أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي جاسم - حكاية جثة عراقية














المزيد.....

حكاية جثة عراقية


علي جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3185 - 2010 / 11 / 14 - 12:09
المحور: حقوق الانسان
    


حكاية حدثت ليلة امس ،ليست الاولى من نوعها وليست غريبة في تفاصيلها بل انها قصة عادية جداً ، حدثت ولا تزال تحدث في بلد اسمه العراق..
بعد ان عاد "عدي" الى بيته في منطقة الشعب ببغداد كان متعباً ارقاً شاحب الوجه ، زوجته كلمته لكنه يخبأ ألمه خلف وجهه المتعب ، مريض بالربو ، يبدو ان وضعه الصحي يحتاج الى طبيب ، الساعة تجاوزت العاشرة مساءً وفي بغداد لا يبقى اي طبيب في عيادته الخاصة الى هذا الوقت ، اخذه اخوته الى مستشفى في مدينة الصدر"الچوادر" لاجراء الفحوصات الضرورية ، الشوارع مزدحمة نقاط التفتيش تملأ المكان، الضجة والحركة العشوائية اثقلت جسده ، وصل الى المستشفى ، أدخل الى غرفة الطوارئ، اخوته ينتظرون نتيجة الفحص ،وانا اجلس بقربهم انتظر ، جاء الطبيب خلع مناظره وقال " مات المريض" ببساطة يقولها ، بدأ الجميع بالصراخ اجرينا اتصال مع بقية اهله ، امه ، زوجته ، ابنتاه الصغيرتين ، عمره لم يتعدى الثلاثون ، تحولت صالة الطوارئ واستعلامات المستشفى الى اشبه بالفوضى تضاف الى الفوضى التي هي عليه ، كل شيء مؤلم ، الجميع يبكي وانا اجلس وحدي انظر الى قساوة هذا الزمن الذي يظلم ابنائه..
زوجته بكت وابكتنا ،حدثت الله معاتبة ، هل هذه هي هدية العيد التي بعثتها الي؟ كيف سأبقى وحيدة بعده؟ من يربي ابنتي؟ الغريب في الامر ان زوجته تبكي وقربها يجلس اثنان من عناصر الامن من الجيش العراقي تحديداً ، هذا العنصران كانا يمسكا هاتفيهما الخلوي ويلعبان ويضحكان وكأن شيء لم يحدث ،العاملون في المستشفى كانهم قالب ثلج لم ينفعل احد لم يحزن احد لبكاء زوجته او امه ، الطبيب اصر على عدم اعطاء الجثة الى اهله حتى يتأكد من سبب وفاته لم يقتنع ان الربو وحده كان سببٌ لوفاة هذا الشاب ، رغم محاولات اهل الميت والاتصالات التي اجروها الا ان الطبيب لم يرضخ لضغوطاتهم ، اعجبني جداً التزام الطبيب باخلاقيات مهنته وهي حالة تعد نادرة الان في مهن الطب بالعراق، وقفنا قرب الثلاجة التي وضعت فيها الجثة كان مشهداً حزين، المكان في طرف المستشفى حيث الظلام والروائح الكريهة ، الحيوانات التي لم تعد اليفة "البزازين والكلاب" تلعب بين التوابيت التي تنتظر الجثث، لا يوجد حتى دورة مياه اذا شاء الانسان ان يقضي حاجته، لم اشعر ان ادارة المستشفى تحترم مراجعيها لا بل حتى انها لا تحترم جثث الموتى ، الامر الذي يعكس مدى تراجع الواقع الصحي بالعراق ، ادركت ان سبب وفاته الحقيقي دون ان اعرف نتيجة تشريح الجثة ، لم يكن الربو وحده السبب ،الجميع ساهم في موت هذا الشاب وغيره ، مشاق الحياة ومتعابها ساهمت بجزء، والازدحامات والاختناقات المرورية التي اخرت وصوله الى المستشفى ساهمت ايضاً ، قلة المراكز الصحية جزء من المشكلة ، سوء واقع المستشفيات ورداءة التعامل الطبي والتشخيصي من قبل الطبيب يتحمل الجزء الاكبر ، اعتماد المستشفيات على اطباء خفر من الخريجين الجدد قليلي الخبرة وعدم وجود اطباء من ذوي الاختصاص والخبرة ايضاً كان عملاً مساهماً في موت "عدي" ، وبعد موته لم نقدم له الاحترام ،قبلنا ان يوضع في مكان اشبه بمقلع النفايات والروائح الكريهة..
رغم هذه الليلة السوداء والحزينة الا ان موقف طريف واحد جعلني اضحك بسري دون ان اشعر الاخرين ، واصل هذا الموقف هو انه ونحن نتوسل بالطبيب ان يسلمنا الجثة واجرينا معه كافة الطرق والحيل الا انه رفض ظهر شاب طويل ملتحي يرتدي "تراكسود وشحاطة" وطلب من الطبيب ان يسلم الجثة الى اهلها بدأ بالتسول لدرجة كاد ان يقبل يدي الطبيب وبعد ان فشلت كل محاولاته اخذ يتحدث بلغة التهديد مع الطبيب الذي طلب منه الخروج من الغرفة وتحول المكان الى فوضى ، نحن الاقربون تنازلنا عن طلبنا باخذ الجثة لاننا ادركنا الغاية العرفانية للطبيب لكن الشاب صاحب "التراكسود" ظل يطالب ويتكلم بصوت عالي ، وعندها اقتربت منه وشكرته عن وقوفه المتحمس ودفاعه المستميت عن الميت ،سالته من يكون؟ قال انا صاحب سيارة حديثة وظيفتي هي نقل التوابيت من المستشفيات الى بيت الميت وبعدها الى المقبرة ، هززت رأسي وشكرته ثانية ، الموت في بلادنا اصبح تجارة لا قيمة له.



#علي_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعقيباً على الحوار مع الاستاذ كامل النجار المنشور في الحوار ...
- الغاء الالقاب
- الغباء السياسي
- الكل يعرف مازن لطيف
- وللحرامية حقوق
- حداثة الثقافة
- ظاهرة اسمها شراء الاصوات
- احذروا انتخابهم ثانية
- عيد الحب ..هل يكفي؟
- الاجتثاث واللعب في المناطق المحرمة
- ربع قرن من الانتظار
- گالوا للبعثي احلف گال اجاني الفرج
- اجهزة غسل السيارات
- الحملات الانتخابية
- ذلة البعث ام -شيخة- الديمقراطية
- كارثة هايتي وضعف الموقف
- رؤية في البرامج الرمضانية قناة الرشيد والشرقية نموذجاً
- نخلة عراقية ..تصارع آفة الحرمان
- قناة الرشيد وعود الافراح لليل بغداد
- مستقبل العلاقات العراقية_ الكويتية


المزيد.....




- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا
- السودان: خلاف ضريبي يُبقي مواد إغاثة أممية ضرورية عالقة في م ...
- احتجاجات أمام سجن محلي في تكساس للإفراج عن طلبة تظاهروا دعما ...
- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي جاسم - حكاية جثة عراقية