أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - ثلاثية صمت الله لبيرغمان:(من خلال زجاج معتم-ضوء الشتاء-الصمت)فكر الحادي أم تمحيص وجودي















المزيد.....

ثلاثية صمت الله لبيرغمان:(من خلال زجاج معتم-ضوء الشتاء-الصمت)فكر الحادي أم تمحيص وجودي


بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 3185 - 2010 / 11 / 14 - 10:49
المحور: الادب والفن
    



ولد انغمار بيرغمان في مدينة أبسالا السويد عام 1918 ابنا لقس بروتستانتي وتأثر كثيرا بتربيته الصارمة حيث صرح ذات مرة بأن طفولته كانت (معقدة) درس في جامعة استوكهلم وبدأ في إخراج الأفلام عام 1944.
حقق بيرغمان ما يقارب الخمسين فيلما في حياته،وبذلك كان معلما متفردا في لغته وأساليبه السينمائية،ومواضيعه والتي دائما ما تدور حول الموت،والتساؤل حول وجود الله،ليتخبط النقاد حول نعته بأنه (أعلن موت الله) أو أعلن وجوده والواضح بان بيرغمان لم يصل إلى اليقين الحق لأن الثنائية التي لا تنتهي في أفلامه وهي ثنائية(الموت-الله) بالإضافة إلى المصير بكل أبعاده من الحياة وحتى الموت وصل في البعض بان ينعت بيرغمان بالإلحاد،هذا بالإضافة إلى أن كامل مواضيعه تحاكي محنة الإنسان الحديثة بأساليب سينمائية متقشفة وطرح للمواضيع بطريقة صعبة جدا تجعل ممن يرى أفلامه يعتقد بأنه يقرأ كتابا مجردا في الفلسفة غير المشروحة ويخضع سينمائياته-أي بيرغمان-إلى تحليل فلسفي ولغوي عميق يلعب علم النفس دورا فيه أيضا الأمر الذي يجعل منه حالة خاصة لكل من أراد مواجهة وتحليل السينما المثقفة ونادرا ما يصل إلى حكم واضح عن هذا المخرج بل إن جميع أفلامه ومن دون مبالغة تخضع لوجهات نظر متعددة لم يتفق النقد على أي واحدة منها حتى الآن.
من أهم الأفلام التي حققها بيرغمان في حياته هي أفلام (حلم ليلة صيف1955) (الختم السابع1957) (التوت البري 1957) (بيرسونا 1966) (البكاء والهمس 1972) بالإضافة إلى ثلاثيته المنعوتة بصمت الله وتتكون من (من خلال زجاج معتم 1961- ضوء الشتاء1962-الصمت 1963).
نال بيرغمان التكريم الكثير في حياته والتي انتهت مؤخرا عام 2007 وهو على مشارف التسعين من عمره وحصل على الأوسكار ثلاثة مرات والتعريف ببيرغمان يطول كحالة خاصة يختلف إخضاعها للنقد عن أي إخضاع نقدي لسينمائي آخر.
الجزء الأول:من خلال زجاج معتم (Trough glass darkly ) 1961
مع بداية هذه الثلاثية فبيرغمان يضع حلا لإشكالية تخلصنا من الشك-ولو مبدئيا- من عدم وجود الله لان الثلاثية معروفة ب((صمت الله)) لكن فإن حل هذه الإشكالية (وجود الله) يجب أن يوضع بين قوسين اثنين لان ما سنراه في هذه الثلاثية يفتح الباب على مصراعيه للكثير من الاحتمالات والأسئلة.
مع بداية الفيلم نشاهد عائلة قادمة من وسط البحر...هل بيرغمان يقول بان هذه العائلة المكونة من أب وولده وابنته بالإضافة إلى زوج الابنة قادمة من اللامكان...هل هي انبثقت من ماء البحر،إذا كان ذلك صحيحا فعند ذلك فالمخرج أراد منا دراسة هذه العائلة كحالة خاصة.
كارين الابنة-(Harriet Anderson)- مصابة بمرض نفسي لا يذكر اسمه في الفيلم من الواضح بأنه (شيزوفرينيا أو بارانويا) وهذا المرض ناتج من تأملاتها العميقة في وجود الله بل إنها تعتقد انه موجود في غرفتها خلف ورق الحائط وستراه عما قريب...هناك شرخ في الحائط كثيرا ما تنظر إليه كارين بالإضافة إلى نافذة تطل على البحر حيث صرحت كارين لأخيها بأنها تستيقظ في كل يوم على صوت يناديها بشكل صلب...شخص ما يحاورها من خلف ورق الحائط.
الزوج مارتن(Max von sydow) بالإضافة إلى الأب دايقيد(Gunner bjornstrand) يعشقانها ويشعران بالعطف عليها نتيجة مرضها النفسي، ولكن الأحداث تأخذ منحا آخر عندما تكتشف كارين بان والدها يستغل مرضها ويستغل لحظات دمارها لتصويرها في قصة من تأليفه.
وهنا نقف للتأمل قليلا فهل تصوير الحالة من قبل الأب هي نوع من الاستمتاع بالألم؟!!...هل هو نوع من الفضول؟! أو ربما تشريح شخصيتها سيولد رواية عظيمة؟
إذا كانت الشخصيات منبثقة من اللامكان ،وإذا كان علينا النظر إليها من زاوية خاصة فالأب الذي يمتهن الكتابة دائما ما يحاكم إلها في رواياته وهو غير مقنع سواء في إيمانه أو شكه...وهو يبحث عن الحقيقة... الأب مضمونا يجعل فكرة (الله) وليس وجوده غامضة أكثر فإذا كان الله موجودا فنحن ننظر إليه من خلال زجاج معتم والأب هنا يجب أن يحاكم نفسه.
ولنعود إلى كارين فهل حالتها تدعى مرضا...لماذا أصر مخرج الفيلم بأن ينعت حالتها بالمرض،لماذا لا تكون نوعا من الحالات الصوفية والأقرب إلى موضوعنا أن ندعوها بالتعلق.
هي تنظر في الخزانة ولا تجد أحدا ولكن لازال الصوت يناديها،تجد نفسها تدخل في غرفة واسعة مضيئة لامعة ومسالمة والناس يتحركون فيها ذهابا وإيابا، وبعضهم يتحدث إليها وهي فهمتهم وشعرت بالراحة....في وجوههم-أي هؤلاء الناس- ضوء ساطع والجميع ينتظرون منه القدوم ولكن لا احد منهم قلق...هم قالوا بأني أستطيع أن أكون هناك عندما يحدث ذلك...ثم تجهش بالبكاء
هي تبكي للشوق الشديد لتلك اللحظة...لحظة اللقاء وهي تعتقد بأن الله هو الذي يوحي بنفسه لها...وتعتقد بأن ذلك من وحي المرض ومرضها يشبه الحلم.
هذه الحالة المرضية تصلح للتحليل من أكثر من وجهة نظر نفسية وهي حالة ليست غنية أبدا لأي محلل نفسي ولكن بيرغمان يعقد هذه الحالة أكثر ليس من وجهة نظر الحالة النفسية فحسب بل من الحالة الوجودية اللاهوتية،وعندما تصاب كارين بحالة عصبية مع نهاية الفيلم وتنقل إلى المستشفى ولكنها كانت قد رأت ذلك المخلوق وهو على هيئة عنكبوت؟
في الحقيقة فالترميز الأخير لا يحمل سوى دلالات خاصة ببيرغمان وأفكاره وتربيته الدينية الصارمة وإذا كنا نريد أن نصل إلى نتيجة حول رؤية بيرغمان،فالفيلم يقول صراحة بان الله موجود ولكن الهدف من وجوده هو الغامض وهي عين فكرة الزجاج المعتم،الأمر الذي لا ينفي عنه أبدا فكرة الإلحاد على الأكثر وعلى الأقل فكرة الشك رغم أن الكثير-بل الكثير جدا- من النقاد دافعو عنه ورأوا غير ذلك ولكني لا انفي عن بيرغمان تهمة الأيمان.
وليس الأب الذي أجلت محاكمته حتى هذه اللحظة سوى تمثيل معنوي-حاش لله- لفكرة الإله.
فالأب يحب ابنته مثل الله الذي يحب عبيده ولكنه يخلق لهم رغم ذلك المعاناة وليس استغلال الأب لحالة ابنته سوى تمثيل لهذه الفكرة بل التدوين يأخذ أبعادا أخرى من الغني عن ذكرها الآن.
ناقش بيرغمان هذه الأفكار من خلال فيلم متقن كافة الإتقان من خلال استخدامه للقطة المكبرة(close-up) لوجوه شخصياته بالذات..الوجوه شاردة لا تنظر إلى أي شيء في اللقطة أو في الكادر...هي تنظر إلى داخلها وليس من الغرابة أن يمدح النقد الغربي هذا الفيلم لأن طرح هذه الأفكار لا يعتبر جريمة في العصر العلماني الذي يمتدحه القانون ويدافع عنه،بل إتقان الناحية الفيلمية جعل بعض النقاد يتوهون في أفكاره ويمتدحونها أيضا ومنهم عرب-للاسف-وأنا أشاركهم الرأي بان أقول بأن بيرغمان عبقري في النفاذ إلى أفكاره وأقف حائرا وأسأل هل ثلاثية صمت الله تمحيص وجودي-من باب علم الكلام حتى لو أختلف الطريق-أو هي فكر إلحادي.
ناقش بيرغمان في هذا الفيلم فكرة الوجود وسيناقش في الفيلم التالي (ضوء الشتاء) فكرة الهدف من هذا الوجود.
الجزء الثاني:ضوء الشتاء(Winter Light) 1962
موضوع ضوء الشتاء-الفيلم المفضل عند تاركوفسكي ضمن فيلموجرافيا بيرغمان- هو الموضوع المحبب لدى بيرغمان وهو الإنسان وأعتقد أن موضوع هذا الفيلم قريب جدا من موضوع فيلم الختم السابع على الرغم أن الفيلم الأخير أقوى من حيث الطرح السينمائي بالذات لأن فيلم ضوء الشتاء أعتمد على الحوار القائم بين الشخصيات بشكل كبير.. ويرى النقاد بأن الكاميرا وهو أسلوب للتصوير اعتمدت على إبراز الحوار المكثف بين الشخصيات.
تدور حكاية ضوء الشتاء حول الأسئلة الجدلية الخالدة عن علاقة الإنسان بخالقه وعن حقيقة هذه الحياة،فهناك القس(Gunner bjornstrand) التي تدور حوله الشخصيات-وليس الحبكة-،مريض يبدو بأنه يعاني من بداية النهاية،وتنفجر هذه الأزمة الاعتقادية عن حقيقة وجود الله،فزوجته استعانت به قبل موتها ولكنه لم يستطع أن يقدم لها درجة الكمال الإيماني المتوقعة من قس وكان يدعو لها مجاملة ليس أكثر،وعندما تموت الزوجة يطلب العون من الله فيجد مقررا أن الله لايرد عليه سوى بالسكوت والصمت.
يوناس (ماكس فون سيدو) (صياد سمك دعا الله في الفيلم بالمحتال)شخص يبدو من ملامحه اليأس وفقدان أي ردة فعل اتجاه الحياة،متخوف من وقوع أزمة نووية-صور الفيلم في فترة أزمة الصواريخ الكوبية-وعندما يسأل القس قائلا: إذا كانت نهايتنا الموت,فلماذا نعيش؟
فيطرق القس وجهه إلى الأرض ولا يرد بأي جواب،ثم يقدم يوناس على الانتحار باعتبار أنه الشخصية التي تمثل مطلق الشك والحيرة في أسباب الوجود في الفيلم.
هناك شخصية نسائية(معلمة مدرسة-(Ingrid Thulin) في الفيلم يستعين بها القس أحيانا لتنظيف منزله وهي إحدى رواد الكنيسة التي يلقي بها محاضراته,تحبه وتطلب دائما الزواج منه وتؤكد له دائما أيضا بأن الله غير موجود وأن عليه أن يكف عن الحيرة حيث يصل في النهاية أن فكرة عدم وجود الله هي فكرة مريحة بل أفضل من فكرة وجوده،وعند ذلك سيعتبر الموت عبارة عن تطهر من الحياة ليس إلا....
يرفض القس فكرة الزواج منها ويعلنها لها صراحة،ربما لأنه يريد أن يضع حدا فاصلا مقنعا تاما لوجوده،ثم يقدم بيرغمان حلا في نهاية هذا الحوار قائلا على لسان أحد الشخصيات وهي المرأة التي تحب القس:لو أن الإنسان يؤمن فقط...ويقدم الرأفة
ينتهي الفيلم نهاية منطقية على أن الأمور ستظل تجري وتسير وفقا لمسارها الطبيعي والقس يلقي محاضراته وملامح الحيرة بادية ظاهرة على وجهه....
إقدام القس على مزاولة هذه المهنة كان عبارة عن رغبة أبوية وهذا يتعلق بحياة بيرغمان الخاصة(طفولته)
هنا-في ضوء الشتاء-رغم سهولة القصة وسهولة تطويعها سينمائيا-إلا ان بيرغمان اعتمد الصورة في هذا الفيلم لإيصال الفكرة ويعود إلى اللقطة المكبرة في هذا الفيلم أيضا حيث يعتقد بأن الوجوه البشرية هي الدراسة الأكثر متعة في الحقل السينمائي....
هذا الفيلم هو الأبسط والأوضح ضمن الثلاثية والسؤال المطروح بقوة في هذا الفيلم لماذا علينا البقاء على قيد الحياة ويجيب بيرغمان على هذا السؤال صراحة من خلال عنوان الفيلم(ضوء الشتاء) أي الأمل، على الرغم من أن صورة الرب لم تتغير في هذا الفيلم فهو –كما يتخيله القس- شيء بشع كالعنكبوت-حاش لله- ولو لم يكن هناك إله لكانت الحياة مفهومة يا للفرج!
هناك أكثر من صمت الله في الفيلم ،زوجة القسيس السابقة الميتة مغطاة بصمت القبر،القس توماس صامت أمام حاجة صائد السمك،يرد على حب مارتا بصمت جاف بالإضافة إلى صمت عازف الأورغن في الكنيسة الذي لا يبدي أي رضا حول طريقة الخدمة في الكنيسة.
كما إن انتحار يوناس جاء على خلفية فكر محبط ومتشكك وليس نتيجة لواقع مادي(صدمة عاطفية مثلا)،وهذا إن دل فإنما يدل على أن بيرغمان يجبرنا على التوقف الفلسفي في فيلمه وأن ترجح كفة (الموقف الفلسفي) أمام كفة الموقف ألاهوتي أو الديني.
الجزء الثالث:الصمت(The Silence)1963
وهو الجزء الثالث من هذه الثلاثية الإشكالية وهو الفيلم الذي ربما يبتعد في إشكاليا ته عن الجزأين من قبله ونستطيع أن نناقش هذا الفيلم بشكل منفصل عن هذه الثلاثية-والذي إن لم يكن أفضلها فهو أشهرها- لولا أن بيرغمان أصر نسبته إليها كما أن هذا الفيلم نستطيع أن نستوحي منه معطيات كثيرة تتكرر في كل أفلامه وليس في هذه الثلاثية فقط لأن الفيلم أضاف بعدا (بل أبعادا كثيرة للصمت) أحدها هو البعد الجنسي في الموقف الوجودي من هذه الحياة.
هناك أختان مسافرتان على متن قطار ولكنهما تتوقفان طارئا في أحد الفنادق بسبب حالة ايستر-(اسمها مستوحى من أحد كتب الكتاب المقدس)- الصحية المتعثرة(Ingrid Thulin) ولا نعرف لماذا هم راحلون أو إلى أين هم ذاهبون وحتى الفندق الذي ينزلون فيه يبقى غير معروف بأي اسم وتبقى معاني المكان غائبة عنا ولا يتعمد فنان الغرف المغلقة-وهو اسم اشتهر به بيرغمان-تكثيف الاسترجاع الحياتي بقدر ما يهتم أن يقول على لسان شخصياته ما يخدم به موضوعه...
مع بداية الفيلم نسمع موسيقى خلفية المشهد وهي دقات الساعة...وهي أهم مؤثر تقني في الفيلم.
دقات الساعة إشارة إلى اقتراب نفاذ الوقت الذي نملكه في هذه الحياة أي أن الموت هو البعد الأساسي في الفيلم وهو الذي يتمحور حوله الموضوع والشخصيتان المتنافرتان (Anna-Gunnel Lindblom ) الأخت الصغرى والتي يتعمد بيرغمان أن يرينا إياها في أوضاع تعري وسيأخذ الجنس مجراه في هذا الفيلم ليأخذ حيزا لمناقشة (البعد الوجودي للإنسان) أكثر من المشكلة اللاهوتية لإن هذا الفيلم يخلط وبطريقة رمزية صعبة بين المفهوم الوجودي والمفهوم اللاهوتي وهناك البعد الثالث أي الصبي جون ابن Anna وطريقته في النظر إلى الموقف برمته. إيستر مريضة وأختها لا تحبها ولا ترغب بمساعدتها ومن خلال اللقطة المكبرة يتعمد المخرج بأن يرينا إيستر على أنها حالة خاصة أسمى من أختها آنا فالماضي بين الأختين هو ماضي مشاغب بالنسبة لآنا-مليء بالانحرافات-التي لا ترضى عنها إيستر كما أن الأخيرة تحب باخ بينما لا تلقي له آنا أي اهتمام والتي لا تستطيع أن تخفي رغباتها الجنسية بل وتحضر معها شخص إلى الفندق وتتعمد إن تري نفسها لأختها وهي في أوضاع شهوانية ومفتاح التنافر هو تسلط ايستر و فوقيتها في التعامل مع آنا ولكنها في نفس الوقت تغير من علاقات آنا الجنسية وجرأتها على التصريح فيما ترغب بل وترغب في إقامة علاقة غير شرعية مع أختها،على الرغم أيضا من احتقارها للجنس الأخر(الرجل) وبشكل أدق تحتقر الجنس مع الرجل.
الصبي جون حاضر يشاهد الدبابات من النوافذ ولا نعرف هل هي حقيقية ام هي من نسيج خيال هذا الصبي والدبابات إشارة إلى الحرب والحرب ترتبط بالموت وهو منحى آخر للصمت..الصمت عن الحرب ويقوم عامل الفندق بتسليته فيريه صورا لجنازة زوجته التي يحبها لتعود فكرة الموت لتحلق من جديد من فوق كل أبعاد الفيلم. جون يعرف عن انحرافات والدته ويحترم خالته التي تعطيه الحنان المفقود من جهة والدته،ولكن خالته مريضة تحتضر ولكنها تدخن بشراهة وتشرب الكحول أثناء عملها في الترجمة وهنا خيط آخر للصمت والذي تؤكده مشاهد الخيول معصوبة العينين وهي تجر العربات...الحياة تقودنا إلى ما تريد...تفرض علينا قدرنا وتقودنا إلى الموت ونحن معصوبي العينين،ودقات الساعة تسمع بوضوح وبقوة في اللقطات الرئيسية والحاسمة في الفيلم:مع الماضي الذي يسترجع بكلمات عابرة ومقتضبة بين الأختين،مع المستقبل عندما يقول جون لخالته بانهم ذاهبون هناك إلى وطنهم ومع انتهاء آنا من حفلاتها الشهوانية.
ينتهي الفيلم وإيستر تحتضر ولكن آنا لا تهتم وتغادر قبل ان تعرف إن كانت أختها ستعيش او ستموت بينما ايستر تنظر إلى الضوء المنبعث من النافذة وهذا المشهد بحد ذاته كناية ورمز غارق في عدم التفسير سوى من وجهات نظر مختلفة..إن الضوء هو الله وهو يؤكد حضوره وصمته في نفس الوقت.
في القطار يكون مع جون رسالة من خالته بلغة غير مفهومة ولكن جون يفهم كلمة واحدة من هذه الرسالة وستكون أخر كلمة منطوقة في الفيلم (الروح).وتخرج أنا رأسها من نافذة القطار لتغسل وجهها وتبلل جسمها بماء المطر:الأيمان بالله وغسيل الخطايا كإشارة إلى العمادة في الديانة المسيحية وهو تفسير لاهوتي.
غسيل النفس لمحاولة الراحة وكسب الاطمئنان والتخلص من ضيق النفس وهو تفسير وجودي.
فيلم الصمت-المفضل عند كيسلوفسكي صاحب ثلاثية الألوان من فيلموجرافيا بيرغمان- هو نزاع بين الموقف الوجودي للإنسان والموقف اللاهوتي وأراه يميل نحول التحليل الوجودي ومع اختلاف موضوع هذا الفيلم عن الاثنان السابقان-من حيث شمول الموضوع الجنسي بالتحليل-ومناقشة الموت والعزلة والانقياد والاغتراب الاجتماعي واستخدام الأبعاد الحياتية المادية كوسيلة لاشمئزاز الطرف الآخر بدون تبرير هذا الموقف وخضوع هذا الموقف أصلا إلى التجريد كفكرة أو كأداة حياتية ليس إلا،فالصمت وهو عنوان الفيلم يمكن أن يناقش وأن يلاحظ من أكثر من ناحية. الصمت على عزلة الموت أكثر من الصمت على الموت نفسه...الصمت إزاء الاستفهام عن مغزى الحياة ومغزى الموت وعن مغزى مواجهة الموت،الصمت على الحرب ولغزها كعامل مساعد للموت أو الصمت على التنافر والتنازع البشري وعدم القدرة على التفاهم بين البشر،والصمت على الخطايا وصمت أنا بالتحديد كاستغراب على قدرة الجنس على تحقيق التواصل الحياتي المطلوب.وهناك الكثير من الافتراضات حول مفهوم الصمت في هذا الفيلم.
الفيلم هو نزاع بين التحليل الوجودي والتحليل (اللاهوتي) الديني للموقف(الموت-الاغتراب-الجنس-)وعندما يكون عنوان الفيلم هو الصمت فالنظرة الوجودية في تحليل الموقف المجرد هي الأقرب لحل إشكاليات هذا الفيلم و رمزياته حتى لو كانت آخر كلمة منطوقة في هذا الفيلم هي الروح.
المشاهد لثلاثية صمت الله أو الإيمان بغض النظر عن التسمية ليس مذنبا بان لا يصل إلى مفهوم محدد حول هذه الثلاثية ومقصدها قبل مقصد أفكارها بل سيصل لفهم ذاتي خاص لها لأن هذه الثلاثية عبارة عن لغة أدبية فلسفية من الصعب جدا صياغتها في فيلم بل إن النقاد قالوا عن الصمت-وهو أمر ينطبق على الثلاثية بشكل عام-بأنه فيلم مضاد للسينما التقليدية بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
[email protected]



#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساتيركورن فليني 1970: رؤية لفليني عن أسطورة غير منتهية
- روما فليني 1972:روما بعيون فليني
- فيلم21غم:قصيدة ساحرة عن العبثية الحياتية وعن الموت
- حسن ومرقص:فيلم أيديولوجي بدون رؤية أيديولوجية واضحة
- فيتيزجالدو:1981/العظمة البصرية وتحقيق الأحلام البشرية
- غرفة الابن(لناني موريتي): ضرورة التعايش مع فكرة الموت
- فيلم Gomorra/نجح في حصد أكبر الجوائز الأوروبية وفشل في الحصو ...


المزيد.....




- فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلال سمير الصدّر - ثلاثية صمت الله لبيرغمان:(من خلال زجاج معتم-ضوء الشتاء-الصمت)فكر الحادي أم تمحيص وجودي