أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشير خلف - تجليات الخطاب الشعري الجزائري المعاصر مقاربات متنوعة للخطاب الشعري بالوادي















المزيد.....


تجليات الخطاب الشعري الجزائري المعاصر مقاربات متنوعة للخطاب الشعري بالوادي


بشير خلف

الحوار المتمدن-العدد: 3175 - 2010 / 11 / 4 - 18:22
المحور: الادب والفن
    


تجليات
الخطاب الشعري الجزائري المعاصر
مقاربات متنوعة للخطاب الشعري بالوادي
بقلم: بشير خلف
سعيًا منها في تفعيل المشهد الثقافي بالولاية، وتدعيمًا للندوات والملتقيات الفكرية بالولاية وبخاصة ما تقيمها المديرية سنويا كالملتقى الوطني للشعر الفصيح، والملتقى الوطني للتراث الثقافي، والمهرجان السنوي للأغنية السوفية، وإيمانًا منها بأن التدوين ضمانً لحفظ كل ما هو فكرٌ وإبداع؛ وحرصًا على إثراء المكتبة العربية بالجديد؛ فإن مديرية الثقافة بالوادي أصدرت أخيرا كتابا قيّمًا عبارة عن مسْحٍ تاريخي للحركة الإبداعية الشعرية قديما وحديثا في منطقة وادي سوف.
الكتاب بعنوان: تجليات الخطاب الشعري الجزائري المعاصر ــ مقاربات متنوعة للخطاب الشعري بالوادي ــ بإشراف الدكتور عادل محلّو الأستاذ بالمركز الجامعي بالوادي.
الكتاب من الحجم المتوسط يقع في 175 صفحة .كتاب جميل جدا غلافه الخارجي من تصميم الفنان التشكيلي المعروف سواسي محمد البشير.طباعة مؤسسة مزوار للطباعة والنشر بالوادي.
إضافة إلى التصدير الذي كان بقلم السيد مدير الثقافة بالولاية، والتقديم الذي كان بقلم الدكتور عادل محلّو، فالكتاب يهدف إلى التعريف بالحركة الأدبية بولاية الوادي وفْق محاور ثلاثة:
ــ مراحلها الزمنية المتتابعة.
ــ الأجناس الأدبية المختلفة.
ــ الاتجاهات الفنية داخل الجنس الأدبي الواحد.
صدّر للكتاب الأستاذ حسن مرموري مدير الثقافة بالوادي، حيث ثمّن التدوين والتوثيق لكل عمل فكري وإبداعي، مشيرا إلى ما توليه الدولة الجزائرية من اهتمام وحرصٍ في أن يأخذ الكتاب والكتابة مكانتهما اللائقة في المجتمع الجزائري، منوها بما تشهده ولاية الوادي من حركية ثقافية واعدة، وبما تمتاز به من كثرة الإصدارات وتنوعها بسبب توفر الولاية على أقلام إبداعية كبيرة، لأجل ذلك فإن مديرية الثقافة بالولاية تضمّ جهودها إلى جهود هذه الأقلام، بل وتحتضن الكثير منها، ممّا يؤهّل منطقة " وادي سُوفْ" أن تكون الرائدة، بل هذا هو واقعها الآن.
إن هدا الكتاب يقدم مجموعة من المقاربات المتنوعة للخطاب الشعري بالوادي، وهي دراسات متنوعة فمنها ما يحاول تقديم نوع من التاريخ للحركة الشعرية بالمنطقة منذ أقدم النماذج الشعرية الفصيحة الموثَّقة، مع الاجتهاد في تصنيفها إلى مراحل ومنية واتجاهات فنية، ومن بينها أيضًا دراسة للدكتور أحمد زغب تسعى إلى تناول مجموعة نماذج لشعراء من الوادي تسعى إلى تناولهم من خلال ثنائية " شفاهي/ كتابي".
ودراسة أخرى للأستاذ الشاب الشاعر يوسف بديدة سعى من خلالها إلى استنطاق النصوص الواردة في إصدار ظهر حديثا لشعراء شباب في المنطقة، يستنطقها بمنهج معاصر عبر مفهوم التناص، كاشفًا عن تلاقحاتها، وتلاقيها مع نصوص أخرى سابقة عليها.
كما يلج الأستاذ الأديب الشاعر النشط أحمد مكاوي باب الإصدارات الأخيرة بالوادي متذوّقًا إياها جماليا، ومحاورا كل واحد منها باحثا عن مقارباته، وبنياته الفنية المميّزة، وعلى منهاج مماثل يخطو الشاعر مصطفى صوالح محمد حين يقدم دراستيْن لديوانيْ" طعنات شرقية" و " كتاب التجلّي " قصْد فكّ الرموز فيهما، والكشف عمّا تكتنزه من دلالات، وإشارات.
وحسْب هذه المقالات وغيرها على جديتها، وموضوعيتها، أنها فاتحة الباب للحركة النقدية المحلية الموثقة، إذ لا يمكن أن يتطور الخطاب الشعري إذا لم يرافقه خطاب نقدي يقيّمه، ويبرز مواطن القوة والجمال فيه.
الدكتور عادل محلو يتحدث في الكتاب بإسهاب عن الحركة الأدبية بالوادي وفضاءاتها الزمكانية:
... وأما تاريخيّا فإن الثقافة العربية الإسلاميّة تجذّرت بالوادي منذ القرن الهجريّ الأوّل مع قبائل زناتة التي كانت تسكن المنطقة وكانت على المذهب الإباضي، وقد نبغ في تلك الحقب عدد من العلماء والشعراء، حتّى أنّ امرأة اشتهرت بالشعر في تلك الفترة المتقدّمة وهي:" سارة اللواتية السوفية"، ليسيطر على المنطقة العرب المالكيّة بعد تعايش وتجاذب بينهم وبين الزناتيين الإباضيين لمدة تزيد على الأربعة قرون كاملة من القرن الرابع الهجري إلى القرن التاسع.
وبذلك فسأتحدّث هنا عن الأدباء الذين أبدعوا في هذه المنطقة مركّزا على الحركة الأدبية المعاصرة ونـهضة الطباعة والتوثيق التي تعرفها الوادي خلال السنوات الأخيرة، ولكن لا بأس من الإشارة إلى بعض الأسماء التي سجّلت لنفسها حضورا قويّا ومؤثّرا في الساحة الأدبية الجزائرية.
ثانياـ إسهامات الوادي في الأدب الجزائري:
كثير من أبناء ولاية الوادي الذين وضعوا ـ ولا يزالون بصماتـهم على المشهد الأدبي الجزائري وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ محمد العيد آل خليفة.
2ـ الحفناوي هالي:(1911-1965):
خريج جامع الزيتونة بشهادة التحصيل 1936، عمل مدرسا في معهد ابن باديس بقسنطينة، وكاتبا إداريا بالجمعية، وشارك في تأسيس مدرسة التهذيب بالعاصمة وعمل في إدارتـها لعدة سنوات، وهو شاعر وكاتب صحفي في البصائر.
3 ـ د. أبو القاسم سعد الله:
صاحب أوّل قصيدة في الشعر الحر بالجزائر، وهي قصيدة:" طريقي: المنشورة بجريدة البصائر ومنها:
يارفيقي
لا تلمني عن مروقي
إذ أنا اخترت طريقي
...وطريقي كالحياة
شائك الأهداف مجهول السمات.
كما أنّ له تجارب في فنون السرد جمعها في مجموعة قصصيّة هي: "السعفة الخضراء"، وله أيضا حضور نقدي مهمّ من خلال كتابه عن شاعر الجزائر:" محمد العيد آل خليفة".
4 ـ صالح باوية:
صاحب ديوان :" أغنيات النخيل".
5 ـ أحمد حمدي:
هذا الشاعر الذي أثرى الشعر الجزائر المعاصر بتجاربه الرائدة للأشكال الشعرية الحديثة، والمغامرة في عالم اللغة، والربط الفنيّ بين الواقع والفنّ من خلال مفهومه الخاص للالتزام الذي تبلور في دواوينه الأشهر:"انفجارات" و: " قائمة المغضوب عليهم".
6 ـ سليمان جوّدي:
لقد استطاع سليمان جوّادي أن يكون الجناح الثاني الذي يكمل جسد طائر الشعر مع أحمد حمدي؛ إذ تكفّل بضخّ اللغة الرقيقة والصور البديعة في عروق الشعر الجزائري المعاصر، ولعلّ حساسيته الموسيقيّة التي أهّلته أن يكون "صنـّاجة الشعر الجزائري المعاصر" تعتبر ميزة له لا يكاد يدانيه فيها أحد من أبناء جيله.
7. د. عبد الحميد هيمه:
أحد روّاد النقد الأدبي في الجزائر حاليا وهو أستاذ بمعهد الآداب بجامعة ورقلة، ويمتاز بتركيزه على دراسة نصوص الأدب الجزائري، ومن مؤلّفاته: "الصورة الفنيّة في الخطاب الشعري الجزائري"و:" علامات في الإبداع الجزائري".
ثالثا ـ الحركة الشعرية بولاية الوادي:
الشعر أوسع الأجناس الأدبية انتشارا بالوادي، إذ يفوق عدد الشعراء عدد كلّ كتاب القصّة والرواية والمسرح والنـقد، ويبدو أمرا طبيعيّا جدّا لعلاقة الصحراء بالفنون القولية الشعريةّ أكثر من فنون السرد والقصّ كما هو ملاحظ في الجزائر وتونس وليبيا على الأقل.
وتتمثّل المراحل التاريخيّة التي اجتهد في تصنيف الحركة الأدبية بولاية الوادي على أساسها في المراحل التالية:
1ـ مرحلة الجذور.
2ـ مرحلة التأسيس.
3ـ مرحلة الانطلاق.
1ـ مرحلـــة الـــجـــذور:
وهي المرحلة الممتدّة منذ أولى النصوص الشعرية الفصيحة الموثّقة والتي يعود أقدمها ـ فيما هو بين أيدينا ـ إلى القرن 12هـ حتى السبعينيات من القرن العشرين، وقوامها أدباء هم في الغالب أئمّة ومشايخ ينظمون في أغراض شتّى أهمّها الشعر التعليمي و الإخوانيات والمدح والرثاء، ونادرا ما نجد غزلا لأنّ ذلك لا يناسب وقارهم والمهمّة التي يضطلعون بـها في المجتمع ومن أبرزهم:
أـ خليفة بن حسن القماري:
ولد بقمار سنة 1123هـ / 1711م وتوفّي 1207هـ / 1792م.له عديد من المنظومات أشهرها:
ـ جواهر الإكليل نظم مختصر الشيخ خليل: وهو كتاب في الفقه المالكي يزيد عن ثمانية آلاف قيد، يتميّز بجودة النظم ودقّة التوصيف للمعلومات وقد طبع بالمطبعة البارونية بمصر سنة 1899م. ومنه قوله في باب زكاة الزرع:
وحيثما حصل سقيٌ بِهِــمَا أدّى زكاته على حُكمهمــــا
ورفعَ الـخلافُ هــل يُغلَّبُ أكثرهــا أو كلّ قسـمٍ يُحسَبُ
وواجب جمع القَطَانِ جُــمَعا كالقمــح والشعير والسّلت معا
ـ اللامية في نظم الأجرومية: في النحو، قال عنها التليلي في إتحافه "... لذيذة يطرب لها الناشىء لسلامة نظمها وعذوبة موسيقاها"
ـ منظومة في حكم العمل بالجرة، ووقع خلاف مع علماء الخنقة حولها، وتضمنت ردا علميا عليهم.
ب ـ الشيخ محمد الزّبيري:
اشتهر ـ وأحفاده إلى اليوم ـ بـ:"البُرِّيَّة" نسبة إلى أمّه. ولد بقمار سنة:1296هـ/1874م وتوفّي بـها في حدود سنة 1926م. له أشعار عديدة بعضها يعود إلى سنة 1311هـ/ 1984م. ولعلّ من بين أهمّ أشعاره هي تلك التي قالها في مناظرة شعرية قصيرة مع الخضر حسين الجزائري الذي صار شيخا للأزهر فيما بعد، وذلك حين قدم مدرّسا بالزاوية التيجانية في قمار.
وشعره شديد الرواء رقيقٌ خاصة ما قاله في رثاء والده أو في مدح النبيّ  ، ومن الأخيرة قوله:

أخفي الهـوى وتذيعه أجفـانـي والشوق مـن ألم الجفا أفناني
ومتى يؤمل راحـة من تنـقضـي أيامـه في الصـدّ و الهجران
لعب الغـرام بلبـه وبـعقـلـه فتـراه بيـن النـاس كالولهان
تحييه ساعـات التـمـني باللقـا وتـمنيته بأسـا بغيـر ضمان
إلى أن يقول :
ولكـم رمانـي فيكم الواشون من قـول الخنا و الـزور والبهـتان
وأنا مـزجت بحبـكم زمن الصبا مني مـريدا أن أصـون جـاني
فلأنـتم كهـف لمن بكم التجا ولأنتـم عـز الـذلـيل الجـاني
فامنن علي بنظـرة أحيـا بـها وأنـل من العـليـاء كل مكان
جـ ـ الشيخ الطاهر العبيدي:
ولد في نـهايات القرن 19م وتوفي في 28 جانفي 1968م ترك عددا من المنظومات والقصائد من أهمها:
ـ جريان المدد في الإعتصام برجال السند، وهي 856 بيت في التصوف.2ـ منظومة في التيمم.
ـ نظم رسالة القطب الدردير في البيان بأسهل بيان.
ـ بغية الأمل في نظم رسالة العوامل.
ـ منظومة في الرسول صلى الله عليه وسلم.
ـ منظومة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ منظومة في مدحه صلى الله عليه وسلم." قل لمن يعشق ".
ـ معارضة لقصيدة النابلسي المشهورة " قالت أقمار الدياجي..".
د ـ الشيخ أحمد مفتاح:
كان إماما بالمسجد الكبير في الرقيبة وهو شاعر جيّد له عدد من القصائد لا يزال مخطوطا، كما أن بعضها نُشر في جرائد مختلفة خلال الخمسينيات من القرن الماضي.
ومن أجمل شعره قوله مناجيا اللغة العربية:
أليلى عشقتك منـــذ رضاعـي وعشق الرضاع عميــق الأثــــرْ
فلم أنسَ منك لذيذ الرضــــاب ولو كـان شيبي برأسي انتشــــرْ
وما عدّ كلّ مزايــــاك قصدي ولكنّ قصــدي لفتُ النّـظـــرْ
فذكر مزايـاك ليلى أشـــــاد به قبلُ شـاعر مصــر الأبــــرّْ
بلفظ أنيـق ومعنى رشيـــــق يفوق رشــاقـة أعلى الــــدررْ
ســلام عليـه وعن آلـه مــا تــأوّه صبٌّ زمـان السّــحــرْ
وغنـّى هـزار بلــحن شـجـيّ بكى الروح والقلب حتـّى انفطـــرْ

د ـ الشيخ الطاهر التليلي (1910-2003):
أحد أبرز شعراء هذه المرحلة له ديوان الدموع السوداء الذي جمع فيه معظم قصائده. ويبدو أنّه أبرز من واكب تطوّرات الشعر واتجاهاته من أبناء جيله إذ له قصائد رمزية كتبها خلال الثلاثينيات من القرن الماضي متأثّرا بحركة الشعر في تونس خصوصا والمشرق العربي عموما.
ولكن أهمّ ما يميّزه هو شعر الأطفال الذي يربو عن ثمانين قصيدة كتبها في الفترة التي اشتغل فيها بالتعليم؛ أي انطلاقا من سنة 1935 في مدرسة بـ:"قامبيطا" ببجاية. وتمثّل هذه الأشعار التي سمّاها:"التوجيهات التربويّة في القصائد والمقطوعات المدرسيّة" الجزء الثاني من ديوانه الدموع السوداء.
"وتعدّ هذه المدرسيات تجربة ناجحة ؛ فلقد وفَّر لها صاحبها الشيخ الطاهر التليلي كل العوامل المؤدية لذلك حيث اختار لها بشكل فذ موسيقى خفيفة مناسبة وصورا حسية تؤثر في الأطفال، كما بذر فيها بعدا مسرحيا يمكّن من حفظها واسترجاعها كما يمكّن من جهة أخرى من استغلالها مادة لمسرحيات ناجحة أيضا. ولقد استعمل الشيخ أيضا شخصيات محببة للأطفال كالحيوانات واستعمال أسمائهم هم أنفسهم أو أسماء يعرفونها لشخصياته التي تبرز في قصائده . وكانت اللغة الجسر الأخير الذي قطعته هذه التجربة الرائدة نحو النجاح حين انتقى الألفاظ والتراكيب التي لا تستعصي على الطفل آنذاك ولا يزال في ذخيرة المدرسيات ما يمكن أن تجود به للأجيال الحاضرة والقادمة رغم مرور أكثر من نصف قرن على إبداعها."
ومن نماذجها قصيدة قالها سنة 1935 ، يقول:
صغير الشعب هيّا للمعــــــالي وهيّي الــــمجد تحت ضيا الهلال
وأدرك من عَلَوْ نجم الكـــــمالِ فذاك النـــّـجمُ قد نــــــــاداك هيّا
صغير الشعب قـــــد آن الأوانُ لأنْ تــرقى ويــــرقى بـك الزمانُ
فكِسْــرى أنــت اليوم وذا الإيوانُ بلادُكَ فلتـعشْ أبدا و تـــــــحيــــا
فهــا هي الجزائر يا فتــاهـــا لها تاجٌ على الأفلاكِ تــاهـــــــــــــا
ولكــنْ أمْــسِ في الأجـواء تاها فـهلاّ اليوم تـأتــــــــــــي بــهِ علِيّـا

إن هؤلاء الذين ذكروا أعلاه هم نماذج فقط لعدد كبير من الذين يمثّلون جذور الحركة الشعرية الفصيحة بولاية الوادي، ولو استقصينا كلّ من كتب شعرا في هذه المرحلة فإنّ هذا المقام لن يتّسع ولن يمكنّنا من أن نوفيهم حقّهم، خاصّة أنّ الحركة الأدبية بالوادي في تلك الفترة لم تكن مجرّد جهود فردية بل انتظمت في نوادٍ أدبيّة كثيرة كانت تعقد بانتظام في بيت أحد المثقفين كذلك الذي كان يعقده في بيت الشيخ عبد الغني بقمار خلال بدايات القرن العشرين.
وعموما فقد كان الشكل الشعريّ خليليا تقليديّا جداّ، كما غلبت على شعر هذه المرحلة الجوانب المضمونيّة كالنظم التعليميّ، وكذلك المناسباتية كالرثاء والاحتفاء باختتام الدروس.
شخصيّا لا أرى ذلك سلبيّا أو منقصة يمكن أن تطبع بـها أشعار هذه المرحلة؛ لأنّ الشعر الجيّد هو ذلك الذي يساير عصره ومجتمعه، وقد كان شعر هذه المرحلة هادفا وتربويا في أغلبه لأنّه يقوم بوظيفة المقاومة الثقافية للاستعمار حفاظا على هويّة وقيم المجتمع.


2ـ مرحلة التأسيس:
إنـّها مرحلة انطلاق الشعر الحديث في ولاية الوادي، إنـّها مرحلة تجديد وتجريب وارتياد فضاءات وعوالم جديدة في الإبداع الشعري في مستويي الشكل والمضمون.
أـ عوامل التجديد:
لقد كانت المرحلة السابقة جذورا امتدّت في أرض الفنّ لتهيّأ مناخا ملائما للإبداع الشعريّ في ولاية الوادي. وهكذا انطلقت مرحلة التأسيس للحركة الشعرية الحديثة بالوادي خلال السبعينات من القرن الماضي تحت تأثير عوامل جديدة تتمثّل في:
ـ التحوّلات التاريخيّة التي مرّت بـها المنطقة ـ ككلّ أنحاء الوطن ـ ولعلّ أهمّها الاستقلال الذي مثّل حدثا تأسست عليه انطلاقة أخرى للإبداع الجزائري.
ـ التحوّلات الاجتماعية والثقافية من انتشار للتعليم وإقبال عليه في المدارس الوطنية بعد أن كان كثير من أهل المنطقة يرفضون أن يتعلّم أبناؤهم في المدارس الفرنسية خلال عهد الاستعمار.
ـ عودة اللاجئين خصوصا من تونس؛ إذ كان أغلبهم مثقّفين لأنـهم تلقّوا تعليما جيّدا في المدارس النظاميّة، ومن هنا انتقل التأثير الكبير للشابي ـ كما سيلاحظ فيما بعد ـ.
ـ وصول الإبداعات الشعرية الحديثة من تونس ومن الجزائر أيضا.
ب ـ أعلام مرحلة التأسيس:
ـ السعيد المثردي(ولد في :02/01/1954).
يعتبر واحدا من أهمّ الوجوه الشعرية التي أسّست للشعر الجديد بالوادي؛ إذ تتميّز قصائده بالغنائيّة والتماسك الموسيقيّ، كما أنـّه مهموم بالقضايا الوطنية والعربية والإسلاميّة فأكثر شعره في هذه الموضوعات الحسّاسة ومنها قصيدته الجميلة: " حديث العوْربة"، وكذلك قصيدته الأخرى عن الجزائر والتي يقول فيها:
جـزائر يـا من توزّعـتِ حُــبّـــــــي بكـــلّ الـمدائـن، كـلّ البـــوادي
توضّـأتُ حبّــك فــــي جوف أمّي وأدمنتُ عـشـقـــك قبــل ازديادي
تناديني...؟! طبــــعا ألبّي كشعـــبي وليـــس كشعبــك بين العبــــــــادِ
إذا مـا دعاه إليك امـتـــحــــــــــــانٌ أجــاد الإجـــابــــة حدّ السّـــــدادِ
ويمتاز الشاعر السعيد المثردي بحيويّته وحركيّته الكبيرة؛ إذ شارك في عديد من الملتقيات الشعرية وطنيا ودوليا، وهو عضو في اتحاد الكتّاب الجزائريين أيضا. كما أنّه استطاع أن يقود لفترة طويلة ـ خلال نـهاية الثمانينيات والتسعينيات ـ حلقة شعر بالوادي جمعت الشعراء الشباب آنذاك وهو مصدر تأثيره في كثير منهم حيث كان يوجّههم من وحي خبرته باعتباره أقدم منهم في مجال الإبداع الشعري.
ـ أبو بكر مراد:(ولد سنة1952)
يمثّل مع السعيد المثردي أبرز شاعرين بالوادي وهما من الجيل نفسه، ويشتركان في طرق المواضيع الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة، لكن يتميّز أبو بكر مراد بـ:
ـ الكتابة على نمط شعر التـفعيلة أكثر.
ـ الريادة في مجال نشر وطباعة الأعمال الشعرية؛ حيث نشر ديوانين:" قصّة الفارس المستقيل " سنة 1994 و: " أوراق الهزيمة " سنة 2002.
ـ المبادرة بالانفتاح على أكبر عدد من المتلقّين من خلال إصداره ثلاثة أشرطة سمعيّة شعريّة هي: "نـهلة"، "أشعار عاجلة"،و"عاش الولد".
ولكن ـ للأسف ـ لم يكن حضور الشاعر أبو بكر مراد فعّالا وحيويّا في الساحة الشعرية بالوادي من حيث التواصل مع الأجيال الشعرية الجديدة، مما لم يسمح له بتكوين قطب شعريّ أو حلقة أدبية كتلك التي ذكرناها مع الشاعر السعيد المثردي، لكن تأثيره الأبرز كان من خلال كونه أوّل من طبع ديوان شعر من شعراء الوادي المقيمين، وقد طبعه بمدينة الوادي نفسها.
له قصائد كثيرة تخاطب عواطف القراء والمستمعين وتلهبها، ومن بينها قصيدته "نـهلة" التي حاول أن يواجه فيها مشكلة الأمن الغذائي حين يقول:
رغيف الخبز يا نـهله
حبّة قمحٍ
غيري يزرعها
يسقيها ماءً، يعهدها
يبيعها الوطنَ
ليشتري الوطنَ والأهلاَ.
يانـهله. يا أحلى زهرهْ
يا أمّا تصنع جيلاَ
سيقهر القهرا
يا من ترفض قمحا
يقطع البحرا
ليحدث جسرا
يصادرُ نـهلةَ والأرضَ
والأهلا...
فالقمح قرصانٌ
يغتالنا سرّا.
ـ السعيد حرير:
هو أيضا أحد روّاد الكتابة الحداثيّة في مستوى الصورة واللغة الشعرية بالوادي؛ فرغم ميله الشديد إلى البنية الخليلية للقصيدة إلاّ أنـّه لم يقع في أسر القوالب التقليدية، ويتميّز شعره بقوّة اللغة وعمق التصوير وحسن اختيار الرويّ المطرب للأذن. وهو عضو باتحاد الكتاب الجزائريين وله مشاركات متعدّدة.
من قصائده الجميلة قصيدة:"حرّ الجنوب" التي يقول فيها:
خمسون عاما مضت والعينُ ما نظــرتْ إلاّ إلى جسدٍ فـي أرضـا التصـقـا
كم فصّلوه على الأحياء تقنيـــــةً كم وزّعوهُ على العادات فاعتنـقــا
بثـّوا الأحاسيـس في أجوائنــا صورا تستقطب الذوق واللذات والشبقــا
إن كسَرَتْ روحي العذراء قمـقمـهــا واسترجعت ذاتي الهيفاء ما سُرقـــا
قد تستعيد صفــاء الصوتِ حنجــرتي أو تستردّ من الطــاقات ما احترقـا
يــــا مارد الضعف اخرج من مخيّلـتي قرّرتُ أن أقرأ الإخلاص والفلقـــا

ـ صالح خطّاب:
أحد الوجوه الشعريّة المتميّزة بالوادي لما له من اطّلاع واسع على الآداب الغربية؛ إذ هو مترجم شعر بارع من الفرنسية والانجليزيّة. وقد انعكس ذلك على لغته وطريقته في التصوير التي تحتاج أحيانا من أولئك الذين اعتادوا النمط العربيّ الخالص في الشعريّة، تحتاج منهم إلى وقفة متأنيّة لفكّ بنية الصورة التي ينسجها في قصائده التي ينظمها بالعربية، ومثاله قوله في قصيدته " لن أقترف السفر":
لا الجرحُ يحفل بالرحيل
ولا أنا أنسى فأقترفَ السفرْ
جرحٌ تناثر في حشى أمسي
يسافر في دمي؛
ظلّت تعانقه عقارب ساعتي
اهتزّت خواصر رقـّاصها
لتقيم عرسي...مأتمي، ولم أزلْ
نظرات عشق في عيون أبي وأمّي
وابتسامات غزلْ.
ومن شعره الذي يقطر خليليّة قوله في قصيدته عن سوف التي عنونـها بـ:"مرفأ في البيداء":


أيـا سوف يـا معبـــــد العاشقين تصــابى المتيّم فيك وعـفّــــا
ويـا مرفــأ للمعــارف ترســـو به سُفُنُ الفـكر تنفـــحُ عَرفــا
فكم ذا استجار بك العـــارفـــون فأقررتِ حُسنَ الوفـادة عُرفــــا
وكـم ذا تـــآنس فيك الغريـــب غمرتِهِ جــودا وحبّــا وعطفــا
ومن شعره المترجَم قصيدة الشاعرة الرومانية:"كارولينا إليكا" التي عنوانـها" النجوم من فوقنا":
وآهٍ لهذا الكلام الذي
حواشيه زورٌ،
لبابهُ خدعَهْ
يكبّل أيدينا بالرغم منّا،
يشلّ حراكها عن كلّ مسعى
وكم ذا استبدّت بنا الكلماتْ
فننطق قسرا.
إنّ هؤلاء الشعراء الروّاد تركوا بصمة هامّة في مسار الشعر بالوادي بحيث فتحوا المجال أمام كثير من شعراء آخرين للانطلاق في تجارب الكتابة الشعرية؛ لأنّهم سبقوهم إلى كسر النمط التقليديّ الذي لم يعد نسايرا للعصر.
ولعلّ أهم ما يلاحظ هنا هو وجود عامل يجمع ثلاثة من شعراء هذه المرحلة وهو التأثير التونسي وخاصّة الشابي. فالسعيد المثردي وأبو بكر مراد وصالح خطّاب ولدوا بالرديّف في الجنوب التونسي، وتلقّى الأوّلان تعليمها إلى مراحل دراسيّة متقدّمة في تلك المنطقة قبل العودة إلى أرض الوطن. وواضح جدّا تأثير الحركة الأدبية التونسية في أشعارهم من حيث اللغة والصورة، طبعا دون أن يقعوا في خطأ استنساخ تجربة الشابي الشعرية.
3ـ مرحلة الانطلاق:
منذ منتصف التسعينيات ظهرت وجوه شعريّة ذات حساسيّة جمالية مختلفة، وأخذت تتفاعل مع شعراء مرحلة التأسيس لينطلقوا معا نحو تجديد ثانٍ للحركة الأدبية بالوادي.
وتمثّل مرحلة الانطلاق المرحلة الحالية؛ حيث تعجّ الساحة الأدبية بالوادي بعدد كبير من الشعراء من مختلف الاتجاهات الفنيّة، إذ يشكّلون طيفا يغطّي كل اتجاهات الشعر من التقليدي حتـّى قصيدة النثر. ولكثرة الشعراء سأقتصر على بعضهم ممّن نشر شعرهم.
أ ـ عوامل الانطلاق:
ـ إن أكثر هؤلاء الشباب قد التحق بالجامعة خارج المنطقة للدراسة، وخاصة في مجال الأدب العربي. وبذلك اطّلعوا على انجازات الشعر المعاصر من أدونيس والبياتي ودرويش، كما انفتحوا على تجارب جزائريّة هامّة.
ـ إحساس هؤلاء الشباب بأنـّهم يختلفون عن شعراء مرحلة التأسيس من حيث المرجعيّة الجماليّة، وبحثهم عن موقع لهم.
ـ وجود شعور باستئثار شعراء مرحلة التأسيس بالمشهد الأدبي بالولاية، وهو قد يكون شعورا مبالغا فيه أحيانا، لكنّه طبيعيّ. وبذلك اتّجهوا لتكريس اختلافهم عنهم.
ـ خصائص المرحلة التي نشأ فيها شعراء مرحلة الانطلاق، من حيث الانفتاح في المجال السياسي والصراع الاجتماعي الكبير بعد انهيار أسعار البترول، ومعايشتهم الأزمات الاقتصادية والأمنية الخطرة التي مرّت بـها البلاد.
هذه كلّها كانت عوامل جعلتهم يتميّزون بكتاباتهم وتجربتهم الشعرية عن شعراء مرحلة التأسيس.
كتاب قيم جدير بالقراءة، بل بالدراسة المعمّقة لكلّ من يبغي الاطلاع على الحركة الشعرية في هذه الربوع.
إن ما تقوم به مديرية الثقافة بولاية الوادي وعلى رأسها الأستاذ حسن مرموري الكاتب والمؤرخ، من خلال تبنّيها لهذه الأعمال الفكرية الإبداعية النوعية وغيرها يمثّل ولا ريب عملا حضاريا راقيا، وشعورا بالرسالة التي تقتضيه وظائف هذه المؤسسات التي يراهن عليها المجتمع الجزائري كي ترتقي بالإنسان الجزائري، إنه جهد لعمري هادف، وتأكيدا ستظهر ثماره الطيبة في كل حين، وستجني ثماره الأجيال الحالية والقادمة.



#بشير_خلف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ..عندما تقود الثقافةُ السياسةَ
- الخطاب الديني بين الغلوّ والاعتدال
- نعمة الطبيعة وجمالها
- الفنون الجميلة من رؤى إسلامية
- المبدع ومحنة الامتثال
- التراث والهوية ..التماهي والتكامل
- الفيلسوف المفكر مالك بن نبي ..في ذكرى مولده ووفاته
- التنمية الثقافية ..البعد الباهت !!
- تنمية الحجر قبل تنمية البشر
- اختلف الناس في فهمهم للجمال
- متى نثمّن العلم ونوقّر العلماء؟
- لا إبداع بدون حرية
- إشكالية الحداثة في القصيدة العربية الحديثة
- الإبداع الأدبي أهو نقمة أم نعمة على مبدعه ؟
- الكتابة : متعة المعاناة في البوح والإمتاع !!
- ثقافة الطفل ليست هي التعليم
- الكتابة للطفل بين العلم والفن
- الطفولة ومعوّقات الإبداع
- ثقافة الطفل ومنجزات العصر
- الحس الجمالي ونعمة التذوّق


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشير خلف - تجليات الخطاب الشعري الجزائري المعاصر مقاربات متنوعة للخطاب الشعري بالوادي