خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3170 - 2010 / 10 / 30 - 14:52
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
يشكل الاحساس بعداء الولايات المتحدة الامريكية احد مرتكزات التكوين النفسي الاجتماعي العالمي, ولا تلام هذه المجتمعات عليه. فنهج الولايات المتحدة السياسي معاد لمصالح قوميات المجتمع العالمي ودولها, وهو اخذ في تصاعد يعكسه مقدار احساس الشعوب بالشماتة بالولايات المتحدة كل ما اصابها ازمة ما,
لقد بات التحالف في الصراع ضد الولايات المتحدة الامريكية سياسيا واقتصاديا, احد الموجهات النفسية التي تحكم الاتفاقيات البينية الدولية, حتى وإن لم تنعكس بصورة مباشرة بهذه الاتفاقيات, فموضوعيا بات كل اتفاق دولي ثنائي او جماعي يحقق مصالح لقوميات ودول المجتمع العالمي هو بصورة موضوعية معاد لمصالح الولايات المتحدة الامريكية ونفوذها.
فحتى انظمة الدول الحليفة للولايات المتحدة الامريكية, تجد ان الحد الادنى لعلاقاتها بها, يرتكز الى الصراع معها, حيث تمس مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية ومصالح نفوذها السياسي ومصالحها الامنية, احساس هذه الانظمة بكرامتها واستقلالها وسيادتها القومية, ان حركة الولايات المتحدة تعتمد على الضغوط التي تمارسها ضد الجميع ويحكم علاقاتها بهذا الجميع سيف القوة والتفوق الاقتصادي التقني بصورة عامة والعسكري بصورة خاصة.
لقد اثبت تاريخ علاقة الولايات المتحدة الامريكية بالعالم سلامة استنتاجنا هذا, فليس هناك من دولة ومجتمع في العالم سيمتنع عن نهش لحم قوة ونفوذ الولايات المتحدة العالمي اينما ووقتما سنحت له الفرصة لذلك, ولعلنا نحن الفلسطينيون اكثر المجتمعات العالمية احساسا بالعداء للولايات المتحدة الامريكية, رغم انه يخيل لقيادتنا الفلسطينية, اننا اضعف واعجز مجتمعات العالم عن امكانية الحاق الاذى بها, وهو الامر الذي تختلف به الرؤية الشعبية الفلسطينية عن رؤية قواها السياسية و قيادتها, في منظمة التحرير وفي السلطة الفلسطينية, الى درجة ان باتت هذه المسالة بصورة غير مباشرة, احد مواضيع الخلاف والانشقاق والحوار داخل المجتمع الفلسطيني.
ان موقف ونهج الولايات المتحدة الامريكية في ضمان وجود وبقاء وتفوق اسرائيل, ترصف طريقه بعداء الحقوق الانسانية الفلسطينية, و بالتضحية بذات الوجود القومي الفلسطيني, الى درجة احس معها الفلسطينيون ان نظرة الولايات المتحدة لهم سقط منها الاعتبار الانساني, ولم يعد من مجال ان تستعيد نظرتها هذا الاعتبار, مما يعكس احساسا عاليا بالاالم يتفاقم مع كل عملية الذبح المنهاجية التي تمارسها الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل ضدهم و باموال وتقنية وعامل بشري ونفوذ سياسي امريكي, حتى لقد انقطع الامل الفلسطيني بموقف انساني يمكن ان تتخذه الولايات المتحدة الامريكية ازائهم. فبلغ شعورهم بالعداء والحقد مداه الاقصى, اي المدى الذي يبحثون فيه عن كيفية الحاق الاذى بالولايات المتحدة الامريكية مهما كانت النتائج,
هنا لا يمكن التغاضي عن ان اختلاف الموقف من الولايات المتحدة الامريكية والاختلاف حول كيفية التعامل معها, كان احد اسباب وعوامل الانشقاق السياسي الفلسطيني, الذي لم ترى فيه للاسف الولايات المتحدة مؤشرا يحذرها من مخاطر استمرارها في نهج معاداة الفلسطينيين, وعلى العكس فقد رات فيه فرصة لمزيد من مساومة الفلسطينيين على وجودهم وحقوقهم, وفرصة لتقديم المزيد من الدعم والاسناد للعدوانية والتوسعية الصهيونية الاسرائيلية, فلم يكن غريبا ان ينحاز بصورة ارادية قسما من القوة السياسية الفلسطينية للانظمة والقوى الاقليمية التي تعلن عدائها للولايات المتحدة الامريكية كسوريا وايران, وحزب الله في لبنان, وان يضعف ذلك القسم الباقي من القوة الفلسطينية التي تقبل اليد الامريكية وتدعوا عليها ايضا بالكسر, ان الولايات المتحدة الامريكية حقيقة تبني الحلف العالمي الذي سيسهم في الحاق الهزيمة بها.
ان محدودية تاثير العداء الفلسطيني في وضع نفوذ الولايات المتحدة السياسي في المنطقة, لا يعود الى عدم وجود العداء له, بل يعود الى عدم وجود برنامجية فلسطينية تقرأ وضع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة ومصالحها, الى درجة تؤثر معها بشكل خاص مستقل بهذا النفوذ وهذه المصالح, فالقوة السياسية الفلسطينية اتكالية منقسمة في حركتها, منها من يتكل على حلفاء الولايات المتحدة ومنها من يتكل على من يعاديها, فالقوة السياسية الفلسطينية لذلك, لا تزال نمرا من ورق كما في قول ماوتسي تونغ, ولما تصبح بعد نمرا حقيقيا, يعادي الولايات المتحدة الامريكية, كما كانت في سابق عهد فترات الثورة المسلحة والانتفاضات الشعبية الفلسطينية.
هل سيمر وقت طويل حتى تدب الحياة في هذا النمر؟
ان الصراع في المنطقة في حالة تفاعل حي, ينحدر مركز اتخاذ القرار الرئيسي فيه هبوطا الى موقع الطبقات الشعبية من المجتمع, وهي التكوين الانساني الذي يكن اكبر حجم عداء للولايات المتحدة وحلفائها وادواتها, ومن الغباء عدم قراءة ان تاريخ اتجاه مركز القرار الى مواقع الطبقات الشعبية بدأت حركته مع المبادرة الفلسطينية في اطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965, وان حجم المتغيرات الديموقراطية الكبير الذي نتج عن هذا المسار منذ ذلك الوقت يحمل تهديدا قويا للنفوذ السياسي للولايات المتحدة الامريكية في المنطقة, وان لم يبلغ بعد في مضامينه الديموقراطية حد الارتقاء الى رؤية افق وحدة التوجه القومي في تعددية المسارات, وبرمجيتها, لكنه لا شك انه في طريق الوصول اليه وبلوغه, وهي مجرد مسالة وقت حين تفاجأ الولايات المتحدة في انها بمواجهة ليس نمرا واحدا فحسب, بل غابة من النمور,
ان حركة المقاومة الوطنية والديموقراطية العراقية, والحركات الديموقراطية الاخرى ليست سوى حواضن اقليمية تتكافل على مهمة تكاثر النمور, وبالطبع منها احياء نمر التحرر الوطني الفلسطيني, واخراجه من يد طبابة التفاوض ويد طبابة المقاومة الازعاجية, ولعل هذا اكثر ما تخشاه الولايات المتحدة الامريكية في الصراع الراهن مع ايران واحجامها عن اللجوء للقوة المسلحة, فهي تخشى ان يصبح الوضع الايراني حاضة اخرى جديدة لولادة حركة تحرر وطنية ديموقراطية اقليمية جديدة, فهي بالكاد تستطيع حفظ ماء وجهها في افغانستان والعراق.
ربما يكون هذا الاحتمال هو احد التوقعات التي قرأت الولايات المتحدة انها ستنجم عن مخطط مهاجمة ايران عسكريا, وربما يكون ذلك من عوامل اختلافها مع ركيزتها الاقليمية في التفوق, اسرائيل, حول كيفية معالجة الوضع الايراني, لا الملف النووي الايراني كما يشاع, لذلك نجد الولايات المتحدة تحاول توفير افضل ما تستطيع من شروط بهذا الصدد,
ان استثارة الخلاف المذهبي السني الشيعي الاسلامي, وتوظيف عداء الشرعية الدولية لمقاصد تحرر القوميات وطنيا, واستثارة نزعات الخلافات الاثنية العرقية والثقافية, وتعميق فارق التفوق العسكري السياسي بين المجتمعات القومية واسرائيل, كل ذلك يؤشر الى ان الولايات المتحدة بصدد الابقاء على الخيار العسكري في نهجها السياسي العالمي خيار اخيرا, ستلجأ اليه على مضض بعد استنفاذ خياراتها الاخرى, وهو امر يشكل مؤشرا على تراجع وزن تاثير المجمع الراسمالي الصناعي العسكري في القرار السياسي الامريكي, خصوصا في ظل الازمة الاقتصادية التي تعصف بالولايات المتحدة والتي كانت نتيجة لحدوث متغيرات نوعية في بنية هيكل عوامل تمركز الثروة, والذي نتج عنه اعلى تمركز للثروة في التاريخ الانساني..
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟