أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل حيدر - أنا وابنتي .. وخروف العيد















المزيد.....

أنا وابنتي .. وخروف العيد


سهيل حيدر

الحوار المتمدن-العدد: 3179 - 2010 / 11 / 8 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


عيدنا الكبير ، يقترب موعد حضوره ميمونا مباركا بين ظهرانينا ، وقد اعددنا لاستقباله ما يتطلبه الاحتفال .. سكاكين واسياخ لشي اللحم ومعدات تختلف اشكال هياكلها باختلاف اغراضها ، رغم ان الهدف هو واحد .. حيث ستنقض هذه الهياكل مجتمعة لتمزيق جسد اضحية ننتظر من دمائها ان ترقى الى عليين ، تطلق اسمائنا وتسجل سيرنا الذاتية على الواح الثواب والعقاب .. هناك في الاعالي .. يقولون بان الدماء النازفة من رقاب الاضاحي ، ستتخذ لها مكانا في السماء ، خارجة عن تاثير اي قانون طبيعي يحاول ان يعيدها الى تراب الارض .. في فجر اول يوم من ايام العيد ، ستمتد الاكف ممسكة بما يجرح الرقاب ، ولا مانع من أن تلتقيها اكف الاطفال ، حتى تتدرب هي الاخرى على عمليات الذبح .. اما الغرض من اقامة مهرجان الدم هذا ، فهو لمحاربة اسباب نقص المناعة لدى الفقراء ، وتيمنا بما نهجت عليه سنة النبي الكريم .
في ذلك الفجر المشهود .. سوف يشترك الفقراء والاغنياء معا في عملية الذبح الجماعي تلك ، بل ان العديد من مساكين الناس ، ستجاهد في سبيل الاستدانة من الميسورين ، كي تتجنب عار العيب ، ومن اجل ان لا يقال عنها انها تخلفت عن المساهمة في نزيف الدماء الصاعدة الى غياهب الثواب .
في العيد الماضي .. بكت احدى بناتي بحراره ، حينما علمت بعدم نيتي باسالة دم اضحية كعهدها بي في كل عيد .. وحز في نفسها بان صديقاتها سوف يسخرن منها لو علمن بذلك .. لقد اعتاد الاطفال باصطحاب مخلفات الاضحية الى مدارسهم للتباهي بها فيما بينهم .. فمن يمتلك قرونا اطول لخروف العيد ، سيكون اكثر مرحا واعتزازا بالنفس ، اذن كيف ستذهب ابنتي وليس في يدها شيئا من خروف ؟؟ ..
ما العمل ؟؟ .. فانا لم أعتد على تضميد جرح بسيط ، فكيف لي ان احز رقبة شاة ؟ ..
تدارست الامر مع مجلس العائله ، فكانت الاغلبية منحازة لي ، البعض منهم حسبها بخبث ، مضيفا ثمن الاضحية الى مدخوله الشخصي ، بينما راحت دموع ابنتي الصغرى تسيل بسخاء ..
سوف انقطع عن الدوام بعد العيد .. قالتها بمرارة ، وهي تنظر الى امها بتوسل .. وفجأة جائني الحل من احدهم ...
اليوم الثاني من العيد .. سوف يشهد مهرجانا من نوع اخر .. حيث ستمتليء الشوارع والارصفة ونواصي البيوت ، باكداس من الروث والعظام والجلود ، وسوف تحفل حافات الحدائق العامة باحشاء الخرفان المتفسخه ولعدة ايام .. حينها بالامكان الحصول على المطلوب ، وخزنه لغاية بدء يوم الدراسة ، ليكون مثار رضى التلاميذ عن ابنتي الحزينه ..
وكان لي ذلك ....
الليل بدء يزحف بهدوء وسط رائحة اللحوم المحترقه في كل مكان .. والشوارع بدت خالية تماما من شيء يتحرك عدا افواج من القطط والكلاب السائبه ، راحت تساهم في مراسيم العيد جذلة برزقها الوفير .. لقد تخيلت نفسي احداها وانا اتلصص كما هي ، للحصول على قرن لخروف .. ومن حسن حظي أن الباقين من لصوص الليل ، لا تهمهم قرون الخرفان ، بقدر إنشغالهم بالحصول على فك يكسوه اللحم ، او ضلع لا زال يحمل بقايا من شحم عالق ..
افزعتني معركة ضاريه بدت بوادرها ليس بعيد عني ، هاجمت فيها مجموعة من الكلاب مجموعة اخرى حاولت تجاوز الحدود .. لا يحق لاحد مهما كان نوعه وضخامة جسده ان يجتاز حدودا ليست له هذه الليله .. انها معركة مصير ، فكل شيء جائز عدا ان يعتدي احدهم على قدسية شبع البطون الخاويه ..
لم اعثر على غايتي في الحواري القريبة ، وكان علي ان اجتاز الشارع المقابل الى الحي الاخر .. ترى هل سبقني غيري لجمع قرون الخرفان ؟ .. ايمكن ان تكون الاضاحي بلا قرون هذا العام ؟؟ ..
كلب ضخم مر بالقرب مني مسرعا وفي فمه رئة لا زالت لونها احمر .. كان ينظر الي بعين الريبة .. في حين كنت احاول التغاضي عنه بقصد ضمان عدم حدوث رد فعل غاضب لديه ...
يا للهول .. انه هجوم آخر عنيف تشنه سرية من الكلاب ، يقودها واحد تتوسط رأسه خصلة من الشعر ، تبدو وكانها بقية من فروة اجتزتها موس لحلاق .. كان يهاجم بضراوه ، ويتراجع بخفة متناهية الدقة ليكر من جديد ، الباقون كانوا يحيطون به وافواههم مفتوحة متحفزة للقتال .. الكل ينهش الكل .. وعدد من القطط النافرة تنط هنا وهناك ، حاملة ما تتيح لها ظروف المعركة من غنائم ..
رجل يقف قريبا من باب داره ، نصفه الاعلى لا يستره شيء ، كان ينظر الي بتمعن ، وهو يهرش اسنانه بعود برزت مؤخرته من باطن كفه .. وثمة مجموعة من الصبيه .. يتحلقون حول بقايا لسيارة قديمه ، بدت وكأنها هيكل من اعماق التاريخ ، تتدلى من جنباتها قطع من الحبال ، وفوق مؤخرتها العاريه ، بقايا من أسمال بالوان باهته ..
الاطفال جميعهم كانوا يحملون قرونا بايديهم ، يمسكونها بامعان خشية ان تضيع منهم حفلة التباهي بعد انقضاء العيد .. البعض منهم كان حافيا لا تدل عليه علامات النعمه ، ومع هذا فقرنه يبدو طويلا معكوف النهايه .. آخرون لديهم قرون اقل طولا ومع هذا اراهم فرحين .. لقد تخيلت حين يتقابل هؤلاء الاطفال مع سواهم في ساحة التباهي تلك .. لا هم لأحد منهم حينها إلا بقرنه .. ومرت على ذهني حالة ابنتي عندما تكون بلا قرن ..
حفزني ذلك للاسراع بالعثور على بغيتي قبل فوات الاوان .. فالميدان تغزوه الايدي والافواه وتمزق ما بداخله المخالب .. ولابد لي من العودة بغنيمتي على عجل .. وشعرت بان الامر لا يقبل المهادنه .. لقد كنت متحفزا هذه المرة للانضمام الى صفوف سرايا القتال .. وعلي اعداد نفسي لذلك منذ الان .. رائحة بقايا الروث الحيواني بدأت تزكم انفي .. طنين الذباب يصلني واضحا رغم ان الوقت هو ليل .. وخيل لي بان اسراب من الغربان السود راحت تعتلي خطوط الكهرباء بكثافة ، حيث كنت اسمع اصداء ثورتها فوقي مباشرة ، وهي تبحث عن اية فرصة للانقضاض .. النوم على ما يبدو قد الغيت مراسيمه هذه الليلة من الجميع ، حيث لا قبور تحتوي بقايا ذبائح فجر اليوم الفائت .
مجموعة من اكياس النايلون راحت هي الاخرى تحوم في فضاء المكان ، وكأنها تريد المشاركة في تلك الوليمة الضخمه ..
بدت لي المدينة وكأنها اصيبت بزلزال ، اكوام من القاذورات راحت تحتل جميع الامكنة بلا انتظام .. والناس جميعهم غائبون وراء تلك الجدران الخرسانية الصماء ، تتحرك افواههم لسحن ما لديها من كنوز اللحم الطريه .. أليوم بالذات ليس هناك ما يسمونهم بالضيوف .. الضيافة في هكذا مناسبات تبدو ثقيله ..
- يلعن ابو القسمه التي حذفت بك لي .. ما هذا ؟ .. اتريد ان تجعل زوجتي تغضب مني ؟ .
- اعطني نصف الذبيحة كما اتفقنا يا اخي .. الم ادفع لك نصف ثمنها ؟ .. كيف تبعث لي بربعها وزنا ؟ .. اليس هذا حرام ونحن في العيد ؟ .
- لا ترفع صوتك .. فليس من احد يعلم باننا شركاء في ذبيحة واحده ..
لم ينتبه الرجلان لوجودي وهما يتخاصمان .. كان احدهما يمسح يده بقطعة قماش ويلوح بها بين الحين والاخر لاثبات حقه .. بينما راح الاخر يتحرك باضطراب وهو يرد على حجة صاحبه ..
- اقبل بالربع واسترني وسوف اعوضك حينما ينقضي العيد .. سابعث لك برأس الخروف مع اثنين من ارجله .. اسمعت . .
- كلا .. اريد الكرشة ومعها الرأس ، وكذلك ألية الخروف ..
- طيب طيب ، المهم دع الامور تجري كما يجب ، واكتفي مؤقتا بما اعطيتك فجرا .
عدت الى داري في ساعة متاخرة من تلك الليله .. وانا احمل حسرتي على قرن لم اعثر عليه ، وكان سببا في حرج ابنتي الشديد ، عندما احاط بها زملاؤها في المدرسه .. وهم يحتضنون قرون عيد الاضحى المبارك .
قررت بعد الاجتماع بمجلس العائله .. أن أكون مبكرا في الانضمام الى سرايا القتال هذا العام ، لكي انال أمنيتي العزيزه .



#سهيل_حيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من وحي البيان الختامي المعلن عن اللقاء العربي اليساري
- رسالة وداع ، الى الرهينه .. سكينه محمد اشتياني
- غربان الوهابيه .. وأسطح ناطحات السحاب !
- ألحقيقة .. ليست ملكا لأحد .
- ألحقيقه .. ليست ملكا لحد .


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل حيدر - أنا وابنتي .. وخروف العيد