أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - المُساخِر كريم كطافة في روايته عن الحمار















المزيد.....

المُساخِر كريم كطافة في روايته عن الحمار


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 3188 - 2010 / 11 / 17 - 20:38
المحور: الادب والفن
    


المُساخـِر كريم كطافة في روايته عن الحمار
جاسم المطير
قرأتُ رواية الكاتب العراقي كريم كطافة المعنونة (حمار وثلاث جمهوريات) الصادرة عن دار الجمل ألمانيا عام 2008 التي وصلتني من المؤلف مشكورا في الشهر الماضي. لم تكن بالأمر اليسير قراءة رواية جديدة ساخرة في زمن العواصف والإرهاب في بلاد الرافدين ، بل كانت قراءتي قلقة إذ اكتشفت منذ الصفحات الأولى للرواية حتى نهايتها أن هناك علاقة ثلاثية بين :
(1) الواقع الاجتماعي المر.
(2) السخرية منه كوسيلة لائقة من وسائل الاستمتاع بحديقة الروائي .
(3) استخدام الرمز للكشف عن كثير من أسرار المجتمع بأسلوب يعتمد على وجود عقد ميثاق سردي على لسان الحمار والناس .
أول شيء أقوله ، هنا ، أن مصنف هذا الكتاب كان ساخرا من كثير من محاولات السياسة الكاشفة عن عجز بعض الناس في (جمهوريات ثلاث) يحيط بها وبداخلها غموض وتشوش يجعل بعض طوائف حركاتها وأجناسها تافهة وعقيمة حين تضع مقدساتها الأيديولوجية بنفسها موضع سخرية لا ينفع معها نفخ الحمير ولا أخلاقيات الحمير ولا حكايات الحمير طالما يوجد أشرار وجهلة في المجتمع .
ترى هل استطاع الكاتب أن يحقق نجاحا بين (المحتوى الجاد) و(الشكل الساخر) في قضية من أعمق قضايا السياسة والمجتمع..؟
هل حقق المؤلف أهداف مغامرته هذه في أن يكون نصه السردي وشرحه وتفاصيله معتمدا على حمار..؟
هل حقق الحمار تأثيرا في نزعة النص التي بدت لي تنويرية..؟
هل نجح السارد في عملية اختزال أحداث الرواية لتكون مقبولة لدى عقل القارئ انطلاقا من عقل حمار ..؟
لا استبعد الاعتقاد بعد قراءتي النص أنني وجدتُ الميثاق المنعقد بين الجد والسخرية كان متراكما في السرد الروائي بمعنى أن لعبة القمار الروائي التي اعتمدها كريم كطافة قد وفرت له نجاحا ً وغنىً وقد توطدت بينه والأدب الساخر مستويات أضافت إلى الأدب العراقي الساخر مضمونا ناجحا جديدا ملفتا للنظر.
لا أريد الكتابة عن أسباب اختيار الحمار كبطل سفرة كريم كطافة الروائية ليسرد للقارئ بواسطته عن كوارث اجتماعية – سياسية فمن سخرية القدر العربي أو من سخرية المعنيين بمضمون الرواية أن يكون الحمار تعبيرا أليما عن جيلنا المعاصر العاجز عن قيادة المجتمع العربي وعن صناعة شكل جديد للحياة الإنسانية المتوخاة.
من هنا ، من هذا الاختيار ، تبدأ صور السخرية ليصبح بذلك (عقل الحمار) مشروعا من مشاريع رؤية الإنسان نحو الخلاص من جوقة حكام تلوح لنا في الرواية بأن روحها أوطأ من كفاءة حمار رغم أن الراوي كريم كطافة قدم لنا صنفين من الحمير : الصنف الأول هم الحمير (الطلقاء) والصنف الثاني هم (الربطاء) في الزرائب .
الصنف الأول أي الطلقاء هم الذين يعملون يحملون على ظهورهم أكياس الحنطة والشعير والعدس والطحين هذا الصنف له حساسيته وحماسته .
أما الصنف الثاني الربطاء فيمتلكون أخلاقية الحسد. يقول عنهم كاتب الرواية أن حسدهم لا يصل إلى مستوى وخطورة الحسد البشري (ص 69 ) . حسب ذاكرة كبار الحمير فأن الكاتب يحدثنا عن وجود العديد من نواحي الاختلاف أو العادات المتشابهة بين الحمير والبشر مذ كان ابن المقفع قد اوجد كليلة ودمنة ليجعل خلاصة الحكمة والأخلاق الحيوانية لمنفعة الأخلاق والحكمة الإنسانية ، كما أن الروائي الانكليزي جورج اورويل قدم لنا صنفا قصصيا جديد النوع والحركة في روايته (حقل الحيوان ) التي كتبها عام 1943 التي نشرتها في أوائل ثمانينات القرن الماضي عندما كنت مالكا للدار العالمية للنشر والتوزيع في بغداد . المؤلف جورج أورويل يعرض فيها للقراء مدى ظلم الإنسان للحيوان ، والصراع القائم بينهما ، مما يؤدي بالنتيجة إلى انتصار ثورة الحيوان على الإنسان ورفع شعارات ووصايا تدعو إلى قيام مجتمع حيواني جديد قائم على العدالة والرفاهية .
لكن كريم كطافة قدم لنا في نموذجه الروائي الجديد ونحن نعيش عالما معقد الاتصال ، يختلف كليا عن عالم ابن المقفع ، كما يختلف عن عالم ٍ حديثٍ تنهض فيه الحروب الكبرى كمارد كبير لقتل البشر والحيوانات ( كتبت رواية حقل الحيوان في أثناء الحرب العالمية الثانية 1943 ) فأننا نجد رواية (حمار وثلاث جمهوريات) شكلا إبداعيا يكمل الدورة التفسيرية المونولوجية في حكايات ابن المقفع وجورج اورويل . إذا مررنا بالحوار الثنائي بين الحمير والبشر في ذروة العلاقات بينهما فأننا نجد قوس النصر الروائي مشادا بصورة رائعة وقادرة على أن يكون القارئ ، مثلي ، مشدودا لعملية الخلق الإبداعي ، التي قدمها كريم كطافة نموذجا رمزيا في ميادين الفن الروائي العراقي. وقد كانت قضيته في هذه الرواية هي قضية الحرية الإنسانية الضائعة في الترتيب الزماني المعاصر . كما كانت قضية الحمير الطلقاء تجري في عالم إنساني باطني ينم عن واقع اجتماعي متخلفٍ مزر ٍ.
هنا في هذا العمل يتصل القارئ في عالم من (الفحول) الخالي من غزل النساء وربما أراد الكاتب أن يصور الذكورة في عالمها السفلي دون الارتباط بين جمال الأنثى وبين العمل الأخلاقي – السياسي – الاجتماعي في معترك الصراع الدنيوي .
على أية حال وجدتُ المـُساخـِر كريم كطافة قد صعد سلـّمين بوقت واحد.. السلـّم الأول أوصله إلى طابق عال في الأدب الروائي العراقي من خلال اعتماده على الصور الإنسانية الساخرة ودمجها بالرواية ( حصل في أحد الأيام وفي إحدى الزرائب الكائنة خارج تجمع بيوت القرية أن تشاجر صبيان قرب مؤخرة حمار من الربطاء . فج احدهم رأس الآخر بحديدة كانت بمثابة وتد ربطوا به الحمار. سالت الدماء وكثر البكاء والعويل حتى وصل الأمر إلى الكبار. الغريب الذي شاهدته وظللت زمنا اضحك كلما تذكرته أن الكبار وبدلا من حل المشكلة او معالجة رأس الصبي المفجوج وجدتهم قد واصلوا بدورهم ما بدأه الصغار.. صراخ وتهديد وضرب وفج ودماء حتى دخلت القرية بكليتها في دوامة من العنف . لا احد يعرف متى وكيف تنتهي ولا حتى نعرف أطرافها. نحن الحمير كنا في تلك الأثناء على الحياد كالعادة ، مالنا ولمشاكل البشر ، لكننا كنا نتبادل التكشيرات فيما بيننا ساخرين من ذلك الغباء البشري ). ص 82
السلم الثاني صعده إلى جبل الرواية العراقية التي ما زال الكثير منها يواجه في مسيرته صخورا مسننة تعيق تقدمها حينما يحظر عليها الدخول إلى أماكن موحشة أو يصورونها مقدسة مثل الدين والجنس وغيرهما ، رأى الروائي كريم كطافة أنه من دون (السماح والحرية والطلقاء ) لا يتمكن الأديب الروائي العميق أن يقدم هدية كبرى إلى الأدب العراقي الساخر .
تفاعلتْ بهدوء بعض أحداث العراق البائد فولدت رواية عربية تجاسر مؤلفها كريم كطافة بتجربته الخاصة في بلورة موقف ساخر عن مشروع كبير يتفاخر به كثير من زعماء عرب ومسلمين ، بل أن بعض الأحزاب القومية العربية تعتبره مشروعا مقدسا فراح المؤلف يسخر منه :
(قال احد المسئولين الحزبيين من حزب الرئيس في إحدى الجمهوريات وفي خطبة عصماء أن كل قيم السماء والأرض وحتى قيم الكواكب المعروفة وغير المعروفة تقول أن المحتل من أرضنا يجب أن يستعاد لكننا ولظروف تاريخية دقيقة وحساسة نمر بها قررنا وقف التحرش بالعدو عسكريا إنما ومن اجل أن لا تظل جماهيرنا واضعة يدها على خدها مثل المرأة الزعلانة ادعوكم إلى الحرق .. نعم اجعلوا الحرق هو التذكير الدائم بالاحتلال.. علينا أن نحرق صورهم ونمرغ علم دويلتهم بالوحل وتحت أقدام جماهيرنا العظيمة .. سنحرق ونحرق ونحرق .. سنجعله حريقا حتى النصر ).. ص 122
ختاما أقول بمقالتي العجولة هذه أن رواية (حمار وثلاثة جمهوريات) تمكنت من تطوير علاقة الرواية العراقية مع فنون السخرية الأدبية في محاولة جادة ناجحة من مؤلفها لخلق نقيض النقيض في الشخصية الروائية بتأسيسه معاهدة متوازنة بين الصور الروائية الواقعية وبين الرمزية الناقدة التي تفيد في إلقاء ضوء واسع التأثير على جانب من التوليتاريا العربية وتفسيرها تفسيرا مازحا رغم مرارتها القاسية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن جريدة طريق الشعب في 15- 11 – 2010



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسلسل آخر الملوك تغلب فنيا على سيناريو منحرف
- جنّ جنون معالي وزير الشباب والرياضة ..!
- عن ديكتاتورية ولاية بابل العصملية ..!
- (5) النظام الملكي بين الدكتاتورية الواقعية و الديمقراطية الت ...
- (4) ضرورة تعُلم الحرية من مجتمع الفقراء ونضالهم وليس من قصور ...
- (3) منهج تضييع الحقائق التاريخية / مسلسل آخر الملوك نموذجا
- (2) تنازل متعمد عن حقائق تاريخية / مسلسل آخر الملوك نموذجا
- منهج تضييع الحقائق في الدراما التاريخية / أخر الملوك نموذجا
- قراءة في ذاكرة الفنان ناظم رمزي
- نواب الشعب العراقي : موبايل حتى مطلع الفجر ..‍ !
- شاشة فضائية اسمها ( قناة الله) ..‍‍ !!
- الوصاية على الفنون عبوة ناسفة للإبداع
- الاحتباس الوزاري
- الشاعر إبراهيم البهرزي عاشق القرية الباحث عن الحرية
- تهديم سلطة تقديس النصوص بآلية النور والعلم والتنوير
- الوطن العراقي المفضل هو الوطن الثقافي المليء بخمائل الإبداع ...
- عن ثقافة النائبات المحجبات في البرلمان العراقي ..
- نبوءة كارل ماركس عن فشل الرأسمالية في معالجة الأزمة المالية ...
- علّمنا استبصار الاشتراكية واستنطاق الأدب الساخر وأقنعنا أن ا ...
- تهريب النفط العراقي مستمر والأخلاق مغلولة ..


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - المُساخِر كريم كطافة في روايته عن الحمار