أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وصفي احمد - الحكم الهزيل















المزيد.....



الحكم الهزيل


وصفي احمد

الحوار المتمدن-العدد: 3178 - 2010 / 11 / 7 - 15:59
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ِالحكم الهزيل
تتحدث هذه الدراسة عن الحقبة الزمنية الممتدة من الثامن عشر من تشرين الثاني 1963 إلى السابع عشر من تموز 1968 و التي عرفت ب ( العهد العارفي ) نسبة إلى الأخوين عبد السلام و عبدالرحمن عارف اللذان حكما العراق في هذه الحقبة .
كان نظام الحكم هذا هزيلا بسبب الصراعات التي كانت دائرة بين أقطاب النظام من قوميين عروبيين و ناصريين و خصوصا العسكرين منهم , وقد كان العمل الأساسي لهذه الخلافات يتمحور حول تحقيق الوحدة مع مصر , كما أن العامل المهم الآخر لضعف النظام يرجع إلى العزلة التي كان يعاني منها لعدم تمكنه من مد جذوره في الشارع العراقي لعدم تمكنه من بناء تنظيم سياسي موحد يتمكن من تحشيد الجماهير حول النظام , هذا بالاضافة إلى سعي معظم القوى السياسية و الإجتماعية إلى الاطاحة به .
يمكن القول أن الخلافات التي كانت مستشرية بين أركان النظام كانت إمتدادا لتلك التي حصلت بين بين أعضاء التنظيم العسكري الذي أطاح بالحكم الملكي و الذي عرف يومها بأسم تنظيم ( الضباط الأحرار ) سواء قبل الإطاحة أو بعدهاو هذا ما سنأتي عليه لاحقا.
الأسباب الكامنة وراء قيام حركة 14 تموز 1958 :
في البداية لابد من طرح تساؤل مشروع : هل كان ما جرى في صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 ثورة أم مجرد انقلاب دموي قام به مجموعة من الضباط المغامرين ليطيحوا بنظام حكم دستوري تكتسب السلطة فيه شرعيتها من صناديق الاقتراع و من خلال هذه الآلية يتم التداول السلمي للسلطة كما هو حاصل في الدول ذات الديمقراطيات العتبدة . و للاجابة على هذا التساؤل لابد من دراسة الأوضاع التي كانت سائدة يومها سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا .
الوضع السياسي :
تشكلت الدولة العراقية الحديثة في عشرينيات القرن الماضي على ركائز ثلاثة هي : ( 1 ) السيطرة البريطانية ( 2 ) البرجوازية الكبيرة ( 3 ) الأقطاع , وقد أصبح لهذه القوى مصالح مشتركة تحميها الطيقة الحاكمةالتي وثقت حجر عثرة أمام أي تغيير ممكن حصوله لصالح الطبقات الاخرى للمجتمع مهما كان طفيفا
على الرغم من أن القانون الأساسي لهذه الدولة قد نص على بعض المظاهر الديمقراطية , إلا أن الانتخابات غالبا ما كانت تزور لصالح مرشحي الانجليز و الحكومة و البلاط و هذا ما أكده نوري السعيد رئيس وزراء العراق سنة 1944 عندما جوبه بمعارضة مصطنعة داخل مجلس النواب بدفع من الوصي عبد اله حيث قال موجها كلامه إلى النواب المعارضين : (( هل في الامكان , أناشدكم الله , أن يخرج أحد نائبا مهما كانت منزلته في البلاد و مهما كانت خدماته فيالدولة ما لم تأت الحكومة و ترشحه . فأنا أراهن كل شخص يدعي بمنزلته ووطنيته , فليستقل الآن و يخرج , ونعيد الانتخابات و لا ندخله في قائمة الحكومة , و نرى هل هذا النائب الرفيع المنزلة الذي ورأئه ما و{ائه من المؤيدين يستطيع أن يخرج نائب ..... )) .
أما التركيب الاجتماعي لمجلس النواب منذ تأسيسه سنة 1925 حتى 13 تموز 1958 , لم يدخله أي نائب يمثل طبقتي العمال و الفلاحين رغم ان هاتين الطبقتين تمثلان الغالبية العظمى للشعب العراقي في تلك الأيام .
الوضع الاقتصادي :
كان الإقتصاد العراقي تابع تبعية كاملة للاقتصاد الرأسمالي , خصوصا القطاع النفطي , كما أنه كان متخلفا من حيث غلبة الواقع الزراعي المسيطر عليه من قبل الإقطاع مع تفاهة الوضع الصناعي و غلبة الطابع الاستهلاكي علبه .
الاحوال الإجتماعية :
كانت الامراض المتوطنة و الوافدة تؤثر سلبا على الأمستوى الصحي العام . مع انتشار الامية و الجهل بين الغالبية العظمى للجماهير بسبب الاوضاع المعيشية المتردية لهم . كما ساهمت قلة المستشفيات و المراكز الصحية و الأطباء يالنسبة للمجموع العام للسكان في تفاقم الاوضاع الصحية للمواطنين ممن كان معظمهم يعاني من فق{ مدقع خصوصا في الريف .
التركيب الطبقي : كان المجتمع العراقي يتألف من الطبقات الأتية :
1- الاقطاع :تكون الاقطاع في ظل الاحتلال التركي للبلاد ( 1831 – 1914 ) ابتداء من الفترة التي خكم فيها الوالي مدحت باشا الذي سن قانون الطابو للافراد و خلال ستين سنة من 1869 – 1929 لم يتحول من أراضي الدولة للافراد الا بنحو 20 % من مساحة الاراضي الزراعية المستثمرة عهد ذاك . أما الثلاثين سنة التي تلت ذلك حتى سنة 1957 فقد بلغت نسبة الاراضي الفوضة بالطابو نحو 40 % , كما أن 30 % منحت باللزمة ( التي لا تختلف كثيرا عن الطابو ) و حتى الأراضي الأميرية الصرفة ( كمقاطعات العمارة الغنية ) أصبحت تحت تصرف الاقطاعيين عمليا من حيث الجوهر ( الإستحواذ على الريع ) .
2- أما عن مدى استفادة الفلاحين الفقراء من تمليك الارض للافراد فيكفي أن نعلم أن 75 % من مساحة الأراضي الزراعية المستثمرة ( لزمة , طابو , أميرية صرفة ) كانت بحوزة كبار الملاكين الكبار , و 25 % فقط تحت تصرف الملاكين الصغار و الفلاحين .
3- و بقي 85 % من سكان الريف لا يملكون شبرا واحدا من الارض , في حبن أن 1 % بالنسبة لسكان الريف يملك ثلاثة أرباع ااراضي الزراعية .
4- 2 – البرجوازية :
يكمن تصنيفها إلى فئتين :
أ – البرجوازية الكبيرة :
و هي البرجوازية الصناعية و التجارية التي نشأت في ظل العلأقات الاستعمارية و ارتبطت بها في كثير من الوجوه , وقد أظهرت هذه الطبقة عجزا كبيرا في تنمية الاقتصاد , وهي يصورة عامة كانت قد إتجهت نحو التجارة و إمتلاك العقارات . و هي بوجه عام كانت ذات طابع رجعي و كانت تساند النظام الملكي لأنه كان يحقق لها ما تصبوا اليه من استغلال الجماهير الكادحة .
ب – البرجوازية الصغيرة : تعرضت هذه الفئة على الصعيد المهني من شرور العلاقات الاستعمارية , كما كانت تضرر من سوء معاملة الدولة و جهازها الاداري . وقد لعبت دورا تقدميا فيتلك الحقبة الزمنية من تاريخ العراق الحديث في فترات الكفاح الجماهيري .
الطبقات الكادحة :
تمثل الأغلبية الساحقة من المجتمع العراقي و تشمل الفئات الاتية :
أ – الفلاحون :
و هم يشكلون أغلبية الطبقات المسنغلة في تلك الأيام . فنسبتهم تقارب ال 75 % من مجموع السكان و هي تمثل واقع الجهل و التخلف و الاستغلال الاقطاعي , كما أن النزعة الدينية و العشائرية كانت هي السائدة بين أوساطهم .
و الحقيقة أن هذه الطبقة سلهمت بدور لا يستهان به في اسقاط الاقطاع و النظام الملكي من خالا العصيانات اتي كانت تقوم بها خصوصا بعد انتشار الافكار التحريية بين أوساطها .
[ - العمال :
ان الطبقة العاملة العراقية حديث’ النشوء , وهي بالاساس من اصول فلاحية . كانت أكبر كثافة لها حتى 14 تموز 1958 في شركات النفط الاحتكارية بحيث كانت تواجه السيطرة الاستعمارية وجها لوجه , ثم بعد ذلك عمال السكك و الميناء و البريد و غيرها من المؤسسات التابعة للدولة فضلا عن تواجدها في المصانع التابعة للبرجوازية المحلية .
و قد عانى العمال من ظروف معيشية قاسية من تدني الأجور و عدم وجود الضمان الاجتماعي ..... الخ .و بقي دورها ضعيفا لفترة طويلة , لكنها في المحصلة النهائية خاضت صراعا لا هوادة فيه مع النظام الملكي من خلال مشاركتها في الانتفاضات الجماهيرية .
ج – الجنود و ضباط الصف و الضباط الثوريون :
تمثل الطبقة الكادحة في الجيش في فئق الجنود و ضباط الصف و الضباط الصغار ممن ينتمون في غالبيتهم إلأ أصول فلاحية . وقد لع[وا دورا كبيرا في اسقاط النظام الملكي من خلال تنظيم أنفسهم في مجاجيع كانت تخطط لذلك .
د – المثقفون الثوريون :
تشمل هذه الشريحة المثقفين الذين {بطوا أنفسهم بمصالح الطبقات المسحوقة . لذلك فقد ساهموا بشكل فعال في إنضاج الظروف الموضوعية للخلاص من التبعية الاستعمارية .
العوامل الخارجية :
يمكن القول ـن العوامل الخارجية كانت قد عجلت في إسقاط النظام الملكي , و يمكن تقسيم هذه العوامل إلى صنفين :
1- العربية .
2- العالمية .كانت المواقف التي اتخذتها السلطة أزاء المتغييرات على الصعيد العربي قد اججت التذمر الجماهيري تجاها خصوصا و أن العراق , كبقية الدول التابعة , كان يشهد مدا قوميا عارما . ويمكن اجمال العوامل العربية كما يأتي :
1 – اتساع و تنامي الحركة القومية العروبية :
نمت الحركة العربية بشكل كبير خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية , وكان لحركة يوليو 1952 في مصر دور فعال في هذا الاتجاه لتبني عبد الناصر و رفاقه الافكار المذكورة .
2 – قضية فلسطين :
كانت مأساة فلسطين عاملا مهما في تنامي الشعور بالمرارة سواء على مستوى الجماهير أو على صعيد المؤسسة العسكرية .
3 – قيام حركة يوليو في مصر :
بعد نجاح الجيش المصري في اسقاط نظام حكم الملك فاروق تشجعت الاحزاب الثورية في العراق في المطالبة باجراء الاصلاحات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية . وكان هذا التأثير واضحا على الضباط الشباب الذين بادروا إلى تنظيم أنفسهم من خلال تشكيل تنظيماتهم السرية التي كان هدفها الاساسي اسقاط النظام الملكي .
4 الانقلابات العسكرية في سوريا :
عاشت سوريا انقلابات عسكرية متعدة منذ سنة 1949 , و قد أحدث ذلك ردود فعل قوية داخل الجيش العراقي من خلال تبني الضباط الشباب لفكرة الانقلاب العسكري للاطاحة بالنظام .
5 – العدوان الثلاثي على مصر :
أعلن الرئيس جمال عبد الناصر في 26 تموز 1956 تأميم قناة السويس لتوفير الموارد المالية اللازمة للقيام بتنمية شاملة , ووعد بحرية الملاحة فيها و بدفع أسهم الشركة إلى أصحابها , الا أن بريطانيا و فرنسا و اسرائيل اعتبرت أن هذا الاجراء سابقة خطيرة ستشجع بقية دول المنطقة للمطالبة بحقوقها في ثرواتها الوطنية فيما بعد . لذلك قررت القيام بعمل عسكري ضد مصر لاجبارها على التخلي عن قرارها المذكور . و عندما
شرعت بعدوانها ضد مصر قوبل هذا العدوان بردة فعل جماهيرية عربية كان لها صداها الواسع في العراق التي ساعدت على توثيق عرى التعاون بين الاحزاب المعارضة للنظام القائم . لكن الطبقة الحاكمة جابهت هذه الاحتجاجت بأساليب قمعية غير مسبوقة . وقد زادت هذه الاعمال القمعية الحماسة بين اوساط الضباط للعمل على التخلص من هذه الطبقة حيث قاموا بتكثيف اجتماعتهم ليتدارسوا من خلالها كيفية احداث التغيير .
6 – قيام الجمهورية العربية المتحدة :
لقد أحدثت الوحدة بين مصر و سوريا في شباط 1958 أنقلابا أساسيا في موازين القوى في المنطقة بالشكل الذي عزز امكانيات النضال القومي ضد الاستعمار و الرجعية , وقد طالبت الأحزاب القومية السلطة القائمة يومها بالانظمام إلى دولة الوحدة , لكن السلطة قامت بدل من ذلك بتأسيس الاتحاد الهاشمي بين العراق و الأردن.
المؤمرات ضد سوريا :
لم يكن واضعوا مشروحلف بغداد يهدفون إلى اقتصار عضوية الحلف على العراق فقط , بل أن خطة الحلف وضعت على أساس انظمام سائر دول المنطقة اليه .
تعرضت سوريا منذ أن أعلن عن قيام الحلف في شباط 1955 إلى ضغط شديد و مستمر هدفه دفعها للنضمام اليه لان انضمتمهت سيحمل الأردن و لبنان إلى الحذو حذوها .و ردت سوريا على دعوات بغداد للانظمام إلى الحلف بالإتجاه نحو مصر و اعلان البلدين سياسة خارجية موحدة تستند على سياسة معارضة الأحلاف العسكرية في المنطقة .
ان هذه السياسة التي انتهجتها سوريا قد أثرت على الأحزاب العراقية التي أخذت تطالب احكومتها بإنتهاج ذات النهج نحو الأحلاف العسكرية . كما أخذت تنظيمات الضباط الأحرار تنتقد سياسة الحكومة هذه من ناحية تهديد سوريا . فحينما كان عبد الكريم قاسم و عبد السلام عارف في الاردن سنة 1956 على راس اللواء التاسع عشر أجريا اتصالا مع الضباط السوريين و منهم عبد الحميد السراج و عفيف البزري في منطقة ( الرمثا ) على الحدود , وصرح لهم عبد الكريم بأنه غير مقتنع بالسياسة التي يتبعها النظام العراقي و أكد لهم أنه هو و كل الضباط العراقيين غير مستعدين للقيام بأي عمل عسكري ضد سوريا .
8 – الاتحاد الهاشمي بين العراق و الأردن :
كان لهذا الاتحاد اهداف أهمها :
أ‌- حماية النظام الأردني ومنعه من الانضمام إلى الجمهورية العربية المتحدة , خصوصا و أن الحركة الوطنية الأردنية كانت في أوج قوتها .
ب‌- ربط الأردن بحلف بغداد بشكل غير مباشر عن طريق هذا الاتحاد .
ج – تدعيم سياسة التعاون مع الغرب التي كان يمثلها نوري السعيد و الطبقة الحاكمة في بغداد ز
د – تأمين مستقبل الأسرة الهاشمية في المنطقة .
9 – الثورة الشعبية في لبنان :
بدأت الثورة الشعبية في لبنان بصورة خفية منذ الاعتداء الثلاثي على مصر حيث طالب الوطنيون اللبنانيون حكومتهم بقطع العلاقات مع بريطانيا و فرنسا لكن الحكومة رفضت الطلب , ولهذا شعرت الدوائر الغربية و خصوصا الولايات المتحدة الامريكية , بأن الرئيس كميل شمعون يهيء فرصة ممتازة ليصبح لبنان مركز الارتكاز لمبدأ آيزنهاور في المنطقة .
و قبل أن تنتهي ولاية شمعون أخذ أنصاره يدعون إلى تعديل الدستور بما يسمح بتجديد رئاسته , ووقفت القوى الوطنية ضد هذا التعديل و اشتدت المنافسة بين المؤيدين و المعارضين إلى حد الاقتتال و الحرب الأهلية و أتهم لبنان الجمهورية العربية المتحدة بالتدخل و تشجيع الثوار و بتسلل المقاتلين و السلاح عبر حدوده مع سوريا , وقد فشلت مساعي الجامعة العربية للتوسط بين الدولتين . أما موقف النظام الملكي فقد كان مؤيدا للرئيس شمعون .
و توصل نوري السعيد مع الرئيس شمعون إلى قرار يقضي بإرسال قوات عراقية إلى الأردن ومن هناك تزحف إلى سوريا و تقضي على الوحدة , لكن هذا القرار لم ير النور , اذ قامت القوات العراقية المقرر ارسالها إلى هناك إحتلت بغداد في فجر 14 تموز و أسقطت النظام .
ثانيا – التاثيرات الدولية :
عملت جملة من العوامل الدولية دورها في حدوث حركة 14 تموز أهمها :
1 – حلف بغداد :
مثل حلف بغداد خطرا حقيقيا , لا على العراق فقط , بل شمل المنطقة برمتها لأنه قسمها إلى جبهتين متصارعتين بعد أن أصبحت بغداد وكرا للمؤ مرات على البلدان العربية المستقلة حديثا خصوصا سوريا . كما أنه كان حلقة الوصل بين حلف شمال الأطلسي و جنوب شرق آسيا الذي ضربته الذي ضربته الدول الامبريالية حول الاتحاد السوفيتي السابق و بذلك فقد زج العراق في عداء لا مصلحة له فيها .
2 – الحرب الباردة :
كانت بريطانيا ترى في العراق قاعدة الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي لموقعة المتميز لذلك سعت إلى تأسيس قاعدتين جويتين فيه تكون منطلقا لقوتها الجوية في حالة نشوب حرب معه و هذا ما يعرض البلد لخطر هو في غنى عنه مما جعل الاحزاب الوطنية و تنظيمات الضباط الاحرار ترفض هذا الدور و تسعى للخلاص منه بأي ثمن .
و بحكم وجود البريطانيين في العراق منذ انتهاء الحرب العالمية الثاني فكان من الطبيعي ان يحصلوا على العديد من الامتيازات فيه أهمها السيطرة على موارده النفطية . بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عملت الشركات النفطية الامريكية و بدعم من حكومتها على ازاحت نظيراتها البريطانية في العديد من المواقع التي كانت تستثمر فيها , وفي ظل هذا الصراع المحموم اتصل الامريكان في أوائل الخمسينات من القرن الماضي بكامل الكيلاني , شقيق رشيد عالي , و أبدوا استعدادهم للتعاون و التفاهم مع حزب الاستقلال من أجل تغيير نظام الحكم الملكي إلى جمهوري , وقد اتصل الكيلاني بأمين عام الحزب المذكور محمد صديق شنشل و عرض عليه رغبة الامريكان هذه لكنه رفض التعاون معهم و قال أنه لا يريد استبدال استعمار بآخر .
حركة مصدق في ايران :
أحدث اعلان رئيس وزراء ايران الدكتور مصدق تأميم شركة النفط الايرانية التي تملكها المصالح البريطانية ردود فعل عنيفة في الشارع العراقي بومها , اذ طالبت الأحزاب السياسية الحكومة القيام بذات العمل , كما قامت الصحف الوطنية بنشر المقالات المطالبة بتأميم النفط العراقي , وقد أسفر هذا الضغط الجماهيري عن قيام الحكومة بمفاتحة الشركات الأجنبية بتعديل الاتفاقية النفطية المعقودة بين الطريفين .
5 – مؤتمر باندونغ :
انعقد مؤتمر باندونغ بعد شهرين من التوقيع على حلف بغداد , و اعتبر حدثا تاريخيا عكس رغبة شعوب آسيا و أفريقيا فب مقاومة سياسة الحرب الباردة و الأحلاف العسكرية .
و قد تبنت الاحزاب السياسية مقررات المؤتمر و التي أكدت على حق الشعوب فب تقرير المصير و الامتناع عن عن استخدام التنظيما الدفاعية الجماعية لخدمة المصالح الخاصة لأية دولة كبرى .
6 – حركات التحرر في الدول التابعة : ان دخول شعوب هذه الدول في غمار حركات تحرير مسلحة ضد القوى الاستعمارية شدد من الحركة الوطنية فب العراقو ذلك للترابط الكفاحي الوثيق بين شعوب الدول المستعمرة .
7 – التقارب بين الدول الاشتراكية السابقة و بعض الدول العربية :
أزال هذا التقارب الكثير من الحواجز التي كانت تفصل بين الأحزاب القومية العروبية و الحزب الشيوعي العراقي و بنفس الوقت فإن الحزب الشيوعي كان قد جرى تعديلات في مواقفه من قضايا الوحدة العربية . وقد ساعد هذا التقارب عن انبثاق جبهة الاتحاد الوطني في آذار 1957 و التي كان لها الدور الأكبر في بث الوعي الثوري بين الجماهير .
الفصل الثاني
حركة الضباط الأحرار
نشأة الحركة :
لقد كان للعسكر دائما دور في السياسة , وقد ساهمت جملة من العوامل التي دعت الضباط الناوئين لنظام الملكي إلى تنظيم أنفسهم في خلايا كانت تخطط لاسقاط النظام القائم وقد بدأت هذه التنظيمات تتشكل بشكل واسع بعد الحرب العالمية الثانبة .
الأسباب التي دعت الضباط إلى تشكيل تنظيماتهم :
1 – منذ البداية كان الضباط يعتبرون أنفسهم أكثر الناس وعيا بسبب انتشار الجها و الأمية في صفوف الغالبية العظمى للجماهير العراقية . وقد ولد قيام الحكومات المتعاقية أيام النظام الملكي في استخدام الجيش في قمع العصيانات المسلحة و غيرها لدى هؤلاء الضباط بأنهم القوة الوحيدة القادرة على توجيه سياسة الدولة .
2 – عجز الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية الحدبثة في عشرينيات القرن الماضي حتى الثالث عشر من تموز 1958 عن تحقيق طموحات الجماهير في حياة مرفهة .
3 – ساعدت الاجرائات القمعية التي قامت بها الطبقة الحاكمة ضد الضباط الذين ساهموا بحركة مايس 1941 و التي وصلت إلى حد اعدام العديد منهم على تنامي مشاعر الغضب داخل المؤوسسة العسكرية إلى الحد الذي دفع الضباط و الجنود إلى السعي للأنتقام لهؤلاء .
4 – لعبت الهزيمة المنكرة التي لحقت بالجيوش العربية في حرب فلسطين 1948 إلى تنامي مشاعر النقمة داخل هذه الجيوش ومنها الجيش العراقي, حبث تم تحميل الأنظمة الحاكمة مسؤولبة هذه الهزيمة لذلك تولد شعور عام بضرورة التخلص من هذه الانظمة .
5 – كان نجاح حركة يوليو في مصر 1952 دافعا أساسيا للضباط العراقيين كي يحذوا حذو زملائم المصريين عبر تنظيم أنفسهم في حركة سميت يومها ب ((حركة الضباط الأحرار )) كي يعملوا من خلالها على تنسيق موقفهم لتحقي هدفهم في الاطاحة بالنظام الملكي .
6 – اقحام الجيش في قمع الانتفاظات الجماهيرية و منها انتفاظة تشرين 1952 التي نزل الجيس فيها إلى الشوارع لقمعع الانتفاضة . ثم تشكيل وزارة رئيس أركان الجيش نوري الدين محمود كان له الأثر الكبير في نفوس الضباط الشباب .
7 – كان الضباط الشباب متأثرين بالأفكار الثورية التي كانت الأحزاب الثورية تروج لها حتى قبل دخولهم للكلية العسكرية في فترة تنامي المد القومي و التحرري .
9 – ازدياد الانتفاظات الجماهيرية التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية , كما ازدادت الاضرابات العمالية و ما رافقها من قمع شديد من قبل السلطة ليزيد من النقمة داخل المؤسسة العسكرية على السلطة المذكورة .
10 – عدم قدرة الاحزاب السياسية على اسقاط النظام من خلال ثورة جماهيرية جعل الضباط يفكرون في أخذ زمام المبادرة بيديهم .
الخلافات داخل اللجنة العليا للضباط الأحرار :
حدثت خلافات كثيرة داخل اللجنة العليا للضباط الأحرار بسبب الاختلافات في وجهات النظر و للطموحات الشخصي لمعظمهم , وعلى الرغم من الفترة الزمتية القصيرة التي عاشتها اللجنة المذكورة و الممتدة من كانون الثاني 1956 حتى قيام حركة 14 تموز 1958 الا أن الخلافات بين أعضائها كانت كثيرة و متشعبة و منها :
1 – رئاسة اللجنة العليا للضباط الأحرار :
بعد دمج تنظيم بغداد الذي كان يرأسه العقيد الركن محي الدين عبد الحميد مع تنظيم المنصور برئاسة عبدالكريم قاسم , إتفق على اختيار رئيس جديد للتنظيم و أخذ بنظر الاعتبار قاعدة الرتبة و القدم العسكري لمراعاة الضبط العسكري و كانت النتيجة انتخاب عبد الكريم قاسم رئيسا لها باعتباره الأعلى رتبة بين الأعضاء , لكن ظهرت اعتراضات على هذا الترشيح داخل اللجنة العليا فالمقدم رجب عبد المجيد أصر على انتخاب ناجي طالب باعتباره الأنضج فكريا و أيده ضباط آخرون . ومن الجهة الاخرى اصر عبد السلا عارف على انتخاب عبدالكريم . و لتسوية هذا الخلاف تم انتخاب نائبين له هما : العقيد الركن محي الدين عبد الحميد و العقيد الركن ناجي طالب .
2 – نتفيذ الحركة :
كان قسم من الضباط في اللجنة العليا يرى ضرورة الاتزان و حساب كافة العوامل حسابا دقيقا قبل تنفيذ الحركة , في حين يرى البعض الآخر بعمل سريع و إنتحاري , وكان يتزعم هذا الاتجاه عبد السلام عارف ففي أحد اجتماعات اللجنة التي جرت فب شهر مايس 1958 أصر عبد السلام على أن تكون الحركة يوم السبن أي بعد ذلك الاجتماع مباشرة و قال : (( هذا السبت و الا هذا حدنا وياكم )) .
و كانت هناك حلقة وسطية ( أو تنظيم الظل )ترى ضرورة الاسراع بالحركة , وكان معظم أعضائها يعتقد بأن أعضاء اللجنة العليا غير جادين بتنفذ الحركة لوجود الخلافات بين أعضائها , و لهذا قررت الحلقة الوسطية القيام بالحركة ووضع اللجنة العليا أمم الأمر الواقع .
فقررت القيام بالحركة في 11 مايس 1958 و أخبرت اللجنة العليا بذلك , وكان يتزعم هذا الاتجاه عبد الوهاب الشواف الذي لم يكن عضوا في اللجنة العليا بعد , ولم تنفذ الحركة بسبب تأخر القطعات العسكرية المكلفة بأخذ الأمر على عاتقها .
3 – وضع خطة الحركة :
أجتمعت اللجنة العليا للضباط الأحرار في شهر كانون الأول 1957 و قررت فيه دراسة موضوع تنفيذ الحركة في 6 كانون ثاني 1958, يوم تأسيس الجيش العراقي , و أثناء المناقشة برزت خطة عبد الكريم قاسم و مفادها استغلال العرض العسكري الذي كان من المقرر اجرائه في ذلك اليوم حيث تقوم القطعات العسكرية المشاركة بالاستعراض بفتح النار نحو النصة الذي كان من المفترض أن يتواجد عليها الثلاثة الكبار , الملك و الوصي عبد اله و نوري السعيد رئيس الوزراء , لكن الخطة رفضت من بقية الأعضاء لما فيها من مخاطر و احتمال وقوع ضحايا كثيرة جرائها .
هذه الخلافات دفعت بعض الضباط إلى العمل منفردين دون استشارت زملائهم في اللجنة , لذلك لم تطرح الخطة على اللجنة العليا لاقرارها إنما وضعت من قبل ثلاثة ضباط هم : عبد الكريم و عبدالسلام و عبد اللطيف الدراجي .
4 – مصير العائلة المالكة :
أما عن مصير العائلة المالكة , فكان قسم من الضباط الأحرار يرى تلك الموضوع إلى يوم تنفيذ الحركة و الظروف التي تحيط بها , أما القسم الآخر فكان يؤكد على تقديم عبد اله و نوري السعيد إلى محكمة عسكرية و من ثم اعدامهما , وعلى تسفسر الملك فيصل الثاني إلى خارج البلاد بعد إجباره على التخلي عن العرش .
بينما كان العقيد عبد السلام عارف فكان يؤكد على ضرورة تصفية الثلاثة الكبار حتى لا تكون هناك حجة من قبل دول حلف بغداد و الأردن للتدخل و اجهاض الحركة كما حصل في حركة مايس في حين أن عبد الكريم قاسم كان صامتا طوال الجلسة .
قبول عبد السلام عضوا في اللجنة العليا :
جرى العمل داخل الجنة على عدم قبول أي ضابط فيها الا بعد طرح اسمه على أعضائها و أخذ موفقة الكل عليه , الا أن عبد الكريم أحضر معه عبد السلام إلى احدى الاجتماعات و قال : (( هذا معنا في التنظيم وهو يعرف كل شيء )) فأصبح بقية الأعضاء أمام الأمر الواقع .و اضطروا لقبوله .
6 الأتصال بالأحزاب السياسية :
رغم وجود إتفاق مسبق بين اعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرا بعدم الاتصال بالأحزاب السياسية الا عن طرق سكرتير التنظيم رجب عبد المجيد المخول الوحيد بالاتصال بجبهة الاتحاد الوطني , الا أن أعضاء اللجن أخذوا يتصلون بالأحزاب النظوية تحت لواء هذه الجبهة دون الرجوع إلى بقية زملائهم .
فعبد الكريم قاسم كان يتصل بالحزب الوطني الديمقراطي و الشيوعي عن طريق رشيد مطلك و وصفي طاهر الذي كان يتصل بقريبه زكي خيري القيادي بالحزب الشيوعي , كما أن المقدم رفعت الحاج سري كان قد اتصل بمحمد صديق شنشل و فائق السامرائي من حزب الاستقلال , و العقيد الركن عبد الوهاب الأمين اتصل نمحمد مهدي كبة رئيس حزب الاستقلال عن طرق العقيد شمس الدين عبد الله .
7 – عدم الاتصال بالدول العربية :
كان من أسس العمل التي أقرتها اللجنة العليا للضباط الأحرار هو عدم الاتصال بالدول الأجنبية أو العربية للحفاظ على سرية التنظيم , لكن العديد من أعضاء التنظيم لم يلتزموا بهذا القرار , فعبد الكريم قاسم و عبد السلام عارف اتصلا بالضباط السوريين , كما إتصل قاسم بالرئيس عبد الناصر عن طرق حسين جميل و ذلك في تموز 1957 و تم إبلاغه بالحركة المرتقبة .
8 عدم الأنسجام بين أعضاء اللجنة العليا :
كانت هناك خلافات شخصية بين اعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار سببها الطموح الشخصي لكل منهم , فالمقدم رفعت الحاج سري رغم إنتخابه عضا في الجنة العليا للضباط الأحرار لكنه لم يحضر اي من إجتماعاتها لوجود خلافات شخصية بينه و بين عدد من زملائه الاخرين , كما حصل خلاف آخر بين عبد السلام عارف و رجب عبد المجيد حول بعض القضايا التنظيمية و ذلك في مايس 1958 و لم يحضر عبد السلام اجتماعات اللجنة العليا منذ ذلك التاريخ .
9 – اختيار أعضاء اللجان :
ظهر خلاف آخر في داخل اللجنة العليا , ففي الاجتماع الذي عقد في منزل عبد الوهاب الشواف يوم 1 تموز 1958 حول إختيار كبار موظفي الحكومة التي ستتشكل بعد نجاح الحركة , فعبد الكريم قاسم أصر على ادخال عارف فيها بينما عارضه ضباط آخرون منهم المقدم رجب عبد المجيد لعدم حضور عارف الاجتماع , و كان اصرار قاسم قد أدى إلى عدم تشكلها و إلى انهاء الاجتماع دون التوصل إلى اي اتفاق , كذلك لم يحضر رجب عبد المجيد إلى الاجتماع التال الذي تقرر أن يكون في منزل عبد الكريم قاسم في 4 تموز 1958 .
10 – عدم الالتزام بمباديء اللجنة العليا :
ومن الخلافات المهمة في اللجنة العليا للضباط الأحرار هي عدم موفقة بعض الأعضاء على أسس العمل و المبايء التي أقرتها اللجنة العليا و منهم عبد الكريم قاسم الذي اتصل بناجي طالب في مايس 1958 يسأله عن رأيه في قيام مجلس السيادة على غرار السودان و أن يكون ناجي أحد أعضائه لكن الأخير رفض لأنه كان مع الاتفاق الذي تم حول مجلس قيادة الثورة .
الفصل الثالث
الصراع بين القادة العسكريين بعد قيام الجمهورية :
كان منطلق الصراع بين هؤلاء يتمحور حول عدم تنفيذ قرار اللجنة العليا للضباط الأحرار بتشكيل مجلس قيادة ( الثورة ) الذي كان من المقرر أن يمارس السلطتين التشريعية و التنفيذية في البلاد خلال فترة انتقالية تحدد مسبقا . وفي نفس الوقت تشكل حكومة انتقالية تضم كل قادة الأحزاب الوطنية ثم تجرى في البلاد انتخابات المجلس الوطني الذي يمثل كل الأحزاب الوطنية و إرساء قواعد الديمقراطية من ثم يعود الضباط إلى ثكناتهم أو اعتزال الخدمة العسكرية و مزاولة السياسة .
كانت دهشة و استغراب هؤلاء الضباط عندما صدرت قرارات بتولي عبد الكريم قاسم رئاسة الوزراء و وزارة الدفاع بالوكالة و القيادة العامة للقوات المسلحة , و أصبح عبد السلام عارف نائب رئيس الوزراء و وزير الداخلية وكالة و نائب القائد العام للقوات المسلحة . فعقدت اللجنة العليا اجتماعا في وزارة الدفاع في مساء 14 تموز 1958 و بحثت موضوع تشكيل مجلس قيادة الثورة الذي عارضه عبد الكريم و عبد السلام و شرعا يوزعان المناصب الهامة من موقع القوة على بقية الضباط الأحرار .
عين العقيد عبدالوهاب الشواف حاكما عسكريا عاما و طلب منه تنسيب رئيس للمحكمة العسكرية فنسب العقيد شمس الدين عبد الله , ولكن في صباح اليوم التالي الغي تعيين الشواف و أصبح آمرا لحامية الموصل و حل محله الزعيم الركن أحمد صالح العبدي حاكما عسكريا عاما و ترك ذلك أثرا بليغا في نفس الشواف و اعتبر القرار إبعادا له لذلك رفض استلام المنصب الجديد ثم أخذ يجمع الضباط في خليته و بعض الخلايا الأخرى للقيام بحركة انقلابية ضد قاسم و عارف لكن جهوده باءت بالفشل بسبب تنامي التهديدات الخارجية لذلك قام الضباط الموالون لقاسم باقناعه بالتراجع عن مواقفه و الالتحاق بمنصبه الجديد كآمر لحامية الموصل .
و بنفس الوقت فقد كان التذمر منتشر بين بقية الضباط الأحرار لذات الأسبا التي أشرنا إليها , فالعقيد رفعت الحاج سري رفض الالتحاق بوزارة الدفاع بعد نجاح الحركة غبر أن قاسم وعارف بعثا المقدم نعمان ماهر الكنعاني إلى داره لاقناعه بالالتحاق بمقر الوزارة .
كما أن ناجي طالب و محي الدين عبد الحميد و باقي أعضاء اللجنه العليا لم يقرا تصرف عبد الكريم و عبد السلام .
الحلقة الرابعة
الصراع بين عبد الكريم قاسم و عبد السلام عارف
قبل الولوج في موضوع الصراع بين الرجلين لابد من التطرق إلى بإيجاز إلى حياة و شخصية و عقيدة كل منهما للتعرف على أسباب هذا الخلاف الذي حصل بينهما و ساهم في احداث شرخ في الشارع العراقي .
عبد الكريم قاسم :

ولد عبد الكريم في محلة المهدية في جانب الرصافة من بغداد في 21 تشرين الثاني 1914 . كان والده قاسم بن محمد الزبيدي من الطائفة السنية , أما أمه فهي كيفية حسن اليعقوبي من الطائفة الشيعية , وكان أصغر إخوته .
نشأ عبد الكريم في بيئة خشنة , عندما بلغ السابعة من عمره انتقل والده الذي كان يعمل عاملا في النجارة مع سائر أفراد أسرته , بسبب سوء أحواله المادية , من بغداد إلى الصويرة حيق أخوه علي محمد الزبيدي الضابط السابق في الجيش العثماني و كان يملك مزرعة , و اخذ يزاول الزراعة معه .
دخل عبد الكريم مدرسة الصويرة الإبتدائية سنة 1921 و اسنمر فيها حتى الصف الرابع الابتدائي عندما عاد والده إلى بغداد و سكن في محلة قنبر علي . وواصل دراسته في مدرسة الرصافة الابتدائية و تخرج منها سنة 1927 . ثم دخل الثانوية المركزية و نجح في جميع الدروس بتفوق ثم حاز على شهادة الاعدادية – الفرع الأدبي .
سعى يعد حصوله على الإعدادية إلى التعيين في وزارة التربية , فعين معلما في مدرسة الشامية الإبتدائية بقضاء الشامية بلواء ( محافظة ) الديوانية , وقضى في التدريس سنة واحدة .
في منتصف سنة 1932 , عندما أعلن عن حاجة الجيش العراقي إلى ضباط و فتح القبول بالكلية العسكرية , استشار عبد الكريم صديقه و صديق العائلة مصطفى علي جواد فأثناه عن عزمه , و نصحه بمهنة التدريس التي هي أفضل من الخدمة العسكرية , غير نه دخل الكلية العسكرية بنصيحة قريبه الزعيم عبد الجبار جواد و كان ذلك في 25 أيلول 1932 و تخرج منها برتبة ملازم ثان سنة 1934 .
في 24 تشرين الثاني 1940 دخل كلية الأركان و تخرج منها بتارخ11 كانون الأول 1941 بدرجة ممتاز , ثم دخل دورة الحروب الجبلية للضباط الأقدمين الأولى . كما اشترك بامتحان اللغة الانجليزية و حاز على الجائزة المخصصة للناجحين فيها , و من 4 تشرين الأول 1950 و لغاية 22 كانون الأول من نفس السنة اشترك بدورة الضباط الأقدمين بانجلترة .
تدج بالرتب العسكرية إلى أن وصل إلى رتبة زعيم بتارخ 2 مايس 1955 . و ترفع في 6 كانون الثاني 1959 إلى رتبة لواء ركن و في 6 كانون الثاني 1963 ترفع إلى رتبة فريق ركن .
اشترك بحركة الفرات الأولى من 11 مايس إلى 29 تموز 1935 و كان آنذاك ضمن الفوج الثالث , كما اشترك في القيادة الغربية لحركة مايس سنة 1941 . و في 3 أيلول 1945 اشترك في حركة بارزان الثالثة لغاية 20 تشرين الأول . كما اشترك في حرب فلسطين من 5 مايس 1948 إلى 11 حزيران 1949 .
زار انجلترة مرتين , في الأولى ذهب لإجراء عملية تجميل على شفته العليا سنة 1947 , و الثانية فكانت في أيلول 1950 للمشاركة في دورة التعبئة للضباط الأقدمين و حصل على تقدير ممتاز , كما سافر إلى تركيا في نيسان 1955 ضمن بعثة عسكرية لحضور مناورات الجيش التركي .
تحليل شخصية عبد الكريم قاسم :
إن دراسة شخصية عبد الكريم لا يمكن أن تنفصل عن دراسة أوضاع العراق الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية منذ الحرب العالمية الأولى حتى 14 تموز 1958 . فتبلورت فب تفاعلاتها و أحداثها شخصية قاسم و كرهه للاستغلال و الاستعمار .
عاش عبد الكريم في كنف عائلة فقيرة تسكن حيا فقيرا و قضى طفولته حافي القدمين حتى دخل الكلية العسكرية في فقر مدقع .
أحس عندما كان معلما في الريف بما يعانيه الفلاحين الفقراء من الاضطهاد و الاستغلال الطبقي على يد الإقطاع , كما أدرك ما يعانيه اعامل الفقير عندما كان يعمل مع أبيه في النجارة , كما عاش ضابطا فقيرا يحس بما يعانيه الجنود و ضباط الصف و صغار الضباط من استغلال قومي و طبقي فرضه الإستعمار البريطاني .
كما أن نشأته في محلة المهدية ثم محلة قنبر علي في جانب الرصافة حيث تقيم عائلات تنتمي إلى أعراق و مذهب و أديان شتى قد وفرت له جوا سمحا غير مشوب بتعصب قومي أو طائفي .
عقيدته السياسية :
إن ترعرع عبد الكريم في مثل هذه الظروف قد ولد لديه أفكارا إصلاحية لإنقاذ الطبقات الكادحة من ظروفها السيئة و أحس بأن ذلك لا يتم إلا من خلال التخلص من الاستعمار و الحكم الملكي , لذلك اشترك في أول جمعية للضباط القوميين سنة 1935 عندما كان ملازما في الجيش و كانت هذه الجمعية تستمد أفكارها من توجهات المربع الذهبي و خصوصا صلاح الدين الصباغ
كما تأثر بالأفكار السياسية لجماعة بكر صدقي التي كانت تدين بها أثناء انقلاب 1936 التي تؤكد على الوحدة الوطنية , و كان لزيارته إلى تركيا الأثر البالغ في اعجابه بالاصلاحات التي قام بها كمال أتاتورك .
أدعى البعض أنه كان شيوعيا , كما ذكر طاهر يحيى أحد الضباط الذين شاركوا بالإطاحة بالنظام الملكي , و هناك من يقول أنه كان على علاقة بالبريطانيين و منهم الدكتور جابر عمر وزير التربية في الوزارة الأولى بعد قيام الحكم الجمهوري , حيث يقول : (( حتى الانجليز لا يريد أن يتعرض مطلقا إلى المساس بمصالحهم .... )) و يذكر الدكتور فاضل حسين بأنه كان من المحسوبين على نوري السعيد و من ضباط اللواء غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة . و قيل أن نوري السعيد طلب من غازي القيام بانقلاب عسكري للتخلص من عبد اله و أن الأخير يعتمد على قاسم , ومن المحتمل أن الإنجليز علموا بما كان يدور و أن عبد الكريم أراد الاستفادة من رغبة الإنجليز و رغبة نوري السعيد و الداغستاني للتخلص من عبد اله فنفذ الحركة لصالحه و صالح الإنجليز .
و يضيف المقدم جاسم العزاوي على ذلك بقوله : (( بأن قاسم كان يجتمع بالسفير الإنجليزي بمقره بوزارة الدفاع و كان يطلب من عندي مغادرة الغرفة , ويظل بمفرده مع السفير البريطاني .... ))
و الواقع أن عبد الكريم لم يكن شيوعيا و لا قوميا و لا إشتراكيا , لقد كان قاسميا فقط , ونعني بالقاسمية هنا السعي وراء السلطة من أجل الانفراد بالحكم , و أخيرا يمكن القول أنه كان متأثرا بأفكار الحزب الوطني الديمقراطي .
عبد السلام عارف :
ولد عبد السلام في 21 آذار 1921 في محلة سوق حمادة في منطقة الكرخ ببغداد , وهو حي شعبي من أحياء العاصمة الفقيرة , كان والده محمد عارف الجميلي يشتغل بزازا بالمفرد و وقد هاجر من مدينة الرمادي إلى بغداد .
ينتمي عارف إلى عائلة لها ماضيها في الكفاح ضد الاستعمار البريطاني , فخاله الشيخ ضاري الذي قتل الكولونيل لجمن أبان ثورة العشرين , وعمه السيد عباس الذي قتله الإنجليز في الرمادي .
دخل عبد السلام المدارس الإبتدائية و الثانوية في منطقة الكرخ و تخرج من ثانوية الكرخ سنة 1938 و بنفس السنة دخل الكلية العسكرية و تخرج منها سنة 1941 برتبة ملازم ثان و عمره لا يتعدى العشرين .
اشترك في حركة مايس , فكان آمر لرعيل المدرعات في القوة الآلية و مهمتها محاصرة القصور الملكية , وبعد فشل الحركة عين مسؤولا عن حراسة سجن معسكر الرشيد الذي زج به المئات ممن شاركوا بالحركة المذكورة . و كان عبد السلام يساعدهم عن طرق تدبير لقاءات ليلية مع أسرهم , كذلك أخذ ينقل الرسائل التي يطلب منه توصيلها .
و يبدوا أن السلطة أحست به فتم نقله من إلى البصرة , حيث عين ضابطا بالاستخبارات العسكرية و بي فيها إبلا سنة 1944 عندما نقل إلى لواء الناصرية , و اختير في سنة 1946 مدربا في الكلية العسكرية , أمضى فيها سنة كاملة , نقل بعدها إلى كركوك و منها سافر إلى فلسطين للاشتراك في حرب فلسطين 1948 .
أما صداقته مع عبد الكريم فأنها تعود إلى سنة 1938 عندما كان تلميذا في الكلية العسكرية حيث كان قاسم يحاضر فيها .
بعد تخرج عبد السلام إفترقا لمدة عام عادا بعدها ليلتقيا في البصرة و يبدوا أنهما تكلما عن سوء الأوضاع الداخلية و تذمرهما من التدخل البريطاني في شؤون القوات المسلحة العراقية بشكل خاص و البلاد بشكل عام و أنه لا يمكن الخلاص من هذه الأوضاع إلا بتدخل الجيش . و استمرت علاقتهما حتى فرق بينهما اللواء بهاء الدين نوري , فامر بنقل عبد الكريم إلى جلولاء و عارف إلى الناصرية .
و في سنة 1947 نقل عارف إلى كركوك فالتقى مرة أخرى بقاسم الذي كان آمرا للفوج و عارف مساعدا له , و عندما وقعت حرب فلسطين 1948 سافرا معا و كان عبد السلام في مدينة جنين و عبد الكريم في كفر قاسم القريبة منها , فكانا يلتقيان باستمرار . وعند انتهاء الحرب و عودة القوات العراقية إلى البلاد عاد عبد السلام إلى بغداد ثم نقل إلى الموصل فكركوك , وعندما أصبح الفريق نور الدين محمود رئيسا لأركان الجيش نقل عبد السلام إلى مقر قيادة الجيش و تولى فيها مناصب مهمة استطاع من خلالها أن يسدي بعض الخدمات إلى صديقه قاسم . و نقل في سنة 1952 إلى دائرة تدريب المناورات , كما نقل قاسم إلى نفس الدائرة و عملا معاحتى سنة 1954 عندها نقل عبد الكريم إلى منصب آمر اللواء التاسع عشر و نقل عارف إلى منصب آمر فوج في نفس اللواء . و في نفس السنة أرسل عبد السلام في دورة للالتحاق بالقطعات العسكرية البريطانية في دسلدورف في ألمانيا الغربية السابقة و بقي فيها حتى سنة 1956 اذ عاد إلى بغداد و بلغ للاستعداد للسفر إلى الأردن مع اللواء التاسع عشر الذي يقوده عبد الكريم قاسم .
و في تشرين الثاني 1956 سافر اللواء المذكور إلى المفرق ليكون على أتم الاستعداد لمعاونة الأردن ضد إسرائيل , بينماكان الغرض لأساسي من إرساله هو تهديد النظام القائم في سوريا و اسقاطه و ضم سوريا إلى العراق منتهزا فرصة العدوان الثلاثي على مصر . و لكن عبد الكريم و عبد السلام اتصلا بالضباط السوريين ومنهم اللواء عفيف البزري رئيس أركان الجيش السوري و أكدا لهم بأن الجيش العراقي لن يقوم بأي حركة عدائية ضد بلادهم , و أنهما لا يتأخران عن الإنضمام اليهم عند الضرورة .
و قد انظم عبد السلام عارف إلى اللجنة العليا للضباط الأحرار بناء على طلب قاسم , وظل عارف وفيا لقاسم في اجتماعات اللجنة المذكورة و أيده بتوليه رئلستها باعتباره الأعلى رتبة .
تحليل شخصية عارف :
إن نشأة عارف في محيط إجتماعي ضيق تسوده النزعة الطائفية و طموح لا حدود له , خلق له مصاعب كثيرة منذ الأيام الأولى لحركة تموز .فهو يحقد على جميع من تخاصم معه سواء في مرحلة الطفولة أو في مرحلة الدراسة و حتى عندما أصبح عضوا في اللجنة العليا للضباط الأحرار.
كان عبد السلام جريء و شجاع منذ أن كان طالبا يشترك في المظاهرات الطلابية و يحمل الشعارات المنددة بالوجود البريطاني , وعندما كان ضابطا في الجيش عرف عنه اقتحام المواقف الصعبة , فهو كان أجرأ من عبد الكريم قاسم , ولولا إقدام عارف على تنفيذ الحركة لما تجرأ أحد للقيام بها .
غير أن عبد السلام كان يثير الخصومات الكثيرة و لا يتجنبها كما ينبغي لمن يكون في منصب خطير كمنصبه , فمزاجه كان مزاج جدل و خصومة و معارضة . و قد حاول أن يكون أكثر شهرة من قاسم بالإكثار من الزيارات إلى الموقع العسكرية و المحافظات و الخك-طابة بالجنود و الضباط و الجماهير و الإدعاء بأنه هو مفجر ( الثورة ) و لا أحد سواه , وكان هذا الموقف يغيض عبد الكريم غير أنه يغظ الطرف و يخطط ضده .
وبسبب صفاته هذه , فقد نفر منه الكثير من الضباط حتى القوميين منهم على الرغم أنه الأقرب اليهم من قاسم لتدينه و ميوله القومية . و بذلك فقد خلق له خصمين خطرين , عبد الكريم قاسم الذي كان يسعى إلى التخلص منه و الضباط الأحرار أعضاء اللجنة العليا الذين كانوا ينتقدون أساليب عمله و تصرفاته و خطبه المرتجلة البعيدة عن الموضوعية رغم معارضتهم لقاسم في ذات الوقت , غير أن معارضتهم لعارف كانت أشد و اقوى مما حدى بقاسم إلى الاستفادة من ذلك كي يبعد عبد السلامعن مناصبه . و قد تحقق ذلك عندما أعفي عبد السلام عارف من منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة في 11 أيلول 1958 بعد أن اشتد الخلاف بينه و بين عبد الكريم إلى درجة أن عبد السلام حاول تحرض القوات المسلحة ضد قاسم بعد أن خاطبها في بعقوبة في 10 أيلول من نفس السنة مؤكدا على تشكيل مجلس قيادة ( الثورة )الذي لم يشكل و لم يحدد أسماء أعضائه و أنما أراد بذلك كسب الضباط الذين شاركوا بالحركة إلى جانبه .
عقيدته السياسية :
إن البحث في عقيدة عارف أمر شائك و معقد فرغم احساسه القومي , إلا أن أفكاره القومية كانت غير واضحة و غالبا ما كان يكرر في خطبه (( أنه لا يؤمن بديمقراطية الإنجليز و لا بنازية الألمان و لا ببلشفية الروس وإنما بالعروبة و الإسلام )) . ويذكر أغلب الأشخاص الذين عاصروه أنه كان ساذجا و لا يفهم من المباديء إلا و الأفكار السياسية سوى مصلحته الشخصية و طوحه الكبير .و يذكر علي صالح السعدي أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث يومها أن (( عبد السلام عارف كان طموحا كبيرا , و لا يمكن أن يوجد في تاريخ العراق إنسان أسوء منه عقلا و تفكيرا و سياسة و سلوكا , شخص يعيش في تناقض يومي بين إدعاءاته و بين سلوكه اليومي , وليست لديه أية عقيدة إطلاقا , شخص يغدر بأخيه و بولده و بكل شيء من أجل أن يبرز ) .
سلبيات عارف بعد 14 تموز 1958 :
بسبب طبيعته الشخصية الطموحة و المعقدة برزت لديه مواقف سلبية عديدة تركت أثرا بالغا في سلوكه السياسي و خاصة في صراعه مع قاسم و منها :
حادثة صحيفة الجمهورية :
بعد أن ألغت الحكومة التي تشكلت بعد 14 تموز 1958 جميع الصحف التي كانت تصدر في تلك الأيام , لم يعد هناك صحيفة يمكن أن تعبر عن رأي الحكم الجديد , عرض عبد السلام على مجلس الوزراء إصدار جريدة تكون لسان حال الحكومة و أنه قبل امتياز الصحيفة المقترحة اعتقادا منه بأنه يجوز لوزير الداخلية اصدار صحيفة . و لكن الجريدة صدرت دون أن تحمل اسمه و إنما اسم الدكتور سعدون حمادي صاحب الامتياز . ونتيجة للمناقشة التي حصلت في مجلس الوزراء بينه و بين وزير الإرشاد محمد صديق شنشل , اقترح الأخير أن تصدر الجريدة باسم عبد السلام لأنه هو الذي طلب امتيازها . ولذلك لا يمكن اعطائها إلى أي حزب من الأحزاب , لأنه لم يتم الاتفاق داخل مجلس الوزراء لاعطاء صحف للأحزاب السياسية بعد .
ثم صدر العدد السابع من الصحيفة وهو يحمل اسم عبد السلام عارف صاحب الامتياز , و لكن الملاحظ أن الأعداد التي سبقته و تلك التي تلته لم تحمل اسم عبد السلام , وقد ذكر عارف أنه أعطى امتيازها لرشيد فليح بعد أن علم بأنه ليس من اختصاص وزير الداخلية إصدار جريدة و إنما هي من اختصاص وزير الإرشاد .
و الملاحظ أن الصحيفة كانت تعبر عن مباديء و أفكار حزب البعث , و إن المسؤولين عن إصدارها و محرريها هم أعضاء في حزب البعث , لذلك عملت منذ اليوم الأول لصدورها على نشر توجهات الحزب المذكور . بالاضافة إلى ذلك كانت تنشر صمر عبد السلام و فؤاد الركابي , و قلما كانت تنشر صور لعبد الكريم قاسم , مما أثار حفيظته نحوها و هاجم سلوكها و اعتبرها متحيزة لعارف لأنها كانت ترسل مندوبين عنها يرافقونه أثناء تجواله في المعسكرات و المحافظات .
حوادث مجلس الوزراء :
كان عبد السلام عرف كثير المعرضة داخل مجلس الوزراء , وكانت معارضته هذه لمجرد المعارضة دون وجود حجج مقنعة .
بداية الخلاف بينه و بين عبد الكريم قاسم :
من النادر حصول خلاف معقد كالذي حصل بين رجلين يكمل أحدهما الآخر , كما أن صداقتهما القديمة و المتينة كانت مثار اعجاب و استغراب الضباط الأحرار من أعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار , وقد وصفهما أكثر من شخص بأنهما أكثر من الإخوة . ولكن ما أن نجحت حركة 14 تموز 1958 حتى بدأ الخلاف بينهما منذ يومها الأول , الذي كان سببه الأساسي طموح كل منهما الا محدود نحو الاستحواذ على السلطة , لذلك بدأ كل منهما يبحث عن المبررات التي تمكنه من ازاحة صاحبه .
حدث الخلاف الأول حول تصفية العائلة المالكة بالشكل الذي تمت به , اذ كان عبد الكريم غير مقتنع بقتلهم جميعا , وقد استغل قاسم تذمر معظم الضباط من تصفيتهم و أخ يلقي ياللوم على عبد السلام بكونه هو الذي أمر بتصفيتهم جميعا .
أما الخلاف الثاني فكان بسبب إجراء التعيينات للمناصب المهمة بعد 14 تموز , فأخذ كل منهما يعيين الأشخاص الذين يعتمد عليهم , فعارف أراد تعيين صالح مهدي عماش بمنصب مندوب العراق الدائم لدى الأمم المتحدة , بينما اختار عبد الكريم الزعيم الركن اسماعيل العارف لهذا المنصب , ثم طرح الموضوع على مجلس الوزراء , فتعالى الصياح بينهما كون عبد السلام كان يتهم العارف بأنه هو الذي وشى بتنظيم الضباط الأحرار سنة 1056 لدى رئيس أركان الجيش في العهد الملكي , أما قاسم فكان يصر على تعيينه لأنه الأعلى رتبة , كما أنه من أصدقائه المقربين . ونتيجة لعدم اقتناع المجلس بهما تم اختيار السيد جواد و ذلك في جلسة مجلس الوزراء في 15 تموز 1958 .
وقد إعتير عبد السلام وضع اللواء المدرع السادس و كتيبة المدرعات التي كان يقودها شقسقه عبد الرحمن عارف في منطقة أيج ثري ابعادا لأخيه عن بغداد , ذلك أنه تقرر في 14 توز وضع خطة للدفاع عن البلاد في حالة تعرضها للخطر . وكان من ضمن الخطة وضع الفرقة المدرعة الرابعة للدفاع عن الجبهة الغربية , بنجاه الأردن , حذرا من مجيء قوات ريطانية أو أردنية كما حصل أيام كرة مايس , و كانت كتيبة المدرعات التي يقودها عبد الرحمن عارف ضمن الفرقة المذكورة .
إشتد الخلاف بينهما أثر زيارةعارف لدمشق في 19 تموز 1958 و اجتماعه بالرئيس جمال عبد الناصر , حيث عرض عليه موضوع الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة , لكن عبد الناصر نصحه بالتريث و بتدعيم ( الثورة ) أولا , فضلا عن أن الخطاب الذي ألقاه عارف في دمشق كان قد أثار قاسم لعدم ورود اسمه فيه , و اقتصاره على الجهود الفردية لعارف في كيفية سيطرته على بغداد . وقد نقل بعض الضباط المقربين من قاسم ما قام به عبد السلام من إجتماعات و خطب و تصريحات , فأيقن عبد الكريم أن عارف هو الخطر الأكبر عليه , لذلك أخذ يعمل على ابعاد بقية الضباط عنه ليسهل التخلص منه .
انقطعت الجسور بينهما عندما علم عبد الكريم بقيام عارف بإرسال برقية إلى السفارة المصرية ببغداد يعلمها بأنه سيسافر إلى القاهرة على رأس وفد مؤلف من عدد من الضباط , وفي وقت مناسب , لغرض إعلان الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة , حتى لو أضطر إلى تنحية عبد الكريم إذا عارض ذلك .
استغل قاسم ذلك , فقد عرض نص البرقية المكتوبة بألة الطابعة و المؤرخة في 18 توز 1958 على كل من وزير الإرشاد محمد صديق شنشل و على قادة الفرق لاثارتهم ضد سياسة عبد السلام وتصرفاته .
ومن ناحية آخرى دخل عارف في صراع مع العتاصر السيارية من مدنيين و عسكريين , وقد ترتب على جولاته في المحافظات و المعسكرات و الخطب الكثيرة التي كان يلقيها هناك حول موضوع الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة , إلى أحتدام الصراع بين القوى السياسية , و على الأخص الانشقاق الذي حصل بين بين القوميين الذين كانوا مع الوحدة و الشيوعيين الذين رفعوا شعار الإتحاد الفدرالي .
كما استفز في خطبه هذه العديد نت الجهات داخل و خارج البلاد , فعلى سبيل المثال تطرق عارف إلى حركة مصدق مما دى إلى استفزاز الحكومة الإيرانية في نفص اليوم الذي اعترفت فيه بالحكم الجديد .
و كانت أغلب خطبه تفتقر إلى الموضوعية و الوضوح الآيدلوجي وذلك كما يأتي :
1 – يبتدأ الخطبة بآية من القرآن , ثم يحي الجماهير بأيمه و أسم الرئيس عبد الناصر و قلما يذكر اسم عبد الكريم قاسم .
2 – غالبا ما زردت هذه العبارات أو ما يشابهها :
(( إن جمهوريتكم عراقية متماسكة من الشمال إلى الجنوب و من الشرق إلى الغرب و أنها جزء لا يتجزأ من الأمة العربية ..... )) . (( باسم أخينا الأكبر أهديكم تحية جمال عبد الناصر فقد حملني تحياته و أشواقه ..... )) .
3 – تقليد عبد الناصر بالتحدث بالعامية . وقد أثارت هذه الخطب نقمة زملائه الضباط و عبد الكريم بيبب تركيزه على دوره في حركة 14 تموز . وقد برر ذلك بقولة : (( إن الثورة ليست ثورة عبد الكريم . و إنما ثورة الشعب )) .
أخذ عبد الكريم قاسم و من يسانده من الضباط القريبين منه يضعون الخطط للتخلص من عارف , فأزاحوا الضباط الموالين له بينما كان منشغلا بجولاته التي أشرنا لها سابقا في حين عهد قاسم المناصب المهمة و الحساسة للضباط المقربين منه مستغلا منصبه كقائد عام للقوات المسلحة , ثم أبعده بطريقة بارعة عن منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة في 11 أيلول 1958 حيث استطاع أن يقنعه بهذا الإبعاد بذريعة أن بقية الضباط يعارضون وجوده بهذا المنصب كونه أقل منهم رتبة . ثم تمكن من تجريده من جميع مناصبه في في 30 أيلول 1958 و تعينه سفيرا في بون , إلا أن عبد السلام رفض تسلم هذا المنصب و قدم استقالته في اليوم التالي , هذا في نفس الوقت الذي صدر فيه قانون الإصلاح الزراعي , فتفادى بذلك حدوث أية ضجة .

محاكمة عبد السلام عارف :
احيل عبد السلام إلى المحكمة العسكرية العليا الخاصة في 9 كانون الأول 1958 ليحاكم وفق المادة ( 80 ) من قانون العقوبات البغدادي .
و في 27 كانون الأول عقدت المحكمة المذكورة جاستها السرية الخامسة لمحاكمته و قد وجهت اليه التهم الأتية :
1 – عدم ذكر عبد الكريم قاسم في خطبه .
2 – إنحيازه للفئات القومية و دعوته للوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة .
3 – إعداده لإنقلاب عسكري ضد عبد الكريم قاسم .
4 – محاولة إغتيال قاسم .
و نظرت المحكمة في قظيته , و إستمعت إلى شهادة الشهود و هم من الضباط الأحرار , فظهر للمحكمة ما يأتي :
أولا – لم يكن المتهم من الضباط الأوائل الذين تبنوا فكرة ( الثورة )و لكن قاسم هو الذي تقدم بطلب انظمامه إلى جماعته .
ثانيا – كانت خطة الإعداد لل ( الثورة ) من وضع قاسم , و أن واجب المتهم فيها هو عزل مقر اللواء العشرين ومن ثم قيلدة اللواء المذكور بأعتباره أقدم ضابط فيه و الحضور إلى مقر الإذاعة لقراءة البيانات .
ثالثا – عهدت إلى المتهم نيابة رئاسة الوزراء و وزارة الداخليوبالوكالة ونائب القائد العام للقوات المسلحة , وحينما طولب بتأليف مجلس قيادة الثورة تردد في ذلك و تلكأ بينما كان الواجب يقتضي بتأليف هذا المجلس كونه بندمن بنود الحركة .
رابعا – إنحاز المتهم إلى فئة معينة بالرغم من أن مقررات ميثلق ( الثورة ) تشير لى عدم الإنحياز إلى أي حزب أو جهة .وقد تبنت جريد الجمهورية إنحياز المتهم إلى تلك الفئة فكانت تصدر صور المتهم واضحة و بالصفحات الأولى و أكبر من صور قاسم , كما أن المتهم أهمل ذكر اسم قاسم في خطبه و أخذ يدعوا إلى نفسه رغم نصائح المخلصين له بالالتزام بوحدة الصف . و لكن على ما ظهر أن البلبلة قد إستفحلت , وشقة الصف قد إزدادت , فأعفي من مناصبه و عين سفيرا في بون .
خامسا – رفض المتهم السفر إلى بون رغم الجهود التي بذلت من قبل المخلصين لاقناعه بقبول فكرة السفر , وحينما إنفرد بسيادته بمقره و كان الزعيم المتقاعد فؤاد عارف متشلغلا في جانب من الغرفة إستغل المومأ اليه إنشغال سيادته في البحث عن أوراق موضوعة تحت ساعة على النضدة فمد يده إلى مسدسه خلسة فسلؤع قاسم و أمسك بيده و صرخ في وجهه ماذا تريد أن تفعل فأجابه انيي لا أريد قتلك بل أريد أن أنتحر فرد سيادته لماذا لا تنتحر في بيتك , وعلى أثر ذلك هجم فؤاد و انتزع المسدس من يده و أفرغ اطلاقاته و حضر على أثر الحادثة الزعيم الركن محي الدين عبد الحميد و العقيد عبد الكريم الجدة .
سادسا – ثم سافر إلى بون على أن يعود بمافقة عبد الكريم بعد ثلاثة اسابيع و لم يبد من تصرفاته ببأنه يريد البقاء بمنصبه فأرسل برقية في 30 - 10 1958 يعلن فيها عن رغبته في العودة إلى العراق مدة قصيرة فكان جواب قاسم أن المقف في الوقت الحاضر على يساعد و لكنه لم يمتثل لأمر قاسم و عاد إلى البلاد على مسؤوليته في منتصف ليلة 3 -4 تشرين الثاني 1958 في الطائرة العراقية راغبا في إخفاء شخصيته فوصل بغداد في صباح يوم 4 - 11 1958 .
سابعا – كانت قد راجت إشاعات كثيرة في بغداد حول عودة المتهم و إن أحداثا هامة ستحصل يوم 5 - 11 بما يهدد وحدة الصف . وعند وصوله صباح يوم 4 -11 استقل سيارة أجرة عائدا إلى بيته دون أن يتصل بأي أحد ثم استدعاه قاسم و أذيع البيا بإعتقاله ثم قامت مظاهرة في بغداد تقدر بمليون نسمة تأييدا لموقف قاسم و لسياسته .
ثامنا – على أثر أحداث البلبلة في صفوف الشعب حدثت بعض المؤمارات سواء في صفوف الشعب أو الجيش و مانت تلك التكتلات و المؤمرات ضد مصلحة الشعب و النظام الجمهوري .
و في 5 شباط 1959 صدر الحكم على عبد السلام عارف بالإعدام شنقا حتى الموت و بطرده من القوات المسلحة . كما صدرت فقرة خاصة في القرار (( تودع الرفة به لأمر عبد الكريم قاسم و ذلك باستخدام سلطته الواردة في المادة 20 من قانون معاقبة المأمرين )) .
و بقي عبد السلام عارف في السجن كما بقي قرار الحكم في درج مكتب قاسم دون تصديق أو إعفاء حتى أيلول 1961 أثر انفصال سوريا عن مصر حيث تم إطلاق سراحه و بقي تحت المراقبة حتى 8 شباط 1963 .
المعلومات التاريخية منقولة عن كتاب ثورة 14 تموز 1958 لمؤلفه ليث عبد الحسن الزبيدي الطبعة الثانية



#وصفي_احمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بغداد تستباح من جديد
- التذمر الجماهيري في العراق بين ضعف الوعي و غياب القيادة
- لنوقف الهجمة الحكومية على الطبقة العاملة
- الدولة العراقية الحديثة و اشكالبة التأسيس
- في سبيل بناء حركة شبابية – طلابية تحررية:
- الطبقة العاملة في العراق و متطلبات المرحلة
- حدث في مثل هذا اليوم
- التدخلات الخارجية وازمة تشكيل الحكومة
- من اجل اطلاق حملة ضد البطالة
- من المسؤول عن ازمة الكهرباء في العراق
- نظام الملالي في إيران بين مطرقة العقوبات الاقتصادية وسندان ا ...


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - وصفي احمد - الحكم الهزيل