أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم حجاج - المسرح المصرى وظاهرة التطرف الدينى دراسة نقدية لمسرحية - الجنزير -.















المزيد.....



المسرح المصرى وظاهرة التطرف الدينى دراسة نقدية لمسرحية - الجنزير -.


إبراهيم حجاج

الحوار المتمدن-العدد: 3190 - 2010 / 11 / 19 - 01:49
المحور: الادب والفن
    


المسرح المصرى وظاهرة التطرف الدينى دراسة نقدية لمسرحية " الجنزير ". بقلم ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم المسرح كلية الآداب جامعة الاسكندرية.
بسم الله الرحمن الرحيم
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
صدق الله العظيم
بلغت مؤامرات التطرف والإرهاب الدينى فى مصر معدلات غير مسبوقة خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين ولم تعد هذه الظاهرة مجرد تهديد للدولة والنظام الحاكم ، بل أصبحت تهدد المجتمع المصرى كله ، سواء فى بنيته الداخلية ، أو فى اقتصاده ، أو أمنه الاجتماعى والسياسى ومكتسبا ته الثقافية والفكرية وكذلك إنجازاته الاقتصادية والمادية . ولا تقل الحرب التى يشنها المتطرفون والإرهابيون ضراوة عن أى حرب خاضتها مصر مع أعدائها الخارجيين فى هذا القرن . بل ربما كانت هذه الحرب أشد ضراوة ، لان أحد أطرافها هم أبناء لنا ، أعماهم التطرف ، فاختاروا العنف سبيلاً لفرض إرادتهم وزعزعة استقرار المجتمع ، واستهدف عنفهم أبناء لنا فى أجهزة الأمن ، أو اخوة لنا من المدنيين المسالمين العزل ، مسلمين وأقباطاً .
وكلما مرت السنوات ، وظن الناس أن هذه الأزمة قد انتهت بالإجراءات البوليسية العنيفة وحدها ، إذا بها تعود مرة أخرى فى ثوب جديد وشكل جديد ربما كان أشد عنفا واكثر تنظيماً ، وذلك لان العلاج كان دائماً يتناول الشكل دون الجوهر ، ويتخذ جانب رد الفعل المؤقت بدلاً من الحلول الدائمة والجذرية ، ويستخدم المواجهة الشرطية والسجون والمعتقلات بدلاً من أن يغوص النظام الحاكم فى أعماق المشكلة ويحاول إيجاد الحلول الجذرية لها .
ولا يختلف أحد فى أن الفن بروافده المختلفة وعلى رأسها المسرح يحمل مع سائر مؤسسات المجتمع مسؤولية كبرى فى تزكية القيم اللازمة للحفاظ على تماسك المجتمع وسلامته واستقراره ، كما تقع على عاتقه مسؤولية مماثلة فى تخليص المجتمع من القيم التى تهدد هذا التماسك وذلك الاستقرار ، هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الفن والأدب من أدوات الضبط الاجتماعى ، وإذا كانت قضية الإرهاب ، والعنف بصوره ودوافعه المختلفة قد شغلت السياسة والمفكرين والمسؤولين عن أمن المجتمع ، ولا تزال تشغلهم جميعاً فقد شغلت أيضاً كتاب المسرح ، وعلى رأسهم الكاتب " محمد سلماوى" الذى أكد من خلال مسرحية " الجنزير" رسالة المسرح التنويرية بوضع ظاهرة الإرهاب المقنع بالدين تحت بؤرة الضوء الشديد لتكون " أول عمل مصرى إبداعى يتصدى للإرهاب فقد كتبت عام 1991 ، ونشرت عام 1992 قبل أن تصبح الكتابة عن الإرهاب طرازاً مألوفاً ، أو حتى مقبولاً من الأجهزة الإعلامية والثقافية فى مصر ، ولذلك تحمل المسرحية علامات البداية بالمعنى الذى ينطوى عليه رد الفعل الإبداعى الأول إزاء ظاهرة هى نقيض الإبداع والحياة على السواء " (7)
وقد أخذ " سلماوى" بتلابيب اللحظة التاريخية التى يمر بها الوطن دون أن يسمح لنفسه ـ شأن غالبية المبدعين ـ برفاهية الانتظار حتى يتحقق بعد زمنى كاف يتيح له تأمل القضية عن بعد قبل تناولها درامياً " (8)
تدور أحداث المسرحية حول "زهرة" ربة المنزل التى تصطحب إلى منزلها فتاة منقبة قابلتها بالصدفة فى الطريق حيث كانت تشير بيدها لأى سيارة ملاكى لتوصيلها على طريقة (الاوتوستوب) ، وتقف "زهرة" بسيارتها لهذه الفتاة ، التى ترى فيها صورة ابنتها "نرجس" التى رافقت زوجها إلى السعودية ، حيث يعمل ، ولبست النقاب أيضاً حسب عاداتهم . ومن فرط طيبة المصريين تستضيف "زهرة" هذه الفتاة فى منزلها أمله أن تقيم حواراً معها كى تفهم ما يدفع فتيات هذا الجيل إلى النقاب . ومن خلال مونولوج طويل تبدأ "زهرة" فى الحديث عن حياتها الخاصة ، حيث تعيش مع والدها المقعد الذى جاوز الثمانين من عمره ، ولازال يعيش على ذكريات ثورة 19 والوطنية المحبطة تحت وطأة الاستعمار الإنجليزى والبوليس السياسى ، وزوجها المتوفى الذى كان من كبار مهندسى السد العالى رمز الوطنية والثورة والكرامة ، وابنها "أحمد" الذى ضاع بعد وفاة الأب الناصرى وجرفه تيار الإدمان ليعيش تائهاً بلا هدف أو حلم أو قضية ، ونقيضه الابنة الصغرى "ياسمين" سراج الأمل الوحيد فى الأسرة ، والتى تدرس تاريخ مصر وآثارها العظيمة ، وتبحث عن الجذور الأصيلة لهذا الشعب الأصيل . وتفاجأ "زهرة" بأن الفتاة المنقبة ما هى إلا أحد الإرهابيين المتنكرين فى هذا الزى ، ويخرج "محمد" الشاب الإرهابى من وراء ذلك النقاب الأسود حاملاً مسدساً يهدد به صاحبة البيت ، وينتهى به الأمر إلى تقييدها بجنزير حديدى _ فى أحد الكراسى _ رغم توسلاتها وتوسلات أبيها الشيخ المقعد المريض الذى لا يكاد يسمع أو يرى. وتبدأ المواجهة الحاسمة فى مسرحية "الجنزير" منذ اللحظة التى يجتمع فيها شمل الأسرة الجد والأم والابن والابنة الصغرى فى حضور الإرهابى الذى يحتجز الجميع لحساب إحدى الجماعات الإرهابية التى يأمل أن يقبله أميرها عضواً فيها ، ثم يتصل بمكتب وزير الخارجية ليخطره بأنه _ بناء على تعليمات أميره _ يحتجز أسرة بأكملها، ويهدد بقتل أفرادها جميعاً إذا لم يتم الإفراج عن سبعة عشر إرهابياً متورطين فى قضايا أمن دولة . وإذا به يحول المنزل إلى زنزانة محاطة بالجنازير التى أغلقت الأبواب والنوافذ ، وبصرخات التحريم والتكفير التى أغلقت الراديو والتلفزيون ومنعت الحصول على الجرائد . وحين تفشل المفاوضات بين الإرهابيين والشرطة ، يطلب من الإرهابى اغتيال أحد أفراد الأسرة فى تصاعد يراد به إرهاب قوات الأمن ، فيعلن كل واحد منهم استعداده للتضحية بنفسه فى سبيل الباقين ، وهنا يبلغ العمل الأدبى ذروته ، فتزول الغشاوة عن عين الإرهابى ويرفض تنفيذ تعليمات أميره ويعلن انه كان مضللً وانه اكتشف فى سلوك تلك الأسرة المصرية رمزاً للقيم الأصيلة التى تعبر عن الإسلام الصحيح ، خاصة بعد تعايشه معها واقترابه منها . وتنتهى المسرحية بمواجهة عنيفة بين الإرهابيين ورجال الشرطة ، ويقتل "محمد" برصاص جماعته ، بينما تطلق "زهرة" صرختها المدوية "بلدى"
وقد تناول "سلماوى" الظاهرة من خلال عدة محاور بدأها بعرض لخطاب الإرهاب الدينى، وأساليب تنفيذه . " فمع مرور الزمن وضع قادة التطرف لأنفسهم فكراً خاصاً بهم يملونه على أتباعهم فى مساجدهم الخاصة فى الأحياء العشوائية وكأنهم جاءوهم بدستور قرآنى جديد . كل هذا فى غفلة وسلبية من أجهزة الدولة ووزارة الأوقاف والأزهر ، فبدءوا فى نشر أفكارهم وفتاواهم التى تتناول كل جوانب الحياة ، وتدعو إلى تحريم كل شىء من نعم الحضارة والحياة المعاصرة ، فالتلفزيون حرام والراديو حرام والتمثيل فى السينما والمسرح حرام ، وكل ما يتعلق بالمرأة حرام ، فصوتها عورة وتعليمها مفسدة ، ومصافحتها إثم ووجهها يثير الشهوة وعملها محرم مهما كان شريفاً ." (9)

وقد عكس " سلماوى" هذا الفكر فى مسرحيته من خلال شخصية "محمد" الإرهابى المتطرف الذى غيب عقله بأفكار جماعته المضللة ، فنراه وقد انقض على "زهرة" وأفراد أسرتها بمطارق الرفض والإدانة والتحريم .

" زهرة" : أنا أصلاً ما عنديش أى حاجة . قلت لك إنى بعت كل حاجة . تاخد
التلفزيون؟

محمد : ( يقذف فى غضب بإحدى " فازات" الورد على التلفزيون فتنكسر شاشته)
بدعة ! وكل بدعة ضلالة ! وكل ضلالة فى النار ! " (10)

وفى حواره الطويل مع " ياسمين" الابنة الصغرى لـ " زهرة" نرى مبدأهم التحريمى يفرض نفسه على كل مفردات الحياة .

" محمد : مكان المرأة فى البيت .

ياسمين : يعنى ما فيش شغل ؟

محمد : العمل فى المجتمع الكافر كفر .

ياسمين : طب والأولاد يروحوا مدارس ولا لأ ؟

محمد : مدارس الكفار لا تعلم إلا الكفر .

ياسمين : يعنى ما فيش تعليم كمان ؟

محمد : التعليم فى الجامع .

ياسمين : واللى عايز يدرس علم نفس ولا ذرة ولا موسيقى ولا ..

محمد : استغفر الله

ياسمين : من أبه ؟ من العلم ولا الذرة ولا الموسيقى ؟

محمد : العلم كله فى القرآن . " (11)

واستكمالاً لعرض دستور التطرف الدينى تعرض الكاتب لما قامت به هذه الجماعات من تكفير الحكومة والدولة بحجة انهم لا يحكمون بما انزل الله ، " حيث استندت جماعات التطرف الدينى فى تفسير النصوص القرآنية إلى المنهج الحرفى الذى يعتمد على انتقاء آيات وأحاديث معينة والتمسك المطلق بحرفيتها دون الالتفات للمقاصد العامة لها ، أو الأخذ بأسباب النزول ، أو معرفة بأصول الاستدلال اللغوى والفقهى . ومن هنا اعتبروا المجتمعات الإسلامية المعاصرة مجتمعات كافرة لأنها تحكم بقوانين وضعية ذلك استناداً لتفسيرهم للنص القرآنى (12)
" ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون " ( سورة المائدة ، آية 44) وقد تأكد هذا المعنى على لسان " محمد" حيث يقول :

" محمد : ما فيش مجتمع كافر ممكن يفيدنا فى حاجة

ياسمين : طيب أمال الحل إيه ؟ نبنى بلدنا ازاى ؟

محمد : يجب القضاء أولاً على المجتمع الكافر اللى إحنا عايشين فيه ده عشان
نقدر نبنى مجتمع الإسلام.

ياسمين : أنا لسه مش قادرة اقتنع ازاى الطريق للجنة يمر بالمسدس والجنزير

محمد : المسدس ده للكافر. حياة الكافر مالهاش أى قيمة . زيه زى الكلب ."(13)

وبناءً على هذا يجوز سرقة أموال الدولة الكافرة باسم ( الاستحلال) ، وذلك لتوزيعها على فقراء المسلمين (أى هم أنفسهم)

" محمد : ... فيه جماعة فى امبابة كانوا من الساعة سبعة بالليل يسلسلوا البيوت
كلها من برة بالجنازير علشان ما حدش يدخل ولا يخرج .

ياسمين : موش دول اللى كانوا بعد ما يحبسوا الناس فى بيوتهم يروحوا يسرقوا
الدهب من محلات الصاغة ؟

محمد : استغفر الله ده استحلال .

ياسمين : يعنى ايه استحلال ؟

محمد : يعنى طالما ده مال كفار يبقى مستحل لنا علشان نصرفه فى خدمة الإسلام

ياسمين : متهيأ لى أن السرقة مالهاش اسم ثانى السرقة سرقة . " (14)

كما يشير النص إلى الطاعة العمياء التى تستند إلى التبعية المطلقة لأمير الجماعة ، ودورها فى تدمير الشخصية وتأهيلها لتنفيذ ممارسات إجرامية مدمرة للمجتمع ، ومناقضة لجوهر الدين ومبادئه وتوجيهاته التى تجرى تلك الممارسات باسمها ، وتحت لوائها فى ظل حالة من تزييف الوعى وتغييب العقل .

" زهرة : ( تخفض صوتها قليلاً وتحاول أن تتمالك نفسها) أنا عايزة افهم دلوقت
أنت موقفك ايه بالضبط ؟ أنت مشترك فى عملية أنت مش عارف أى شىء
عنها،مين اللى مطلوب الإفراج عنهم دول؟ واللى حياتنا بقت رهينة علشانهم؟

محمد : سبق سألتينى السؤال ده وقلت لك ما أعرفش أنا بأنفذ الأوامر

احمد : هو بينفذ الأوامر

زهرة : طيب مين اللى اصدر الأوامر دى ؟

محمد : الأمير

زهرة : طيب ما تتصل بيه ونشوف ايه الحكاية ؟

محمد : معرفش طريقه . " (15)

ولم يكتف " سلماوى" بعرض خطاب التطرف الدينى من خلال مبادئه الثلاثة التحريم والتكفير والاستحلال ، بل القى الضوء أيضا على أساليب تطبيق هذا الفكر فى محاولة لكشف النقاب عن مبادئه المغلوطة . فهذا الإرهابى الذى يدعى الغيرة على الدين والأخلاق ليس إلا مخادعاً نذلاً لأنه تنكر فأخفى حقيقة وجهه ، ولأنه استغل طيبة امرأة بريئة متسامحة صدقت انه فتاة غريبة فى حاجة إلى العون فمدت يدها إليه . فى إشارة من الكاتب إلى أن " هؤلاء الإرهابيين مخادعون وليس لهم من جوهر الدين الأخلاقى نصيب ، ومن تنطلى عليه حيلهم السلوكية والمنطقية يصطلى بجحيمهم ويتورط فى تآمرهم . " (16)
كما كشف النص عن أسلوب العنف الذى تمارسه تلك الجماعات كوسيلة للدعوة إلى الدين ، أو الانتساب إليه ، والى أفكارهم المتطرفة التى تتنافى مع روح الإسلام دين الوسطية والسلام .

" محمد : .... وساعات كنا نكلم الحريم بنفسنا فى الشارع نقول للواحدة منهم لازم
تغطى شعرها واللى كانت ما بتسمعش الكلام كنا نرمى على رأسها مية نار!!!.

ياسمين : يا ساتر .

محمد : مرة تانية كان فى مسرحية فى الدقهلية رحنا ولعنا فى المسرح . بقت
حريقة . اللى كنا نسمع أن عنده فرح ابنه ولا بنته كنا ندخل عليه سبع
تمن رجالة كده نقوله مافيش رقاصة ما فيش زفة ما فيش مزيكة وإلا
بنهجم على الفرح نقلبه ضلمه "(17)

ومن البديهى أن فضيلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على رأس الفضائل التى حضت عليها الشرائع السماوية بصفة عامة ، وشريعة الإسلام بصفة خاصة . والمتدبر للقرآن الكريم يراه قد سلك فى وجوب اعتناقها ، والمحافظة عليها والجهر بها أساليب شتى. فالخطاب الإلهى بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ليس موجهاً إلى الحاكم فحسب ، أو مقصوراً عليه ، وإنما موجه إلى كافة المسلمين كل فى حدود طاقته ومسئوليته . وكما ورد فى الحديث الشريف " كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته " ، فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو فى الإسلام حق وواجب على كل فرد حاكما أو محكوماً إسهاما فى التغيير إلى الأفضل وصناعة التقدم المنشود ، كلٌ فى حدود قدرته واستطاعته شريطة أن يباشر ذلك بالرفق والتى هى أحسن ، وأن لا يتستر البعض باسم تغيير المنكر فيتخذه ذريعة لترويع الآمنين والاعتداء عليهم .
وهذا ما أكد عليه " سلماوى " خلال عرضه لاستراتيجية جماعات التطرف الدينى التى ظاهرها المقاصد الطيبة البريئة ، وباطنها النيات الإجرامية .

محمد : فيه حد يختلف على كلمة الله ؟

ياسمين : لأ ما أقصدش . لكن ممكن يختلف على الوسيلة هل هى اللين ولا العنف

محمد : اللجوء إلى العنف معناه أن كل الوسائل التانية فشلت .

ياسمين : أيوة لكن متهيألى من اللى أنا أعرفه ، ومن اللى قريته ، إن اللين جزء
أساسى من طبيعة الدين الإسلامى ، مش مجرد اختيار من الاختيارات .
موش ربنا قال : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم
بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل سبيله وهو أعلم بالمهتدين "
مبدأ الرحمة ده أول حاجة تيجى فى مخى لما أفكر فى الإسلام . درجة
الرحمة فى الإسلام بتوصل إلى أن ربنا بيقبل توبة الإنسان بمجرد ما يتوجه
له بالتوبة بينه وبينه ، ومن غير وسيط ولا أمير . أنا كان نفسى أتناقش
معاك النهاردة على العشا لكن للأسف ما كنش فيه فرصه . يعنى إللى أنت
بتعملو فينا والرعب اللى أنت مسببه لماما ده يرضى ربنا ؟ " ( 18)

إن النص ينطوى على دعوة حقيقية للتأمل فى خطاب الدعوات الإرهابية المقنعة بالدين، وتجسيد ذلك الخطاب بما يضعه موضع المسائلة فى ذهن المتلقى الذى لا يمكن أن يستقبل هذا النص استقبالا سلبيا ، دون مشاركة فعلية بالرفض والاستنكار المستند على وعى بدلالات الأحداث ، وما تشير إليه من إدانة لتلك الظاهرة ، مما يسمو بالنص ليكون أداة من أدوات الضبط الاجتماعى ، ليس فقط بعرضه للممارسات الإجرامية لجماعات التطرف بقصد تعريتها ، ولكن لإشارته أيضا إلى نقائض هذا التطرف ، وإبراز سماحة الدين الإسلامى الذى يخلو من التعصب الجامد ، أو التطرف الأعمى الذى يؤدى إلى تساقط الضحايا الأبرياء ، "فقد ركز النص على أسلوب الموازنة بين لونين من ألوان التربية الاجتماعية ليضئ أمام المتلقى صورة للشخصية المصرية الطيبة السمحة الصادقة فى مشاعرها والمؤمنة بالله إيمانا فطريا بعيدا عن التحزب والتعقيدات النفسية والهوس السياسى والدينى ، وفى مقابلها صورة الشخصية المصرية المعقدة والمحملة بهموم عقائدية ، وسياسية ، وذلك فى سبيل إجراء موازنة بين توجهين بشريين فى حياتنا المعاصرة ، توجه خير متدين دون تحزب تمثله " ياسمين " ، وتوجه حديث التدين شديد التعصب يمثله " محمد " ، وذلك للكشف عن ظلام التطرف الدينى فى ضوء سماحة الإسلام ووسطيته . ( 19) كما يحذرنا النص من خلال تلك الموازنة من الخلط بين التدين والتطرف موضحا أن التدين يعنى الالتزام بأحكام الدين والسير على منهاجه ، وهو أمر مطلوب ومرغوب فيه ، ومحمود عند الله وعند الناس، ويعود بالخير والفلاح على أصحابه وعلى المجتمع طالما فى ظل إطار من الفهم الصحيح السديد ، أما التطرف فيعنى الإغراق الشديد فى الأخذ بظواهر النصوص الدينية على غير علم بمقاصدها ، وسوء الفهم لها . كما تؤكد البنية الفكرية للنص من خلال المناقشات الجدلية بين الإرهابى وأفراد أسرة زهرة على أن المتطرف والإرهابى وجهان مختلفان لعملة واحدة ، فالمتطرف يعتنق أفكاراً قد يكون أكثرها خاطئاً أو منحرفاً ، ولكنه يعتقد أنها هى الدين ولا شيء غيرها ، فإذا لجأ هذا المتطرف إلى استعمال العنف بحجة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فإنه يتحول إلى إرهابى حتى لو كان هذا العنف باللسان والكلام .
ولا يقف النص عند حدود الكشف والإدانة بل يتجاوزها محاولا النفاذ إلى أعماق الظاهرة من خلال المعالجة الموضوعية لأسبابها على مستوى الفرد ، وعلى مستوى المجتمع فمن المؤكد أن التطرف لم ينشأ اعتباطا ، وإنما له أسبابه ودوافعه المتعددة ، ومعرفة السبب غاية فى الأهمية ليمكن على أساسه معرفة وتحديد نوع العلاج . وفى نص "الجنزير" يرجع الكاتب ظاهرة الإرهاب والتطرف الدينى إلى تأثيرات المجتمع وأوضاعه ، واختلال النسق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كأسباب متشابكة ومتداخلة تعمل بأقدار متفاوتة ، وتؤثر أثاراً مختلفة فى توليد نوع من الإحباط واليأس والشعور بالفشل يقود فى النهاية إلى الخروج عن المجتمع واستخدام العنف ضده . وإيماناً من الكاتب بأن السلوك الانحرافى لدى الأفراد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بظروف التنشئة الاجتماعية ، وأهميتها فى تشكيل سمات الفرد ، ويقدم لنا " محمد " الإرهابى فى شخصية مثقله بغياب الأم وتنكر الأب وقسوة الحياة ، مما أهله للوقوع فريسة سهلة تقتنصها الجماعة الإرهابية لتلعب دور الأم البديلة .

"محمد : أبويا وأمى أطلقوا بعد ما اتولدت على طول ومن يومها ما أعرفش طريق
أمى يبقى فين .

ياسمين : ما حاولتش تلاقيها ؟

محمد : حاولت كتير بدون فايدة كان نفسى يكون لى أم ذى بقية الأولاد . كنت
بحس باحتياج شديد أن يكون لى أم . كنت عارف أن لى أم لكن مش
عارف هي فين . موش عارف هى عايشه ولا ميته . المهم أن هى عمرها
ما حاولت تلاقينى . عمرها ما حاولت تشوف ابنها إللى سابته فى اللفة ده
جرى له إيه ؟ ومن وقتها عرفت قسوة الحياة . عرفت أن الحياة ظالمة
بتدى الناس اللى ما يستهلوش واللى يستاهلوا ما بتديهومش . " (20)

يشير النص من خلال الحوار السابق إلى ظاهرة التفكك الأسرى وأثرها السلبى على التنشئة الاجتماعية والثقافية لأفراد المجتمع مما يؤثر سلبا على سلامة البناء الاجتماعى . فالتنشئة غير السليمة تؤثر على تكوين الفرد النفسى والاجتماعى والثقافى وبالتالى على نظام تعامله مع الآخرين واتجاهاته ومواقفه من المجتمع ككل ومن شأن مجمل هذه العوامل أن تسهم فى خلق جو مناسب لنمو الاتجاهات العدوانية أو السلوك الانحرافى .

"محمد : أنا عمرى ما اتفقت مع أبويا . كنا دايما على خلاف من صغرى ، وبعدين
أول ما قدرت أقف على رجلى كل واحد رحل لحاله .

ياسمين : لكن ده أنت من عشر سنين كنت صغير قوى .

محمد : كان عندى 15 سنة .

ياسمين : وعملت إيه ؟

محمد : إتلطمت فى كل حتة شوية . اشتغلت فى فرن وبعدين صبى عجلاتى
وبعدين ميكانيكى وكهربائى لغاية ربنا ما هدانى . " ( 21)

وإذا كان التفكك الأسرى يعد عاملا من أهم عوامل الانحراف فإن التفاوت الطبقى والحرمان الاقتصادى يعدّ مصدراً رئيسيا للإحباط والإحساس بالظلم مما أدى إلى لجوء الشباب إلى هذه الجماعات كنوع من التعبير عن حالة عدم الرضا ، حيث أصبحت بالنسبة لهم بمثابة المنقذ بما تغدقه عليهم من أموال مقابل قيامهم بعملياتها الإرهابية فى الوقت التى تمارس فيه الدولة كافة صور العنف السياسى والاجتماعى .

"محمد : لو كان خطيبك ده عاش عيشتى كان بقى زيى . لو كان عاش حياة الفقر
والحرمان كان لازم حايرفض الوضع الفاسد اللى حواليه . خطيبك كان
بيسافر بره كل سنة لكن أنا موش عارف أعيش حتى هنا "(22)

ومن الملاحظ أيضاً ، أن معدلات الإحباط بين مجموعات الشباب التى غاب عنها الأمل فى مستقبل مهنى وأسرى قد زادت بشكل كبير ، مما ساعد على استقطاب الجماعات الدينية المتطرفة لأعداد كبيرة من هؤلاء الشباب ، وتحويل الإحباط من كونه ذاتيا إلى كونه اجتماعيا يأخذ شكل الرفض الاجتماعى ويعبر عن مضمونه فى صورة العنف .
إن الرؤية الفكرية للنص تؤكد على أن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية هى المسئولة عما انتهى إلية "محمد" من رغبة فى الانضمام للجماعة الإرهابية التى هى _ فى تقديره _ الأداة الوحيدة القادرة على التغيير والتى تجعله صاحب موقف وصاحب رسالة فى مواجهة الضياع والفساد والظلم .

" محمد : وهى دى نقطة الخلاف بينى وبينكم . أنا رافض المجتمع ده ، وشايف إن
الإصلاح هو فى دولة الإسلام . " (23)

وقد تناول " سلماوى" من خلال اختياره لأسرة " زهرة" المجتمع المصرى مله بكافة انتماءاته ، " فالجد ينتمى إلى ثورة 1919 ، والأم تنتمى إلى ثورة 1952 أو ثورة السد العالى أما الأبناء فيمثلون الجيل الحالى الضائع بين الخيالات والأوهام وبين العنف والطاعة العمياء . " (24)

كما ركز " سلماوى" على التضاد بين " الفردوس الناصرى" المفقود الذى تتغنى به الأم بين الحين والآخر وبين " الجحيم اللاحق" فى بداية التحول الساداتى الذى اقترن بإجهاض المشروع القومى ، ذلك الإجهاض الذى تولد عنه الفساد السياسى والاجتماعى ، مما أدى إلى ضياع جيل الأبناء الذى وجد نفسه _ فجأة _ بلا هدف وبلا مضمون وبلا قضية ، فأصبح نصفه مضلل يمثله محمد ومن على شاكلته ، والآخر مغيب يمثله احمد ابن زهرة .

" أحمد : أنا ما ليش دعوة بالبلد . أنا بتكلم عن الذل اللى أنا فيه هنا ده . مافيش
فلوس ، مافيش مفتاح للشقة ، لحمة بالنعناع .

زهرة : ما هو لو كان أبوك عايش كان حايبقى لك دعوة بالبلد . أبوك كان راجل
وطنى أصيل (يسمع لحن بيانو) كان سبب نجاحه فى شغله إنه كان بيحب
مصر . ما كانش مجرد مهندس عظيم . كان قائد مؤمن ببلده وبقضيتها .
عرف ازاى يحرك كل الناس اللى معاه فى المشروع . خلالهم يحبوا البلد ،
ويؤمنوا بها زيه . كل العمال والمهندسين اللى نعاه كان عندهم ربنا فوق
وهو تحت . " (25)

لقد حملت شخصية الأب الراحل صفات " جمال عبد الناصر" فى تجسيده حلم المشروع القومى ومعناه . كما أوجد الكاتب مقابلة بين موتهما وضياع ذلك الحلم .

" زهرة : الله يرحمه . كان بيتصور إنكم حاتطلعوا بنفس الروح الوطنية دى . موش
فاكر لما اخدك وأنت لسه طفل صغير لأسوان وفرجك على السد العالى
وقال لك ده أكبر مشروع هندسى فى العالم ؟

احمد : لأ مش فاكر

زهرة : ساعتها قال لك السد اللى أنت بتبنيه لأزم يكون اكبر من ده . موش فاكر
لما كان فى أسوان ؟

احمد : ( بلهجة سودانية) فاكر يا اوسمان لما كنا فى اسوان ؟ لأموش فاكر

زهرة : يا خسارة

احمد : خسارة ليه . هو السد موش لسه موجود ولا خلاص هدوه ؟

زهرة : الجسم موجود . لكن المعنى .. الرمز .. " (26)

يؤكد النص على أن مشكلة ضياع جيل الشباب نتيجة طبيعية لغياب المشروع القومى وسط الردة التى أحدثتها مرحلة السبعينيات بكل تناقضاتها ، وكان من الطبيعى _ مع ضياع جيل الأبناء _ أن يبدو المدمن والإرهابى وجهين لعملة واحدة غارقة فى بحر التغيب مما يسهل إقامة مماثلة بين " محمد" الإرهابى المغيب بالفكر و"أحمد"ابن الأسرة المغيب بالمخدر.
لقد أراد "سلماوى" أن يوحد بين ظاهرة تفشى المخدرات بين الشباب فى بعض الأوساط، وبين ظاهرة تفشى التطرف بين الشباب فى أوساط أخرى ، ومنبع الظاهرتين فى المسرحية واحد وهو الالتجاء إلى الوهم هرباً من خواء الواقع وعجزه . (27)

"احمد : ... احنا الاثنين زى بعض . فاكر لما كنت بتقولى احنا الاثنين شققة .
احنا واحد . أنا ضايع وأنت كمان ضايع . " (28)

ويتضمن النص نمطين من أنماط الاستجابة الانحرافية _ وفقاً لنظرية ميرتون _ حيث تنتمى شخصية المدمن للنمط الانحرافى المنعزل الذى يتخلى عن أهدافه ، ويرفض الوسائل والمعايير التى يقرها المجتمع لتحقيق تلك الأهداف . وفى المقابل يضع تصوراً بديلاً لما هو قائم مفضلاً الهروب من الواقع والميل إلى الانعزال . أما شخصية الإرهابى فتنتمى إلى نمط المجرم المتمرد يتمثل هذا السلوك الانحرافى فى رفض الهدف والوسيلة ، والتمرد على النظام الاجتماعى القائم مطالباً بإلغائه ، باحثاً عن بناء اجتماعى جديد ، أو بناء يتميز بالتعديل الجوهرى ، حيث ينظر إلى المستويات القائمة باعتبارها تعسفية وغير متميزة بالشرعية ، ومن ثم يحدد ملامح بناء آخر بديل يصل إليه من خلال تنظيم الجماعات المتمردة .

" محمد : الفساد عم البلاد وما عدش ينفع معاه إلا البتر . " (29)

فالبطل المتمرد يدرك تماماً بأنه مدين للنظام الاجتماعى القائم بكل مظاهر شقائه اليومى، لذا فهو يعمل على توظيف كافة الإمكانات التى تتيح له الانتصار لتحقيق هدفه الثورى بنوع من الهجومية الحادة على المفاهيم السائدة والنظم القائمة . وهذه الهجومية تجعله بطلاً يرتفع على معانى الخير والشر لأنه يهتم _ من وجهة نظره _ بهدف أسمى وأنبل لم يتحقق فى ظل واقع اجتماعى فاسد واستلاب اقتصادى . (30)
وأحمد فى نص " سلماوى" هو خير مثال لشخصية الإرهابى المتمرد ، الذى يتمتع بأسلوب مغلق جامد التفكير ، وبعدم القدرة على تقبل أى معتقدات تختلف عن معتقداته ومعتقدات جماعته وعدم القدرة على التأمل والتفكير وإعمال العقل ، بل ورفض الواقع شكلاً ومضموناً والعمل على تغييره بأساليب عنيفة وعدوانية .
وقد تعرضت المسرحية لبعض النقد السلبى من حيث أن شخصية الإرهابى فيها مسطحة ومقولية ومتناقضة ، ولا تضيف شيئاً للصورة الصحافية أو الأمنية للإرهابى . (31)
ويدرأ الباحث عن الكاتب هذا الاتهام ، حيث يرى أن " سلماوى" قد تناول شخصية الإرهابى من وجهة النظر الإنسانية ، فبرغم الوجه العنيف المدمر للإرهابى إلا إنه فى نهاية الأمر إنسان، وإذا كان قد جاء إلى هذه الأسرة بوجه شيطان قنعته به الجماعة الإرهابية ، إلا أن وجهه الإنسانى الحقيقى قد بدأ فى الظهور مع أول شعور له بالأمان والحنان والدفء وسط هذه الأسرة . فشخصية الإرهابى تحمل صفة الإنسان بكل ما تحمله الصفة من متناقضات فهو تارة شديد القسوة والصرامة مجرداً من المشاعر الإنسانية ، وتارة إنسان طيب القلب رقيق المشاعر، وظهور عنصر التناقض فى بنية شخصية الإرهابى لا يعيب الشخصية بقدر ما يعتبر تحليلاً نفسياً صادقاً للشخصية الإنسانية فقد عاش " محمد" وسط أفراد هذه الأسرة وتعايش مع مشاكلهم وشيئاً فشيئاً شعر باقترابه منهم ، فإذا به يقوم بمعاونة الجد فى تناول الطعام ويحاول جاهداً إخراج الابن من حالة الإدمان التى سيطرت عليه ، ويتخذ من الابنة الصغرى مساعدة له فى الخروج من حالة التعتيم والتغييب التى تعرض لها .
كما يرى الباحث أن طبيعة الموضوع، وحيثياته تستلزم المباشرة والخطابية ـ نوعاً ما ـ خاصة أن المناقشة الجدلية القائمة بين الإرهابى وأفراد الأسرة يتخللها أحاديث نبوية وآيات قرآنية لا يستقيم معها إلا الأسلوب الصريح المباشر .
وقد تبنى الكاتب منطق الحوار العقلانى كحل لقضية الإرهاب فنجد الأم " زهرة" تجبر الإرهابى فى الفصل الأول _ وهو يهددها بالمسدس _ على أن يستمع إلى مناقشتها فى محاولة لإزالة الغشاوة على عينيه ، وفضح تصوره المشوه عن الدين والمجتمع .

" زهرة : ( تنظر إليه فى حنان ) انتم حيل غريب ، قافلين على روحكم الباب
بالضبة والمفتاح وبعدين بتشكو من الوحدة وقلة العطف والحنان ، انسى
الموقف القبيح اللى احنا فيه ده وافتح لى قلبك قلى تعبان من ايه ؟
( لا يرد عليها فتستمر فى النظر إليه قليلاً ثم تنهض من مكانها وتتجه إليه فى عزم وثبات)

محمد : حاتعملى ايه ؟

زهرة : حاجى اقعد جنبك

محمد : خليك عندك احسن لك

زهرة : حاقعد جنبك

محمد : أنا بحذرك

زهرة : حط راسك على كتفى يا ابنى وقل لى ايه مشكلتكم ؟ " (32)

وبرغم عدم استجابته لمنطق الحوار العقلانى هذه المرة إلا إننا نراه فى الفصل الثانى وقد اشتبك فى نقاش طويل يقبله راضياً مع الابنة " ياسمين" .

" ياسمين : أنا بادرس تاريخ مصر وحاسة إنى ممكن اعمل حاجة كبيرة فى المجال
ده، ولو إنى موش عارفة لسه هى ايه . جايز اشتغل فى ترميم الآثار

محمد : استغفر الله

ياسمين : ليه ؟

محمد : الآثار اللى بتقولى عليها دى أصنام وأوثان يجب تحطيمها

ياسمين : الآثار اللى العالم كله وقف قدامها مشدوه لازم نحطمها ؟ يا أخ محمد أنا
بقالى تلات سنين بادرس تاريخ مصر القديم على ايدين متخصصين
وحاسة إنى لسه برضك ما عرفش حاجة وفيه ناس بتقعد سنوات وسنوات
لغاية ما تاخد دكتوراه فقى الأدب أو الاقتصاد أو الفلسفة ازاى تلغى كل ده؟

محمد : اللى ربنا عايزنا نعرفه وضعه لنا كله فى القرآن

ياسمين : أمال قالوا اجتهدوا ليه؟ والرسول قال: اطلبوا العلم ولو فى الصين ليه؟" (33)

وقد أثيرت حول قضية الحل بمنطق الحوار جدلية واسعة النطاق " فهناك من يؤكد على أن أسهل الطرق للقضاء على موجة العنف والإرهاب هو طريق الحوار الهادئ بشرط أن تسبقه عدالة اجتماعية " (34)
وهناك من يرفضه بدعوى أن كثيراً منا لا يستطيعون رد مقولات الإرهابيين ، ولا تفنيد حججهم حول رغبتهم فى إقامة مجتمع إسلامى متدين ، وحول فساد المجتمع على كافة مستوياته ، وتدنى أخلاقياته .
وهذا ما أشار إليه " جابر عصفور" ، حيث يلفت الانتباه إلى أن الحوار مع الإرهابى فى نص " سلماوى" لا يدور بين أطراف متكافئة فى تضادها أو اختلافها ، أو حتى صياغة أفكارها ، وإنما يدور بين صيغ جاهزة لخطاب إرهابى شائع ، ونموذج إرهابى جاهز ، وصيغ مقابلة من خطاب وشخصيات لا تخلو من نمطية النموذج الجاهز ، ولذلك يبدو الحوار ، فى غير مشهد ، صيحات متبادلة ، خطابية استعدائية ، يبدأ من حجج الإرهابى وينتهى إليها . (35)
إلا أن الباحث يرى غير ذلك ، وبذهب إلى أن الرؤية الدرامية للنص تؤكد وجهة نظر مؤلفه فى أن علاج قضية الإرهاب لا يكون بالحل الأمنى وإنما بالحوار العقلانى _القائم على الحجة والبرهان _ الذى ساهم بقدر كبير فى عودة الوعى للإرهابى . ففى نهاية المسرحية، وبعد أن تفشل المفاوضات بين الإرهابى وجماعته ، وبين مكتب وزير الداخلية يتلقى أمراً من أميره بقتل أفراد الأسرة المحتجزين واحداً بعد الآخر ، وهنا يتبارى أولئك الأفراد فى التضحية بأنفسهم حماية للآخرين ، وذلك فى تعبير رمزى عن قيم الأسرة المصرية الأصيلة وما تحمله من معانى الحب والرحمة والتضحية . وهنا تأتى الذروة التى ينقلب فيها الإرهابى من حال إلى حال بعد أن هزمته المواجهة الفكرية والحوار المستنير ، فيرفض الانصياع لأوامر الأمير بالقتل ، ويعلن التحدى والعصيان فى نوبة من الاستنارة ، أدرك " محمد" خلالها أن الأسرة ليست عدواً له ، ولا عدواً للدين بل هى تملك من الفضائل ما يحلم هو بامتلاكه ، وتعانى من الآلام ما يعانيه . وهذا ما أكده الكاتب على لسان " محمد" فى حواره الهاتفى مع أمير الجماعة .

" محمد :... أنا عمرى ما كنت متأكد من حاجة فى حياتى قد ما أنا متأكد دلوقتى ..
متأكد من الصح والغلط . الأسرة دى أسرة مصرية عايشة حياتها الطبيعية
اللى فيها كل نقاط الضعف اللى ممكن توجد فى أى أسرة تانية . لكن فيها
كمان العظمة اللى لو اتوجدت فى كل أسرة تجعل مصر أعظم بلد فى العالم
.. نعم ؟ .. لأ موش فلسفة ولا حاجة .. أيوة فعلاً هو غسيل مخ . أنا مخى
أتغسل من كل الشوائب اللى كانت فيه وشفت أد ايه الحياة اللى ربنا منحها
لنا ، دى نعمة للعباد موش نقمة .. أنا جيت هنا قلبى مليان حقد و كراهية
العيلة دى ملت قلبى بالحب وكل المشاعر الإنسانية الجميلة .
أخ مصطفى أنا بتكلم علشان أقول لك حاجة واحدة بس . أنا موش حانفذ
الأوامر . (يضع سماعة التليفون ) " (36)

لقد زالت الغشاوة عن عينى "محمد" ، أدرك انه كان مضللاً ، وان هؤلاء الذين يكفرون المجتمع خدعوه لأنه لم ير فى هذه الأسرة أى ملمح من ملامح الكفر بل هم يتعاملون بيسر الدين وسماحته وعظمته وكان هذا الاكتشاف كفيل بتحوله عنهم . هذا التحول الذى كان فيه مقتله ، إذ ترسل إليه المجموعة الإرهابية من يغتاله ، ويقتل " محمد" برصاص الإرهاب بينما ترسل " زهرة" صرختها المدوية " بلدى" نداء إلى مصر لتحاجى أبناءها وتضمهم إلى صدرها فى حنان الأم حتى لا يقعوا فى براثن الإرهاب ، ويصبحوا الجانى والضحية معاً .
فالمسرحية دعوة لإدراك هذا الشباب المضلل الذى لو أتاحت له فرصة التوعية السليمة والحوار المستنير لاستعاد وعيه وعاد إلى حضن المجتمع المتدين السمح .
ويتوقف الباحث عند الصورة الرمزية التى قدم بها الكاتب المجموعة الإرهابية فى نهاية المسرحية ، ووصفه لهم بأنهم رجال تتدلى لحاهم على صدورهم يرتدون الجلابيب البيضاء والقباقيب الخشبية بعضهم يحمل الجنازير والبعض الآخر يحمل الخناجر والمسدسات . ويوافق الناقد " احمد كمال أبو المجد " فى أن رسم شخصيتهم على ذلك النحو الرمزى قد يترك لدى المتلقى تداخلاً بين ظاهرة التدين الذى تتزايد موجته فى مصر بشكل طيب وبين ظاهرة الإرهاب التى يتوجه النص إلى إدانتها ورفضها . " ويرى ضرورة تأكيد النص على إدانة الإرهاب والتحذير منه وكشف أسبابه مع بقائه فى الفكر والوعى والمشاعر ظاهرة متميزة تماماً عن ظاهرة التدين بكل مظاهرها وتعبيراتها ، فزى الإرهابيين فى مسرحية سلماوى قد يحيلنا إلى جماعة الاخوان، مما قد يثير الشك فى أن الكاتب يريد أن يقرن بين الارهاب والاخوان المسلمين، وهو أمر مغلوط وليس له أساس من الصحة فالاخوان جماعة اصلاحية شاملة تفهم الإسلام فهما شاملا وتشمل فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة وقد وصفها مؤسسها ومرشدها الأول "حسن البنا" على أنها
•دعوة سلفية، إذ يدعون إلى العودة إلى الإسلام، إلى أصوله الصافية القرآن والسنة النبوية، وهي أيضا
•طريقة سنية لأنهم يحملون أنفسهم علي العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا
•حقيقة صوفية، يعتقدون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، وسلامة الصدر، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والأخوة فيه الله.
•هيئة سياسية، يطالبون بالإصلاح في الحكم، وتعديل النظر في صلة الأمة بغيرها من الأمم، وتربية الشعب على العزة والكرامة.
•جماعة رياضية، يعتنون بالصحة، ويعلمون أن المؤمن القوي هو خير من المؤمن الضعيف، ويلتزمون قول النبي: "إن لبدنك عليك حقًا"، وأن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تُؤدى إلا بالجسم القوي، والقلب الذاخر بالإيمان، والذهن ذي الفهم الصحيح.
•رابطة علمية ثقافية، فالعلم في الإسلام فريضة يحض عليها، وعلى طلبها، ولو كان في الصين، والدولة تنهض على الإيمان، والعلم.
•وشركةاقتصادية، فالإسلام في منظورهم يُعنَى بتدبير المال وكسبه، والنبي يقول: "نعم المال الصالح للرجل الصالح" و(من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفورًا له).
•كما أنهم فكرة اجتماعية، يعنون بأدواء المجتمع، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها. أي أن فكر الأخوان مبني على شمول معنى الإسلام، الذي جاء شاملاً لكل أوجه ومناحي الحياة، ولكل أمور الدنيا والدين.
وليس من المنطقى وصف جماعة كهذه بأنها جماعة ارهابية، وقد جاء هذا الخلط من خروج بعض الأفراد عن الجماعة وقيامهم ببعض الأعمال الارهابية بعيدا عن أهداف الجماعة ومنهجها. والدليل على دلك أنه عندما حلت الجماعة في أعقاب عودة مقاتليها من حرب فلسطين من قبل محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء المصري آنذاك، بتهمة "التحريض والعمل ضد أمن الدولة". تم اغتيال محمود فهمي النقراشي.وقد أدان الاخوان قتل النقراشي وتبرؤوا من القتلة بعدما قال البنا مقولته الشهيرة علي القتلة "ليسوا إخوانا، وليسوا مسلمين". وكان الذي قام بهذا العمل طالبا بكلية الطب البيطري بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، اسمه "عبد المجيد حسن" أحد طلاب الإخوان الذي قُبض عليه في الحال، وأودع السجن، وقد ارتكب فعلته، وهو يرتدي زي ضابط شرطة، لهذا لم يُشَك فيه حين دخل وزارة الداخلية، وتربصّ بالنقراشي، لإطلاق النار عليه. وبعد اغتيال النقراشي بعدة أشهر، تم اغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا.

وأخيرا يمكن القول بأن " سلماوى " قد واجه تلك الظاهرة بمباشرة تحسب له ، فقدم دراسة اجتماعية جاوزت سطح الظاهرة وحاولت النفاذ إلى أعماقها ، فهى لا تقف عند إدانتها أو السخرية منها ، وإنما تحللها للوصول إلى الأسباب وربطها بواقع اجتماعى ساعد بمساوئه ومفاسده على إبراز تلك الظاهرة وتربيتها
ابراهيم حجاج مدرس مساعد بقسم المسرح كلية الآداب جامعة الاسكندرية.



#إبراهيم_حجاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرح العبث المصرى بين البيروقراطية والديمقراطية.. دراسة نقدي ...
- جرائم أباطرة الانفتاح فى المسرح المصرى دراسة نقدية لمسرحية-ع ...
- الدراما المسرحية وجرائم شركات توظيف الأموال دراسة نقدية لمسر ...
- -عفوا أيها الأجداد...علينا السلام- فانتازيا المسرح المصرى بي ...
- الدراما المسرحية وجرائم الاعتداء على السلطة
- القرد كثيف الشعر بين حيوانية البدائية وفجاجة الحضارة الحديثة ...
- نظرية الانعكاس ....ما لها وما عليها.
- المسرح والمجتمع
- ملخص رسالة ماجستير ظاهرة الجريمة فى المسرح المصرى
- ظاهرة التمرد فى المسرح
- الأدب ونظرية الضبط الاجتماعى
- تأثير الثورة على كتاب المسرح المصرى فى الستينيات
- نظرية الفن للفن
- أسطورة نفى أفلاطون للشعراء عن مدينته الفاضلة
- قضايا المجتمع بين المسرح الأمريكى والأوروبى الحديث
- المسرح وقضايا المجتمع من العصر اليونانى عصر النهضة
- قراءة جديدة لمسرح توفيق الحكيم رؤية نقدية لنص-ياطالع الشجرة ...
- الدين والمسرح....خدعوك فقالوا...


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم حجاج - المسرح المصرى وظاهرة التطرف الدينى دراسة نقدية لمسرحية - الجنزير -.