أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أيمن السعد - مفهوم الهوية والاختلاف في خطاب العولمة















المزيد.....

مفهوم الهوية والاختلاف في خطاب العولمة


أيمن السعد

الحوار المتمدن-العدد: 3176 - 2010 / 11 / 5 - 15:15
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


بدأ الاهتمام في مرحلة العولمة بمنطق إعادة رسم الحدود وصيرورة العلاقات ما بين الداخل والخارج والعام والخاص، وبدأ الاهتمام بترابطات وشبكات العولمة وانعكاساتها على المجموعات البشرية أو الثقافية المختلفة، وكيف تنشأ الهويات الثقافية وتتكيف وتتلاشى، وإلى أي مدي تتعارض الخصوصيات الثقافية مع المنطق العالمي المهيمن والسائد، مما ينعكس بدوره على هذه الهويات الثقافية ويدفعها للانطواء والعزلة العرقية والدينية.
ولقد دار الجدل في الخطاب الغربي مع عصر العولمة بين رؤيتين أساسيتين وهما الرؤية الكوزموبوليتانية Cosmopolitan View، والرؤية السياسية Political View.
الرؤية الأولى تتوجه للأفراد بشكل أساسي باعتبارهم هم المخاطبين بالقانون الدولي. وتنطلق هذه الرؤية - والتي يعد هابرماس من أبرز المدافعين عنها - من فكرة أن الدولة ذات السيادة هي أساس تحقيق العدالة الكونية، وذلك من أجل تطوير المجتمعات المدنية الوطنية وخلق وعي بمواطنة عالمية Universal Citizenship. وفي هذا الإطار طرحت إشكالية التعايش بين جماعات ثقافية متعددة في المجتمعات الديمقراطية، كما أن الانتماء لا يستند في حد ذاته إلى مرجعية واحدة، مما يستدعي شحذه بمبادئ المساواة والواجب.
أما الرؤية الثانية تأخذ الأمم والمجتمعات السياسية باعتبارها المخاطب الأساسي للقانون الدولي. وقد رفضت هذه الرؤية- والتي يعد جون رولز J. Rawls من أبرز المدافعين عنها- الانطلاق من فكرة حدود الدولة ذات السيادة كأداة لتحقيق العدالة الكونية. فالدولة هنا ينظر إليها كعامل مساعد ومنظم، وأن وجودها هو المحدد أو الإطار الذي يعطي قيمة للعدالة، من خلال ما تضعه من معايير وإجراءات مؤسسية تتسم بالإنصاف والمساواة لتحديد مضمون العدالة وإجراءات تطبيقها لتنظيم العلاقات بين المواطنين في الداخل أولاً( ).
وفي مواجهة الرؤيتين الكونية والسياسية، ظهر اتجاه المدافعين عن الخصوصيات الجماعية أو الجالياتية- فئة أو جالية أو عشيرة أو أقلية أو أمة بين الأمم - ضد الفردانية الليبرالية( ). وأصبحت الجماعة وهويتها السردية هي التي تحدد معنى استخدام الحقوق، وقد أدى هذا إلى أسبقية الخير، أي المواطنة وهوية الجماعة على الحق، أي الحرية الفردية.
كما ظهرت محاولات أخرى للتحليل على هامش هذا الجدل بين "هابرماس" و"رولز" حول تحديات العالمية والمتمثل في السياق متعدد الثقافات والمهيمن عليه أحياناً بثقافة واحدة( ). ومن المقولات المطروحة في هذا الجدال مقولة إيجاد نموذج عالمي ساري المفعول في محاولة للتوفيق بين العالمية والتعددية الثقافية. وقد أشار البعض في هذا الإطار إلى مفهوم العالمية المتفاعلة Interactive Universalism والتي لديها القدرة على استيعاب الاختلافات واعتبارها نقاط بدء للفكر والممارسة لتقديم اتجاهات أخلاقية، تبحث عن تعريف وتشجيع و وتكريس ما يصلح للعالمية من داخل كل ثقافة.
وظهر في مرحلة العولمة الاستخدام الحيادي للمطالب الثقافية ويرى هذا الاستخدام أن كل الثقافات هجينة ومتعددة المصادر وحتى الثقافة الواحدة غير متطابقة مع نفسها في كل مراحلها التاريخية والزمنية بل وحتى المكانية. وأن كل الهويات الثقافية الشوفينية هي محض خيال وأي فروق أو اختلافات ثقافية لابد وأن تقمع أو تستبعد أو تقصى، فهي روايات خيالية، ومن ثم يرى هذا الاستخدام أنه لا يوجد سبب يدعو إلى الحفاظ على الهويات والروابط الثقافية.
ففي هذه المرحلة يتعامل الاستخدام السياسي لمفهوم الاختلاف والذي يستدعي ما هو ثقافي على أن الثقافة هي منتج خيالي وافتراضي. ومن ثم الانتساب إلى أي ثقافة هو انتساب ذاتي وطوعي وإرادي، والذي يترتب عليه حرية الارتباط والخروج من أي انتماء أو جذور أو هوية ثقافية. وهنا كانت العودة مرة أخرى للحفاظ على مكتسبات الحداثة بأي ثمن، واستدعاء مقولات الدارونية الثقافية Cultural Darwinism، وأن الثقافة الأقوى هي التي تبقى وأن الثقافات الهشة ستكون مقاومتها ضعيفة.
وقد زاد من التأكيد على هذا الاستخدام بصفة خاصة في ظل ظروف العولمة والتنوع الشديد، وهنا يصبح التهجين أحد آليات الحداثة المتأخرة والعولمة مع تزايد المزاعم التي ترى أنه من الممكن أن يعهد إلى مؤسسات الحداثة السياسية بالحفاظ على الثقافات التي تستحق فقط أن تبقى وتحيى، باعتبارها أي الحداثة هي المقياس أو النموذج التي تقاس على كل الثقافات وتراتبيتها، وكأن مقاومة وطأة الحداثة والعولمة هو عمل غير مشروع أو طبيعي.
ومع كل هذه المقولات السابقة فقد سمحت مرحلة العولمة في إطار الاستخدام السياسي لمفهوم الاختلاف بظهور ما يعرف بالمقاومة الثقافية وسياسات المقاومة الثقافية ( ) من داخل الدائرة الغربية ومن خارجها أيضاً، وظهر لأول مرة إمكانية نقد الغرب ثقافياً من خلال الغرب نفسه. وظهر هذا الاتجاه في مواجهة من تمسكوا بالحداثة وأرادوا الحفاظ عليها، وتمثل ذلك فيما يعرف بالجدل بين أنصار الحداثة وما بعد الحداثة، وبالجدل الدائر أيضاً بين أنصار الاتجاه الليبرالي وأنصار الاتجاه المجتمعي.
يتضح مما سبق ظهور مقاومة سياسية/ثقافية من داخل الحداثة، وأن الغرب نفسه نادى بالأصالة وفصل التكنولوجيا عن القيم والأخلاق( ). ونادوا أيضاً بالحاجة إلى تخيل حداثة بديلة وأن مجرد فرملة الحداثة لا يعني أننا ضد الحداثة، ولابد من البحث عن المزج والتهجين الثقافي في داخل الثقافة الواحدة نفسها أولاً بين القديم والجديد، أي بين ما يعبر عن الهوية ويمثل استمرار وبين ما يمثل انقطاع. بعبارة أخرى من المهم أن تحاول كل ثقافة أن تمزج بين اختلافاتها في داخلها أولاً ثم يسحب ذلك خارج الثقافة الواحدة في علاقتها مع الثقافات الأخرى.
أما عن المقاومة الثقافية لما هو سياسي من خارج إطار الحداثة فقد ظهرت الكثير من الدعاوى والمزاعم - جاء أغلبها من أنصار ما يعرف بالنظرية ما بعد الكولونيالية والتي اهتمت بتحديد موقع الحداثة - التي تقول بأن الحداثة ليست نتاجاً للغرب فقط، وإنما من خلال تفاعله مع المجتمعات والثقافات غير الغربية. فالحداثة من وجهة نظر هذا الاتجاه ليست تعبيراً عن تاريخ الغرب فقط، وإن موقع الحداثة ليس من المسلمات الغربية أو الليبرالية( ).
ومما تجدر الإشارة إليه في هذه المرحلة والاستخدام السياسي لمفهوم الاختلاف فيها، نجد أن هذه الاستخدام طور مفاهيم موازية وقضايا إشكالية أكد فيها على ما هو ثقافي وتم استدعاءه بشدة، ومن هذه المفاهيم الفرعية المرتبطة بمفهوم الاختلاف نجد مفهوم أو قضية تعدد الجماعات الثقافية Radical Multiculturalism والتي يتأكد فيها أن احترام الاختلافات والقوميات والأمم والثقافات أبعد من مجرد فكرة التسامح، فمن المهم التأكيد على الجماعات الثقافية والاجتماعية وليس فقط الدفاع عن الحقوق المدنية. وأنه لابد من الاعتراف السياسي الحقيقي من خلال وضع سياسات تترجم تعريف هذه الجماعات التي أوجدته هي نفسها لذاتها وثقافتها.
فالهوية الثقافية في المجتمع السياسي هي مسألة ثقافية وسياسية وليست فقط سلوك يتسامح تجاهه أو يتم قبوله أو منعه دستورياً. وإن بروز سياسات الهوية والاختلاف وسياسات الاعتراف يدفع بالقول إلى أنه لا يكفي أن تعبر أي جماعة ثقافية قائمة على عرق أو جنس أو لغة أو دين فقط عن نفسها، ولكن لابد أن يفعل هذا التعبير سياسياً، وأن تعمل المؤسسات السياسية بطريقة تعبر عن احترام الاختلافات الفردية والمجتمعية، فلا يكفي مجرد التعرف على هذه الاختلافات وإنما الاعتراف الحقيقي والسياسي بها( ).
أخيراً يمكن القول أن الجدال بين أنصار العالمية وأنصار الخصوصية الثقافية في الخطاب السياسي الغربي المعاصر لن ينتهي ولن يحل بشكل تجريدي بل سيكتسب استخدامات ومعاني جديدة أو متطورة أو تجديدية، كما يتغير العالم وكما تتحول المعاني السياسية لكل موقف ووضع تاريخي. وهذا يتضح بشكل جلي في إعادة صياغة مفردات جديدة للحوار حول معاني الاتصال والترابط والشبكات العالمية وحركة الأفراد والأفكار والأشياء، وأصبحت المناظرات حول العولمة تلك القوة العابرة للقوميات، وذلك من أجل محاولة الوصول إلى العدالة الكونية والتي تشمل مفهوم الهوية والمواطنة وحقوق الإنسان وغيرهم من الكائنات الأخرى.



#أيمن_السعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطاب الغربي: الحداثة وما بعد الحداثة


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أيمن السعد - مفهوم الهوية والاختلاف في خطاب العولمة