العزلة التي قد تبدو مألوفة لسكّانها الأصليين، لكنها تضاعف من قسوتها على الناس الوافدين اليها، خصوصاً أولئك الناس إقتلعوا من جذورهم أو وجدوا أنفسهم ضحايا للهجرة القسرية التي وفرّت لهم بامتياز الغربة والعزلة والتوحّد وما ينجم عنهما من استعادات ذهنية لأشرطة من الذكريات المُسرِّة والمُحزنة في آنٍ معاً.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -سيدات زحل- للكاتبة العراقية لطفية الدليمي: سيرة بغداد من ال ...
- إكليل موسيقى . . لجواد الحطّاب: لغة تحريضيّة وسخرية سوداء وم ...
- بيلما باش في فيلمها الجديد (زفير). . سويّة فنية وخطاب بصري ر ...
- شريط (أرواح صامتة) لأليكسي فيدورتشنكو. .تحفة فنية ترصد قصة ح ...
- في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي: ثلاثة أفلام إيرانية قصير ...
- الأمل والانعتاق في (كرنتينة) عدي رشيد. . دراسة نقدية للشخصيا ...
- (روداج) نضال الدبس. . النبوّ عن الواقع والجنوح الى الخيال. . ...
- (طيّب، خلّص، يلّلا) لرانيا عطيّة ودانييل غارسيا. . يرصد الشخ ...
- كيارستمي في فيلمه التجريبي الجديد - شيرين - مُجدِّد لم يكف ع ...
- على خطى هاينكة سليم إيفجي يعرّي الطبقة الوسطى، وينشر غسيلها ...
- بلا نقاب: فن جديد قادم من الشرق الأوسط وشمال القارة السمراء
- يشيم أستا أوغلو و - رحلة الى الشمس -
- في فيلمه الروائي الجديد - خريف - أوزجان ألبير يرصد قمع المنا ...
- تشتّت الرؤية الاخراجية لعمرو سلامة: - زي النهاردة - فيلم يتر ...
- الفيلم الوثائقي- طفل الحرب - لكريم شروبورغ محاولة لنبذ العنف ...
- فيلم - بورات - للاري تشارلس . . . من السخرية الوثائقية المُر ...
- أهمية القصة السينمائية في صناعة الفيلم الناجح
- في فيلمه الروائي الجديد - الحقل البرّي - ميخائيل كالاتوزيشفي ...
- الشاعرة الأسكتلندية جين هادفيلد تفوز بجائزة ت. أس. إليوت للش ...
- الفنان البريطاني رون مُوِيك يصعق المشاهدين ويهُّز مشاعرهم


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - (ليل، وثلج وأوتار) لمحمد توفيق . . قراءة نقدية في ماهيّة الصورة السينمائية الشعرية