جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3193 - 2010 / 11 / 22 - 14:10
المحور:
كتابات ساخرة
المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين,سواءَ أكان عَرَقاً أم غِطراً أو جنة أو نارا, وفي ناس مكتوب على جبينهم العرق والكفاح والدموع والانفعالات وفي ناس مكتوب على جبينهم الراحة والمال والمكاسب الخيالية من غير ما تنزل من جبينهم نقطة عرق واحدة ومع ذلك يقولون للناس : هذا من عرقنا وكفاحنا .
أنا أعمل معلم بناء وغالبا ما تظهر على ملابسي آثار البناء أو الرمل أو الحجر النظيف الأبيض وكل مهني مثلي تظهر على ثيابه وعلى وجهه آثار النعمة أو النِقمة التي هو فيها ,وحين أعرق أمسح جبيني بيدي وكل الناس تشاهد عرقي وكفاحي , ولكن هنالك أناس أنا أسمع عنهم أشياء لا أجدها على أرض الواقع ..هذه الدنيا كلها عباره عن دنيا امشقلبه اتشقلب والي بسولف فيها عن عرقه وكفاحه ما بنشوف لا عرقه ولا كفاحه .
والمسألة لا تتوقف عند هذا الحد بل هذه مقدمة للموضوع الذي أريد قوله وهو أن الذين يعرقون جدا ليسوا أغنياء أو حتى ليسوا في حالة اكتفاء ذاتي ولكن الذين لا يعرقون كلهم أصحاب رؤوس أموال وبنفس الوقت يتحدثون هم والناس المحيطون بهم عن عرقهم وتعبهم وكفاحهم , وهنالك رجلاً أعرفه غني جدا عن التعريف وغني جدا بالمصاري يقال عنه بأنه يعمل صاحب فرن للخبز وأنا شخصيا لا اشك بالموضوع ولكن في حياتي كلها ما شفته يخبز أو يعجن أو حتى لابس ملابس خبازين وأتمنى لو أراه مرة واحدة وبيده رغيف خبز يعجنه أو وهو يضعه في الفرن.
مش هذه شغله مُحيّره؟
والله هذه الدنيا غريبه وفي واحد أسمع عنه بأنه يعمل (دهان) وفي حياتي ما شفته لابس ملابس عليها أي نقطة دهان بس كل الناس بحكوا عنه بأنه دهان ممتاز وعلى آخر موضه, وفي واحد بعرفه يقال عنه بأنه يعمل ميكانيكي سيارات ولكن أنا شخصيا لم أشاهده طوال حياتي وهو يلبس ملابس عليها آثار الزيوت والشحوم , وفي واحد من معارفي يقال عنه بأنه يعمل في (دبي) صاحب أكبر ورشة ألمنيوم وحداده أبواب وشبابيك ومطابخ ولكن لو سألته أي سؤال عن مهنته تجد أنه لا يعرف شيئا عنها.
والذي يعملُ نجار باطون يجب أن تكون على ملابسه آثاراً من مهنته ولكن صدقوني أنني أتمنى مثلاً أن أرى على ملابس جاري الذي يعمل صاحب محل لتلبيس زجاج السيارات أي أثر يدل على مهنته ,يا شباب :الإنسان مثل بني آدم إذا مات فمعناه أنه توفى وفارقنا للأبد , ربما يكون هذا الكلام غير مفهوم ولكنه على الأقل سخرية من شرح أسباب غنى بعض الناس وفقر الآخرين ,فأنا مثلاً إذا تعبت أتعرقُ من جبيني وكل من يشاهدني يلاحظ العرق وهو يتصببُ من جبيني , وصدقوني أنني أثناء العمل في فصل الصيف أشعر بالمطر وهو يسقط من قمة رأسي .
وهنالك قلة من الناس يقال عنها بأنها لا تعرقُ أبدا , ولكن الغريب في الموضوع أنهم يتحدثون عن عرقهم وإذا ما سألت الناسَ هل رأيتم عرقهم ؟ فإن الإجابة ستكون لا,و في واحد عايش بحارتنا من أيام زمان ,وطبعا ما فيش حدى عايش في حارتنا من غير ما إنكون بنعرفه وبنعرف أصله وفصله وأبوه وأبو أبوه وأمه وأم أمه وجد جده حتى سابع أو ثامن جد, ودائما الناس تتكلم في حارتنا عن مصاريه الكثيرة جدا والتي يقال عنها بأنها لا تُحصى ولا تُعد, أما هو فلا يتكلم عن مصاريه وإنما يتحدث معك فقط عن قصة كفاحه ونضاله وعرق جبينه.
طبعا أنا مش مستغرب من قصة الكفاح والبطولة التي أصبحت في هذه الأيام رواية يرويها الجميع سواء أكانوا مكافحين أو غير مكافحين وإنما أستغربه أنني لم أر له في حياتي ولا أي نقطة عرق نازلة من جبينه أو من يديه أو من تحت كتفيه, ولم ألحظ على جبينه أي نقطة عرق, ومرة سألته هذا السؤال معتقدا أنا بأنه وسؤال جريء جدا ومُحرج غير أنه أجاب عليه بإجابة نصفها طبية ونصفها سياسية حين قال: في بعض أجسام تتعب ولا تعرق.
طبعا أنا سألت طبيب وهو جارٌ لي وجارٌ له فأكد على صدق كلامه وقال في ناس ما ابتعرقش نهائيا.
ومرة أخرى سألته سؤالاً آخر فقلت له: طيب أنت كبرجوازي وين أعمالك الخيرية؟
طبعاً أنا كنت معتقدا بأنه لم ولن يجب على هذا السؤال ولكنه أجاب هذه المرة إجابة ليست طبية وإنما دينية ودبلوماسية حين قال لي: في ناس تعمل أعمال خير ولكنها سرية على شان الأجر عند ألله يبقى ثابتاً ولا يذهب في مهب الريح, فقلت له: لالا اسمح لي هذه مش مثل قصة العَرق(الفرونات) اللي لا يمكن أن نراها ,لازم الناس يشوفوك على شان يقلدوك.
طبعا كل أهل حارتنا من أيام زمان ما حدى فيهم شافه مثلا عرقان أو تعبان , بالرغم من أنه ليل نهار يتحدث عن عرقه وكفاحه وتعبه, وهذه المرة سألته ونحن جلوس معه وكنا تقريبا أكثر من 15 شخصاً : انت دائما ما تتحدث عن تعبك, بس أنا شخصيا بحياتي كلها ما شفتك تعبان ..ليش؟.
طبعاً أجاب إجابة طبية وقال: في ناس ابتتعب اكثير اكثير ولكن لا يظهر عليهم التعب إطلاقا, وأنا واحد من هؤلاء الناس الذين يتعبون ولا يظهر عليهم التعب.
ومرة من ذات المرات كنا معه في حفلة عرس لأحد أقربائي وأقرباءه فسألته عن أيام الشقاء التي يتحدث عنها فقال: أيام وانتهت , ومن ثم سألته عن قصة هلاكه ومثابرته ومغامراته فقال: في ناس تثابر في هذه الحياة ولكن لا تظهر عليهم علامات المثابرة.
فقلت له: اسمح لي هذه المرة بالمعارضة معقول في ناس لا يظهر عليهم لا التعب ولا العَرق النازل من الجبين؟ فقال: اسأل الدكتور جارك ..صدقني يا أبو علي في ناس أو في نساء لا يظهر عليهن الحمل حتى في آخر شهر من شهور الحمل.
في ناس يتعرقون من جبينهم ومن تحت أفخاذهم ومن تحت آباطهم ولا تظهر عليهم نتائج عرقهم وتعبهم وإنما تظهر عليهم آثار فقرهم وجوعهم, وهذا بعكس جاري الذي تظهر عليه آثار الغنى الفاحش ولا تظهر على جبينه ووجهه آثار التعب والتعرق والإرهاق.
أعتقد بأنها جريمة كاملة
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟