كميل داغر في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الإصلاح أم الثورة


كميل داغر
الحوار المتمدن - العدد: 3178 - 2010 / 11 / 7 - 13:38
المحور: مقابلات و حوارات     

اجرت الحوار: هيفاء حيدر

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 13 - سيكون مع مع الأستاذ كميل داغر حول: الإصلاح أم الثورة
 

1- هل ثمة حركات إصلاحية في العالم العربي، تمتلك برامج سياسية واقتصادية واجتماعية مناسبة، في وقت يمر فيه النظام العربي بأزمة بنيوية عميقة، وعلى الصُعُد كافة ?وفي شتى الأحوال، هل إن الرد المناسب على واقع هذا النظام يكون بالدعوات الاصلاحية، أم بالسعي إلى التغيير الثوري؟

جواب – لو كان هذا السؤال يتوقف عند منتصفه، لكنت اعتبرت أن الاجابة عنه عديمة الجدوى، بالكامل. وذلك ، بالضبط، بسبب درجة الاهتراء التي بلغها النظام العربي، إجمالاً، بحيث ليس فقط لا ينفع بصدده الإصلاح، بل بات هذا الأخير، بحد ذاته، مستحيلاً، في حالة النظام المشار إليه.
وبالطبع، فهذا الواقع يشمل جميع البلدان العربية، بدءاً بتلك المصابة بالاهتراء منذ البداية، ولا سيما دول الخليج ودويلاته، والأردن، وحتى لبنان ، إلى هذا الحد أو ذاك؛ ووصولاً إلى تلك التي شهدت، في فترة سابقة من القرن الماضي، ولا سيما في الخمسينيات والستينيات منه، تجذراً معيناً كان يتلازم، بالتأكيد، مع الصعود العام الذي ميَّز تلك الفترة الخاصة جداً من انحسار الاستعمار ، بنتيجة الثورات التحررية، التي غالباً ما قادتها البرجوازية الصغيرة في بلدان الجنوب، إجمالاً، ومنها بلدان عربية عديدة.
البرجوازية الصغيرة تلك، التي ورثت – وإن غِلاباً – جهاز الدولة شبه الإقطاعي، أو البرجوازي الكولونيالي، أو البرجوازي العادي، حققت، في السنوات الأولى من وجودها في السلطة، العديد من الإنجازات، كما الحال مع الاصلاح الزراعي في مصر الناصرية، وسوريا البعثية، والعراق في ما تلا ثورة 14 تموز 1958 من أعوام، والجزائر في عهد بن بلا، وحتى خليفته الانقلابي، بومدين، والتأميمات المعروفة في كل من تلك البلدان، من دون أن ننسى بالطبع الإصلاحات التي شهدها الشطر الجنوبي من اليمن، بعد وصول الجناح المتجذر في حركة القوميين العرب، في الشطر المذكور، إلى السلطة، في سياق عملية طرد المستعمر البريطاني والتحرر من الاحتلال الخارجي، وما تلا ذلك.
بيد أن كل هذه البلدان سرعان ما ستعيش حالة عدٍّ عكسي، يتفاوت سرعة، بين بلد وآخر، على طريق التراجع عن جوهر تلك الاصلاحات ، ومن ذلك عن جانب أساسي من التغييرات التي كانت عرفتها، سواء على مستوى توزيع الارض على الفلاحين، او على مستوى التأميمات التي لم تطل الصناعة وحسب ، بل التجارة الخارجية أيضاً. هكذا سيبدأ التراجع عن كل تلك المكاسب الشعبية، منذ أوائل السبعينيات، كما الحال في مصر السادات ، ومنذ الثمانينيات ، وبوجه خاص التسعينيات، في مجمل الأقطار الأخرى، بما فيها سوريا.
وبالطبع، فالتدهور والاهتراء لم ينحصر في الجانب الاقتصادي – الاجتماعي، بل امتد بعمق إلى السياسة، والموقف من الهيمنة الامبريالية على الوطن العربي بمجمله، ومن دولة إسرائيل، التي لم يعد أي من الانظمة العربية يجادل في شرعية وجودها فوق الأرض الفلسطينية، وبادر عدد مؤثِّر من بينها ، إذا لم يكن إلى الاعتراف العلني بها، كما في حالات كل من مصر والاردن وموريتانيا، وما بات يُصطلح على تسميته السلطة الفلسطينية، فعلى الأقل إلى الدخول في علاقات تطبيع معها قد تفضي إلى الاعتراف والتبادل الدبلوماسي، في تاريخ غير بعيد، إذا استمرت حالة التعفن والانحطاط الحالية ممعنةً في التفاقم. وحتى النظام السوري ، الذي وجد له الشيوعيون الاصلاحيون وصفاً خاصاً يميِّزه من باقي الأنظمة العربية، ألا وهو وصف "الممانعة!!" ، لا ينفك يدعو الكيان الصهيوني إلى التفاوض على قواعد ومبادئ لإنهاء حالة الحرب، مع تتمة ذلك من اعتراف وتبادل دبلوماسي وتطبيع!!، وكان يتوسل لأجل تحقيق ذلك، في السنوات الماضية، وساطة الدولة التركية، قبل أن تتدهور علاقات هذه الاخيرة بتل ابيب، في الفترة التي تلت الحرب الصهيونية الهمجية على غزة، منذ حوالى العامين. في غضون ذلك، وعلى الصعيد الاقتصادي – الاجتماعي، كانت دمشق قد اندفعت بحماس منقطع النظير، في السياسات النيوليبرالية، وفي تصفية شتى المكاسب الاجتماعية التي كانت تحققت، في المرحلة القصيرة لوجود الجناح اليساري لحزب البعث، هناك، في السلطة ، وفي تحرير التجارة وإطلاق سيرورة خصخصة القطاع العام، والتراجع عن معظم الضمانات الاجتماعية السابقة، وفتح البلد، من دون ضوابط جدية، أمام الاستثمارات الأجنبية، من شتى الجهات، ومن بينها المؤسسات والشركات الغربية.
هذا ولن نمضي في تعداد التراجعات الكبرى عن الإصلاحات التي تمت في العقدين "الذهبيين"، اللذين أعقبا منتصف القرن الماضي، لتجذُّر الحركة القومية، على المستوى العربي العام، والتدليل عليها، في شتى البلدان التي سبق أن شهدتها، حيث أنها تشارك جميعاً في وجوه شَبَه كثيرة، على امتداد المنطقة . ولكننا سنلفت النظر الى أن هذه السيرورة، على خطورتها، وعواقبها الأكيدة على معيشة غالبية ساحقة من الفئات الشعبية في أي من تلك البلدان، لم تقابَلْ بمقاومةٍ جدية من هذه الأخيرة ، كما لم تبادر أي من القوى السياسية، هنا وهناك وهنالك ، التي يمكن وصفها بالإصلاحية – إذا شئنا التجاوب مع جوهر السؤال المطروح أعلاه – إلى الوقوف ضد هذه السيرورة، أو السعي، ولو على سبيل حفظ ماء الوجه، لتنظيم قدر ولو رمزي من المقاومة الشعبية في مواجهتها، ولا سيما في غياب أحزاب ثورية فاعلة، على امتداد الوطن العربي، في حين كانت الأحزاب الشيوعية العربية، ذات الاصول الستالينية، تعمد باستمرار إلى التكيُّف مع تقلبات تلك الأنظمة، والمراوحة في العلاقة معها بين المهادنة الذليلة والبائسة، والدخول المكشوف في علاقات جبهوية معها لا نكون مبالغين إذا اعتبرناها تتصف بالخيانة الطبقية، والتذيُّل المُدان بل المخزي، للقيادات البرجوازية، الموصوفة زوراً بالوطنية (!!)
وبالطبع ، لن نتحدث عن برامج إصلاحية لقوى قومية، أو إسلامية ، نعرف سلفاً حدودها، وكونها لا تمس، من قريب أو من بعيد، جوهر الأنظمة العربية، ولا سيما بنيتها الطبقية التي تفضح موقعها، في عصرنا، من العولمة الرأسمالية، ومن الهجمة الامبريالية العالمية ، ولا سيما بعد انهيار المعسكر الشرقي، وزوال الحرب الباردة، وتكشف تالياً عجزها عن تغيير أي شيء جدي في مسار تلك الانظمة العام.ولكننا سنستدرك لنقول إن الرد الصحيح على واقع هذه الاخيرة لا يمكن ان يكون إطلاقاً عن طريق الدعوات الإصلاحية، بل عبر طريق مختلفة تماماً، هي بالضبط تلك التي يمكن أن تشقها الطبقات المقهورة في مجتمعاتنا، وعلى رأسها الطبقة العاملة، ولا سيما في اكثر من بلد عربي لا تزال تمثل فيه البروليتاريا الصناعية والزراعية نسبة عاليةً ، في النسيج الشعبي، كما الحال بوجه اخص، في مصر والجزائر، وسوريا والمغرب، وحتى الخليج، إلى هذا الحد أو ذلك. وأنا أعني الطريق الثوري، وبخاصَّةٍ إزاء تفاقم أزمات تلك الانظمة، والتراجع المشهدي في وزنها الشعبي، واتِّضاح مدى تناقض مصالحها مع مصالح اوسع الفئات الشعبية، ناهيك عن الانكشاف المتزايد لمدى خيانتها للقضايا الوطنية والقومية، وتبعيتها للامبريالية العالمية، وانحكام مصالحها بالعلاقة مع مصالح الشركات الرأسمالية الغربية. حيث أنه حتى لو أمكن تحقيق دعوات الاصلاحيين، ومن ضمنهم الشيوعيون ذوو الاصول الستالينية، إلى الديمقراطية التمثيلية – وهو ما لا نرفضه وإن كنا نعرف حدوده ونلفت النظر اليها – فهي لن تؤدي إلى اي تغيير جذري في واقع السلطة، إذا أمكن فرضها، ومن ضمن ذلك التمثيل النسبي، والشفافية والنزاهة الانتخابيتان. وجل ما قد تنتجه، على الأقل في المدى القريب، وحتى المتوسط، إنما هو وصول تنظيمات إسلامية ، على الطريقة التركية، في افضل الأحوال، ولكن أيضاً مع وجود احتمالات اخرى، بينها الاحتمال الجزائري، وما أفضى إليه ، قبل عقدين من الزمن، من فوضى دموية لم تنته فصولها بالكامل إلى الآن، في البلد المعني.
 


2– بخصوص المسألة الفلسطينية، هل ثمة دور لليسار في فتح الطريق امام خروج الفلسطينيين من مآزق قاتلة ادخلتها فيها م.ت.ف (منظمة التحرير الفلسطينية)، وقيادتها، التي تشهد، في السنوات الاخيرة، انحطاطها الكلي، متجلياً، بوجه اخص، في سلطة محمود عباس وبطانته؟


جواب – لا أجد نفسي مبالغاً إذا كنت أعتقد أن هذه المسألة قد وصلت إلى حد من التعقيد والحساسية والخطورة، بحيث قد يتوقف على ما ستشهده من تطورات، في السنوات القريبة القادمة - وربما أبعد قليلاً – مصير ما بات يُصطلح على تسميته الشرق الأوسط الكبير، كي لا نقول العالم بأسره. وهو ما يتوجس منه الزعيم الكوبي المتقاعد، فيدل كاسترو، في التأملات التي ينشرها بين الحين والآخر، متخوفاً من حرب نووية قد تبدأ في هذا الشطر من العالم لتمتد سريعاً الى أبعد منه، وذلك بالتحديد انطلاقاً مما يجري في فلسطين.
وفي تقديري أن واحداً بين أهم أسباب ما بلغته هذه المسألة من خطورةٍ يعود إلى ما شكّله بدء انحراف م.ت.ف. عن منطلقاتها الأساسية، الواردة في برنامجها الأصلي، الذي كان يتضمنه الميثاق الوطني الفلسطيني، قبل إلقائه في سلة المهملات. وأقصد، تحديداً، الانحراف باتجاه ما بدأ يسمّى في العام 1973، وبوجه أخصّ في العام 1974، السلطة الوطنية في الضفة والقطاع، أو مشروع الدولتين. وهو المشروع عينه، الذي سيفتح الباب على مصراعيه في اتجاه ما تلا ذلك من تنازلات كبرى بين أهمها التراجع عن الميثاق الوطني، في أواخر الثمانينيات ، والاعتراف بإسرائيل، ونبذ الكفاح المسلح، تحت تسمية الإرهاب الكاذبة، وصولاً إلى اتفاقات أوسلو، وما أعقبها إلى الآن من تنازلات إضافية لم يعد معروفاً إلى أين قد تصل لدى البيرقراطية الفلسطينية . وقد رأينا عينات إضافية منها في السنوات الأخيرة، بخصوص حق العودة، من جهة، (وثيقة جنيف التي وقعها ياسر عبد ربه عن السلطة،) وما بات ينُادي به الصهانية ، بصورة عالية الدويّ، في الفترة الاخيرة، بخصوص ما يسمونه يهودية دولة اسرائيل. وقد كان مذهلاً، الى هذا الحد أو ذاك، سماع رئيس السلطة ابي مازن ، يعلن أمام اللوبي الاميركي الصهيوني، "إيباك" ، قبل أشهر قليلة، تفهُّمَه لهذا "المطلب"!!
وبالطبع ، لم يعد يمكن المراهنة إطلاقاً على أن تخرج من هذا المسار الخياني طويل الأمد الزمرةُ البيروقراطية ، المتربعة على مزبلة سلطةٍ ليس فيها من المواصفات الفعلية لسلطة حقيقية غير كونها مصدراً لإثراء فاحش، وحتى جرمي، للقائمين عليها، على حساب آلام الفلسطينيين وحقوقهم، والأسوأ من ذلك جداً على حساب مصيرهم ومصير ذريَّتهم من بعدهم. ولا سيما أن مصالح كثيرة قد باتت تربط هؤلاء بالدولة الصهيونية ، إلى حد أن الشرطة التي تأتمر بأوامرهم، والمؤسسات الأمنية التي أنشأوها ، تدخل في عملية تنسيق عميقة ومكثفة مع المخابرات الاسرائيلية واجهزة الكيان الصهيوني الامنية ، وذلك ليس فقط بمواجهة قوى المقاومة الموجودة في الضفة الغربية، والتي تتعرض على يد أجهزة "السلطة" للاعتقال وشتى أشكال الاضطهاد والقمع الأخرى، بل أيضاً بمواجهة الجماهير الفلسطينية الواسعة هناك.
وبالمقابل ، وفي حين لا يسعنا سوى التضامن إلى ابعد الحدود مع قوى المقاومة المنوَّه بها أعلاه، بما فيها تلك المنتمية الى حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، الإسلاميتين، في استمرارها برفع راية الكفاح المسلح ضد الاحتلال، لا بد من التشديد على إدراكنا للحدود التي لم تستطع تجاوزها إلى الآن، في مسعاها لمواجهة الدولة الصهيونية، ووضعها على طريق الانهزام، ليس فقط بسبب الظروف الصعبة جداً التي تعيشها، في ظل حصار خانق لا تشارك فيه الدولة المذكورة وحسب، بل أيضاً معظم الدول العربية، فضلاً عن دول كثيرة عبر العالم، في مقدمتها الدول الامبريالية، بل أيضاً بسبب برنامج تلك القوى والايديولوجيا التي تحكم توجهاتها. ونحن نقصد، في آن معاً، الايديولوجيا الدينية التي تستلهمها كل من حماس والجهاد الاسلامي،وتَشارُكَها مع غيرها من قوى المقاومة في منطلقاتها القطرية الضيِّقة، والبرنامج الرجعي الفاضح الذي ترفع حماس بنوده، في ما يخص العلاقة بالجماهير، ولا سيما المرأة الفلسطينية، حسبما تتم ممارسته تحديداً في غزة؛ ولكن أيضاً البرنامج الذي تطرحه بخصوص الحل النهائي للقضية الفلسطينية ، والذي لا يخاطب في أي جانب منه السكان اليهود للكيان الصهيوني، ومستقبل وجودهم في فلسطين، بما قد يتيح إحداث تغيير، ولو تدريجي، في وعي هؤلاء وتطلعاتهم المستقبلية لصالح حل ينطوي ولو على حدٍّ أدنى من الجاذبية. وهو حل لن يمكن أن يتقدم بخطوطه العريضة غير يسار فلسطيني وعربي ليس بالتأكيد ذلك القائم إلى الآن في المنطقة العربية ، كما يتضح من البرنامج الذي ورد، مؤخراً، في البيان الختامي لما سمّي "اللقاء اليساري العربي"، الذي انعقد في بيروت في 22 و23 تشرين اول / أكتوبر الماضي، ولم يتمكن من تخطي الطرح البائس، المتعلق بحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية في حدود لا تتجاوز الأرض التي احتلتها إسرائيل في العام 1967.وهو التصور الذي لن يؤدي الاستمرار في الانخراط في أوهامه إلى استكمال الكيان الصهيوني تفريغه من مضمونه، في السنوات القليلة القادمة، عبر جدار الفصل، والاستيطان الزاحف، وحسب، بل قد يشكل مدخلاً أيضاً، على الأرجح، إلى التصفية النهائية لحق العودة ، وحتى إلى تهجير الفلسطينيين الباقين وراء الخط الأخضر، وبالتحديد في الأراضي التي احتُلَّت في العامين 1948 – 1949 .
إن الحلّ الذي يمكن التطلع لأن يتقدم إلى واجهة الحياة السياسية في فلسطين والمنطقة العربية، في فترة يجب ألا تطول، إنما هو ذلك الذي يُفترض أن يبلوره يسار فلسطيني وعربي ثوري لم يرتَقِ إلى الآن إلى أعلى من حالة شبه جنينية، ولكن نموَّه الجماهيري ، الذي يجب استيفاء شروطه، هو المدخل، ليس فقط إلى تجاوز الحالة المزرية التي تعيشها الأمة العربية إلى الآن، في اتجاه تحقيق الشعارات التي طالما جرى رفعها ، في مرحلة الصعود الوطني والتقدمي، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، شعارات الحرية والوحدة والاشتراكية، بل إلى استعادة الانخراط في سيرورة جدية لتفكيك الدولة الصهيونية. هذا وقد تصبح الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جزءاً لا يتجزأ من هذا اليسار إذا نجحت في تجاوز ترددها التاريخي وتذبذبها البرجوازي الصغير المتواصل، وعجزها عن التخلص بدونما رجعة، من تمسكها بفهمٍ للوحدة الوطنية شكّل دائماً غطاءً لمرور تنازلات متتالية، من جانب القيادة اليمينية ل(م.ت.ف)، باتت متسارعة، حالياً، هي التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى المأزق القاتل الراهن.
وهو حل يمكن اختصار خطوطه العريضة بما يلي:
أ – وقف كل أشكال التفاوض مع الدولة الصهيونية ، وإجبار الأنظمة العربية على سحب الاعتراف بها،وبالتحديد من جانب تلك التي أقدمت على ذلك، وعلى قطع شتى أشكال العلاقات بها، واستعادة حالة العداء لوجودها. .
ب – فرض استعادة سياسة المقاطعة الشاملة للكيان المذكور، وللشركات ، أيّاً تكن، التي تتعامل معه، والسعي لإقناع شتى الدول الاجنبية وشعوبها بالانضمام إلى حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات (BDS) ، التي بدأت تربك الدولة الصهيونية وتخيفها من مصير مشابه لمصير دولة الأبرتايد في إفريقيا الجنوبية.
ج – الضغط لأجل استصدار موقف من الجمعية العامة للأمم المتحدة، على أساس مبدأ الاتحاد من أجل السلام، بنزع كل أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية ، ولا سيما السلاح النووي، وفرض عقوبات مشددة ومتصاعدة عليها، طالما هي تتلكأ في تنفيذ ذلك .
د – الضغط على الأنظمة العربية لإجبارها على أن تتابع أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مسألة إيجاد آلية لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 194 ، القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وصولاً إلى قطع العلاقات مع الدول التي تعمل على إعاقة سيرورة التنفيذ هذه .
ه‍ - إعادة الاعتبار لمطلب تفكيك الدولة الصهيونية، لصالح إنشاء دولة علمانية ديمقراطية ذات توجه اشتراكي، على كامل أراضي فلسطين التاريخية، تقيم مساواة فعلية كاملة بين سكانها العرب واليهود، وتلغي كل أشكال التمييز التي تكرست على مدى أكثر من 60 عاماً من وجود الكيان العنصري الإسرائيلي.

 


3 – ما الموقف من الانقسام الفلسطيني الراهن، ومن مطلب المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية؟ وإذا كان هذا الموقف إيجابياً على هذا الصعيد، ما هي الشروط التي يجب التمسك بها لأجل السعي لإجراء هكذا مصالحة؟


جواب – إن السؤال بحد ذاته يبدو إشكالياً للغاية، ويتطلب السعي لإعادة الاعتبار لسلسلة من الأسئلة كانت الإجابة عنها بديهية للغاية في تجارب حركات التحرر، عبر العالم، ونختصرها بما يلي:
أ‌- ما هو بالضبط المغزى الأساسي لمفهوم الوحدة الوطنية؟ وهل هو يقضي بالضرورة، بالجمع في كتلة واحدة بين المناضلين الوطنيين الذين يقاتلون لأجل تحرر وطنهم وشعبهم، من جهة، ومن جهة أخرى المتعاملين مع العدو المحتل والغاصب، والمدافعين عن جنوده ومستوطنيه، وبوجه خاص حين يعمد هؤلاء المتعاملون إلى سجن المقاومين الشرفاء وتعذيبهم ، وحتى قتلهم في العديد من الحالات ؟
ب – هل يمكن الإصرار على مطلب من هذا النوع، حين يكون الطرف المطلوب تحقيق الوحدة معه يعمد إلى تقديم التنازل تلو التنازل للمحتل ، ويعتبر مع هذا العدو أن مقاومة الاحتلال هي الإرهاب بعينه، إذا استتبعت حمل السلاح ضده، والرد على أعماله الإجرامية بالعنف المسلح؟ ولا سيما حين تكون التنازلات التي يقدمها للعدو بدون حساب، ومن دون أي مقابل،وسوف تؤدي في نهاية المطاف، إلى كارثة حقيقية تصيب الشعب الواقع تحت الاحتلال، وإلى حرمانه من كل إمكانات الدفاع عن النفس، وإبقائه أعزل كلياً أمام عدو مدجج بأعتى الاسلحة وأكثرها فتكاً وتدميراً؟
ج – أياً يكن، وفي مطلق الأحوال، وحتى إذا اعتبرنا، تجاوزاً، أن الحالة الفلسطينية شيء مختلف تماماً، وخاص جداً، لا علاقة له بظروف الشعوب الأخرى التي خاضت شتى أشكال الكفاح لأجل تحررها، يبقى أن ثمة شروطاً لا يمكن التساهل بخصوصها، بتاتاً، في أي مسعى لاستعادة "الوحدة" مع أمثال محمود عباس، وأحمد قريع، ومحمد دحلان، وبين أهمها :
- تخلي هؤلاء كلياً عن التنسيق بين أجهزتهم الأمنية وأجهزة العدو الصهيوني، والإطلاق الفوري لسراح كل المقاومين القابعين في سجون "السلطة"، ووقف التضييق عليهم وعلى أمثالهم، بالكامل.
- وقف المفاوضات ، بشتى أشكالها، مع العدو، واتخاذ كل الخطوات الضرورية لأجل إعادة الاعتبار لسياسة الكفاح ضده، بشتى أشكاله ، بما فيها الكفاح المسلح.
- إعادة تأكيد التمسك بالثوابت الوطنية الأساسية، وفي مقدمتها حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين الذين يريدون ذلك إلى قراهم ومدنهم في فلسطين التاريخية، وحق تقرير المصير.
- إعلان بطلان كل الاتفاقات المعقودة مع إسرائيل، منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ولا سيما منذ اتفاقيات أوسلو وواشنطن، وحتى الآن ، بما في ذلك الاتفاق على قيام السلطة الهزيلة جداً، التي يُختصر دورها الأساسي بتغطية الإجراءات الإسرائيلية التي تمت منذ ذلك الحين داخل الضفة الغربية والقدس ، ولا سيما تلك المتخذة في إطار الاستيطان ومحو الهوية الفلسطينية.

4-  ماذا عن أزمة اليسار والماركسية؟ وهل نحن أمام الحاجة لإعادة نظر جذرية في النظرية والبرامج؟

جواب – أظن أن المقصود هنا بالسؤال إنما هو اليسار الماركسي، وبوجه أخص ذلك المحسوب على الماركسية . وبالفعل، ثمة أزمة حقيقية، على صعيد هذا اليسار، ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والدول المشابهة الأخرى، التي كان كثيرون ينسبونها إلى الاشتراكية. فعدا التغيير الكبير في موازين القوى الطبقية، عبر العالم ، لصالح الرأسمالية العالمية، جاء الإحباط وفقدان الثقة، ليس فقط في صفوف الطبقة العاملة، في كل مكان ، بل أيضاً في صفوف الفئات الشعبية الحليفة لها، من فلاحين معسرين ، وبرجوازية صغيرة اقرب إلى الفقر، ومهمشين وعاطلين عن العمل، وحتى في صفوف أجزاء هامة من الإنتليجنسيا ، التي كانت تحدد لنفسها خياراً أساسياً في عملية التغيير الاجتماعي، وإن كان هذان الاحباط وفقدان الثقة يتراجعان باستمرار، ولا سيما بفعل عوامل عديدة، بين أهمها:
- الصعود الذي شهدناه منذ أواخر القرن الماضي على صعيد الحركات المناهضة للعولمة الرأسمالية والحرب، في أماكن شتى عبر العالم.
- نجاح اليسار الاشتراكي في الوصول إلى الحكم في بلدان شتى، في أميركا اللاتينية، عبر الانتخابات، مع برامج جذرية للتغيير في أكثر من بلد هناك، ولا سيما في فنزويلا وبوليفيا.
- الانهيارات الكبرى، التي حدثت في السنوات الأخيرة، على صعيد الرأسمالية في الحواضر الأساسية، ولا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، مع ما رافق ذلك من تسريح كثيف للعمال وإقفال واسع للمنشآت، في الوقت نفسه الذي يتكشف فيه أن هذه الأزمة ستطول على الأرجح ، وقد تفضي إلى أزمات أشد خطورة لاحقاً.
- الانطباع المعمَّم الذي ولَّده ذلك، ليس فقط في صفوف أقسام واسعة من الانتليجنسيا، عبر العالم، بل حتى في الأوساط الرأسمالية بالذات، حول كون الماركسية لا تزال صالحة لإعطاء الأجوبة المناسبة بخصوص رأس المال، في هذا الطور بالذات من التقدم البشري، ولفهمه، واستكشاف قوانين عمله، وتوقع أزماته. وانطلاقاً من ذلك كله، بات يمكن القول إن الأزمة ليست أزمة الماركسية، تحديداً، بل أزمة ماركسيين، إما أنهم لم يستوعبوا بصورة عميقة قوانينها ومفاهيمها، وبوجه أخص منهجها الديالكتيكي المادي، أو أنهم انخرطوا، ضمن ظروف معينة وتحت تأثيرات شتى، في مسارات تنحرف بهم عن الماركسية الثورية، إلى تشويهات مرعبة لها، كما الحال خلال الهيمنة طويلة الأمد للفكر والممارسة الستالينيين ضمن الحركة الشيوعية العالمية.
في شتى الأحوال، يمكن الجزم بأنه إذا كانت ثمة حاجة لإعادة نظر فليس في الماركسية كمنهج لفهم العالم، وبالتالي تغييره، بل في ما طرأ عليها من تشويهات. هذا مع العلم بأن ثمة حاجة دائماً لإغنائها بإضافات مفكرين أفذاذ يأخذون بالاعتبار التغيرات الملموسة في واقع هذا العالم، خلال تطبيق المنهج المشار اليه، كما الحال مع المجلوب الخلاق الذي سبق أن قدمه أمثال لينين وتروتسكي وغرامشي وغيفارا وآخرون في القرن الماضي.
أما بخصوص البرامج فهي تتحرك، بالضرورة ، مع التغيرات في الزمان والمكان، وتخضع في بلورتها، بالتأكيد، لما وصفه لينين بالتحليل الملموس للواقع الملموس، وإن كانت أجزاء أساسية من البرنامج ، في كل بلد، ينبغي أن تسترشد، بالضرورة، ببنود قد تكون تتمتع بهذا القدر أو ذاك من الثبات، مستمدةٍ من البرنامج العام للشيوعيين الثوريين، الذي هو ناتج التجربة الطويلة في نضال هؤلاء، عبر العالم. وهو ما يمكن استنتاجه من التصور البرنامجي، الذي حددته المؤتمرات الأربعة الأولى للأممية الشيوعية أيام لينين، كما من النص الهام الذي صدر عن المؤتمر التأسيسي للاممية الرابعة، في العام 1938، وكان قد كتب تروتسكي صيغته الأساسية بعنوان البرنامج الانتقالي.



5- كيف يمكن لقوى اليسار أن تحجِّم استخدام الدين ضدها من جانب أعدائها، كخط أحمر أمام أي أزمة تحاول تلك القوى أن تتصدى لها في المجتمع ؟

جواب – أظن، في شتى الأحوال، أن المعركة الأهم التي يُفترض أن يخوضها اليسار في بلداننا العربية، وأنا أعني بوجه خاص اليسار الثوري، إنما هي المعركة الطبقية في بُعديها:
1 – الداخلي ضد الطبقة السائدة ولصالح الطبقات المتعرِّضة للظلم والاضطهاد والاستغلال، ولا سيما العمال والفلاحين المفقرين ، والفئات البرجوازية الصغيرة المعسرة، كما لصالح تحرر المرأة وانتزاع الحريات، وإنجاز المهام الديمقراطية، ومن ضمنها العلمنة الشاملة للدولة والمجتمع،وتمكين الأقليات القومية من ممارسة حقها في تقرير مصيرها،مع تشجيعها على خيار الاندماج ،بعد ضمان الشروط التي تتيح ذلك. فضلاً عن النضال اليومي لحماية متقدمة للبيئة.
2 – والخارجي، ضد الإمبريالية العالمية وإسرائيل، وفي إطار ذلك لأجل إنجاز مهام الثورة العربية، في التحرر من الهيمنة الامبريالية، وإنهاء التجزئة الاستعمارية، وفرض حل ثوري متقدم للقضية الفلسطينية يتضمن تفكيك دولة إسرائيل.
وانطلاقاً من ذلك، يُفترض أن لا يتم الدخول في أي صدامات عديمة الجدوى مع الدين والقناعات الدينية، التي يضمن ممارستَها الدستور والقوانين بِحُرِّية، وبما لا يتناقض مع مصالح المجتمع. وذلك باستثناء الحالات التي تحاول فيها القوى السلفية الرجعية استخدام الدين لغايات تخريبية، أو لإثارة الفتن والحزازات داخل الشعب، أو لإعاقة السيرورة النضالية الشعبية وضربها. حيث يصبح الدفاع عن النفس، عندئذ، ضرورة حقيقية، وإن كان تدخُّل الثوريين، في تلك الحالة، ينبغي أن يكون ، قبل كل شيء، لغاية تربوية، ولفضح الأهداف الفعلية لمستغلِّي الدين، والمتلاعبين بمشاعر الناس ووعيهم لأجل أهداف مشبوهة تتناقض مع مصالح الغالبية الكبرى من المواطنين.
وفي شتى الأحوال، لا ينبغي أن ينحرف اليسار الثوري عن واجبه في أن يخوض حتى النهاية نضاله لأجل الفصل الكامل للدين عن الدولة.



6 – هل يخدم تحالف القوى اليسارية مع الإسلام السياسي مصالح الكادحين والنضال الأممي ضد الرأسمالية؟


جواب – نعم، ولكن بشروط. وهي بالضبط الشروط المتعلقة بالتحالف مع أيٍّ من القوى التي لا تقف مع اليسار في الخندق الواحد على جميع الجبهات، لا بل تتعارض مواقعها أحياناً كثيرة مع مواقعه. فلا يزال سليماً بالكامل المبدأ المعروف الذي طالما استلهمه الثوريون في فهم مسألة التحالفات ، ألا وهو القائل بـ "الضرب معاً والسير على حدة". بمعنى آخر، وعلى سبيل المثال، ينبغي أن يتضامن اليسار في لبنان مع حزب الله في المعارك التي يخوضها هذا الأخير ضد الاحتلال الاسرائيلي والتدخلات الإمبريالية على اختلافها ، في الوقت نفسه الذي يحتفظ فيه بمواقفه، في المعارك الاجتماعية، والسياسية، وغيرها، التي لا قاعدة مشتركة للتفاهم فيها مع الحزب المذكور، ويمكن أن يصل ذلك ليس فقط إلى حد توجيه النقد إليه، بل حتى إلى حدود التشهير به والصراع معه، أمام أوسع الجماهير، على هذا الصعيد . وهو ما ينطبق أيضاً على واجبات اليسار الفلسطيني ، في علاقته، مثلاً، بحركة حماس، أو بـ "الجهاد الاسلامي".
أما كيف يخدم هذا الفهم للتحالف "مصالح الكادحين والنضال الأممي ضد الرأسمالية"، فمسألة غير عصيَّة على التوضيح، ذلك أن صراع حزب الله، والتنظيمات المماثلة له، مع الصهيونية والإمبريالية العالميتين ، على الرغم من حدوده ، إنما يمكن اعتباره واحداً من أشكال الصراع الأساسي في المجتمعات البشرية ، ألا وهو الصراع الطبقي، على المستوى العالمي.



7- ، وأخيراً: هل ترى إمكانات فعلية لصعود جديد لليسار ، في هذا المكان أو ذاك من الوطن العربي؟ وما شروط ذلك، في حال كان الصعود المنوَّه به ممكناً؟

جواب – على الرغم من البنية الاقتصادية المتخلفة للمنطقة العربية، ولا سيما قبل عقود من أيامنا هذه، توفرت ظروف محددة في أكثر من بلد عربي ، كالعراق والسودان، على سبيل المثال، تمكَّن خلالها الحزبان الشيوعيان هناك من كسب الهيمنة داخل الحركة الجماهيرية ، إلى حد أنه كان يمكنهما (في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي بالنسبة للأول، وفي أواخر الستينيات- أوائل السبعينيات ، بالنسبة للثاني) أن يستلما السلطة. بيد أن تبعيتهما المفرطة لموسكو، الحريصة من جانبها، آنذاك ، على عدم الدخول في أي احتمال صدام مع الإمبريالية الإميركية، حالت دون استناح تلك الفرصة لتغيير معادلات كثيرة في المنطقة العربية ، لغير صالح الإمبريالية المشار إليها وإسرائيل والرجعيات العربية.
إن صعوداً جديداً لليسار في أكثر من بلد عربي، في الحقبة القادمة، يبقى أمراً ممكناً إزاء تفاقم أزمات الأنظمة العربية بلا استثناء، وإنْ مع بعض التفاوت في ما بينها ، ليس فقط على الصعيد الوطني والقومي،بفعل الهجمة الإمبريالية والصهيونية المتزايدة احتداماً، التي قد تعبر عن نفسها لاحقاً بالمزيد من الحروب المدمرة، بل أيضاً على الصعيد الاجتماعي، مع احتدام الأزمة المعيشية التي تتعرض لانتكاساتها القاسية للغاية الغالبيةُ الساحقة من الجماهير الشعبية المفقرة. ولكن ثمة شروطاً لأجل تحقق هكذا احتمال، تتعلق بمدى تمكن هذا اليسار من بناء منظمات ديمقراطية حقيقية ، ليس فقط في علاقاتها الداخلية، بل أيضاً في علاقتها بحركة الجماهير، وبمدى قدرته على تحديد مواقف جذرية من الأنظمة القائمة، على اختلافها، وخوض سياسة تحالفات هي بالضبط تلك التي أوضحنا معالمها، إجمالاً، في النقطة التي تتناول هذه المسألة ، وأبعد من ذلك كله بمقدار ما يمكن أن يخوض إلى النهاية معركة الجماهير الشعبية الواسعة لأجل الخبز والحرية والعدل الاجتماعي، فضلاً عن معركتها ضد الهيمنة الإمبريالية والقواعد العسكرية الأجنبية، ولأجل حل ثوري للقضية الفلسطينية. ناهيكم عن خوض النضال المستميت، في الوقت عينه، لأجل إنجاز مهام الثورة العربية، ومن ضمنها الوحدة والحرية والاشتراكية، أي بالضبط القضايا نفسها، التي سبق أن فشلت في تحقيقها حركات قومية متجذرة، وما زالت تنتظر أن تتقدم وتضطلع بها بنجاح قوى طبقية مختلفة تماماً، بقيادة عمالية ثورية ، هذه المرة.