أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الغفار شكر - تحالف الجنوب فى مواجهة أممية رأس المال















المزيد.....



تحالف الجنوب فى مواجهة أممية رأس المال


عبد الغفار شكر

الحوار المتمدن-العدد: 956 - 2004 / 9 / 14 - 10:26
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


تدخل البشرية الألفية الثالثة فى ظل متغيرات هائلة تسارعت خطواتها فى السنوات الأخيرة وشملت كل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية. تدخل البشرية الألفية الثالثة وهى منشغلة تماماً بتقييم طبيعة هذه المتغيرات وتحديد أسبابها واستنتاج، ما يمكن أن يترتب عليها من آثار على مستقبلها القريب والبعيد. هكذا يجرى البحث الآن فى ظاهرة العولمة التى تشكل جوهر هذه المتغيرات وتطبعها بطابعها وينظر إليها باعتبارها ظاهرة معقدة ومركبة تتطلب المزيد من البحث والدراسة بما يساعد على التعامل السليم والفعال معها ومع النتائج المترتبة عليها.
رغم الغموض الذى ما يزال يحيط بظاهرة العولمة، ورغم تعدد مداخل الباحثين فى تناولها، ورغم الاختلاف فى تقييمها وفى الموقف منها، إلا أنه يوجد الآن اتفاق عام مؤداه أنها مرحلة جديدة فى عملية التوسع الرأسمالى ذات مقومات ومكونات جديدة أخذه فى الظهور والتكوين، تعيد الرأسمالية من خلالها هيكلة نفسها بينما تحافظ على جوهرها من حيث الاستغلال والاستقطاب والتفاوت. وإنها ليست ظاهرة بلا جذور، وإنما هى ظاهرة تاريخية موضوعية ناتجة عن الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة والطبيعة التوسعية للإنتاج الرأسمالى. وأنها ليست نظاماً اقتصادياً وحسب، وإنما تمتد إلى مجالات الحياة المختلفة السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية.
ترتبط ولادة العولمة أشد الارتباط بالثورة العلمية والمعلوماتية الجديدة، والتى تكتسح العالم منذ بداية التسعينات. هذه الثورة هى أحد أهم معالم اللحظة الحضارية الراهنة وهى القوة الأساسية، وليست بالضرورة الوحيدة المسئولة عن بروز العولمة فالثورة العلمية هى الطاقة المولدة والمحركة للعولمة بما إتاحته من جعل هذا العالم أكثر اندماجاً، وهى التى سهلت وعجلت حركة الأفراد ورأس المال والسلع والمعلومات والخدمات، وهى التى جعلت المسافات تتقلص والزمان ينكمش، وهى التى جعلت التحولات سريعة ومذهلة فى سرعتها، وهى التى ساهمت فى انتقال المفاهيم والقناعات والمفردات والأذواق فيما بين الثقافات والحضارات، وهى التى جعلت الولايات المتحدة القوة الاقتصادية الأولى والدولة المهيمنة والمستفردة سياسياً ودبلوماسياً بالشأن العالمى. هكذا أصبح بالإمكان واستناداً إلى معطيات ثورة العلم والتكنولوجيا والاتصال والمعلومات إعادة هيكلة الرأسمالية المعاصرة بإدماج اقتصاديات مختلف بلدان العالم فى الاقتصاد الرأسمالى العالمى بالشروط التى تحددها رأسمالية المراكز المتقدمة على أساس حرية انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات والسلع والخدمات دون قيود أو عقبات تطبيقاً لأفكار الليبرالية الجديدة التى تشكل العنصر الأيديولوجى المسيطر والمركزى فى عملية إعادة الهيكلة هذه التى تجرى على امتداد العالم. وبذلك فإن هذه العولمة الرأسمالية التى تبدأ فى حقل الاقتصاد هى جزء من مشروع غربى لبناء نظام عالمى جديد يشمل أيضاً مجالات السياسة والثقافة والإعلام.
تؤكد كل الشواهد والوقائع المادية الملموسة إن العولمة تكرس مصالح الرأسمالية العالمية فى المراكز على حساب مصالح الشعوب الفقيرة والمجتمعات النامية فى الأطراف، أى فى دول الجنوب. وأنها تكرس قاعدة الاعتماد المتبادل غير المتكافىء فى علاقات المراكز بالأطراف، مما أدى إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة فى دول الجنوب تشمل انهيار أسعار صادرات هذه الدول وتزايد البطالة والفقر والتهميش المتزايد لقطاعات أوسع من السكان وتزايد معدلات الهجرة الداخلية والخارجية وتصاعد العنف والتوترات الاجتماعية… الخ.
تأثرت دول الجنوب بشدة من ظاهرة العولمة ومن إدماجها فى السوق الرأسمالية العالمية بشروط غير مواتية لمصالحها، فهو إدماج يتم على أساس دفع ظاهرة التطور غير المتكافىء إلى مداها، مما يكرس انقسام العالم إلى قطاعين متفاوتين من حيث مستويات النمو لصالح المراكز الرأسمالية المتطورة على حساب الأطراف المتخلفة، وهكذا فإن الاعتماد المتبادل غير المتكافىء يصبح أخطر جوانب الرأسمالية العالمية المعاصرة، فهو ينتج التبعية ويعيد إنتاجها باستمرار بسبب الاعتماد المتزايد لدول الأطراف على التجارة الخارجية، وازدياد اندماجها فى السوق الرأسمالية العالمية لرأس المال والسلع والخدمات بما فى ذلك سوق الاستثمارات الأجنبية والقروض والتسهيلات المصرفية والمعونات والتكنولوجيا، وهناك عدة نتائج خطيرة بالنسبة لدول الجنوب نتيجة لهذا الوضع الناشىء عن تعمق وانتشار ظاهرة العولمة، فهى تتحمل أعباء الأزمات الدورية الهيكلية للرأسمالية العالمية، وهى تعانى من التفكك الداخلى نتيجة للاندماج الخارجى المشوه فترتبط أجزاء من الرأسمالية المحلية برأس المال الدولى بينما تتخلف قطاعات أخرى فى المجتمع مما يزيد من حدة الاستقطاب الداخلى، ويهمش أجزاء كبيرة من السكان، هذا علاوة على أن أوضاع بعض بلدان الجنوب وخاصة فى أفريقيا والوطن العربى تزداد تدهوراً ولا تستطيع المحافظة على تماسكها فى مواجهة هذه التحديات الخارجية.
هكذا نستطيع أن نرصد الكثير من الآثار السلبية للعولمة فى دول الجنوب:
اقتصاديا: تزايد الديون والاعتماد على الخارج، واتساع نطاق ظواهر البطالة والإفقار والتهميش، وخضوع الاقتصاد الوطنى بدرجات متزايدة لهيمنة الشركات متعدية الجنسية والمؤسسات الاقتصادية الرأسمالية الدولية.
اجتماعياً: انتزاع المكاسب التى تحققت للطبقة العاملة والفئات الوسطى فى مرحلة التنمية الوطنية، وخاصة ما يتصل منها بحق العمل الدائم والضمان الاجتماعى والضمان الصحى ومستوى الأجور والمشاركة فى الأرباح وفى الإدارة.. الخ. وما ترتب على ذلك من تزايد حدة الصراع الطبقى والتوترات الاجتماعية والعنف والتعصب الدينى والعرقى.
سياسياً: تراجع دور الدولة، وضعف قدرتها على مقاومة الضغوط الخارجية، واختراق المؤسسات الدولية والشركات متعدية الجنسية لمجتمعات الجنوب مباشرة متخطية الدولة، وما يترتب على ذلك من آثار بالنسبة لاستقلالية القرار الوطنى.
ثقافياً: رغم ما يصاحب ظاهرة العولمة من تطور فى وسائل الاتصال والمعلومات سوف يساعد على نشر الثقافة والقيم الإنسانية المشتركة وعلى حل العديد من المشاكل فى مجالات التعليم والتربية والثقافة، فإن هذا التطور يحمل من جهة أخرى ما يثير القلق بالنسبة لدول الجنوب التى تتعرض ثقافاتها لمؤثرات خارجية قوية تحمل معها قيماً وأنماطاً من السلوك تدعم نمط الثقافة الاستهلاكية الرأسمالية وتستوعب شعوب العالم الثالث فى إطار المنظومة الرأسمالية العالمية فكرياً وثقافياً ووجدانياً، وتهدد بذلك ثقافات عريقة ونامية وتحرمها من إمكانية التطور المستقل.
تطرح هذه الأوضاع على دول الجنوب العديد من القضايا والتساؤلات الجديرة بالبحث والدراسة. كيف يمكن لدول الجنوب التعامل مع ظاهرة العولمة؟ وهل يمكن الاستفادة من التطورات الإيجابية للثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة وفى نفس الوقت تفادى النتائج السلبية لعملية العولمة الرأسمالية فى مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة. هل يمكن مواجهة هذه الآثار السلبية بالفعل؟ وكيف؟ ما هى أشكال المواجهة الفعالة وما هى البرامج النضالية التى تجمع دول الجنوب معاً فى هذه المواجهة المشتركة؟
من المهم التأكيد منذ البداية على بعض الحقائق الجوهرية التى يتعين وضعها فى الاعتبار عند البحث عن إجابة لهذه التساؤلات:
1- العولمة ظاهرة معقدة مركبة ليست مؤامرة من الرأسمالية العالمية على شعوب العالم الثالث وليست شراً كلها، بل هى ظاهرة موضوعية ناجمة عن الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة وخاصة فى مجالات الاتصال والمعلومات والهندسة الوراثية والبحوث النووية ترتب عليها دفع ظاهرة التدويل الاقتصادى وزيادة الاعتماد المتبادل على مستوى العالم كله، وتطور وسائل الإنتاج وإمكانية التوفير الكبير فى نفقات الإنتاج وتخفيض المدة الزمنية بين الاكتشاف العلمى وتطبيقه عملياً فى ميدان الإنتاج، وسرعة انتقال الأفراد والأموال والسلع والخدمات والأفكار والقيم بين مختلف المجتمعات، والتطور الهائل فى وسائل تبادل المعلومات والبيانات. وقد استفادت الرأسمالية العالمية من هذه التطورات الإيجابية بما يحقق مصالحها وهيمنتها على الصعيد العالمى بتعميم علاقات الإنتاج الرأسمالية والثقافة الرأسمالية الاستهلاكية والنموذج السياسى الرأسمالى، فكان ما نشهده حاليا من الترويج لليبرالية بكل أشكالها: الليبرالية الاقتصادية والليبرالية السياسة والليبرالية الثقافية.
2- إذا كانت الرأسمالية تحقق الآن انتصارات متوالية على الصعيد العالمى وتنجح فى تعميم نموذجها الفكرى فإن ذلك يعود كما أوضحنا من قبل إلى أنها نجحت فى الاستفادة من منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة بينما فشلت فى ذلك الدول الاشتراكية ودول الجنوب ذات التوجه الاشتراكى فعجزت عن الاستمرار فى سباق التقدم، فإن نقطة البدء فى المواجهة الفعالة لظاهرة العولمة وما ترتب عليها من تداعيات سوف تتضمن بالضرورة استفادة دول الجنوب من منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية باعتبارها العامل الحاسم فى السباق نحو التقدم. وبدون امتلاك دول الجنوب قدرة حقيقية على الاستفادة من ثورة التكنولوجيا والاتصال والمعلومات فإنها لن تستطيع مواجهة العولمة وتداعياتها. ولنؤكد مرة أخرى أن من يستفيد من الثورة العلمية هو الذى سينتصر فى النهاية.
3-هناك موقفان خاطئان من العولمة، فالبعض فى دول الجنوب يرى العولمة تطوراً إيجابياً لصالح الإنسانية سوف يجنى ثماره من يشارك فيه ويدعو للإندماج فى الاقتصاد الرأسمالى العالمى دون أى شروط ودون إبطاء، لأنه كلما عجلنا بهذا الاندماج كلما استفدنا من ثماره على شكل استثمارات أجنبية ومساعدات فنية وسوق أوسع لصادراتنا وسلع جيدة لاستهلاكنا.. الخ. بينما ينظر البعض إلى العولمة باعتبارها مؤامرة على الدول النامية تعيد إنتاج نظام الهيمنة الرأسمالية القديم، وتكرس الاستغلال، وتغذى ثقافة تهدد بالخطر ثقافتنا الوطنية النابعة من تراثنا وتطورنا الخاص، ويدعو بناء على ذلك إلى القطيعة مع هذه التطورات العالمية والابتعاد عنها. ولكننا نعتقد أن الاستسلام للعولمة أو العزلة عن العالم لن يساعد دول الجنوب فى مواجهة هذا التحدى التاريخى، بل يتعين أن ننطلق فى موقفنا من أنه لا يمكن لأى دولة أن تعزل نفسها عن المجتمع الدولى، وتحرم نفسها من ثمار التقدم العلمى والتكنولوجى والاقتصادى والإعلامى، وبنفس القدر فإنه لا يمكن لأى دولة أن تحافظ على مصالحها الحيوية بالاندماج غير المشروط فى هذه العملية فى ظل الاعتماد المتبادل غير المتكافىء، وأن الموقف الصحيح هو التفاعل الإيجابى مع التطورات العالمية. بهدف تغيير علاقات القوى الدولية وإعادة صياغتها على أسس عادلة ومتكافئة وديمقراطية وأن يتم هذا التفاعل لتحقيق هذا الهدف استناداً إلى تحرك مشترك لدول الجنوب يقوم على تحالف متين أساسه المصالح المشتركة لهذه الدول والتحديات المشتركة التى تفرضها عليها ظاهرة العولمة.
مع العلم بأن العولمة ليست قدراً لأفكاره منه رغم، ما تسنتد إليه حالياً من عوامل قوة ورغم أنها ظاهرة صاعدة سوف تواصل صعودها فى السنوات القادمة، إلا أنه يمكن مواجهتها من خلال مقاومة منظمة ومتماسكة تعى أن تاريخ البشرية هو محصلة للصراع الطبقى ورفض الخضوع لمقتضيات القوانين الاقتصادية الخالصة. لقد نجحت الشعوب من قبل وفى ظل ظروف بالغة الصعوبة أن تقهر قوى الاستغلال والاستبداد، وأن تستخلص حقوقها وإرادتها فى مواجهة إمبراطوريات ضخمة وطبقات تملك كل مقومات القوة الاقتصادية والسياسية والثقافية. ولن تكون مواجهة الآثار السلبية لظاهرة العولمة الرأسمالية إلا معركة جديدة فى مسيرة البشرية، معركة تحالف الجنوب فى مواجهة أممية رأس المال التى تأسست من خلال ظاهرة العولمة. أو بمعنى أدق أممية المقهورين والمهمشين والمستغلين فى العالم الثالث المضارين من العولمة فى مواجهة أممية رأس المال.
لمزيد من الفهم لكيفية تنظيم هذه المواجهة وضمان فعاليتها فإنه من المهم أن نتعرف على أممية رأس المال التى تدير الآن العلاقات الدولية. وما هى أهم مؤسساتها وآلياتها للسيطرة على العالم؟ وما هى ضرورات مواجهتها من دول الجنوب؟ وما هو الإطار المؤسسى الذى يجمع دول الجنوب فى نضالها المشترك؟ وما هى القضايا والمصالح المشتركة التى تجمع بينها؟ وما هى استراتيجيات المواجهة وبرامجها النضالية؟ وما هو موقع الديمقراطية منها؟ وموضع العرب من هذه العملية كلها؟

أولاً: العولمة وأممية رأس المال
لا نتجاوز الحقيقة إذا وصفنا ما يجرى فى عالم اليوم لبناء اقتصاد عالمى رأسمالى موحد بأنه يتم فى إطار أممية رأس المال التى تنسق بين مختلف أجنحة الرأسمالية العالمية فى كيان موحد واضح المعالم له قيادته ومؤسساته وآلياته وسياساته.
ولا يتعارض القول بوجود أممية رأس المال مع ما نعلمه من وجود تناقضات بين قوى العولمة نفسها حيث ما تزال المنافسة قائمة بين كل من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان، كما أنها موجودة بين باقى الدول الرأسمالية السبع الكبرى وإذا كانت التناقضات بين الدول الرأسمالية الكبرى قد تحولت فى مراحل تاريخية سابقة إلى تناقضات عدائية كانت السبب الأساسى فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلا أن الدول الرأسمالية الكبرى نجحت بعد ذلك فى تسوية تناقضاتها بوسائل سلمية، وفى ظل العولمة باعتبارها مرحلة جديدة من التوسع الرأسمالى وإعادة هيكلة الرأسمالية مستفيدة من الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة فان قوى العولمة قد نجحت بالفعل فى التوصل إلى آليات فعالة لحل التناقضات بينها من خلال التشاور والتنسيق، ويجرى ذلك فى الاجتماعات الدورية لقيادات الدول الرأسمالية السبع الكبرى كما يجرى حل بعض التناقضات أيضاً فى المنظمات الرأسمالية الدولية كالبنك الدولى وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية.
تدير أممية راس المال عملية العولمة تحت قيادة محددة هى الدول السبع الصناعية الكبرى التى تعقد اجتماعات قمة دورية تدرس فيها الأوضاع الدولية وتتخذ القرارات الموجهة لكل أطراف التحالف الرأسمالى الذى تقوده هذه الدول الكبرى والتى تهدف بالأساس إلى تعميم النموذج الرأسمالى اقتصادياً وسياسياً وفكريا بنشر علاقات الملكية الخاصة الرأسمالية وتصفية أى أنواع أخرى من الملكية وخاصة ملكية الدولة والملكية العامة، ونشر الاعتماد على آليات السوق بإطلاق العنان لقوى العرض والطلب لتتحكم فى أسعار السلع والخدمات دون أى اعتبار لقدرات الناس وإمكانياتهم، وتحرير التجارة الدولية لتعزيز هذه العملية. والترويج للنموذج الغربى فى الديمقراطية وما يتضمن من ليبرالية سياسية ونشر القيم والسلوكيات التى تعزز هذا التوجه الاقتصادى والسياسى.
تستند أممية راس المال فى تنفيذ هذه الأهداف إلى ما تملكه من إمكانيات اقتصادية وسياسية وثقافية وإعلامية جبارة ناجمة عن احتكارها لمجالات خمسة أساسية هى احتكار التكنولوجيا الحديثة، احتكار السيطرة على التحويلات المالية على الصعيد العالمى، احتكار القرار بشأن استخدام الموارد الطبيعية على صعيد كونى، احتكار الإعلام والاتصال، احتكار أسلحة التدمير الشامل النووية وغير النووية.
كما تستند أممية رأس المال فى تنفيذ هذه الأهداف إلى الشركات متعدية الجنسية والمؤسسات الرأسمالية الدولية كصندوق النقد الدولى والبنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية. هذا بالإضافة إلى حلف الأطلنطى والمنظمات الإقليمية المرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الرأسمالية الكبرى مثل منظمة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، ومنظمة التعاون الاقتصادى لبلدان آسيا المحيط الهادى ابيك ومجموعة دول الكومنولث ورابطة الفرانكوفون وغيرها.
يكفى للتأكيد على ما تملكه أممية رأس المال من نفوذ ومصادر قوة أن أكبر خمسمائة شركة متعدية الجنسية فى العالم قد حققت عام 1997 إيرادات بلغت أحد عشر تريليون وأربعمائة أربعة وخمسون مليار دولار (11454) فى حين كان الناتج الإجمالى لدول العالم كله فى نفس السنة 28 تريليون دولار. وتعادل ايرادات هذه الشركات 194% من مجموع الناتج المحلى الإجمالى لكل بلدان العالم الثالث. ويعمل لدى هذه الشركات وفروعها 36 مليون عامل وتحقق أرباحاً صافية 452 مليار دولار. من بين هذه الشركات 175 شركة فى الولايات المتحدة الأمريكية، 150 شركة فى دول الاتحاد الأوروبى، 112 شركة فى اليابان.
ومن ناحية أخرى فإن 20% من دول العالم الأكثر ثراء تستحوذ على 84.7% من الناتج الإجمالى فى العالم، وعلى 84.2% من التجارة الدولية، ويمتلك سكانها 85.5% من مجموع مدخرات العالم.
أما على الناحية العسكرية فقد وسع حلف الأطلنطى أدواره السياسية والعسكرية بتبنى استراتيجية الشراكة من أجل السلام مع بلدان وسط وشرق أوروبا فى قمة بروكسل سنة 1993. وعلى المستوى السياسى وقعت الولايات المتحدة ما سمى باتفاق القرن الحادى والعشرين للتعاون الإقليمى بين الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة فى 3 ديسمبر سنة 1995 وتحددت لهذا التعاون أربع موضوعات رئيسية هى:-
1- العمل على إقرار السلام والديمقراطية فى العالم.
2- توسيع التجارة العالمية وتوثيق العلاقات الاقتصادية بين الطرفين.
3- تدعيم التعاون ضد الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والإرهاب.
4- تعزيز التعاون بين مؤسسات المجتمع المدنى فى قطاعات العلوم والتعليم والثقافة ونصت الوثيقة على أن دور حلف الأطلنطى يشكل علاقة لا غنى عنها بين أوروبا والولايات المتحدة.
ولنا أن نتخيل على ضوء هذه الحقائق حجم القوة الذى تمتلكه أممية رأس المال، وحجم النفوذ الذى تمارسه على العالم كله، وقدرتها على فرض سياساتها، وتنفيذ الآليات التى تسعى من خلالها لتنفيذ هذه السياسات مثل آليات سياسة التثبيت والتكيف الهيكلى وتحرير التجارة الدولية والخصخصة والقروض والمساعدات المالية والفنية وغيرها.

ثانياً: تحالف الجنوب فى مواجهة أممية رأس المال
لدول الجنوب مصلحة أكيدة فى التحالف معاً ضد أممية رأس المال، وهناك إمكانية حقيقية لبناء أممية للمقهورين والمستغلين والمهمشين ضحايا العولمة الرأسمالية فى الجنوب.
ألحقت سياسات العولمة أضرارا كبيرة بدول الجنوب فى مقدمتها:-
- الديون الخارجية باعبائها الباهظة التى تنزح موارد العالم الثالث إلى خارجه.
- المشاكل المترتبة على التبادل الاقتصادى غير المتكافىء المبنى على نمط غير عادل فى التخصص وتقسيم العمل الدولى مثل الانخفاض المتزايد فى أسعار المواد الأولية والزراعية التى تصدرها دول الجنوب وزيادة أسعار السلع المصنعة المستوردة، والأعباء الباهظة التى تفرضها حقوق الملكية الفكرية.
- السياسات الحمائية التى تمارسها دول الشمال ضد صادرات الجنوب مثل المنسوجات والمواد الغذائية.
- إحباط خطط التنمية بسبب علاقات التبعية وترحيل مشكلات العالم المتقدم ليتحملها الجنوب.
- تزايد معدلات البطالة والفقر والتهميش المتزايد لقطاعات أوسع من السكان نتيجة لتنفيذ سياسات التكيف الهيكلى وما ترتب على ذلك من توترات اجتماعية وتعميق الانقسام داخل المجتمع الواحد بين أقلية محدودة تحتكر الثروة والسلطة وأغلبية كاسحة محرومة من ضرورات الحياة.
- المعاناة من مشكلات دولية لها صلة بسياسات العولمة مثل تلوث البيئة وغسيل الأموال وتجارة المخدرات والإرهاب الدولى والتعصب الدينى والعرقى.
تشكل هذه المشكلات والقضايا الأساس الموضوعى لتحالف الجنوب فى مواجهة أممية رأس المال حيث تلتقى مصالحها حول الحد من الأسباب التى خلقت هذه المشاكل أو ساهمت فى تضخيمها. ويكفى أن نعلم هنا أن عدد الدول الفقيرة حيث لا يزيد دخل الفرد عن 400 دولار سنوياً بلغ 80 دولة تقع كلها فى الجنوب من بينها 30 دولة هى الأكثر فقراً وتسمى بدول حزام البؤس حيث بلغت المعاناة الإنسانية أقصى ما يمكن أن تصل إليه. وهى جميعاً من ضحايا العلاقات الاقتصادية الدولية غير العادلة التى تكرسها سياسات العولمة.
ومن المهم أن يسير التعاون بين دول الجنوب فى اتجاهين: الاتجاه الأول تقوية الموقف التفاوضى لهذه البلدان فى علاقتها بدول الشمال وإدخال تعديلات ذات طبيعة هيكلية على العلاقات الاقتصادية الدولية بما يجعلها أكثر عدالة وتكافؤا وديمقراطية، الاتجاه الثانى دعم العلاقات جنوب/ جنوب كوسيلة لتحقيق النمو والتنمية فى بلدان الجنوب على المدى الطويل من خلال توظيف أفضل الإمكانات الطبيعية والبشرية والمادية بما فيها الأيدى العاملة والمهارات والتمويل، بل والسلع الرأسمالية والمصنعة والوسيطة والتكنولوجيا وتنمية التجارة بينها.
لن يبدأ الجنوب مواجهته هذه المرة لأممية رأس المال وسياسات العولمة من فراغ بل هناك تراث نضالى طويل وممتد يستند إليه، وهناك بالفعل خبرات نضالية تم اكتسابها فى الفترة السابقة بعضها إيجابى والبعض الآخر سلبى وهى تشكل فى مجموعها نقطة انطلاق جديدة للفترة القادمة. نجح الجنوب فى مواجهته للدول الاستعمارية السابقة وهى نفس المراكز الرأسمالية المتقدمة حالياً فى بناء تنظيمات خاصة له حقق من خلالها فعالية أكبر وأحرز به بعض المكاسب على طريق دعم استقلاله السياسى والاقتصادى، وإذا كانت هذه المنظمات تعانى حالياً من الضعف والترهل بسبب المشاكل الحادة التى تعانيها دول الجنوب فإنه ليس من الصعب استعادة حيويتها وقدرتها على تعميق التحالف بين دول الجنوب إذا حزمت دول الجنوب أمرها وأدركت أن خلاصها لن يتحقق إلا من خلال نضالها الجماعى وليس من خلال تعميق العلاقات الثنائية بإحدى الدول الكبرى ولا من خلال تعظيم ميزة اقتصادية أو استراتيجية جزئية، والعامل الحاسم فى هذا النضال الجماعى هو وجود وعى جماعى لدى سائر شعوب الجنوب بأنها جميعاً أمام تحد حضارى ووجود مشترك، وأن عليها مهمة مركزية واحدة هى مهمة تحقيق التنمية وترسيخ الاستقلال وبناء الدولة الحديثة وإنهاء هيمنة الشمال السياسية والاقتصادية والفكرية على الجنوب.
يمتلك الجنوب بالفعل إطاراً تنظيمياً يمكن أن ينطلق منه فى بناء تحالفه الجديد. فهناك حركة عدم الانحياز التى عبأت جهود دول الجنوب فى الستينيات من هذا القرن فى اتجاه إقامة نظام اقتصادى دولى جديد يتميز بالعدالة ويساعدها على اللحاق بالدول المتقدمة، ونجحت بالفعل فى عقد مؤتمر الأمم المتحدة الأول للتجارة والتنمية سنة 1964 (انكتاد) الذى تحول إلى جهاز دائم ينعقد كل 4 سنوات، وأصبح بإمكان دول الجنوب من خلاله الدفاع عن مطالبها بتعديل شروط التبادل الدولى كما نجحت فى إنشاء منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) سنة 1966 للمساعدة فى الإسراع بتصنيع العالم الثالث. وتم عقد مؤتمر الغذاء العالمى سنة 1974 الذى أسفر عن إنشاء مجلس الغذاء العالمى. وكان من النتائج الهامة إنشاء مجموعة الـ 77 فى المؤتمر الأول للانكتاد. كما أصدر مؤتمر قمة عدم الانحياز فى هرارى سنة 1989 قراراً بإنشاء لجنة الجنوب برئاسة جوليوس نيريرى وعضوية عدد من أهم مفكرى وقادة الجنوب لدراسة أحوال الجنوب واقتراح السياسات التى تتبع لحماية مصالحة وقد أنجزت اللجنة عملها وأصدرت عام 1991 تقريرها بعنوان "تحديات أمام الجنوب" يتضمن سياسات واقتراحات عملية جديرة بالتنفيذ وتصلح لتكون أساس التحرك الجماعى الجديد لدول الجنوب.
كما تأسست أخيراً مجموعة الـ 15 بوصفها (آلية للتشاور بين البلدان النامية ومتابعة تنفيذ برامج تعاون الجنوب- جنوب وفتح الحوار مع الشمال) وتضم الدول المكونة لها قرابة ثلث سكان العالم وتساهم بنحو 7.8% من الناتج المحلى الإجمالى للعالم، 8% من إجمالى الصادرات العالمية، 8.4% من إجمالى الواردات العالمية. وتجسد هذه المجموعة مسعى من جانب نخبة من دول الجنوب لتحقيق الاعتماد الجماعى على الذات فى إطار عالم اكثر ترابطاً واندماجاً انطلاقاً من أن تعميق التعاون بين دول الجنوب أفقياً ورأسياً من شأنه أن يستكمل من مقومات التنمية والتقدم الاقتصادى ما تعجز عن تحقيقه البرامج الوطنية القطرية.
هناك بالإضافة إلى هذا تنظيمات قطاعية وإقليمية للتعاون بين دول الجنوب مثل منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، منظمة الوحدة الأفريقية، جامعة الدول العربية، مجموعة الدول الثمانى الإسلامية.
ورغم ما تعانيه هذه التنظيمات الآن من ترهل وافتقاد الفاعلية وغياب طابع التمثيل الشعبى فيها مما يجعل نشاطها رهنا برغبة الحكومات، الا أن ما تواجهه دول الجنوب حالياً من مشكلات حادة تهدد وجودها ذاته يمكن أن يحفز هذه الحكومات ويدفعها للعودة إلى التعاون الجاد من أجل التعاون فى حل المشكلات التى تواجهها سواء فى إطار فتح الحوار مع الشمال وممارسة ضغوط جماعية لإعادة صياغة العلاقات الدولية بما يراعى مصالحها، أو من خلال تنمية التعاون بين دول الجنوب فى كل المجالات فى إطار استراتيجية الاعتماد الجماعى على النفس. إن هذا التحرك الجديد رهن بمبادرة من أهم دول الجنوب المؤثرة فى محيطها مثل الصين والهند ومصر وجنوب أفريقيا ونيجيريا والبرازيل.

ثالثاً: استراتيجية وبرامج المواجهة
هناك إمكانية حقيقية لمواجهة العولمة وما ترتب عليها من نتائج بالنسبة لدول الجنوب من خلال استراتيجية الاعتماد الجماعى على النفس، لأنه بإمكان الدول النامية أن تساعد بعضها البعض من خلال المزايا النسبية المتحققة لكل منها طالما أن المساعدات الخارجية النزيهة قد توقفت، وإذا لم يتجاوب الشمال مع مطلب تحسين أسعار صادراتها فإنه بإمكانها أن تتعاون لفرض هذا المطلب كما حدث بالنسبة للبترول فى أوقات معينة، وإذا لم يفتح الشمال أسواقه أمامها تستطيع أن تنشىء أسواقها الخاصة وتوسعها أمام صادرات الدول المماثلة. وهى تستطيع أن تنظم مقاومتها على الصعيد الدولى فى مجالات السياسة والإعلام والثقافة لتضمن المحافظة على استقلالها ودعم إمكانيات تطورها المستقل بما يلبى احتياجات شعوبها أولاً وأخيراً، وهناك العديد من المهام والآليات التى يمكن من خلالها تنفيذ استراتيجية الاعتماد الجماعى على الذات، التى يتوازى معها استمرار التعامل والتفاعل على الصعيد الدولى دون انعزال أو انغلاق للاستفادة من التطورات الإيجابية وتبادل المنافع مع سائر شعوب العالم شمال وجنوب فى إطار من العدالة والتكافؤ والديمقراطية. ومن المهم أن تتضمن البرامج النضالية لتحالف الجنوب فى مواجهتها للعولمة ما يلى بصفة خاصة.
1- تعميق التعاون الاقتصادى للاستفادة من الإمكانيات والموارد البشرية والمادية المتاحة لدى بلدان الجنوب والتركيز بصفة خاصة على التعاون فى مجال تنمية الموارد البشرية والتنسيق المالى وإقامة بنك الجنوب وتأسس منتدى للدول المدينة تتفاوض مع الدول الدائنة لحل مشكلة المديونية بما لا يعوق عملية التنمية، هذا بالإضافة إلى تطوير التجارة بين دول الجنوب وتحسين أوضاعه فى الأسواق العالمية من خلال التحكم فى عرض السلع التى ينتجها، وتنسيق السياسات فى مجالات لها أهمية خاصة مثل الأمن الغذائى والتكنولوجيا. وهناك صيغ هامة لتحقيق هذا التعاون مثل إقامة اتحادات لمنتجى السلع كما حدث بالنسبة لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبيك)، وقد أنشئت بالفعل 12 رابطة مماثلة عام 1973 لمنتجى بعض السلع الهامة التى تصدرها دول الجنوب مثل الفلفل والمطاط والأخشاب وخام الحديد والجوت والشاى والسكر.. الخ. لكنها لم تنجح فى تحقيق أهدافها، وبالتالى فقد تكون الأولوية لدراسة أسباب عدم فاعلية هذه الاتحادات وكيف تنجح فى دعم المركز التفاوضى لدول الجنوب فى الأسواق العالمية والمحافظة على أسعارها من الانهيار. هناك أيضاً صيغة الأسواق الإقليمية وهى أحد أشكال الاعتماد الجماعى على النفس التى يزداد انتشارها، حيث سيؤدى إنشاء أسواق إقليمية مشتركة فيما بين دول الجنوب إلى زيادة عمليات التصنيع بعد التغلب على مشكلة ضيق السوق المحلى لكل دولة.
2- تطوير سياسة متكاملة للبحث العلمى والتطوير التكنولوجى لدول الجنوب وإنشاء مؤسسات مشتركة عابرة للقوميات لتنفيذ هذه السياسات. وقد يساعد فى ذلك اقامة منظمة للتعاون الاقتصادى والتنمية لدول الجنوب أو قطاعات منها تركز على ابتكار تكنولوجيا ملائمة لقدرات دول الجنوب يمكن تطبيقها فى دول مماثلة لحل مشكلات التنمية، ومن المهم أن يتم التعاون التكنولوجى والعلمى بين دول الجنوب فى إطار نظرة مركزية شاملة لتشجيع وتنظيم تبادل الخبرة والبحوث التعاونية بما يحقق الأهداف الأساسية لهذا التعاون. كما تعمل أيضاً على إدارة المفاوضات مع الشمال من أجل التجاوب مع متطلبات التطور التكنولوجى والتنمية فى دول الجنوب والوصول إلى علاقات جديدة وفق أسس عادلة.
3- التعاون فى مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبلورة نموذج تنموى جديد متمحور على الذات يجمع يبن الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، يكون فى نفس الوقت متمحوراً على الإنسان من حيث توفير المشاركة الشعبية وحماية البيئة والخدمات الاجتماعية والتنمية الثقافية.
4- تنمية التعاون والتنسيق فى مجال الإعلام والثقافة فى مواجهة احتكار المراكز الرأسمالية هذا المجال، وضرورة امتلاك دول الجنوب أدوات إعلامية على الصعيد الدولى قادرة على الوصول إلى شعوب الشمال برؤية إنسانية تقنعها بالتعاطف مع قضايا الجنوب ومشاكله وتساهم فى بلورة رأى عام شعبى ضاغط فى المراكز الرأسمالية المتطورة من أجل مراعاة مصالح شعوب الجنوب. وتكون هذه الأدوات الإعلامية المشتركة لدول الجنوب قادرة فى نفس الوقت على مواجهة المؤثرات الثقافية الخارجية وخاصة ما يتصل منها بالقيم التى تروج للنموذج الرأسمالى الغربى.
5- التعاون السياسى بين دول الجنوب فى القضايا والمشكلات الدولية ولتطوير العلاقات الدولية بما يحمى المصالح المشتركة للإنسانية، وتوسيع هذا التعاون بحيث لا يكون قاصراً على الحكومات بل يشمل أيضاً الأحزاب السياسية والبرلمانات والمنظمات غير الحكومية، ويركز على القضايا الأكثر أهمية مثل نزع السلاح وحل المنازعات الدولية سلمياً ومشاكل البيئة والإرهاب الدولى وتجارة المخدرات... الخ. وطرح رؤية متكاملة لإصلاح الأمم المتحدة كشرط ضرورى لإعادة صياغة العلاقات الدولية وفق أسس ديمقراطية بما يؤدى إلى تمكين دول الجنوب من المساهمة بفعالية فى صياغة السياسات والعلاقات الدولية. والتركيز فى هذا الصدد على إجراء تطوير نوعى فى هيكل صنع القرار بالأمم المتحدة وفى أدوارها من خلال تصور شامل يضمن التوازن بين هيئات الأمم المتحدة الثلاث الرئيسية: الجمعية العامة، مجلس الأمن، محكمة العدل الدولية، وإنهاء ممارسة حق النقض فى مجلس الأمن. وتوسيع العضوية الدائمة بالمجلس لتشمل المناطق والثقافات الكبرى فى العالم وخاصة من خلال بلاد مثل الهند ومصر ونيجريا والبرازيل وليس ألمانيا واليابان فقط. والاهتمام أكثر بالوظائف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأمم المتحدة. والبحث الجاد فى إمكانية إنشاء مجلس الأمن الاقتصادى. وإنهاء هيمنة الدول العظمى وخاصة الولايات المتحدة على الأمم المتحدة.
6- مواجهة أممية رأس المال على الصعيد العالمى من خلال شبكة دولية للمنظمات غير الحكومية التى تطرح رأى شعوب الجنوب فى القضايا والمشكلات العالمية. وقد برزت أهمية التحرك النشط للمنظمات غير الحكومية لدول الجنوب على الصعيد الدولى من خلال المؤتمرات الدولية التى نظمتها الأمم المتحدة فى السنوات الأخيرة مثل مؤتمر قمة الأرض فى ريودى جانيرو سنة 1992، ومؤتمر السكان والتنمية بالقاهرة فى سبتمبر 1992، ومؤتمر حقوق الإنسان فى فينا سنة 1993، ومؤتمر المرأة العالمى فى بكين سنة 1995. وقد نجحت المنظمات غير الحكومية التى شاركت فى هذه المؤتمرات فى طرح قضية التنمية الاجتماعية بدلاً من التركيز فقط على النمو والتنمية الاقتصادية، وحدثت بالفعل مواجهة بين المنظمات غير الحكومية وصندوق النقد والبنك الدولى والدول السبع الصناعية الكبرى فى هذه المؤتمرات بما يعزز وجهة نظر الجنوب مما أدى إلى تراجع هذه الأطراف الممثلة للعولمة الرأسمالية واعترافها بضرورة مراعاة البعد الاجتماعى لسياسات التكيف الهيكلى. ومن المهم فى هذا الصدد أن يتم التنسيق بين المنظمات غير الحكومية لدول الجنوب فى التحرك حول القضايا أو المشكلات المشتركة وأن يتم تبادل المعلومات والخبرة وتطوير قدرات أعضائها على إنشاء علاقات مع المنظمات غير الحكومية فى دول الشمال وإقناعها بتبنى وجهة نظرها فى المحافل الدولية.
وإذا كانت حكومات الجنوب لا تبدى حتى الآن قدرة كافية لمواجهة سياسات العولمة والتصدى بحزم فإن تطبيق استراتيجية الاعتماد الجماعى على النفس وما تتطلبه من جهود وبرامج لمواجهة الآثار السلبية للعولمة يشترط نضالاً شعبيا واعياً فى دول الجنوب من أجل تحقيق مزيد من التطور الديمقراطى الذى يكفل قيام نظم حكم ديمقراطية معبرة عن المصالح الأساسية لشعوبها وقادرة استناداً إلى تأييد شعبى حقيقى على التصدى لسياسات العولمة وأثارها السليبة بإزالة كل ما يعوق التطور الاقتصادى والاستفادة من منجزات الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة والتعاون الاقتصادى فى إطار تكتلات إقليمية وتنمية هذا التعاون مع سائر دول الجنوب، وبالإضافة إلى النضال من اجل التطور الديمقراطى داخل كل قطر فان الجهود الشعبية مطلوبة لإقامة مجتمع مدنى عابر للقوميات لدول الجنوب يتشكل من اتحادات وروابط تضم المنظمات غير الحكومية المتماثلة والحركات الاجتماعية النشطة وبحيث يقوم المجتمع المدنى عابر القوميات لدول الجنوب بدور مؤثر فى تكوين رأى عام عالمى مساند لقضايا الجنوب سواء بالتفاعل مع المنظمات غير الحكومية لدول الشمال أو بمواجـهة حكومات الشمال فى المؤتمرات الدولية التى تعقد لمناقشة المشاكل الدولية المعاصرة.
وهكذا تصبح الجهود والنضالات الشعبية الشرط الأساسى لإمكانية تطبيق استراتيجية مشتركة لدول الجنوب فى مواجهة أممية رأس المال.

رابعاً: موقع العرب من تحالف الجنوب
للعرب مصلحة أكيدة فى القيام بدور نشط لتعزيز تحالف الجنوب فى مواجهة العولمة وأممية رأس المال فقد عانت معظم الأقطار العربية فى السنوات الأخيرة من سياسات العولمة فى جوانبها الاقتصادية والسياسية والثقافية فقد اضطرت معظم الأقطار العربية إلى تنفيذ سياسات التكيف الهيكلى والتحول إلى اقتصاد السوق والقبول بالاندماج فى السوق الرأسمالى العالمى فى ظل شروط غير مناسبة لها، وقد اضطرت إلى ذلك بعد أن عجزت عن سداد مديونياتها الخارجية الكبيرة ونتيجة لهذه السياسات تواجه معظم الأقطار العربية مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة كالبطالة والفقر واتساع نطاق الفئات المهمشة وتدنى مستويات المعيشة لقطاع كبير من السكان وتآكل الطبقة الوسطى التى ظلت لسنوات طويلة قاعدة التقدم والتحديث فى المجتمع، هذا بالإضافة إلى تصاعد التوتر الاجتماعى واللجوء إلى العنف لحل الخلافات السياسية وتصاعد نفوذ جماعات الإسلام السياسى الأصولية المعادية بطبيعتها للديمقراطية والعقلانية وتعلل الحكومات العربية بهذه الظاهرة فى تعطيل أى تطور ديمقراطى بحجة حماية الأمن القومى، وما تزال معظم الأقطار العربية تعانى من ضعف الاستثمارات المتاحة والعجز عن زيادة معدلات الادخار وإلغاء القيود المفروضة على التجارة الخارجية فى ظل ضعف الصادرات والاعتماد على الخارج فى توفير مستلزمات الإنتاج واستيراد كثير من المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية مما تسبب فى اختلال موازيين المدفوعات والاضطرار إلى الاستدانة مرة أخرى لسد العجز فى هذه الموازين ولم تقتصر معاناة العرب من سياسات العولمة على الجانب الاقتصادى بل يتعرض النظام الإقليمى العربى لهجوم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الرئيسية الفاعلة فى النظام الدولى لإعادة هيكلته لصالح مشروع النظام الإقليمى الشرق أوسطى التى تلعب إسرائيل فيه دورا أساسياً وقيادياً. وتتدخل فيه قوى إقليمية أخرى صديقة لإسرائيل مثل تركيا، وتركز الولايات المتحدة على توليد مصالح شرق أوسطية تكون إسرائيل طرفا أساسياً فيها على حساب المصالح العربية والتكامل العربى، وتركز فى نظرتها إلى النظام الإقليمى الذى ينبغى أن يقوم فى المنطقة على أساس الجغرافيا الاقتصادية ونبذ الجغرافيا السياسية والانتماء القومى ومفاهيم المصلحة القومية وتوازن القوى، التى تعد من وجهة نظر الولايات المتحدة وقوى العولمة مصدرا للعدوات والكراهيات والحواجز النفسية ومفجرا للصراعات والحروب وتتجاهل أن الحروب والصراعات فى المنطقة كان سببها الأساسى اغتصاب إسرائيل للأراضى الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطينى من حقوقه الوطنية المشروعة وحقه فى أقامة دولته الوطنية المستقلة. ولم تقتصر معاناة العرب من سياسات العولمة فى جانبها السياسى على أضعاف النظام الإقليمى العربى ومحاولة إقامة نظام إقليمى بديل على انقاضه بل هناك أيضاً اصرار الولايات المتحدة وقوى العولمة على انتهاز الضعف الواضح فى القوى العربية حاليا وانهيار التضامن العربى وتصاعد الخلافات العربية لتمرير تسوية سياسية للصراع العربى الصهيونى تستفيد من الضعف العربى فى توقيع اتفاقيات ثنائية مع إسرائيل لا تحقق الحد الأدنى من الحقوق العربية بصفة عامة وحقوق الشعب الفلسطينى بصفة خاصة، وأن تكون هذه الاتفاقيات مصحوبة بإنهاء المقاطعة العربية لإسرائيل وإقامة علاقات اقتصادية وسياسية وثقافية كاملة معها والاعتراف بها كطرف أساسى فى المنطقة، وبذلك يتم التضحية بالحقوق العربية بالاستفادة من انفراد الولايات المتحدة بالنفوذ العالمى ومساندتها لإسرائيل. من هنا فان العرب الذين كانوا فى مقدمة ضحايا سياسات العولمة والذين يعانون منها حاليا من مصلحتهم أن يشاركوا فى الجهود التى تبذلها دول الجنوب من أجل تحسين وضعها التفاوضى مع دول الشمال وتسوية مشاكلها على أسس عادلة وإقامة نظام دولى جديد على أسس ديمقراطية، كما أنه من مصلحتها أن تستفيد من التكامل بينها لتعميق التعاون الاقتصادى والتنمية التكاملية بين كافة

الأقطار العربية، والاستفادة من ذلك فى دعم روابط التعاون والتكامل بين دول الجنوب عامة. وبذلك يساهم العرب بدور ملموس فى التصدى للآثار السلبية لظاهرة العولمة ودعم تحالف الجنوب فى مواجهة أممية رأس المال.
المراجع

1- تادى أكين أينا، العولمة والسياسة الاجتماعية فى أفريقيا، المجلس القومى لتنمية البحوث الاقتصادية والاجتماعية (كوديسريا)، داكار، إصدار وترجمة مركز البحوث العربية، القاهرة . جمهورية مصر العربية، 1999.
2- سمير أمين، فى مواجهة أزمة عصرنا، دار سينا للنشر، القاهرة، جمهورية مصر العربية، الطبعة الأولى، 1999.
3- د. إسماعيل صبرى عبد الله، توصيف الأوضاع العالمية المعاصرة- سلسلة أوراق مصر 2020 رقم 3، منتدى العالم الثالث، القاهرة، جمهورية مصر العربية، يناير 1999.
4- بول هاريسون، العالم الثالث غدا، ترجمة مصطفى أبو الخير عبد الرازق، الهيئة المصرية العامة الكتاب، مكتبة الأسرة 1999، القاهرة.
5- هانس بيترمان- هارالد شومان، فخ العولمة، ترجمة د. عدنان عباس على، سلسلة عالم المعرفة رقم 238 المجلس العظمى للثقافة والفنون والآداب، الكويت أكتوبر 1998.
6- عالم الفكر، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب- دولة الكويت، المجلد 27 العدد الثالث يناير/ مارس 1999، المجلد الثامن والعشرون العدد الثامن أكتوبر / ديسمبر 1999.
7- مصطفى مجدى الجمال، تنظيمات الجنوب ومصر. أى مستقبل، دراسة خلفية لدراسة مستقبل الجنوب ضمن مشروع مصر 2020، مركز البحوث العربية- دراسة غير منشورة، القاهرة، أكتوبر 1999
8- التقرير الاستراتيجى العربى، مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية بالأهرام ، القاهرة 1994، 1995، 1998
9- مجلة السياسة الدولية، الأهرام، القاهرة، العدد 131 يناير 1998، 133 يوليو 1998، 134 أكتوبر 1998.



#عبد_الغفار_شكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عروبة مصر والصراع العربى الصهيونى
- الأمن العربي والتقدم العلمي
- الطبقة الوسطى والمستقبل العربى
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الثالث
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الثانى
- العولمة والديمقراطية فى الوطن العربى
- تطور الفكر الاشتراكى فى مصر1970-2000 الجزء الأول


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبد الغفار شكر - تحالف الجنوب فى مواجهة أممية رأس المال