أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - في انتظاره-قصة قصيرة















المزيد.....

في انتظاره-قصة قصيرة


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 3170 - 2010 / 10 / 30 - 07:14
المحور: الادب والفن
    


على مهلي أسيرُ. تتمايلُ أغصانُ اللبلابِ من حولي. لم أعُدْ تلكَ الطفلة ابنة العاشرة التي التهمَ الصّيادُ جدّتها. ها أنا أعودُ إلى الغابة بحثًا عنه. ترافقني تعاويذُ أمّي وتوصياتها في أن أحذر من مَكره، وأن لا أسلك الطريق المختصر، وأن أتجنب الإغواء.
أنتظرُ..
وأنتظرُ...
لعلّه يراقبني عن كثب؟! يجب أن أُحْكِمَ الخطّة للإيقاع بهِ فريسةً سهلةً للإغواء الأنثويّ. ما أغبى الرجال! إنّهم يقعون في فخّ الأنوثة راضين مرضيين.
القلائل منهم مَن يجذبهم في الأنثى الجوهر لا المَظهر، أمّا أغلبهم، عندما تطرح عليهم السؤال: "ما الذي يعجبك في تلك الأنثى؟"، يأتونك بالإجابة المُعلبة المتوقعة: "جمالُها".
أنتظرُ..
وأنتظرُ...
تراهُ يتعقبني؟! ينتظرُ اللحظة الحاسمة كي ينقضَّ عليّ ويلتهمني كما التهمَ جدتي قبلَ ما يُقارب العشر سنوات، حينَ نجوتُ من بين براثنه بأعجوبة إذ صرختُ صرخةً أيقظتْ أُسودَ الغابة ففرّ كالصّرصار هاربًا.
أنتظرُ..
وأنتظرُ...
آهٍ كيف ظلَّ الجرحُ مفتوحًا على مصراعيّ الألم؟ وككلّ ليلة جررتُه إلى أحلامي، فكان كفيلاً بتحويلها إلى كوابيسَ كفيلة بإيقاظي على شهقات ودموع.
آهٍ كيف قهرني ذلكَ الرجل حينَ أتاني وأنا في طور الطفولة، في هيئةِ صيّادٍ محترف. ها أنا آتيهِ ممتلئةً بنعمةِ الأنوثة كي أقهره.
أنتظرُ..
وأنتظرُ...
أسمعُ صوتَ خربشَاتٍ من خلفي.
أتسمّرُ مكاني ويتسمَّرُ الرعبُ في عُروقي.
تزدحمُ رائحةُ عَرَقٍ آدمِيٍّ في أنفي.
أتصنّعُ قطفَ الزعتر البريّ.
يتمطّى ظلُهُ أمامي.
أرتعدُ.
أتماسكُ.
يجب أن استعيدَ توازني.
إن لم أقوَ عليه، سيقوى هو عليّ.
آهٍ أيّها الصّياد الماكر، العِبرَة لمَن يضحكُ في الآخر!
أنتصبُ بدلالِ أنثى الغزال.
أستديرُ للخلفِ.
ها نحن كخطّين متوازيين نقفُ.
يحدجني بنظرةٍ ثاقبة.
أتمسّكُ بالدلالِ كطوقِ نجاة.
أرفعُ رايات التحدّي.
آهٍ أيّها الخبيث، ما جئتُ أناطحُ طواحينَ هواءٍ.
أنتَ خُبزي.
لقد دفعكَ اللهُ إلى يدي.
سألتهمُكَ لقمةً واحدةً قبل أن تجرُؤَ على الاقترابِ مني.
معَ لحمِكَ ودمِكَ سأبتلعُ ذاكرتي المتخمة بأشباحِكَ.
أنتظرُ..
وأنتظرُ...
أرتدي الرّقةَ كحجابٍ يقيني من مكره، وأستدعي الجنود الاحتياطيين للأنوثة.
يحتفظُ بهدوئه ونظراتِهِ الثاقبة.
تتلبسني (دليلة) فأخالُهُ (شمشون)، وأشرعُ في لعبةِ الإيقاع به عن طريق كشف سرّ قوَّتِهِ.
أستدعي مكرَ (شهرزاد) في الليلة الأولى من الحكاية، وأبادره بسؤالٍ ملغوم:
- مَن أنت؟
يرتفعُ صوتُ خريرِ مياهٍ كثيرة وهو يقول:
= مَنْ أنتِ وعمّن تبحثين؟
لفتني التجاعيدُ التي اكتسحتْ خريطةَ وجهه طولاً وعرضًا.
- أنا (دليلة)، وجئتُ أبحثَ عنك.
يفورُ الدّمُ في عروقِ رقبتِهِ. يصبحُ صوته كالثور الهائج وهو يسأل:
= عني، تراني أعرفُكِ؟!
- تعرفني.
= أعرفكِ؟!
- بلى، كما تعرفُ الأمّ رضيعها، تعرفني.
يتَّسعُ بؤبؤا عينيه. يتراخى حنكُهُ الأسفل. أستدعي كيْدَ (شهرزاد) وأنا أهمسُ:
- ألا نذهبُ إلى مكان آمِن لنتحدث؟
يهدأ النبضُ في عروقه. تهبطُ تلك العَظْمة المنتصبة في منتصف رقبتهِ.
يسيرُ أمامي بخطواتٍ حذرة. يقتحمُ كهفَ الجدّة.
ياااااااه! هنا اكتملَ مشهدُ العنف الدمويّ.
هنا سأقتلُكَ لأحيا.
يسألني إن كنتُ أرغبُ باحتساءِ الشَّاي السَّاخن فأوافق. الماء يغلي، والدَّمُ يغلي في عروقي.
أنتظرُ..
وأنتظرُ...
أنتظرُ اللحظةَ الحاسمة كي أقضي عليهِ. حينَ يقتربُ ويطأطئ رأسه واضعًا الشَّاي السَّاخنَ أمامي، سأتناولُ تلكَ العصا وأضربه ضربةً قاضية، وأمضي عائدة إلى حضنِ أمّي بسلام. اقتربَ، رأيتُ في عينهِ دمعةً سرعانَ ما تلألأت فوقَ خدّه. إنّه يبكي! أيعقلُ أن يبكي ماكرٌ كهذا الصيّاد المحترف؟!
تراهُ فقدَ قوّته مع الأيام وصار مجرد رجل على "إثم" بعدما كان رجلاً على "اسم"؟! رقَّ قلبي. تملكتني رغبة في أن أعرف سرّ تلكَ الدمعة. فكَّرتُ كيفَ عساني أستدرجه ليفضفض مكنوناتِ قلبه. هرعتُ أسأله:
- تراكَ تعاني من العُزلة في كهفٍ كهذا وسط الغابة؟!
على الأرضِ أمامَ حذائي جلسَ. هو فريسةٌ سهلة الآن. بإمكاني أن أتناول تلك العصا عن يميني وأنهالُ على رأسه بالضربات القاتلة. دفنَ رأسَهُ بين كفّيهِ وراحَ ينشجُ كما لو أنّه طفلٌ فقدَ حضن أمّه. رقّ قلبي أكثر. تملكتني رغبة في مواساته. تنبهتُ إلى أنه عدوي والعدو كيف له أن يصبحَ صديقًا؟!
أنتظرُ..
وأنتظرُ...
أتناولُ منديلاً وأمسحُ الدمعَ الذي بللَ قدمي وخفّف من حدّة حقدي الدفين. ارتفعَ صوتُ الهدير ثانية، لكنّه جاء متضمخًا بنبراتِ الأسى:
- تلكَ الطفلة تطاردني أشباحها منذ سنوات. تلكَ الطفلة قهرتني. تلكَ الطفلة صرخت فأيقظت الإنسان فيّ وقضت على طبيعة الذئب التي كانت تتملكُني. تلكَ الطفلة بكتْ فأطلقتْ النسرَ في عروقي. حررتني من سلاسل العبودية. انكسر الفخُّ ونجوت. أطلقتني في فضاءِ الحريّة. تلكَ الطفلة، آهٍ، تلكَ الطفلة كم تُشبهُكِ!

*


تجمَّدَ الألمُ في عروقي. تراختْ كلُّ عضلاتي المتشنجة. سقطتْ صورةُ (سالومي) التي سَعتْ من خلال رقصةِ إغواء لقطعِ رأسِ (المعمدان).
آهٍ (هيروديّا)، الذئبُ في حضني يحتضر. آهٍ أمّاه، لن أقوى على قتله. دموعُهُ تُطلِقُ الغفرانَ في دمّي. دموعه تمحو تلكَ "الوصمةَ الدامية" من ملفِّ الذاكرة. ها الرجلُ الشرسُ يتقلصُ أمامي، ولا أرى إلا طفلاً بريئًا يحتاجُ بعضَ الطبطبة. ها ماردُ الألم يتحرر من القمقم، والفراشاتُ ترفرفُ من حوله، والطيورُ تغرّدُ، وأنهاري تجري حثيثًا نحو البحر غير عابئة بالحصى المتراكم في مجراها.

*


آهٍ أمّاهُ،جئتُ أصطادُ هذا الرجل، فإذا بهِ بدمعةٍ صادقةٍ واحدةٍ يصطادُني.



2009

----------------

* القصة من المجموعة: " أنا جنونك"، ريتا عودة، اصدار خاص، 2009
المجموعة متوفرة في المدونة:

http://ritaodeh.blogspot.com




#ريتا_عودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيمفونية العودة- المشهد الأخير
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-6
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-5
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-4
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-3
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-2
- سيمفونية العودة- المشهد الثالث-1
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-16
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-15
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-14
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-13
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-12
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-11
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-10
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني- 9
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-8
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني- 7
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-6
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-5
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-4


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - في انتظاره-قصة قصيرة