أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - من التحرر السياسي إلى الانبعاث الثقافي والأخلاقي















المزيد.....

من التحرر السياسي إلى الانبعاث الثقافي والأخلاقي


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3171 - 2010 / 10 / 31 - 16:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حاجة مجتمعاتنا المعاصرة إلى الانبعاث الثقافي والأخلاقي لا تتدنى عن حاجتها إلى التحرر السياسي والعدالة القانونية. لكن بينما يقتضي التحرر السياسي مواجهة الاستبداد الداخلي أو الخارجي وقيام نظم سياسية عادلة وتحررية، فإن الانبعاث الأخلاقي والثقافي يمر عبر مواجهة الديني أو الاشتباك معه، ونشوء نظم قيمية إنسانية وتحررية. هذا صراع مديد عسير، إلا أنه لا غنى عنه من أجل تجددنا النفسي وانفتاح آفاقنا الروحية. عبر الصراع مع المجمل الإسلامي، العقدي والتشريعي والتاريخي والثقافي، يمكن أن تتشكل سيادة إنسانية شجاعة، يؤسس افتقارنا إليها اليوم لوهن قيم الحرية والتحرر السياسي والاجتماعي. ويؤسس أكثر لتدهورنا المعنوي والثقافي الذي إن لم يفق تدهورنا المادي والسياسي، فإنه عامل تثبيت له (رغم المنازعة السياسية المحتملة).
هذا ليس لأن الدين، الإسلام أساسا، هو اسمنا العالمي ومنبعنا الروحي وعنوان ثقافتنا، ولا لأنه من الواضح جدا أننا في أزمة دينية وروحية اليوم، وأن الإسلام في قلب هذه الأزمة، ولكن كذلك لأنه مستودع النماذج الأولية لمفاهيم أساسية في أي ثقافة كالوحدة والسيادة والعبدية والخلق والقدرة والإنسان والجماعة والعدل...، مفاهيم يتعذر تشكل ثقافة متحررة جديدة دون صراع معها ودون تحويلها إنسانيا.
الإسلام دولتنا الروحية والثقافية، وتحررنا الروحي والثقافي يمر عبر "تحويل ديمقراطي" لهذه الدولة. هذا التحول وحده يمكن أن يحوز طاقة هيمنية، تؤسس لتشكل أكثريات/ أمم جديدة، الأمر الذي لا يستجيب له أي من التيارين الكبيرين اليوم في مجتمعاتنا المعاصرة، التيار الإسلامي والتيار الحداثوي. الأول ينكر الأزمة الدينية والثقافية والحاجة إلى الانبعاث الديني والأخلاقي، ويرفض بالطبع الصراع مع دولتنا الثقافية، ذلك أن "الإسلام هو الحل"؛ أما الثاني فينكر الأزمة أيضا، ويرفض الصراع بدوره، وهذا لأن "الحداثة هي الحل"! فلم الصراع مع "الدولة الثقافية" إن كنت متيقنا من "الحل"، إلا أن يكون صراعا ضدها حصرا!
نتكلم على انبعاث لأن الكلمة تجمع بين الإحياء وبين التجدد، وتتضمن إقرارا بفقدان مكانة وإرادة استعادتها. لا نتصور انبعاثا يقطع كلية مع الموروث العربي الإسلامي، لكن بالمقابل لا نتصور انبعاثا لا يكون انعتاقيا، ينزع سيادة الموروث السياسة والعقلية، فيضفي عليه الصفة النسبية والتاريخية، ويدرجه في تركيبات اجتماعية وثقافية وسياسية جديدة، مهيمنة، فيصبح ملكا لنا بدل أن نكون مملوكين له.
نظامنا الثقافي ككل، و"الإسلام" واللغة العريية ركناه الأساسيان، في أزمة جوهرية، ليس أقل وجوهها شأنا ضعف إسهامنا في صنع معنى العالم وفي إبداعات العالمين، وليس أبرز مظاهرها تدهور علاقتنا، موصوفين عربا أو مسلمين، بالعالم الحديث. أهم من هذا وذاك أن ثقافتنا لا توفر التغطية الفكرية والقيمية والرمزية لشروط حياتنا المعاصرة، ولا يبدو أنها تزودنا بما يلزم من أدوات لفهم هذه الحياة أو لإصلاحها أو حسن التكيف معها. من هذا الباب لا مناص من مواجهة جدية لهذا النظام والعمل على إعادة تشكيله في صورة جديدة، تاريخية وإنسانية ونسبية.
والطابع الجوهري للأزمة والانعتاقي للتحول المطلوب يفوت كل التيارين المهيمنين في ثقافتنا اليوم. يمزج التيار المنسوب للحداثة بين تقرير جوهرية الأزمة (في صيغة: "الإسلام هو المشكلة" أحيانا) وبين الطابع الهزيل والإجرائي لما يقترح من حلول: تصور تبشيري وفقير للعلمانية، وقانوني شكلي للنظام الاجتماعي، ومفاهيمي شكلي أيضا للمعرفة. ينكر الحداثيون الخلص منطق الانبعاث، وما يقتضيه من اشتباك متعدد المستويات مع الميراث التاريخي، فيجعلون الانعتاق المأمول قفزة عدمية وغير عقلانية.
أما الإسلاميون فينكرون البعد الثقافي والروحي للأزمة، ويردونها إلى أزمة سياسية، سببها نظمنا السياسية والحداثة كنظام سياسي وثقافي دولي. تصورهم للأزمة هزيل جدا، والانعتاق غير متصور على أساسه، ولا الانبعاث، اللهم إلا أن يكون هذا "تجديدا"، ينفض الغبار عن أصل إسلامي ثابت لا يكف عن مشابهة ذاته وإثبات صلاحيته العابرة للأزمنة والأمكنة.
ضد هذين معا نحتاج إلى الإقرار بجوهرية الأزمة وجوهرية المعالجات معا. أي إلى إدراك العمق الثقافي والديني لأزمتنا، والحاجة إلى التجدد الثقافي والديني. ونرى أن ذلك يمر عبر صراع واسع مع المجمل الإسلامي تطلعا إلى الانعتاق التام من قيودنا الداخلية والخارجية.
هذا صراع مأساوي ومنتج للمعنى أكثر بلا شك من الصراع الضروري والواجب مع صيغ الحكم الاستبدادية. وأكثر من الصراع مع الحداثية التي هي مجرد تشكل طرفي وطفيلي للحداثة الغربية. ثم أن الصراع مع الديني ضمانة للجذرية الفكرية، وللعدالة والاستقامة. إنه لدرس في التربية الأخلاقية لا منافس له أن نتمكن من منازعة الديني على أرضية قيم التحرر والعدالة والإنسانية. بالمقابل، لا نتصور تحررا صميميا وثورة روحية وأخلاقية دون خوض هذا الصراع الشاق.
وإلى ذلك كله يمكن لهذا الصراع أن يكون الأقل نخبوية بين صراعاتنا والأكثر تأهيلا من حيث المبدأ للمصالحة بين "العقل" و"الشعب"، فاتحا الباب لتجاوز ذلك "الفصام النكد" الذي ميز حداثتنا الواقعية بين ثقافة نخبوية غير قابلة للتعميم وللهيمنة، وبين جمهور متروك للعامية والتحجر. أي بالفعل بين طائفية وطائفية. هذا في تقديرنا هو المأخذ الأكبر على الحداثية. إنها نخبوية وليست ديمقراطية، وإطلاقية وليست إنسانية، وعنيفة وليست جذرية، ومتزمتة وليست متسامحة. هذا ما يضعها على تناقض مع الحداثة الغربية التي جمعت دون ريب بين العقلانية والشعبية، وكانت ديمقراطية لذلك بالذات.
ما يفوت حداثيتنا هو ربط الصراع مع الديني بتطلع إنساني وتحرري وديمقراطي.
مثل ذلك يفوت الإسلاميين أيضا. إنهم يوالون مثالا للسلطة مطلقا، يطيح بما يحتمل وجوده من حس عدالي وتحرري عند بعضهم في صراعهم مع السلطات المحلية والدولية.
سؤال: ألا يقود نقد الحداثية إلى نسبنة نقد الإسلامية؟ وتاليا إلى تخفيف وقع هذا النقد الأخير؟
هذا محتمل. لكن لا نرى مناصا من النقد، لكون الحداثية تشكل نقدي زائف، يشوش قضايا نقد الإسلامية والصراع معها، أو يسخرها لتطلعات وأجندات جزئية عاجزة عن الهيمنة. أي طائفية. من الضروري لذلك إدراج نقد الحداثية في سياق النقد الأساسي للإسلامية.
هل يكون الصراع مع المجمل الإسلامي ممرا إجباريا لانبعاثنا الثقافي والأخلاقي؟ إلى حد كبير. بأبعاده الروحية والأخلاقية والتشريعية والسياسية والميتافزيقية، لطالما كان الإسلام متن ثقافتنا ومركز ثقلها. ولذلك فإن من شأن الاشتباك الفكري والنفسي والأخلاقي معه أن يؤسس لثقافة أغنى مما يتيحها التجنب. هذا مع ملاحظة أن تجنب الاشتباك يكاد يكون مستحيلا.
وأن المسألة في النهاية هي الانبعاث والانعتاق، لا التبعية والالتحاق، ولا التحرر السياسي وحده.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطور معكوس: الطبيعة والماضي يسيطران... والخارج أيضا
- في شأن -الثمرة المحرمة- وأصول الكلام الصحيح
- نظرة عامة إلى بعض ملامح الاجتماع السياسي السوري المعاصر
- هذا التفاوض متهافت، و-عملية السلام- كاذبة
- التمركز حول الدين في تنويعتين إيديولوجيتين
- محمد أركون.. منقذا من الضلال!
- الإصلاح الإسلامي: من -الدين الصلب- إلى -الدين اللين-
- خسر العلمانيون، وفازت العلمانية!
- هل المثقفون مسؤولون عن نوعية تلقي أعمالهم؟
- -النظرية الثقافوية في التاريخ- ووكلاؤها العامون
- الغيلان الثلاث وأزمة الثقافة العربية: مقالة غير عقلانية
- ياسين الحاج صالح في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول : الي ...
- إسرائيل ك-لاعدل- جوهري مستمر
- الدولة، الدولة أيضا، الدولة دوما
- في -السياسة الطبيعية- والمشكلات غير السياسية
- أهي نهاية الحداثة السياسية العربية؟
- في الخروج من بنية مغلقة لا مخرج منها
- التدين الإسلامي والحاجة إلى أخلاقية عامة
- في شأن النقاب وحركة التنقّب الاجتماعي
- -المسألة النِّقابية- وعبء المرأة المسلمة


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - من التحرر السياسي إلى الانبعاث الثقافي والأخلاقي