أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالص جلبي - مسألة الديموقراطية















المزيد.....

مسألة الديموقراطية


خالص جلبي

الحوار المتمدن-العدد: 956 - 2004 / 9 / 14 - 10:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يظن الناس أن الديموقراطية هي الانتخابات. ولكن ليس هناك من مكان تزور فيه الانتخابات مثل الأنظمة الثورية. فليس أمام المواطن إلا مرشح واحد. وليس أمام المواطن إلا أن يقول نعم تحت عصا المخابرات وعيونها التي لا تنام. وإن زاد عن واحد فهو للديكور؟
وصدام المصدوم حاز في الانتخابات في خريف 2002م على 100% من الأصوات قبل أن قبل أن يخسف الله به الأرض. ويظن البعض أن الديموقراطية هي وجود مجالس تشريعية منتخبة ولكنها لا تزيد عن ديكور يؤدي وظيفته بالشكل الذي توحي به ديناصورات الأمن. وهكذا ضغط الدستور في بلاد عربية وعلى يد مجالس الشعب وبسرعة كهرطيسية كي يناسب مقياس الحاكم صعودا ونزولا فيحكم من كان في المهد صبيا أو من وهن العظم منه وأصيب برجفة باركنسون في يديه فلا يحسن توقيع اسمه.
وفي بلد ثوري تقدم شاب إلى صندوق الانتخابات وقد وقف رفيق حزبي قد أقسم على الله أن لا يدخل الصندوق إلا بطاقة نعم. فالمواطن في مظلة الثورة لم يتعود أن ينطق إلا بكلمة نعم ولولا التشهد لكانت لاؤه نعم. ولكن الشاب خيب ظن الرفيق الحزبي فكتب (لا) فما كان من الحزبي إلا أن أدخل بطاقة (لا) في كمه فأخرج بدلا عنها بطاقة (نعم) كما يفعل حاوي السيرك فيخرج من القبعات السوداء أرانب بيضاء. ولما كان الشاب يقظا للاحتيال فقد اعترض فكلفه هذا أن تحضر المخابرات بسرعة الضوء فتلقيه في السجن. ليس لأنه انتخب (لا) فهذا حقه في بلد ديموقراطي عريق تسهر عليه ويدار بالفروع الأمنية. ولكن لأنه أهان موظفاً شريفاً يؤدي عمله في خدمة دولة نزيهة.
وانتشرت نكتة عن انتخابات المجالس البلدية في بلد خليجي بأن طفلاً سأل أباه عن صناديق الانتخابات فقال ما هذا يا أبت: قال يا بني إنها صناديق خيرية لجمع التبرعات فاذهب فألق فيها ريالا أو ريالين.
وعندما يأتي الكلام على تعريف الديموقراطية يقولون إنها حكم الأكثرية ولكن القرآن يقول أن أكثر الناس لا يعلمون. فهذه فلسفة قرآنية. فأين مكان الديموقراطية في هذا الكلام؟
وإذا كانت الديموقراطية هي التمثيل الشعبي فهذا يعني أن اجتماع الجهلاء يجعل منهم أعقل القوم. ولكن لو اجتمع أهل مدينة على مريض مصاب باليرقان الانسدادي ما فعلوا له شيئا مثل جراح يحرر القناة المرارية من الانسداد.
وإذا كانت أمريكا تمارس لعبة الديموقراطية فقد وضع الناقد والسياسي الأمريكي اليهودي (نعوم تشومسكي Noam Chomsky) كتابا كاملاً بعنوان (ردع الديموقراطية Deterring Democracy) وأن غش الانتخابات يقوم بآلية سرية جهنمية من فبركة القرار.
ونحن نعلم اليوم أن الناس في أمريكا لا ينتخب معظمهم. وأن من يقود الحملات الانتخابية مافيات مالية تلعب بعقول الناس وتشتري الأصوات بقوة المال والتلاعب بالضمائر. وهي التي تمكن للرئيس من القعود على ظهر العباد كما حصل مع تنصيب يلتسين. ونجاح بوش الأخير.
مع هذا فإن تشومسكي سئل يوما: لماذا تفضل العيش في أمريكا طالما كانت الأوضاع بهذا السوء فأجاب إنه أقل الأمكنة سوءً للجلوس فيه. ونحن نعلم أن جهنم درجات. وأن الغرب حقق قدرا من العدالة لا تقارن بالأوضاع البربرية في العالم العربي. وكما ينقل عن تشرشل أن الديموقراطية أقل الأوضاع سوءً.
وفي العالم العربي نشأت بعد الاستقلال جمهوريات انتكست إلى ملكيات وهي في الحقيقة لم تكن جمهوريات فلا يعقل أن ينقلب الفطيم إلى عالم في الذرة بومضة عين. وهناك مراحل تطورية لكل مجتمع. وما يحدث من تطور في العالم العربي لا يخرج عن هذا القانون. فالدول تمر بمراحل كما تفعل كل الكائنات فتمر من الضعف إلى القوة ومن البساطة إلى التعقيد. سنة الله في خلقه.
وفي الدول ينتقل الناس من الحكم العائلي إلى القبلي ثم اندماج القبائل في حكم ملكي. والحكم الملكي ليس مثل علب الببسي كولا من نوع واحد بل هو طيف من الأوضاع فلا يقارن حكم جنكيزخان مع اليزابيث الثانية. أو حكم كافور الأخشيدي مع ملك إسبانيا خوان كارلوس. وهكذا يدخل الحكم الملكي في طيف من التغيرات بين حكم استبدادي قمعي وانتهاء بالحكم الملكي الدستوري. وحكم العائلة الملكية البريطانية ليس سواء قبل قطع رأس الملك تشارلز الثاني وبعده.
وأخيرا يخرج المجتمع من هذه الشرنقة إلى الدول القومية فالجمهوريات الشعبية وأخيرا يندمج في اتحادات عالمية فوق حاجز الدين واللغة والقومية كما يحدث في التجمع الأوربي اليوم الذي سوف ضم عام 2004م 25 دولة في عشرات القوميات واللغات والمذاهب والأديان و450 مليونا من الأنام.
وفي العالم العربي نحن لم نتجاوز المرحلة الأموية بعد. والملكيات عندنا تلبس حللاً مختلفة من القاتم إلى الفاتح. وما حدث فيما يسمى الجمهوريات لم تكن أكثر من ملكيات مقنعة. ويبدو أنها المرحلة التي سوف تدخلها الشعوب العربية في القرن الواحد والعشرين من دول الطوائف وملوكها الصغار الجدد. وهذا يعني أن الديموقراطية بمعنى التمثيل الشعبي مخاضة طويلة لم ندخلها بعد ولم نشم رائحتها وإن ريحها أبعد من مسيرة أربعين خريفا.
والفرق بين الديموقراطيات المزورة في الغرب وديموقراطيات القهر في الشرق أن الأولى تضحك على المواطن فتشتري صوته بالمال والنفوذ والمال والإعلام. في حين أن الثاني يساق كالأنعام بلسع السوط وعصا المخابرات إلى صناديق الانتخابات. فهذا هو الفرق بين النظامين.
فالنظام الأول ينفتح فيه الإنسان ويمكن أن يعبر ويعدل الوضع وهناك أمل فيه للمستقبل أن يتم تطوير ديموقراطية صحيحة وحقيقية وهي عملية عضوية تطورية نامية وقد تنتكس في بعض مراحلها. أما الثاني فهو انفكاك عن محاور التاريخ والجغرافيا وموت للأمم بئيس ووضع لا أمل منه إلا بتدميره وتخليص الإنسان منه.
ويمكن تشبيه المجتمعات من النوع الأول أنها دوائر إلكترونية يقفز فيها الإلكترون من مدار لآخر فيصدر الطاقة. أما الثاني فهو دوران في حلقة مفرغة، حتى تتوفر طاقة داخلية أخلاقية من نبوة فتنقل الإلكترون من مداره لمدار آخر فيصدر الطاقة واللون أو يتم اجتياحها بقوة خارجية من احتلال. كما حدث في تغيير الوضع في العراق. ولا يمكن الحكم على الأشياء إلا بخواتمها ولا نعرف نهاية العراق.
والخلاصة التي نصل إليها أن الديموقراطية بمعنى التمثيل الفعلي كما يقول (آلان تورين) في كتابه عن الديموقراطية غير دقيقة لدخول التلاعب فيها. فلا يعني شيئا أن ينتخب كومة من الجاهلين لأنهم سينتخبون ما هو ضد مصلحتهم كما حصل في انتخاب الممثل شفارتتزنيجر ذو العضلات حاكما لكاليفورنيا بسبب علاقة زواجه من عائلة كينيدي ودخوله إلى نادي أصحاب المال والنفوذ.
وكان أفلاطون محقا حينما رأى أن الحكومة المثلى هي التي يحكمها الفلاسفة والخبراء. وهناك توقعات لهذا لحكومات المستقبل أن تقع تحت سيطرة ديكتاتوريات الخبراء.
نحن إذن أمام أنواع من الديموقراطيات أبشعها ديكتاتوريات رهيبة تتلفع برداء الديموقراطية ويجب كشف الغطاء عنها كي يزول السحر منها. وملكيات معدلة. وجمهوريات شعبية لا تولد فيها الديموقراطية بمعنى التمثيل الشعبي لمصلحة الشعب إلا في خيال الفلاسفة.
ويجب أن لا تستعبدنا الكلمات والشعارات. وفي اليونان كانت كلمة الديموقراطية للأحرار وليس للعبيد. وصدام كتب الله أكبر على العلم ولم يكن في العراق من هو أكبر من صدام. ورصيد الانتخابات هو وعي الناس أكثر من بطاقات الانتخاب. واعتبر مالك بن نبي أن الحروز والتمائم التي كانت تستخدمها جداتنا لطرد الجان تحولت في العمل السياسي إلى بطاقات انتخاب. ونحن نتعلق بكلمة الشورى بدون أي شورى، ولم نعرف الشورى قط في تاريخنا الأسود. . وقرأناها مترجمة إلى الإنجليزية بعد أربع عشرة قرنا. وفي المجلس الفلسطيني تعلق الآية فوق الرؤوس " وأمرهم شورى بينهم" وليس من معارض لرئيس العصابة.
أما الديموقراطية النسبية الحالية في الغرب فتقوم على مؤسسات وتعمل بآلية هي ليست المثالية ولكنها أصلح الموجود لحين ظهور ما هو أصلح منها. فهذا قانون التطور في التاريخ.
ومن تراثنا فقد جاء في الحديث ما يشير إلى طريقة جديدة في السياسية هي الديموقراطية مقلوبة الاتجاه: "والله إنا لا نولي هذا الأمر أحدا سأله". وفي هذه الطريقة لا يرشح الناس أنفسهم بل ينتخبهم الناس لأنهم يعرفونهم. فينتخب ليس من يعرض نفسه بل من يعرفه الناس أنه الأتقى والأنزه. وأما انتخاب رئيس الجمهورية فيجب الاستفادة من خبرة الأمريكيين فيه أن لا يدفأ الكرسي تحته في أكثر من انتخابين. ولا تزيد فترة الحكم عن ثماني سنين بحال. وليس أعظم من الإقناع ولا أبأس من الإكراه.
جاء في كتاب (الخرافات) لـ (أيسوب) من القرن السادس قبل الميلاد أن الشمس وريح الشمال تنازعتا في أيهما الأقوى؟ ثم اتفقتا على أن المنتصر منهما هو الذي يستطيع أن يجرد مسافراً من ثيابه؟ بدأت الريح السباق فسلطت ريحاً شديدة على الرجل فلم يكن منه إلا أن زاد تمسكاً بثيابه. سلطت الريح قوة أكبر مع برد شديد فلم يكتف المسافر بشد ثيابه إلى وسطه بل تلفع بثوب إضافي. وفي آخر الأمر تعبت الريح وجاء دور الشمس فسطعت أولاً بدفء منعش فألقى الرجل المعطف الواقي، ثم سطعت الشمس فاشتدت في حرارتها فما كان من الرجل إلا أن بدأ يتخفف من ثيابه مع ارتفاع درجة الحرارة حتى أبقى على نفسه في النهاية ما يستر عورته وانطلق يستحم في نهر قريب.



#خالص_جلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف وعلاقات القوة؟
- علاقات القوة والجنس
- لماذا قتل ابن المقفع؟
- أي مستقبل ينتظر العرب؟
- كيف تحولت المباراة الرياضية إلى مجزرة؟ فلسفة التظاهر والمظاه ...
- المجزرة الرياضية في القامشلي؟ ؟
- متى نفهم إسرائيل ؟
- السلفية بين الفكر الإصلاحي والفكر التقليدي
- لاقوة كلمة ..(لا)..قراءة في الأنظمة الشمولية
- قبائل البدو الأمنية
- يتساءلون أين صلاح الدين ..فهل يعيد التاريخ نفسه؟!
- الزلزال العراقي ونهاية الأنظمة الشمولية العربية
- فقد المناعة ضد الاستبداد - خطر انزلاق العراق من الطغيان إلى ...
- تجديد التفكير الديني
- مبدأ فولتير وسقف الحريات
- هل هي نهاية الفكر المتطرف وولادة ديموقراطية إسلامية؟
- لماذا يجب أن يهاجر الإنسان؟
- لماذا يجب أن نختلف؟
- متى بدأت رحلة الإنسان على الأرض؟
- أسطورة بن لادن


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالص جلبي - مسألة الديموقراطية