أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاهر أحمد نصر - جولة في الأدب الروسي في بداية الألفية الثالثة















المزيد.....



جولة في الأدب الروسي في بداية الألفية الثالثة


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 3189 - 2010 / 11 / 18 - 07:55
المحور: الادب والفن
    


إعداد وترجمة: شاهر أحمد نصر

ما أن يذكر الأدب الروسي حتى تقفز إلى الذاكرة أسماءٌ لامعة وحميمية كبوشكين، وليرمنتوف، وبيلينسكي، وغوغول، وتلستوي، ودوستيفسكي، وغوركي، وشولوخوف، وتشيخوف، وغيرهم من عباقرة الأدب، الذين ترجمت أعمالهم إلى مختلف لغات العالم، وتربى أدباء من مختلف الشعوب بما فيها العربية في مدارسهم، وكادوا يصبحون جزءاً من آداب تلك الشعوب، وتدفع مكانتهم الرفيعة إلى التساؤل إن كان بإمكان روسيا أن تنجب أمثالهم... ولقد أجاب بيلينسكي على هذا التساؤل عندما قال "إنّ عالم الإبداع لا ينضب ولا حدود له... فالشاعر لا يقول: "ماذا أكتب؟ لقد كتبوا كلّ شيء"، أو: يا إلهي لماذا خلقتني متأخراً؟" أجل لقد أنجبت روسيا أدباء جدداً، وروسيا لا تخلو من الإبداع...
وتزيد الأحداث الجسام التي شهدتها روسيا في العقد الأخير من الألفية الثانية من حدة التساؤل عن واقع الأدب الروسي في بداية الألفية الثالثة، لعلّ التعرف إلى ذلك الأدب يفسح مجالاً للتعرف إلى واقع الحياة في روسيا بعد تلك الأحداث؛ فالأدب مرآة المجتمع لمن يحسن التعمق فيما تعكسه من خبايا.
ولرسم لوحة لواقع الأدب الروسي في العقد الأول من القرن الواحد العشرين سنعتمد على المواقع الإلكترونية في شبكة الانترنت الدولية للمنابر الإعلامية الأدبية الروسية، وسنعتمد على آراء الناقد الروسي فلاديمير بوندارينكو الواردة في هذه المواقع، وخاصة موقع zavtra.ru لاستكمال خيوط وألوان هذه اللوحة.
... كثيراً ما يجد من يتابع دور النشر، والصحف والمنابر الإعلامية الأدبية الروسية، مثل "ليتيراتورنايا غازيتا ـ الصحيفة الأدبية"، أو "دين ليتيراتوري ـ يوم الأدب"، أو في "ن.غ إكس ليبرال ـ الصحيفة المستقلة إكس ليبرال"، أعمالاً رائعة، أو على العكس من ذلك قد "يجد شيئاً مقرفاً للغاية".

يقودنا الحديث عن واقع الأدب الروسي في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين إلى الحديث بداية عمّا هو محزن، لكنّه حتمي، فقد خرج من الساحة الأدبية عملياً، ومن عالمنا ليس فقط أهم الوجوه الرئيسية الفاعلة في الأدب الروسي في القرن العشرين، بل وخرج تاريخياً من عالم الأدب الروسي أيضاً ـ كما يرى بعض النقاد ـ النثر الأدبي الروسي الريفي العظيم.
وبالمناسبة أريد التنويه إلى أن البعض يعتقد أنّ النثر الأدبي الريفي في منزلة أدنى في الأدب، ولكن الأمر ليس كذلك، فأدب النثر الريفي الأصيل من أنقى وأروع صنوف الأدب، وسيبقى منارة في الأدب، وإن أخذ ينوس قليلاً... إنني أخالف رأي النقاد الذين يقولون إنّ النثر الأدبي الريفي خرج من الساحة الأدبية؛ وهذا ما سيظهر عند تناول الأعمال الأدبية التي أصدرت حديثاًً...
أما الآن فسنتوقف عند أهم الأدباء الروس الذين غادرونا في بداية القرن الواحد والعشرين.
غادرنا فيكتور أستافيف (1924-2001): صدر أول كتاب له "حتى الربيع المقبل" في بيرم عام 1953. قُبِل عضواً في اتحاد الكتاب السوفيت في عام 1958. ودرس في الدورات الأدبية العليا في موسكو في الفترة بين عامي 1959 ـ 1961. وكان عضواً في مجلس السوفيت (مندوباً شعبياً) في الفترة ما بين 1989 ـ 1991. وقع في عام 1993 رسالة الـ 42. أستافيف بطل العمل الاشتراكي. حائز على جائزة الاتحاد السوفيتي (1978 ـ1991) وجائزة الدولة الروسية (1996) وجائزة بوشكين من صندوق ألفرد تيبفير ألمانيا 1997. أهم المواضيع التي عالجها: معاداة السوفيت، والحرب، والريف، والأطفال...
من مؤلفاته:
ـ "حتى الربيع القادم" 1953 ـ "ذوبان الثلج" 1958 ـ "ملعوون قاتلون" (1995) (حازت على جائزة الدولة للاتحاد الروسي في ميدان الأدب والفن في عام 1995 ـ العبور(1959) "السنديان العتيق" (1960) ـ "تساقط النجوم" Starfall 1960-1972 ـ "سرقة" (1966) ـ "في مكان ما تعصف الحرب" (1967) ـ "الركعة الأخيرة" (1968) ـ "الخريف الموحل" (1970) ـ "قيصر ـ وأسماك" (1976) (حازت على جائزة الدولة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ، 1978) ـ "اصطياد البلم في جورجيا" (1984) ـ "التحري الحزين" (1987) ـ "رغبة في الحياة" (1995) ـ "المغلف" (1995-1996) ـ "من الضوء الهادئ" (1961 ، 1975 ، 1992 ، 1997) (محاولة اعتراف) ـ "الجندي المرح"(1998) ـ "بحيرة فاسيوتكينو" .
كما غادرنا فاسيلي أكسيونوف (1932-2009)، مؤلف "البراميل الفاسدة"، و"الطير الفولاذي"، و"جزيرة القرم" ... ساهم بفاعلية في عام 1978 في تشكيل التقويم الأدبي "ميتروبول" الذي أثار فضيحة سياسية عاصفة. عدت السلطات ذلك جريمة، على الرغم من أنّ الأمر لم يتعد نشر مؤلفات عادية؛ لأنّ التقويم وضع دون الحصول على موافقة المراجع المختصة. لوحق "الميتروبوليون، منعت رواية أكسيانوف "الحِرق" التي كتبها عام 1975، و"جزيرة القرم" التي كتبها عام 1979 من النشر في الاتحاد السوفيتي... أعلن انسحابه من اتحاد الكتاب السوفيت في عام 1979 ، وأجبر على مغادرة الاتحاد السوفيتي، فانتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعاش سنيناً طوالاً، وعمل في جامعة واشنطن. كتب باللغة الإنكليزية وترجم رواياته إلى الروسية... انتقل مع زوجته إلى فرنسا. تمتلئ كتبه بروح حرية الفكر، والمآسي، والقساوة، التي لا تدع أحداً لا مبالياً. ألف 23 رواية منها "التقويم"، و"المعادي للسوفييت"... أخذ تواجده اعتباراً من عام 1990 يزداد تواتراً في روسيا. أنهى أكسيانوف في عام 1992 روايته الثلاثية "الساغا (الأسطورة الشعرية) الموسكوفية" التي تتحدث عن أجيال المثقفين الموسكوفيين الثلاثة في القرن العشرين. وضعت هذه الرواية بداية التغيير في أسلوب الكاتب باتجاه الأدب الروائي الملحمي الشعبي. حولت الرواية إلى فيلم. أصدر في عام 1998 رواية "نموذج الجندي الجديد" التي تلامس مصير المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.) ومن أعماله:
"وحدة طبية ونصف" 1958 ـ "الزملاء "(رواية) (1962) "تذكرة نجومية" (قصة) ـ فيلم "أخي الصغير (1962) ـ "برتقال من المغرب "(رواية) 1962 ـ "آن الأوان، يا صديقي، آن" (قصة) 1963 ـ "المنجنيق" (رواية وقصص قصيرة) 1964 ـ "النصر" (قصة مع مبالغات) 1965 ـ "كم هو مؤسف أنك لم تكن معنا" (قصة) 1965 ـ "في منتصف الطريق إلى القمر" (كتاب قصص قصيرة 1966 ، 1968 ) ـ "حب الكهرباء" "(قصة عن كراسين) (1969 ) "قصة عن فريق كرة السلة" (خاطرة 1971) "جَدي – نصب تذكاري" (قصة 1972) ـ "بحثاً عن الفن" (قصة 1972) ـ "حديدنا الذهبي" (رواية 1973) ـ "حرق" (رواية 1975) ـ "الصندوق الرنان" (رواية 1976) ـ "جزيرة القرم" (رواية) 1979 ـ "قل زبيب"1983 ـ "البحث عن الطفل الكئيب" 1987 ـ "صفار البيض (بالانكليزية 1989) ترجمت إلى اللغة الروسية عام 2002) ـ "الساغا (أسطورة شعرية) الموسكوفية" (رواية ـ ملحمة 1992 ـ مسلسل تلفزيوني) ـ"نمط جديد حلو" (1996) "توهج قيصري" (2000) ـ - "Volteryantsy وvolteryanki" (رواية 2004 ، وجائزة "بوكر الروسية") ـ "موسكو كوا كوا" (رواية 2006) ـ "الأرض النادرة" (2007) ـ "آلام غامضة. رواية عن الستينيين 2007) ـ • 2008 -- "التأجير والاستئجار، رواية لم تكتمل.
وغادرنا يفغيني نوسوف (1925-2002)، بطل العمل الاشتراكي حائز على جائزة الدولة. من كتبه قصة "نبيذ أحمر للنصر"... أوصى أن يكتب على ضريحه "أطعموا الطيور"، يصنف ضمن كتاب الريف. أهم مواضيعه الحرب، والريف. وأهم مؤلفاته:
ـ "على طريق الصياد" (1958) ـ قصص (1959) ـ "ثلاثون حبة" (1961) ـ "أين تستيقظ الشمس؟" (1965) ـ "هدير مرج الشوفان" (1967) ـ "الشواطئ" (1971) ـ نبيذ النصر الأحمر" (1971) مجموعة من القصص القصيرة ـ ـ "جسر" (1974) ـ "استغاثة حملة الخوذ" (1977) ـ Usvyaty الأصقلبين (1977) ـ أعمال مختارة (في مجلدين) (1983) ـ "لا تكسو الأعشاب..." روايات وقصص. (1985) ـ "في حقل نظيف" (1990) ـ ولادة أبي الهول (1990) ـ "المداخن المساء". قصص وروايات. (2000)
ومن الأدباء الذين غادرونا في هذا العقد غريغوري باكلانوف (1923-2009)، ذلك الكاتب الدرامي والسيناريست. بدأ بالنشر عام 1950؛ وأول عمل جلب إليه الشهرة قصة "شبر أرض" التي نشرها في مجلة "نوفي مير ـ العالم الجديد" عام 1959. انصب النقد الرسمي على الكاتب، متهمين إياه بـ"الحقيقة الخندقية" ـ بالتصوير الحقيقي للحرب ومصير المشاركين العاديين فيها، ظهر "أدب الحرب" اللاحق ببكلانوف مع بهارات أيديولوجية. كان مصير رواية "تموز (يوليو) عام 41" الأصعب، لم يتم نشرها بعد الطبعة الأولى في الاتحاد السوفيتي لمدة 12 سنة. من بين المؤلفات الأخرى للكاتب "الأموات لا يعرفون العار"، و"الأصدقاء"، و"سنوات العشرينات ـ الأبدية"، و"الأصغر بين الأخوة". لعب غريغوري باكلانوف دوراً جباراً في سنوات البيرسترويكا كرئيس تحرير مجلة "زناميا ـ الراية" في الأعوام 1986 – 1996. نشرت المجلة خلال عدة سنوات ولأول مرة الكثير من الأعمال المحظورة، بما في ذلك "قلب كلبي" لبولغاكوف، و"من حق الذاكرة" لتفوردوفسكي، و"روسلان الصادق" لفلاديميروف، و"أمست سحابة ذهبية..." لبريستافكين.) ومن مؤلفاته، سيناريوهات سينمائية:
مصيبة غريبة ـ. 1961 -- الأفق ـ 1962 ـ 49 يوماً ـ 1964 -- شبر أرض ـ 1969 - اليوم وحياة بأكملها ـ 1970 – وكان شهر أيار / مايو ـ 1970 -- ساليوت ، ماريا! ـ 1972 - كاربوخين ـ 1978 -- التعرف إلى الضوء الأبيض ـ 1984 - الأصغر بين الأخوة ـ 1989 -- خلود – القرن التاسع عشر" 1989
ولم يعد موجودين بطاركة الأدب (كما يحب النقاد تسميتهم): فلم يعد موجوداً بطريارك الأدب فيكتور روزوف (1913-2004)، الذي كتب مسرحيات أكثرها شهرة: "أصدقاؤها"، و"في ساعة خير"، و"بحثاً عن السعادة"، و"أحياء إلى الأبد"... وتلك التي اصبحت أفلاماً: "الغرانيق الطائرة"، و"يوم صاخب"، و"من المساء حتى منتصف النهار".

وتبع روزوف في مغادرتنا سيرغي ميخالكوف (1913-2009)، رئيس اتحاد كتاب روسيا السوفيتية، كاتب وشاعر، كاتب مسرحيات، كاتب درامي، مراسل حربي أيام الحرب العالمية الثانية مؤلف نص النشيدين السوفيتي والروسي،... نشر في عام 1935 قصيدة "العم ستيوبا" لتصبح أول قصيدة كلاسيكية في أدب الأطفال السوفيتي، ونشر في عام 1936 قصيدة "سفيتلانا" التي أعجبت ستالين فغيرت حياة ميخالكوف، فأصبح عضو اتحاد الكتاب السوفييت... وهو من أصول ريفية، ولم ينتسب إلى الحزب (حتى عام 1950). لم يعجب منتقدوه دلال السلطة له، أغلب أشعاره كانت تحمل طابعاً أيديولوجياً دعائياً:
ورقة بيضاء
أمامي على المنضدة
أكتب عليها كلماتٍ ثلاث:
المجد للحزب والوطن
(من أشعار "يوم الوطن")

"الشيوعية"! ـ
ليست كلمة بالنسبة إلينا
تنير أسطع المنارات
"كن مستعداً" ـ "مستعدون دائما!"
واللجنة المركزية اللينينية معنا!
من دواوينه: "ماذا لديكم" ـ "العم ستيوبا" ـ "نحن والقريب" ـ "فلتبق انساناً" ـ "الكلمات والأحرف" ـ "وأنا كنت صغيراً"
ولم يعد موجوداً الشاعر والمترجم السوفيتي والروسي من أسرة يهودية مثقفة ألكسندر ماجيروف الذي ولد في موسكو عام 1923وتوفي في نيويورك عام 2009)، ومن مؤلفاته:
• "الطريق بعيدة". 1947. ـ " لقاءات جديدة". 1949. ـ "أيها الشيوعيون ، إلى الأمام!" 1950. ـ "العودة". 1955 ـ "الزجاج الأمامي". 1961. ـ "وداعاً للثلج". 1964. ـ "جليد (لادوغا). 1965. ـ "حدوة الحصان". 1967 ـ "زقاق البجعة". 1968. ـ "تحت السماء القديمة". 1976. ـ "الخطوط العريضة للاشياء." 1977 ـ "قصة شعرية". 1982 (حازت على جائزة الدولة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ، 1986). ـ "ألف شيء وشيء". 1984. ـ "دمدمة" 1989. ـ "قصائد." 1989. ـ "مختارات". 1991. ـ "ريح ثلجية". 1997 ـ "مدفعية تقصف أبناء جلدتها" (قصائد مختارة من السنوات الأخيرة). موسكو : 2006
وتبعهم في مغادرتنا بطريارك الأدب والنبي كما يحلو لبعض النقاد تسميته ألكسندر سولجينيتسين (1918-2008).. حصل على دبلوم في الرياضيات عام 1941، وأنهى أيضاً دراسته بالمراسلة في معهد الفلسفة، والأدب، والتاريخ في موسكو. عمل سولجينيتسين بعد الجامعة مدرس رياضيات في مدرسة رستوف المتوسطة. تم تجنيده في القوات المسلحة عام 1941 عندما بدأت الحرب ضد ألمانيا الفاشية. اعتقل فجأة في شباط عام 1945، وجرّد من رتبة ضابط، وأرسل إلى موسكو، إلى سجن التحقيقات في لوبيانكا. حكمته المحكمة المكونة من ثلاثة أشخاص بالسجن لمدة 8 سنوات، مع النفي إلى سيبيريا بسبب ممارسته التحريض والدعاية المعادية للسوفيت: وقعت رسالة سولجينيتسن إلى صديقه التي يهاجم فيها ستالين في أيدي السلطات التابعة لوزارة الداخلية، وكذلك مسودة القصص التي عثروا عليها عند تفتيش موقع الضباط. قبع سنة في سجن موسكو، ومن ثم تم نقله إلى مارفينو إلى السجن الخاص في ضواحي موسكو، حيث أجرى علماء الرياضيات، والفيزياء، والاختصاصات الأخرى أبحاثاً علمية سرية. تحدث سولجينيتسين في فترة لاحقة قائلاً إنّ دبلوم الرياضيات صان عملياً حياته. نقل سولجينيتسين من السجن التخصصي في مارفينو إلى معسكر المنفيين السياسيين في كازاخستان، حيث اكتشفوا أن الكاتب مصاب بسرطان المعدة، وقد قضي عليه. لكنّه بعد إطلاق سراحه في 5 آذار (مارس) عام 1953 (في يوم وفاة ستالين) يخضع لعلاج باطني ناجح في مستشفى طشقند ويتعافى. يعيش منفياً حتى عام 1956 في مختلف مناطق سيبيريا، معلماً في المدارس، وفي حزيران (يونيو) عام 1957 يرسل إلى ريزان بعد إعادة الاعتبار إليه، حيث يعمل أيضاً مدرس رياضيات في مدرسة متوسطة... وفي عام 1956 بدأ القائد السوفيتي ن. س. خروشوف حملة مناهضة الستالينية، والنضال ضد "عبادة شخصية" ستالين... صادق خروشوف شخصياً على طباعة قصة سولجينيتسين "يوم من يوميات إيفان دوينوسيفيتش"، والتي رأت النور في عام 1962، ونشرت في مجلة "نوفي مير ـ العالم الجديد". يتحدث الكتاب الأول للكاتب الذي كتب في حجر واقعي، عن يوم واحد أمضاه البطل الرئيس المعتقل إيفان دينوسيفيتش شوخوف في معسكر الاعتقال، والذي تسرد القصة باسمه. قوبلت القصة بالنقد الانفعالي المتحمس، الذي قارن "يوم واحد" بـ "مذكرات من بيت الأموات" لدوستيفسكي. نشر في "نوفي مير" بعد عام من ذلك عدداً من القصص، بما فيها "حادث في محطة كريتشتوفك"، و"حوش ماتريونين"، و"لخير القضية". ووصل الأمر إلى حد ترشيح الكاتب لنيل جائزة لينين في الأدب عن عام 1964، لكنّه لم يحصل على المكافأة، وتوقفوا عن نشر قصصه بعد إعفاء ن.س. خروشوف من منصبه. كانت قصة "زاهار ـ كاليتا" آخر عمل ينشر له في الاتحاد السوفيتي وذلك عام 1966. وجه سولجينيتسين، بعد ذلك، في عام 1967 رسالة مفتوحة إلى مؤتمر اتحاد الكتاب مطالباً إنهاء الرقابة، مبيناً أن المخابرات السوفيتية (ك.ج.ب.) صادرت مخطوطاته، تعرض الكاتب للملاحقة، والمطاردة الصحفية، ومنعت أعماله. وفاقم الوضع وزاده سوءاً وقوع روايتيه "في الحلقة الأولى" (1968)، و"المبنى السرطاني" (1968...1969) في الغرب، ونشرهما هناك دون أخذ موافقة المؤلف، مما زاد صعوبة حالة سولجينيتسين في وطنه، تلك الحالة التي كانت صعبة بطبيعة الحال، ومن غير ذلك. رفض الكاتب تحمل مسؤولية نشر مؤلفاته في الخارج، وصرّح بأنّ السلطات ساعدت في نقل مخطوطاته خارج البلاد لتكون ذريعة لاعتقاله. فرواية "في الحلقة الأولى" ـ رواية هجائية، تجري أحداثها في المعهد ـ السجن التخصصي في مافرينو، المشابه لذلك السجن الذي أودع فيه الكاتب نفسه في أربعينات القرن العشرين. قيم العديد من النقاد الغربيين عالياً الرواية لتقديمها تلك اللوحة العريضة والتحليل العميق غير المسبوق للواقع الستاليني. وتحمل الرواية الثانية للكاتب "المبنى السرطاني" طابع السيرة الذاتية: فبطل الرواية روسانوف، يعالج، كما عولج في حينه المؤلف نفسه من السرطان في مستشفى تخصصي في آسيا الوسطى. الموضوع الرئيس في رواية "المبنى السرطاني" هو صراع الإنسان مع الموت، على الرغم من احتوائها على نبرة سياسية واضحة: يقدم الكاتب فكرة مفادها أنّ ضحايا المرض القاتل يظفرون بشكل غير مألوف بالحرية التي يفتقدها الناس الأصحاء. حاز سولجينيتسين في عام 1970 على جائزة نوبل للأدب "تقديراً للقوة الأخلاقية والمعنوية المستمدة من تقاليد الأدب الروسي العظيم". أعلن الكاتب مباشرة عند معرفته بنيله الجائزة أنّه ينوي استلام الجائزة "شخصياً في اليوم المحدد". لكن، وكما حصل منذ 12 سنة مضت، عندما منحت جائزة نوبل إلى كاتب روسي آخر هو بوريس باسترنياك، عدت الحكومة السوفيتية قرار لجنة نوبل قراراً "سياسياً معادياً"، فقد قبل سولجينيتسين الجائزة الرفيعة شاكراً متغيباً عن حضور حفل التكريم خوفاً من أنّه لن يستطيع العودة إلى الوطن بعد مغادرته. بين عضو الأكاديمية السويدية كارل راغنار غيروف في كلمته أنّ مؤلفات سولجينيتسين تشهد على "قيمة الإنسان التي لا تقهر". وقال غيروف مذكراً بملاحقة الكاتب في وطنه قائلاً: مهما توعدوا وهددوا الكرامة الإنسانية، فإن إبداع سولجينيتسين لا يعد وصمة عار لقامعي الحرية فحسب، بل وتحذيراً: بأنّهم بمثل هذه التصرفات يلحقون الضرر بأنفسهم بالدرجة الأولى". وردت في المحاضرة التي ألقاها سولجينيتسين حول جائزة نوبل في عام 1972 فكرة الكاتب المحببة القائلة إنّ الفنان ـ هو آخر من يحمي الحقيقة. وتنتهي المحاضرة بالعبارة التالية: "كلمة الحقيقة وحدها تجتذب العالم بأسره". يسمح لسولجينيتسين بعد عام من حصوله على جائزة نوبل أن ينشر مؤلفاته في الخارج، نشرت دار لندن باللغة الإنكليزية في عام 1972 كتاب: "آب الرابع عشر" ـ وهو أول كتاب ملحمي متعدد المجلدات عن الثورة الروسية، الذي كثيراً ما يقارن بـ "الحرب والسلام" لتلستوي. صادرت المخابرات السوفيتية (ك.ج.ب.) في عام 1973، بعد استجواب ضاربة الآلة الكاتبة مخطوط مؤلف سولجينيتسين الرئيس "أرخبيل غولاغ، 1918...1956: تجربة البحث الفني". أراد سولجينيتسين منقباً في الذاكرة، ومستخدماً المذكرات الشخصية، حول الأيام التي أمضاها في معسكرات الاعتقال، وفي المنفى، أن يعيد تكوين التاريخ السوفيتي غير الموجود رسمياً، وأن يخلد ذكرى ملايين المنفيين السوفييت، "الضائعين في غبار معسكرات الاعتقال". يقصد من "أرخبيل غولاغ" السجون، ومعسكرات العمل ـ لإعادة التأهيل، ومستوطنات المنفيين، الموزعة على كامل الأراضي السوفيتية. يستخدم الكاتب في كتابه ذكريات، وشهادات شفهية ومكتوبة لأكثر من 200 سجين، التقاهم في أماكن سجنه. اتصل سولجينيتسين بعد مصادرة مخطوطاته مباشرة بناشره في باريس ومنحه حق التصرف بالنسخة المنقولة إلى الخارج من "أرخبيل" التي رأت النور في شهر كانون الأول (ديسمبر) عام 1973، وفي 12 شباط (فبراير) عام 1974 اعتقل الكاتب، واتهم بالخيانة الوطنية، وحرم من الجنسية السوفيتية، وأبعد إلى ألمانيا الغربية. ينتقل سولجينيتسين بعد ثلاث سنوات من الإقامة في زيورخ إلى ولاية فيرمونت في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ينهي الكاتب المجلد الثالث من "ارخبيل غولاغ" (صدرت الطبعة الروسية عام 1976، والإنكليزية عام 1978)، وتابع العمل، أيضاً، على الروايات التاريخية بالكامل، التي بدأها بـ "آب الرابع عشر"، والتي أسماها "العجلة الحمراء"، التي تعد، حسب كلام سولجينيتسين نفسه "تاريخاً تراجيدياً يعكس كيف دمر الروس أنفسهم تاريخهم، ومستقبلهم". دارت نقاشات عاصفة حول اسمه بعد انتقاله إلى الغرب، وترجحت سمعته حسب تصريحاته، عندما انتقد في كلمته الموجهة إلى طلبة جامعه هارفرد، والتي ألقاها بمناسبة منحه درجة فخرية، مادية الغرب الرأسمالي، بالحدة نفسها التي ينتقد فيها القمع في الشرق الاشتراكي، أسماه أعداؤه بـ "الرجعي الطوباوي". لاحظ الناقد الأمريكي جوزيف إبستاي في عام 1972 أنّ "النزاع الأخلاقي هو أساس أي فعل" عند سولجينيتسين. كتب الكاتب اليوغسلافي ميلوفان جيلاس ناقداً "آب الرابع عشر" في عام 1972، يقول: "يملئ سولجينيتسين الفراغ الحاصل في الثقافة والوعي الروسيين. لقد أعاد إلى روسيا روحها ـ الروح نفسها التي كشفها أمام العالم بوشكين، وغوغول، وتلستوي، ودوستيفسكي، وتشيخوف، وغوركي". "يعد الموضوع الرئيس عند سولجينيتسين تبجيل الأخلاق، الإمكانية الوحيدة للبقاء على قيد الحياة في العالم الكابوسي، حيث تضمن الأخلاق وحدها القيمة الإنسانية، وحيث تمتلك فكرة الإنسانية طابعاً سامياً فوق القيم"، كما يرى الباحث الأمريكي جوزيف فرانك.
ومن الضروري إيراد آراء منتقدي سولجينيتسين في كتبه، فقد جاء في كتاب "ستالين ـ حقائق وأكاذيب"، ما يلي: "تحدث السفير الأمريكي السابق في الاتحاد السوفيتي بيم ـ العضو المشهور والعبقري في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، في مذكراته كيف صنع هذا الكتاب (أرخبيل غولاخ). عندما أتى موظفوه، كما كتب بيم، له بكومة من الصفحات الكريهة تحت توقيع سولجينيتسين، لم يعرف في البداية ماذا يفعل بهذا الهذيان الشيزوفريني. وعندما حبس عشرات المحررين العباقرة والمخضرمين وكلفهم بتحرير وإتمام هذه "المواد"، حصل على كتاب "أرخبيل غولاخ". وقد وجه هذا الكتاب ضربة قوية إلى الشيوعيين وإلى الاتحاد السوفيتي وإلى الشيوعية العالمية نتيجة ورشة الدعاية التي عمت العالم أجمع". (ف. جوهراي ـ ستالين ـ حقائق وأكاذيب ـ دار الطليعة الجديدة ـ دمشق 2010)

واسمحوا لنا بعد هذه الجولة في ذكرى من غادرنا من الأدباء الروس، أن ننتقل إلى مشارف الأدب الروسي المعاصر.
لقد حدد الجيل الجديد معالم الأدب الروسي في هذا العقد. ولعل الكسندر بروخانوف قد شذ عن القاعدة، كما يقول ف. بوندارينكو، كواحد من الليبراليين والوطنيين على حد سواء، الذي اقتحم السنوات العشر الأولى من القرن بذخيرة غير متوقعة وطاقة إبداعية لا تنضب بانياً مجدداً اسماً لنفسه، وهو يعدّ اليوم أيضاً أحد قادة الأدب الروسي الحي المعاصر بلا منازع. لقد كتب أترابه ـ من اليسار واليمين على حد سواء، أفضل كتبهم في القرن العشرين بلا شك. وهم أنفسهم لن ينفوا ذلك. فليمنحوا لهم الجوائز الرئاسية على خدماتهم السابقة، وهذا يشبه حملة جائزة نوبل الروس في الفيزياء، والذين حازوا عليها في السنوات الأخيرة تقديراً لاكتشافاتهم التي حققوها في الزمن الستاليني... نشر بروخانوف في عام 1971 أول كتبه الأدبية "أسير في طريقي"، و"رسائل عن الريف"... ساند في آب 1991 أعمال لجنة الطوارئ الحكومية (التي عرفت بانقلاب آب ضد غارباتشوف). دعا في صحيفة "دين ـ اليوم"ـ بعد حل مجلس السوفيت الأعلى ـ إلى إسقاط نظام يلتسين المناهض للشعب. أغلقت وزارة العدل الروسية في 4 أوكتوبر (تشرين الأول) 1993 نشاط هيئة تحرير صحيفة "دين". وأصبح بروخانوف منذ أيلول (سبتمبر) 1993 مدير تحرير صحيفة "زافترا ـ الغد". يعد بروخانوف قائداً للمعارضة الوطنية، كاتب نثر، كرس حياته لوصف حروب العالم الإقليمية، بما فيها تلك التي حصلت، وتحصل على أطلال الاتحاد السوفيتي. وهو جسر يربط عالمي الأدب في القرنين العشرين والواحد والعشرين.
أجل، يحدد عالم الأدب الروسي في العقد الأول من الألفية الثالثة أسماء أخرى، وكتب أخرى:
أهم كتب الجيل الجديد بروزاً ـ "لسعة الملاك" لبافل كورسانوف، و"القس" لألكسندر سيغين، و"سانكا" لزهار بريليبين ، و"الطريق إلى موري" لإيليا باياشوفا، و"Pasternak باسترناك" لميخائيل يليزاروف، و"انفلونزا الطيور" لسيرغي شارغونوف، والرواية السوداوية "آل تيشوفي" لرومان سينتشين، و"الجسر الحجري" لألكسندر تيريخونوف. وصدرت رواية أوليغ بافلوف "أسيستوليا" في مجلة "زناميا ـ الراية" من وراء الستار. أما في مجال الشعر فنذكر كتب يميلين وفيتوخنوفسكايا، وردينوف، وكيبيروف.
(وردت رواية زهار بريليبين "سانكا" في القائمة الطويلة لجائزة "البوكر الروسي" لعام 2006 ومن ثم في القائمة المختصرة. وفضلاً عن ذلك وردت في التصفية النهائية لجائزة "البيست سيلير الوطني" لعام 2005، وصدرت الطبعة الرابعة من رواية "سانكا" للكاتب النيجغوردسكوي زهار بريليبين، وحصلت في عام 2007 على جائزة "ياسنايا باليانا" "للمؤلفات العظيمة في الأدب المعاصر"، واعترف بها كأفضل رواية أجنبية للعام 2007 في الصين، وترجمت إلى اللغتين الصينية والفرنسية... تعد الرواية الثانية لأحد أهم المبدعين الجدد في هذا العقد اكتشافاً ساراً لمقيمي النثر المعاصر الحقيقيين. "سانكا" ـ هي تاريخ شاب بسيط من الأرياف، ساشا تيشين، الذي لو أنّه ولد في زمن آخر لكان من الممكن أن يصبح مهندساً أو عاملاً. لكن "خساسة وسفالة" العصر "الخنزيرية" لا تمنح له هذه الفرص، وينتسب ساشكا إلى حزب ثوري فتي على أمل تغيير العالم نحو الأفضل... تعد هذه الرواية النفسية ـ الكلاسيكية، النادرة في زماننا، شاهداً مقنعاً على أننا نشهد ولادة كاتب جديد أصيل ومتميز، حسب رأي بوندارينكو.
أما رواية "آل لتيشوفي" الواردة في القائمة المختصرة "للبوكر الروسي" فتبنى على تنازع السيرة الذاتية إلى حد ما... تُطرد أسرة موظفين حكوميين ميسوري الدخل حتى وهلة قريبة من الشقة السكنية المخصصة لهم من قبل المؤسسة التي يعمل الوالد فيها (الأب ـ ضابط شرطة مناوب في مصح، والأم أمينة مكتبة، أحد الأبناء عاطل عن العامل، والآخر محكوم يؤدي محكوميته): يجبر الأب على الاستقالة من الوظيفة نتيجة جريمة وظيفية. المخرج الوحيد أمام الأسرة هو الانتقال إلى الضيعة إلى العمة التي تتابع حياتها في عزبة خربة. يعتقد آل ليتوفيش أنّ هذه حالة مؤقتة، ومن ثم يفهمون أنّهم استقروا هنا لمدة طويلة، لانتفاء إمكانية العودة إلى المدينة، فيحاولون ترتيب أوضاعهم القروية المتينة وإمكانياتهم المعاشية. يريد القارئ الروسي بفطرته وبناء على التقاليد الأدبية الوطنية أن يرى آل ليتوفيتش يعودون في القرية إلى الجذور ويبدأون حياة سعيدة جديدة، تحت قيادة الذكاء الشعبي للعمة تاتيانا، وسط سنابل القمح التي زرعوها بأيديهم الجسأة. لكن الأمور لا تسير وفق هذه الكليشيه عند سينتشين: فروايته: تأريخ صادق لسقوط وتفكك وموت ملايين الأسر الروسية العادية. وهنا يصبح سينتشين وفياً لـ "الواقعية الجديدة"... يكتب المؤلف وثيقة العصر، بوضعه تاريخ سقوط وموت الأسرة الروسية العادية، مستنداً ليس على السحر بل على الإحصائيات.

يقول باندارينكو: يمكن تسمية أهم أبرز اكتشافات العقد من الناثر البطروسبورجي بافل كروسانوف وحتى المقاتل النيجغورودي زهار بريليبين؛ ويمكن في مجال الشعر اكتشاف الظاهرة غير العادية فيسفولود يميلين، ويمكن تسمية أولئك الشاعرات العباقرة الراديكاليات أمثال مارشا ستروكوفا، وألينا فيتوخنوفسكايا... وهناك ضاربة الأرقام القياسية دميتريا بيكوفا. روسيا لا تعرف غياب العباقرة.

سجالات أدبية وفكرية
تشهد الساحة الأدبية والفكرية سجالات واسعة، تستحق تخصيص الكتب لدراستها، والاستفادة منها... وسأتوقف هنا عند جانب من السجالات بين بعض الكتاب الروس حول جانب من التاريخ السوفيتي، ويمكن تلخيص ذلك في السجال الواسع حول مرحلة حكم ستالين، والقمع... لقد صدرت في الآونة الأخيرة عشرات الكتب تناقش هذا الموضوع، وستصدر في دمشق عن دار الطليعة الجديدة ترجمة كتابين يناقشان هذه المسألة هما: "ستالين حقائق وأكاذيب"، و"لماذا تكذب كتب التاريخ". ولتسليط الضوء على جانب من هذه السجالات سأطلعكم على بعض ما كتبه الصحفي ليونيد رادزيخوفسكي، والحاخام الأول في موسكو، وجانب من رد يوري موخين ـ مؤلف كتاب "لماذا تكذب كتب التاريخ" على رادزيخوفسكي.
يقول موخين:
(يتسلح "الصحفي" ليونيد رادزيخوفسكي بوسائل الإعلام العامة، إبان البيرسترويكا، على أقل تقدير، ذلك السلاح الفعّال لتدمير الاتحاد السوفيتي، كما لفت رادزيخوفسكي انتباهي منذ أواسط التسعينيات باللوم الذي كان يوجهه إلى معشر الصحفيين الذين لم يريدوا في ذلك الحين بيع أنفسهم لليلتسينية والدعاية ليلتسين ـ كما أتذكره بوصفه الدقيق لزملائه الذين باعوا قلبهم وضميرهم ـ أخوته في العقيدة والضمير والشرف الذين عرَّفوا عن أنفسهم قائلين: "إننا عشرون متراً من الأمعاء وقليل من الجنس". "ونحن لا نعرف شيئاً غير الكلمات".
يحرر رادزيخوفسكي اليوم عموداً في الصحيفة السرية، التي توزع وسط مجموعة محدودة من اليهود فقط، "الكلمة اليهودية" حيث ينتحل شخص المهتم بخير اليهود مجتراً بشكل لا يكل ولا يمل الموضوع نفسه ـ عن هؤلاء الروس المرضى النفسيين والمشوهين أخلاقياً والمعادين للسامية، واصلاً الى استنتاج مقصود مفاده أن لا أفق لحياة اليهود في روسيا، وإن موقفهم السليم والذكي يتلخص في الهجرة الى إسرائيل أو التكتل في "طابور خامس" غريب عن روسيا. أي إن رازيخوفسكي يعمل بشكل صريح تقريباً لصالح المنظمة الإسرائيلية الخاصة "ناتيف" المختصة بنقل اليهود الى اسرائيل.
وقد أخذتُ مقالته التي أُوردها أدناه من "المجلة اليومية" الالكترونية، وهي على الأغلب العمود نفسه المنشور في "الكلمة اليهودية".

تشخيص السادية ـ المازوخية
...
أمر معروف ومشهور... إذ يتقبل العديد من مواطنينا المحترمين هذه التصعيرة والإذلال بحماسة كبيرة: تبين الاستفتاءات أن 37% يعتقدون أنّ ستالين "قاد البلاد في الاتجاه الصحيح" ...
لقد قضى "مسيحنا" (المقصود ستالين)، من غير أية حروب، وبشكل مقصود على الشعب الروسي...
وها هي نسبة 37% من الشعب الروسي ممتنة له حتى اليوم على ذلك.
...
وها أنتم أيها "الروس المحترمون" ـ ثلثكم ـ يحن ويستجدي.
شذوذ! نعم. ويسمى بـ : الوعي السادي ـ المازوخي.
أما، المازوخية ـ فهي على السطح. "وهذا يجلب لي المتعة واللذة! وهذا ليس مؤلماً، بل مت ـ عة يا سيدي الحنون، يصرخ وهو معلق من شعره، بل وجبينه يصدم الأرضية". تكمن المصيبة في أن الرؤوس صدمت الأرضية ليس مرة، بل والعديد العديد من المرات ـ وبقيت ذكرى المت ـ عة، تلتهب خلال 55 سنة. هذه هي "مت ـ عتنا" يا سيدي الحنون...
"تصوروا بوطاً، يدوس باستمرار على وجه إنسان ـ ودائماً".
هذا التصوير لسادية الدولة ـ لا يفي بالغرض.
تصوروا شيئاً أكثر مبعثاً للضحك: أنّ "وجه الإنسان"، يحصل من ذلك على المتعة والكيف واللذة! هل تصورتم؟!
يحصل على الكيف والمتعة: أ) بالمازوخية، ب) لأن الوجه الذي يُداس يجسد ذاته ويوحدها مع من يدوسه! هذا هو هوى الوعي! لا تقدر الحيوانات على ذلك... باستثناء الكلاب، على الأرجح. أما عند الناس ـ فانظروا ـ يقدرون! في الحقيقة ليس عند الجميع. بل عند 37% فقط...
...
...
لقد كتب عنها أوريل أيضاً: "قوموا بذلك مع جوليا! لكن ليس معي! فلتقرض الجرذان وجه جوليا. فلتأكلها حتى العظام. لكن ليس معي! مع جوليا!".
...
ليونيد رادزيخوفسكي")

ويرد موخين على رادزيخوفسكي مبيناً أن مهانة الانتلجنتسيا الروسية ازدادت وأخذت طابعاً جديداً بعد انتقال السلطة إلى الليبراليين الجدد، يقول:
"الحديث ليس بالتحديد عن عميل إسرائيل هذا ـ فأمره بيّن. بل الحديث عن قرائه ـ من هم؟
...
لمن يقدمون اليوم بحرية وجههم ليداس عليها، ويفرحون بهذا المداس ليس من قبل "الستالينين"، بل من لا يعتقد أنّ ستالين قاد البلاد في الاتجاه الصحيح؟
إن أولئك اليوم كثر. كثيرون لدرجة أن من يدوس، يتفنن ويتكاسل في مداسه، ويجعل العملية أكثر متعة، أما هم فإنّهم يزحفون، ويزحفون على وجوههم متوسلين ـ دس، تكرم علينا ودُس!

(في 27 شباط (فبراير) عام 2008 خطب حاخام روسيا الرئيس بيرل لازار في في هيئة شابد في أوكسفورد (الموقع الصوتي:
http://www.chabadreseareach.co.uk/oxford/rabbiberllazar.mp3
وإليكم بعض المقتطفات من محاضرته:
"لم يقم أي زعيم روسي أو سوفيتي في أي وقت بفعل مقدار ما يفعل اليوم لليهود. في جميع المجالات. لا سابق له. تجد اليوم في روسيا العديد من رؤساء المدن والبلديات وقادة المناطق والوزراء ـ يهوداً. لقد أصبح ذلك تقليداً... إننا نحصل أكثر مما يمكن أن نتمنى... ويأتي اليوم أرفع قادة روسيا ضيوفاً إلى مركزنا. يأتي ب. غريزلوف، ويو. لوجكوف، وس. ميرنوف وكثيرون غيرهم. اقد أصبحت زيارة قادة روسيا إلينا روتيناً". انظر:
http://rusram.livejournal.com/64393.html?style=mine
....
بالتالي ـ تتساءلون ـ يعني أنّ "السادية ـ المازوخية" هي اتحاد الإنتيليجنتسيا الروسية مع اليهود؟ لا أعتقد. لا ذنب هنا لليهود ـ ما العلاقة التي تربط بيرل لازار ورادزيخوفسكي، ولنقل مع أولئك اليهود الذين يعملون إلى جانبنا ويعيشون كما نعيش؟ عملياً يعمل رادزيخوفسكي لدفعهم هم وليس نحن للمغادرة إلى إسرائيل. وهو لا يمس الانتيلجنتسيانا بما في ذلك زملاء "السادية ـ المازوخية".
* * *

لقد شلت الأزمنة المتعفنة لما يشبه التفكك وما يشبه الانهيار ليس الجيش والصناعة الروسية، بل وشلت الأدب الروسي تارة أيضاً، وأثر على الأدب تارة أخرى غياب السياسة الأدبية المتكاملة عند الحكومة الروسية، كما يقول بوندارينكو (تلك السياسة التي لا وجود لأية دولة عصرية عظيمة من غيرها). ويتابع: "يوجد في روسيا المعاصرة كتاب عباقرة مبدعون، وعددهم كبير، لكنّ الأدب العبقري المبدع الذي يحدد الحياة الروحية للمجتمع الروسي فهو غير موجود. لدينا ألكسندر بروخانوف، وفلاديمير ماكانين الصديقان ـ المتنافسان السابقان على حدة، والعملية الأدبية في روسيا على حدة. وزهار بريليبين على حدة، وسيرغي مينايف على حدة، وبافل سانايف على حدة، ورومان سينتشين على حدة"...
لم تستقر بعد الساحة الوطنية التي ظهرت في أوج نهاية العقد، لننتظر، ونر كيف ستتطور في المستقبل.
ويذكر متابعو الحركة الأدبية الروسية من بين النقاد الجدد البارزين في هذا العقد أولاً الكراسنداري يوريا بافلوف وكيريل أنكودينوف، وذا الأصول الشمالية أندريه روداليوف، والأورالي سيرغي بيلياكوف. وكما ترون إنّهم جميعاً من الريف. هنالك من الأسهل البقاء مستقلاً، كما حصل في نهاية عهد الركود البريجنيفي، عندما نشرت البدع غير المتوقعة والتقليعات حديثة العهد إما في صحيفة "سيفير ـ الشمال" أو في "باديوم ـ النهضة"، أو في "سيبيرنيخ أوغنكاخ ـ النيران السيبيرية".
ظهر في هذا العقد، ما يسمى بـ "الواقعيين الجدد": أوليغ بافلوف، الكسي فارلاموف، ميخائيل تاركوفسكي، وناقدهم بافل باسينسكي... وارتبك وضاعَ الكتاب العظام من "الأربعينيين" القدامى، كما يقول بوندارينكو، متابعاً: فتحرر من رباط النثر روسلان كيرييف، وانتقل إلى كتابة المذكرات، ونادراً ما ينشر جدياً دون أن يعلن عن نفسه أناتولي كورتشاتكين. أشعر بالأسف الشديد عليه: لتعلقه بالسخافات (أو الأمل بالمجد الصاخب؟) في شغب المناقشات السياسية القاسية للناس المبدعين. هكذا تلاعبوا بكورتشاتكين نفسه يوماً ما. كما أنّ فلاديمير أورلوف لم يستطع النهوض أعلى من مستوى عمله "ألتيست دانيلوف". هذا ما يميز أدباء المناسبات. عندما يكتب الكاتب عملاً مبدعاً، يبقى أسيراً له، كالفنان المشهور الذي يصبح أسير دور جيد أداه يوماً ما... وغادرنا باكراً أناتولي أفانسييف. وصمت طويلاً ذلك الشاعر الغنائي المرهف الحس والفيلسوف الأدبي والحالم أناتولي كيم. جذبته خيوط عنكبوت الترجمات الشرقية. نفهم أنّ الأسرة بحاجة إلى النقود، والنثر الذاتي لا يعطي شيئاً تقريباً، أما هنا فيعرضون مبالغ ضخمة من المال. وهنا احترق في حينه وصمت إلى الأبد يوري كازاكوف، ومن ثم أجبرت تلك الترجمات نفسها والكلاسيك الشرقي ذاته نوربيسوف على الصمت طويلاً وكذلك الأمر بالنسبة إلى قائد جيلي بلا منازع ـ يقول بوندارينكو ـ بيتر كراسنوف. لقد عاد الآن إلى نثره، لكن، ويا للأسف، أفضل السنوات ولّـت على ما يبدو. وقصرت الآن عمر الكاتب المتميز أناتولي كيم. تقفز إلى الذاكرة الأسطر المشهورة لـ أرسين تاركوفسكي: "لماذا بددت أفضل سنوات عمري وراء الكلمات الغريبة؟ آه أيتها الترجمات الشرقية، كم يؤلمني رأسي بسببك"... إنّها المعاناة الأبدية للكتاب الروس، لكن ما العمل، إذ يدفعون في روسيا لقاء الترجمات الشرقية أكثر بكثير مما يدفعون للمؤلفات الشخصية، حسب رأي بوندارينكو.
صمد ثلاثة من بين كوكبة الأربعينين أمام التجارب، هم: ألكسندر بروخانوف، وفلاديمير ماكانين، وفلاديمير لوتشوتين. وفي النهاية فقد كتبت رواية "أندر غراوند" الماكانينية، وأفضل أعماله البرامجية في سنوات هذا العقد. وكذلك الأمر حيال رواية "التوقيع" البروخانوفية. "وحتى "آسان" (آسان: من اللغة السنسكريتية، وهي وضعية من وضعيات اليوغا، تعني وضعية الجسم في حالة اللذة والراحة ـ المترجم) هذه الأسطورة الماكانينية المبنية ببراعة حول الحرب الشيشانية غير الأسطورية أبداً، والتي تركت، وليس مصادفة، ضجة كبرى. آسف بصدق أن "ميلودي روتمان" الليتشوتينية لم تأخذ ذلك الصدى. يتجه الكاتب الروسي الشهير فلاديمير ليتوتشين مؤلف ثلاثية "الانشقاق"، في روايته الجديدة "ميلودي روتمان" إلى المواضيع العصرية والحادة في العلاقات الأسروية، عندما تكون، وحسب كلام تلستوي، كل أسرة تعيسة الحظ، تعيسة على منوالها. يخلق المؤلف النموذج الحي والعميق نفسياً لـ "مدام بوفاري" العصرية، للنساء الساعيات بصدق ليحببن وليكن محبوبات. ويتأسس سلوك أبطال الرواية، وبحثهم عن مكانهم في الحياة ـ على التصدع والانكسار النفسي، وفقدان التوجه الأخلاقي، والشعور بالوحدة. وتعطى نبرة مميزة واضحة لحدة النقاشات حول الأحداث التي تجري في روسيا، وعن البيرسترويكا، التي مرت كمرحلة سوداء خلال مصير الأبطال. تتضمن الرواية سخرية ودعابة لطيفة دافئة، وحماسة قاسية، وحبّ دراماتيكي. كتبت الرواية بلغة "ليتشوتينية" حية سلسة لا تتكرر... يمرغون ليتشوتين بشكل مقصود، ويجهدون لإخراجه من العش الأدبي، ومما يدعو للدهشة أن ذلك يحصل من اليمين ومن اليسار. يا له من جوال وحيد كئيب. لا تتعلق المسألة في آراء الكاتب. إنّه لمن المؤلم أن لوحاته اللفظية الواضحة المحبوكة بالمواضيع المنقحة بعمق لا تلائم الزمن. من حسن الحظ أنّه يتمتع بمزاج وطبع مرح، فلا يقتله الاكتئاب والشجن. لو كان واحد آخر في مكانه لتوقف عن الكتابة نتيجة الشعور بعدم التلاؤم. أو لنسي اللغة الروسية...
لم يعد يوجد في الأدب في هذا العقد لا يساريون ولا يمينوين، ولا محليون، ولا غربيون. اختفت عملياً كل التجمعات الأدبية... حل موسم التجار وكنسوا الجميع من الأدب بالمكنسة إلى الزمن الغابر. يعاين الناشرون أنفسهم بانتباه، من من الأدباء ينفع للبيع المربح، ومن لا ينفع؛ وهنا كقاعدة لا تهم الناشرين آراء الكاتب، ولا اتجاهه. مثل الوطني إيدوارد ليمونوف، مثل الليبرالي فلاديمير ماكانين، و"الديناصور" ألكسندر بروخانوف، مثلهم جميعاً واحد، المهم أن ينكنسوا عن رفوف بيع الكتب. شيء مؤسف ومحزن، لكن لا تهم الناشرين عبقرية الكاتب؛ إن كان الكتاب ماشياً، فتنفع حتى روبسكي، وينفع حتى باغيروف.
أوكسيانا روبسكي ـ أوكسيانا روبسكي، نجمة شارع روبليفكا، ولبوة من علية القوم، مغيرة الأزواج والسيارات، كما يعرفها الروس. حققت جميع نجاحاتها الظاهرية بجهدها الخاص. ولدت في موسكو في أسرة معلمين. توفي والدها وهي في الصف الأول. أنهت مدرسة الفنون، ودرست في مدرسة الموسيقا في صف العزف على الغيتار، ووتعلمت المبارزة بالشيش والسباحة. درست منذ سن الخامسة عشر في مدرسة الصحفي الشاب التابعة لجامعة موسكو، وعملت في صحيفة " Гудок الصفارة". وانتسبت إلى كلية الصحافة في جامعة موسكو، لكنّها غادرتها قبل نهاية السنة الثالثة. عملت مساعدة مخرج في التلفزيون، ومساعدة المخرج الرئيس في السيرك، في منطقة تلال لينين في موسكو، وموظفة في أرشيف محكمة. أنهت دراسة الإخراج العليا. أصدرت مجلة "سيبستيان". وافتتحت موقع لصالون المفروشات "الرواق أو"، صنعت مفروشات من النماذج الأثرية العتيقة (أنتيكا) تحمل "علامة حسن التأدب". نظمت أول وكالة في روسيا لخياطة ثياب النخبة "ماجوردوم". اكتشف القارئ الروسي في عام 2005 أوكسيانا روبسكي كمؤلفة لأوائل الكتب التي تبحث في السحر والجاذبية المتواضعة عند البرجوازية الروسية، الكتاب الرئيسي بينها هو "Casual عادي". حازت على جائزة "البيست سيلر الوطني" في عام 2005. يرى بعض القراء (كما ورد في موقع الكاتبة في شبكة الانترنت)، أنّ كتبها تخلو من بنية العبارة الأدبية السليمة، ومن التناسق الفني، كل شيء في كتبها مرعب، ولا تمتاز أحداثها بالاكتمال. الفكرة الأساسية عندها هي الخلاعة والتهور والتفاهة والخساسة والدناءة والابتذال. ويبدو أن المؤلفة تفتخر بمشاركتها في كل ما تصور. المرأة الروبلية (من شارع روبلوفكا) هي غايتها ونموذجها ومثالها. يبدو للكاتبة أنّه بامتلاك المال والعلاقات يمكن شراء أي اسم، يشترون الكثير مما هو مغري، وكل ما يخطر على بال، كتبها خليط من الهراء والهذيان المخدر المطهم بالخلاعة والاستهتار صادر عن امرأة تنبل كسول عاطلة عن العمل، متباهية بدعايات أغلى المطاعم المسكوفية، والمحال التجارية الفارهة مع عناوينها، ولائحة بمختلف أنواع البضائع وأسعارها المفصلة، مع ثقة المؤلفة بأنّ جميع الناس، باستثناء أولئك الذي يسكنون شارع روبليفكا، تافهون وذبالة. كتبها لا تتضمن لا الفائدة ولا الأفكار، ولا المتعة الفنية... كما يرى بعض النقاد؛ ومع ذلك (ماشية).
إدوارد إسماعيل باغيروف (من مواليد عام 1975 في مدينة ماري التروكمانية، من أب أذري وأم روسية. انتقل إلى موسكو عام 1994 مارس الأعمال الحرة بنجاح. انتسب عام 2001 إلى كلية الحقوق التابعة لأكاديمية النقل المائي الحكومية في موسكو. ولم ينه تعليمه. في خريف عام 2002 شارك في تشكيل موقع أدبي في شبكة الانترنت الدولية، وحل مكان مدير الموقع خلال عامين. يعمل الآن ناشراً ومذيعاً تلفزيونياً وكاتباً. ألف باغيروف في عام 2007 رواية " Гастарбайтер غاستاربايتر" التي تتحدث عن مغامرة شاب يفتح موسكو وهو لا يمتلك كوبيكاً واحداً. ونشر في تشرين الثاني 2008 روايته الثانية "Любовники العشاق"، التي تتابع خط رواية غاستاربايتر، علماً بأنّها كتاب مستقل.
* * * * *
عندما تنعدم سياسة الحكومة الأدبية، وعندما يقارب تأثير النخبة المثقفة في المجتمع حوالي الصفر، وتعيش جميع الصحف السميكة حياة التسول التعس الذليل، عندها يحدد كبار الناشرين التجار سياسة البلاد الأدبية. فإلى أين سيقودوننا؟ ـ يتساءل بوندارينكو.
حددت الحكومة السوفيتية يوماً ما، في ثلاثينيات القرن العشرين في منهاج قراءة الأطفال أسماء بوشكين، ونيكراسوف، وتلستوي، وتيشخوف، وترعرعت أجيال بكاملها، وتربت على الأدب الروسي الكلاسيكي. ويتساءل النقاد إن كان ذلك لعب دوراً في كسب روسيا الحرب! يقرأ الأطفال اليوم هاري بوتير، والكتاب الهزليين، فلا تنتظروا المآثر منهم مستقبلاً. سينفجرون من الضحك في وجوهكم.
ومع ذلك:
تراجعت إلى المرتبة الثانية والثالثة موجة ما بعد الحداثة المضجرة والمملة، وغير الممتعة حتى لأصحابها ذاتهم. ليس مصادفة أنّ أهم الموهوبين بينهم (على سبيل المثال، في عالم الشعر، تيمور كيبيروف، ونوعاً ما سيرغي غانديلوفسكي، وفي النثر فلاديمير سوروكين، وحتى فيكتور يروفييف) غادروا فضاء ما بعد الحداثة الذي أشبعهم مللاً وإزعاجاً، وانخرطوا إما في عالم الهجاء الاجتماعي، أو في عالم التاريخية كصيغ جديدة من الكلاسيكية الجديدة. جميعهم يعودون من حيث الجوهر إلى حقل التقليدية، والواقعية الروسية، مكتنزين بتجاربهم الذاتية الغنية بالتجارب الناجحة أو الفاشلة. تجد، على سبيل المثال رواية "يوم أبريتشنيك" (أبريتشنيك: هو الشخص المنخرط في صفوف القوات الأبريتشنيفية، أي الكتيبة التي شكلها القيصر إيفان الرهيب في إطار إصلاحاته السياسية في عام 1565، وسمي الأبريتشنيكي في حينه "رجال الدولة") و"الكرملن السكري" لسوروكين، أو "ستالين الجيد" ليرفييف (تجد) قراء جدداً تماماً. لنفترض أنّه ليس كل شيء عندهم مقبولاً، لكن اتجاه تطور الكاتب من الشر إلى الخير واضح...
نتائج عام 2009 المنصرم من وجهة نظر بوندارينكو موفقةً تماماً، ويذكر عدداً من أكثر الكتب أهمية، ويقول: لقد وضعت، كعضو في هيئة تحكيم جائزة "الكتاب الكبير"، أعلى درجة لألكسندر تيريخوف على روايته "الجسر الحجري"... لقد تناقشوا كثيراً حول روايته مع اختلاف النقاد المتخصصين المدهش والعجيب. بدت للبعض عديمة الصوت، وكادوا يصنفونها كأحد أوجه الواقعية الاشتراكية، وبدت تحفة حقيقية لآخرين. سنترك الحديث عن التحفة، إنما الانغماس الرائع في الزمن الستاليني، وفي أجواء الأربعينيات الواقعية يستحق الانتباه. كما أن الحدث والموضوع يغوي. يطلق على جسر حجري ابن مفوض شعبي ستاليني النار على حبّه الميئوس منه، ابنة ديبلوماسي ستاليني، ومن ثم يطلق النار على نفسه... تاريخ واقعي، ماض واقعي. رومانسية وتراجيدية معاً.
ويتحدث كاتب آخر من كتاب الأربعينيين عن زمن الحرب وما بعد الحرب، إنّه: أندريه غيلاسيموف، في روايته "ذئاب السهوب"، التي حازت على جائز "البيست سيلر الوطني" لعام 2009. نثر واقعي متين البنيان حسن النوع، ومعرفة لامعة للحياة ـ وللحيوانات والشعوب الرحل، وسكان قرى منطقة ما وراء البيكال.
ويعد كتاب الأديب البطرسبورجي أندريه أستفاتساتوروف "العراة" خرقاً جديداً من قبل جيل الأربعينيين، يبدو تارة متهوساً، وتارة غير لائق، وغير مهذب، لكنّه طيب ولطيف وخيّر في علاقته مع شخصياته العارية. إننا بحاجة للخير دائماً.
لقد سئم قراء الشعر من الأحاجي والألغاز الذهنية المبهمة متعددة الأوجه، وسئموا الابتسامة الهزلية الشريرة الحقود. لتكن هناك بهلوانية، وأية لعبة جنون، لكن على القارئ أن يشعر بروح بطله، وأن يصدقه.
من المعروف أنّ ألكسندر بروخانوف لا يشبه على الإطلاق لا البهلول ولا المهرج الساخر، لكن روايته الجديدة "العازف الماهر" التي خافت ثلاث صحف وخمسة دور نشر من طباعتها، والتي صمتت وسائل الإعلام حيالها، هي قريبة من أشعار يميلينسكي في دعوتها للتمرد. صراع رئيسي روسيا، وهلاك أحدهما، وخيانة الثاني واللعب معهما من قبل رئيس المجمع المتحايل الماكر المستعد لاحقاً للكتابة عن هذه الألعاب الشيطانية في روايته ـ وكل ذلك على خلفية انهيار الدولة الشامل.
هكذا يتبين أنّ السياسة تعود إلى النثر والشعر في جميع أوجههما. لنأخذ رواية "الغرانيق والأقزام" لليونيد يوسيفيتش يبين المؤلف فضلاً عن المواضيع والأحداث الشرقية التقليدية بالنسبة له، يبين وقبل كل شيء طابع البيرسترويكتنا وجميع سنوات تسعينيات القرن العشرين المخرب والمدمر والمهلك. ويطرح أسئلة حول: كيف نحمي أنفسنا في هذا العالم البيرسترويكي الذي اتخذ منحاً رأسمالياً مجرماً سافلاً مقرفاً شنيعاً، وكيف نحمي الروح، والأهم من ذلك كيف نحمي روسيا؟ الآمال والأحلام باطلة تقريباً ولا تتحقق لكنّها تملأ جميع أفضل كتب الزمن الأخير. وليس مصادفة أن ليونيد يوسيفيتش حصل في هذا العام على جائزة "الكتاب الكبير". هذا مؤشر جيد، ودليل أنّه يمكن أن يتغير شيء ما في السياسة الثقافية.
تظهر الحياة الواقعية في كتاب الأشعار الصادر منذ مدة قريبة لـتيمور كيبيروف "الإغريقي ـ والأغاني الرومانية الكاثوليكية لمربي الأطفال". المهم أنّ هذا الكاتب الروسي الأسيتي فارق النهلستية والبوفيغيزم. (النهلستية: العدمية، بوفيغيزم: فلسفة تعلم الإنسان التعامل ببرودة أعصاب مع تعاسة الآخرين. وتعلمه عدم التعامل عاطفياً مع إخفاقاته.). قد تكون الأحداث في وطنه أوسيتيا أجبرت الشاعر العبقري على تغيير علاقته بالحياة، وبالإبداع.
صدر كتاب من ثلاث مجلدات ليمخائيل تاركوفسكي. يبين هذا الكتاب أن خط شيشكوف، وبريشفينسكي، وريميزوفسكي في الأدب الروسي لم يختفِ أو يضيع. بماذا تتلخص عبقرية ميخائيل تاركوفسكي القريب نسباً بالموهبة من ابن جيله الأكبر فلاديمير ليتشوتين. يعيش ميخائيل كالسابق في ريفه في الغابة، غير مستعجل لقطع العلاقات مع الطبيعة المفهومة والقريبة إليه. قد يكون الأمل الأخير عند الروس متعلقاً بالطبيعة وحيويتها. فعالم الحيوانات وعالم النبات، والغابات، والحبوب، والأنهر، والسمك ـ لا تخون، وستبقى حية تتصارع حتى آخر رمق.
من المدهش أنّه في عشرات المقالات الأدبية المختلفة حول محصلة العام والعقد الأخير، التي كتبها مختلف النقاد، أمثال: فيكتور توبوروف، وأندريه نيمزير، وسيرغي بيلياكوف، وليف دانيلكين، لا ذكر لدميتري بيكوف على الإطلاق، وكأنّه غير موجود. يقول بوندارينكو: قد لا يكون بيدي ذكر مجادلي الشرير، لكنني أعتقد أن رواية "ج.د" أكثر أهمية وأثمن من العديد من الكتب التي ذكرها النقاد المتبصرون الحصيفون... أنتظر الآن صدور كتاب عن ليونوف في سلسلة "ج.ز.ل" لزهار بريليبين (ج.ز.ل :اختصار من ثلاث كلمات روسية: جيزن زامتشاتلينخ ليوديي: حياة أناس رائعين). يمكن وضع تصور عنه بعد الإطلاع على المقتطفات الكثيرة المنشورة في وسائل الإعلام. ويمكن توقع النقاش الذي يدور، علماً بأنّ ذلك أمر أكثر من مألوف عند بريليبين... يتابع بوندارينكو قائلاً: لقد أهداني يوري ماميلوف كتابه الجديد "مسيرة الروس في العالم المرهف"، حيث أخيراً وحد معاً سيروياليته، وصوفيته، وميتافيزيقيته ووحدها جميعاً مع الرؤية الوطنية العضوية المتجذرة لروسيا. لقد وُجَِد ماميلوفيان اثنان حتى ذلك الحين: واحد مؤلف "شاتونوف"، وغيره من الكتب المرعبة المريعة، والثاني ـ مؤلف البحوث الفلسفية الروسية ـ العظمى. لقد أصبح كفيلسوف المتنبئ والأب الأصيل (لليفروزيستفا) للأوربة المعاصرة، وأصبح كمتصوف ومفسر أسباب الشر متنبئاً ومعلماً لفلاديمير سوروكين. أما الآن فلقد اتحد هذان العالمان. اتحدا عضوياً تماماً. يقود الفيلسوف الوطني الأصيل وراءه أبطاله الصوفيين في روسيا المخطئة. يبدو أن رواية "مع روسيا على انفراد" قريبة إلى النثر الشوكشيني والراسبوتيني.
(يكمن مصدر وأصل الـ:يفرزيستفا: (الأوربة) في أفكار المفكرين السلافيان الأوائل، أمثال قنسطنطين ليونتيف، ونيقولاي ستراخوف، ونيقولاي دانيلوفسكي. لقد عارض دانيلوفسكي روسيا وأوربا، وأوجد مصطلح "النموذج الثقافي ـ التاريخي" ـ كتفسير للفروقات بين الروس والأوربيين، وميّز بين النموذج الرومان ـ ألماني، واليونان ـ بيزنطي كنموذجين متعارضين ومحددين شرطياً لمجمل مسيرة التطور التاريخي. لكن فكرة المؤلف العميقة التي تقول إنّ النموذج الثقافي ـ التاريخي لا يمتلك أبسط الأوضاع في المكان الجغرافي المحدد، تفرط في المبالغة وكأن "لا أهمية للجغرافيا على الإطلاق". وفي هذه الحالة يلغى تماماً دور العامل الطبيعي ـ الجغرافي في صياغة الوعي الشعبي، الذي يعد مكوناً هاماً في ظاهرة "النموذج الثقافي ـ التاريخي").
أسعد يوري بولياكوف قراءه، وتابع في أعماله "نافخ البوق"، و"القيصر الفطري"، البحث الناعم الساخر، الطيب الرصين في واقعنا المظلم. بولياكوف بطبيعته طيب الروح والقلب، على الرغم من أن الحياة تدفعه دائماً إلى جحيمها، لكنّه لا يستطيع الزعل أو الاحتدام غيظاً. كما أنني كنت مندهشاً من الهجوم على عزبته البولياكوفية والضرب الفظيع الذي تعرضت له زوجته الرائعة نتاشا... أية أخلاق فظيعة تسود في زماننا. التي تذكر ليس بنثر بولياكوف الساخر ـ الطيب، بل بـ"شاتونوف" ماميلوف، أو ضباع وذئاب البروخانوفية في رواياته الشيطانية. أ يتغير بولياكوف بعد هذه الحادثة القاسية المزعجة ويصبح عديم الرحمة وأكثر قسوة؟
إذا إردنا إيجاز بحثنا نقول:
لقد سئم الكتاب من التهميش، والتجرد من الزمن، سئموا اللعب لمجرد اللعب. خرجوا من التاريخ البعيد، ومن الخيال والطوباوية....
استيقظ اهتمام بالأدب بحد ذاته، وفي الأدب استيقظ اهتمام بالحياة الواقعية.
أ تكون هذه ضمانة أساس النهضة المقبلة في الأدب الروسي؟ نأمل ذلك!



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزب الشيوعي السوري بين الأحلام الرومانسية والجمود الكلاسيك ...
- تحتاج روسيا إلى أناس عظماء
- من المستفيد من التفجيرات في روسيا؟!
- رسالة إلى كل الأمهات في عيد المرأة العالمي وعيد الأم
- بلا معنى
- المبدعون الروس والنبي العربي
- تحية إلى الصديق الأديب مالك صقور في يوم تكريمه
- سعد الله ونوس مبدع مسرح المستقبل
- رواية: (على صدري) تحية لحماة، وللحبّ، والحياة
- أفضل خمسين كتاباً روسياً في القرن العشرين
- ضرورة إدخال المبادئ الاشتراكية ضمن شرائع الأمم المتحدة
- في -السور والعتبات- علم الدين عبد اللطيف يعرف ماذا يريد
- صداقة الشعب الروسي في صالح العرب والروس معاً!
- الشعب الروسي يستحق المحبة والمساندة
- شعاع قبل الفجر مذكرات أحمد نهاد السياف
- الجواب الاشتراكي على العولمة الليبرالية
- ثمن الحماقة الاحتلال.. والثمن الذي تدفعه إسرائيل
- نصوص من وراء الجدران تداعيات عقل وقلب مضنيين قراءة في رواية ...
- السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
- معرفة -الجمالي والفني- ضرورة لكل مبدع


المزيد.....




- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شاهر أحمد نصر - جولة في الأدب الروسي في بداية الألفية الثالثة