أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجلة الحرية - التراث الثقافي موطنا والنجف عاصمة















المزيد.....


التراث الثقافي موطنا والنجف عاصمة


مجلة الحرية

الحوار المتمدن-العدد: 3164 - 2010 / 10 / 24 - 02:45
المحور: الادب والفن
    


التراث الثقافي موطناً
والنجف عاصمة
جليل الخزرجي

لا غرو أن تكون جذورها ممتدة في أديم الأرض فهي سرمدية أزلية تستحق مِنّا ذكرها , فالنجف منذ أن سكنها (الشيخ الطوسي) سنة 448هـ نزح اليها من جميع الأقطار لتكون قبلة للقاصدين في تحصيل شتى العلوم ومنها الحفاظ على التراث العربي الثقافي عموماً . (وظلت علماً على نار تأتم الهداة به) .

هم كثر من الصعب حصرهم وإحصاؤهم نذكر من برز منهم لأصعدة متباينة في عراقنا بدرجات متميزة , فكان الدبلوماسي الأول على سبيل المثال (علي كاشف الغطاء) , ومحمد سعيد الحبوبي , العلامة المجاهد والشاعر المتجدد بداية القرن العشرين .
ومن الثوار الخالدين نجم عبود البقال , ومن أعلام السياسة الذين قادوا حركة النضال الوطني حسين الرضوي (سلام عادل) ورفاقه , ومن الشعراء الثوار محمد مهدي الجواهري يخاطب شعبه (نامي جياع الشعب نامي).

وفي الخمسينات كان دور محمد صالح بحر العلوم بصوته المدوي في قصيدته (أين حقي) , وفي أروقة البلاط من تسنم مناصب حساسة مثل سعد صالح جريو , وعجمي أبو كلل , وعبد الرزاق محي الدين , وإبراهيم كبة , ومحمد رضا الشبيبي , ومن الوجهاء الأثرياء عبد المحسن شلاش وزيراً للمالية , وهناك شخصيات مرموقة سيسوا أفكارهم لخدمة الوطن أمثال الشيخ عبد الكريم الجزائري وشقيقه الشيخ جواد , والشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء , ومن الخطباء الشيخ محمد علي اليعقوبي , والسيد صالح الحلي , والسيد جواد شبر , والدكتور أحمد الوائلي , ومن الصحفيين يوسف رجيب , وجعفر الخليلي , وحميد المطبعي .

ومن الأدباء المرموقين صالح الجعفري , ومحمود البستاني , وموسى كريدي , وعبد الأمير معلة , والأديب الخالد (مكي زبيبة) .

ومن تراثنا الرياضي الذي نفتخر به أنه تشرفت النجف بأول وسام ذهبي عام 1957م في بيروت تقلده اللاعب العلم (مثقال أبو كلل) في ركضة مئة متر , هو رمزٌ من رموز الرياضة النجفية .
وللنجف دور كبير في ثورة العشرين حيث احتضنت الثوار من مختلف مدن العراق أمثال علي البزركان , وعبد الواحد سكر , ومولود مخلص التكريتي , ومهدي البزركان .
كذلك للنجف دور كبير في الانتفاضات الوطنية ضد الاحتلال الانكليزي والأنظمة المتسلطة على رقاب الناس وكبت حرياتهم , نصروا شعب مصر 1956م عندما تعرضت للعدوان الثلاثي , ووقفوا صفاً واحداً مع الشعب الجزائري 1962م عندما نالت استقلالها والنجف لها مكتباتها الكبيرة الزاخرة بمصادر ومحفوظات قديمة ومهمة , فهي عبارة عن مكتبة كبيرة واحدة , اضافة الى مجالسها الأدبية المنتظمة والعديدة ولها أدباؤها وشعراؤها الجدد الذين هم أبناء وأحفاد ذلك الرعيل من الأعلام مثل الشاعر عبد الحسين حمد , ومحمد حسين غيبي , ومحمد حسين المحتصر , وغياث البحراني , وعبد الصاحب البرقعاوي , ومحمد زاير ابراهيم , وشهيد الشمري , ومن الشعراء الذين لديهم ميول للتجديد في هذه المرحلة :
حميد لفتة الحريزي , وفليحة حسن , وفارس حرام .
وإذا أخمدت جذوتها برماد من السنين الخوالي إجحاداً بحقها رغماً عنها فنهضت من كبوتها بسبب الضغوط السياسية الداخلية والخارجية وخاصة من لدن قادتها .
ماضيها التليد يكفيها إنها كانت حاضنة للعلم والعلماء مذ سكنها الشيخ الطوسي وما زال إشعاعها متوهجاً لا يغيب ...
ومن هؤلاء الأعلام وفق ما تيسر لنا من المصادر هو :-

العلامة المجاهد
محمد سعيد الحبوبي

هو السيد محمد سعيد بن السيد محمود بن السيد حمزة بن السيد مصطفى (جد آل حبوبي) وينتهي نسبه الى الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

ولادته ونشأته :-
تكاد المصادر العربية وغير العربية تتفق على زمان ومكان ولادة الحبوبي , فقد ولد في النجف الأشرف في 14 جمادي الآخرة سنة 1266هجرية من أسرة عربية صيتة , ينحدر أصلها من الحجاز حيث لا يزال الكثير منهم يسكن هناك , أما في العراق فهم ينتشرون بين السماوة والنعمانية والنجف , ومعظمهم يمتهنون التجارة .
نشأ الحبوبي على ما ينشأ عليه لداته , فهو أن رأيناه طوداً أشم في نسبه , نُلفيه بحراً خضماً في علمه وأدبه , فقد أحب العلم حتى راح يقتفى أثاره ويشد اليه رحاله .
فتعلم المبادئ , وقرأ المقدمات على بعض فضلاء عصره وأخذ السطوح عن لفيف من الأعلام , وأتقن علوم الأدب وشوارد المعاني , كونه أمضى طفولته في رعاية أبيه ولما بلغ سن التعليم بدأ يتعلم القراءة والكتابة والخط ثم حفظ القرآن الكريم , بعدها استمر بدراسة مبادئ الأدب وعلوم اللغة العربية على يد خاله الشيخ عباس الأعسم , بعدها هاجر مع أبيه وعمه الى الحجاز ثم عاد الى النجف ودخل أحد مدارسها الكثيرة وتخرج منها بعدما أصبح شاباً متعلماً وحيداً حيث اطلع على العديد من الدواوين الشعرية والكتب الدينية والأدبية كما أخذ يتردد على المجالس الأدبية التي كانت تعج بها مدينة النجف.
وعند بلوغه التاسعة عشر عاماً نظم قصيدة في رثاء السيد رضا الرفيعي وهو من الشخصيات النجفية المعروفة فكانت هذه القصيدة أول قصيدة ينظمها .
فالحبوبي لم يكن مغمور الصيت كفقيه , ولا مطموس الأثر كشاعر , بالاضافة الى إنه كعالم جهيد لا يغرب عن بال أفذاذ الفقه والشعر والأدب في كل حفل وفي كل ناد , ولم يكتفي بهذا بل أصبح مجاهداً وطنياً وأصبح عنوانه (بالعلامة المجاهد) .

شاعريته :-
استمر الحبوبي بنظم الشعر حتى أصبح من الشعراء الكبار في تلك الفترة وقد أقام علاقات وطيدة مع شعراء المدن العراقية الأخرى .
واصل الحبوبي الدراسة والإطلاع على الأمور الفقهية والعلمية فتوطدت علاقته أكثر من قبل رجال الأدب والشعر وكان أبرز هؤلاء السيد جمال الدين الأفغاني الذي كان يدرس في النجف .
لقد ترك الحبوبي أثاراً شعرية قلما رأت عين الزمن نظيرها في دقة الوصف وجودة النظم وحسن الاختيار , فقد قرض الشعر فكانت قصائده مأدبة الأدباء في أفراحهم , والقيثارة الحزينة في أتراحهم لكثرة ما اجتمعت فيه من مواهب ومؤهلات راحت تعدّ له الرقي والنبوغ , فقد كان حاضر البديهة , ثابت الفكر , سريع الأنتقال , كان يهتم بحسن مطلع القصيدة , ويهب في عدد أبياتها .
وبالرغم مما كانت تضم مدينة (النجف الأشرف) فريقاً كبيراً من فطاحل الشعر ونوابغ الأدب ومبدعي القريض , أمثال السيد جعفر الحلي والسيد موسى الطالقاني والشيخ عباس القرشي والشيخ محسن الخضري وغيرهم الكثيرين , إلا أن الحبوبي غالبهم وساجلهم , فأشرأب من بينهم ظافراً مما حدا بهم أن يقروا بالنبوع ويحلوُّه من حيث الصدارة الشعرية .

ديوانه الشعري :
للحبوبي أثار و كتابات في الأصول والفقه لم يطبع منها سوى ديوان شعره , وهو لا يضم إلا بعضاً من قصائده , حيث جمعه الشيخ عبد العزيز الجواهري , وقدم له , وقد وقف على تصحيح ديوانه المطبوع الحجة محمد الحسين آل كاشف الغطاء . طبع ديوان الحبوبي ببيروت في ((المطبعة الأهلية)) عام 1331ﻫ - 1913 م وقد حصلت قلة من الهفوات , منها أنه قال : ينتهي نسب الحبوبي إلى الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) , بينما سلالته تنتهي إلى الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) حسب ما ذكرناه أعلاه في موضوع نسبه كما مثبت في (طبقات أعلام الشيعة) لشيخ الباحثين أغا بزرك الطهراني , القسم الثاني , ﺠ1 ص814 (العربي). كما ذكر الناشر في الديوان قصيدة وموشحة هما من شعر العلامة السيد موسى الطالقاني المتوفى عام 1298 ﻫ ونسبهما إلى الحبوبي, أما القصيدة فهي في الغزل نشرت في ص266 من الديوان ومطلعها :

حتام يا قلب وراء الملاح

تصفق من وجدك راحاً براح

أما الموشحة فقد نشرت في ديوان الحبوبي ص62 ومطلعها :

أيها الساقي ومن خمر اللمى

نشوتي فأذهب ببنت العنب


أما مواد ديوان الحبوبي وأقسام الشعر فيه فهي :
الموشحات , والمراسلات , والنسيب , والمديح , والتخميسات , والمراثي , وسنذكر من هذه الأقسام ما تيسر لنا من نماذج .

سيرته وتواضعه :
خالط الحبوبي طبقات كثيرة من الناس , فلم تضطره مكانته الشعرية أو الفقهية إلى أن يرتفع عن عوام الناس , أو يتجنب مجالستهم أو السماع إلى أحاديثهم وأشعارهم , عكس ما نلمسه اليوم من رجال الدين .
ولا غرابة أن تشهد الحبوبي – غالباً وهو يتفرغ من أداء صلاة الجماعة – مولياً ظهره شطر القبلة والجموع تحف به , وهذا ما تفتقده اليوم من علماءنا , هذا يسأل منه مسألة شرعية , وذاك يعرض عليه أبياتاً شعرية , وقد وفق بين هذا وذاك , كما نادم الذوات من الشخصيات , والكبار من المراجع في زمانه , فباتت أشعاره على ألسنتهم يتغنون بها في لياليهم الملاح .
((وقد أختص من بين معاصريه بالعلامة الشيخ محمد حسن كبة , فكثيراً ما كان يقصده إلى بغداد فيقيم عنده لمدة طويلة – برغبة منه – ويشتركان هناك بنظم القصائد الفائقة , والملاحم الممتازة , حتى أجتمع مما اشتركا بنظمه شيء كثيراً , كما أن للحبوبي في خليله المذكور شعراً كثيراً قد لا يستطاع جمعه لتشتته وتفرقه)) .


مختارات من شعره :
من موشحاته , قال مهنئاً خليله الحاج مصطفى كبة في أقتران ولده :

يا غزال الكرخ وا وجدي عليك

كاد سرى فيك أن ينهتكا

هذه الصهباء والكأس لديك
وغرامي في هواكا إحتنكا

فأسقني كأساً وخذ كأساً إليك
فلذيذ العيش أن نشتركا

**************
أترع الأقداح راحا قرقفا
واسقني وأشرب أو أشرب واسقني
-
فلماك العذب أحلى مرشفاً
من دم الكرم وماء المزنِ

**************
وحمياً الكأس لما صفقت
أخذت تجلى عروساً بيديه
ج
خلتها في ثغره قد عتقت
زمناً وأعتصرت من وجنتيه

من بروق بالثنايا أئتلقت
في عقيق الجزع أعنى شفتيه

**************
كشفت ستر الدجى فأنكشفا

وأنجلى الأفق يصبح بين

أكبتنا إذ سقتنا نطفاً
خفة الطبع وثقل الألسن

**************
أنت يا روح المنى روحي فداكا
ج مسقمي حُبي ومبدى سقمي

أتشكى لك من سيف جفاكا
لا تبح يا مانع الريق دمي

قد شربت الخمر لكن كلماك
ما رأت عَيْني ولا ذاق فمي

لوْ بهِ ابتلّ غليلي لأنطفى
لا بدمعٍ حرّه أشعلي

كلما كفكفت منه وكفا
فوق خدىّ وكيف المزنِ

**************
قلما يفقد القارئ وصف الخمرة وأحوالها وأدوارها في جُل قصائد الحبوبي , لكن الكثيرين ممن لم يحيطوا معرفة بتقوى الحبوبي وروحانيته خُيلَ إليهم معاطاته للخمرة لدقة وصفه لها , وقد ترفع – رحمه الله – حتى من رؤيتها .
فها هو في معرض التهنئة حيث يقول :
بيَ يا ساقي الطّلا إبدأ أوَّلاً

وبي أختم دورها من قرقف

ألبستْ خدَّيك منها شعلاً
تسلبُ الليل رداء السدفِ
ج
**************
خمرة فاح شذاها بعدما

فضح الأرجاء بل أرَّجَها

هي من نار ولكن كلّما
نُضح الماء بها أججَها
جج
وحباب المزج فيها انتظما
كثغور جلّ من فجلّها
ج
وبدت فيها لألٍ تجتلي

ما حكتهنّ لألي الصدف

عقدت في نظمها عقد لولا
وصفه راق بماء الوطف

**************
حربها حربي وسلمْى سلْمهُا

فأنا مغرىً بها متهترُ

من خدود الغيدِ يجنىَ كرْمُها
وبأحدق المها تعتصرُ

فإذا ما فُضّ منها ختمهُا
في الدجى بات الدجى يسْتعرُ

**************
سكب الماء بها فأشتعلا

وأبت شعلتها أن تنطَفي

وهْي في الحالين عند النبلا
منية المقتبي المغترِفِ

**************
ومن الغزل نماذج رائعة في شعره :
لقد بات شعر الغزل والنسيب باباً بلا بواب , يلجه الشعراء دون تريث ولا حيطة , إلا أن الموجودين في هذا الضرب الشعري جداً قليلين , أما الحبوبي فقد كان من عباقر شعراء الغزل حيث خلف فيه نماذج ذات معان شرودة لا تتأتى إلا للمتمكنين منه والمتضلعين . فهو القائل :

لُُحْْ كوكبا وأمش غُصنا وألتفتْ رِيما

فأن عَدَاكَ أسْمها لم تَعُدك السَّيما

وجهٌ أغرُّ وجيدٌ زانه جَيدٌ
وقامة تخجل الخطى تقويما

يا من تجلُّ عن التمثيل صورتُه
أأنت مثلت روح الحسن تجسيما

فلو رأتك النصارى في كنائسها
مصوراً ربعتْ فيك الأقا نيما

في وجهه رسمتْ آيات مصحفهِ
تتلى ولم يخْشى قاريهن تأثيما

ذو النون حاجبه لو حاؤُ أتصلت
في ميم مبْسمه لم تعُدُ حاميما
ج
**************
شعره في صباه :
لم يكن الحبوبي شيخاً من شيوخ الشعر في شيخوخته وحسب , وإنما كان يتأتى له جيد الشعر حتى في أيام صباه , فنرى سليقته هي هي , وتتنسم قوة شاعريته من ذلك الحين .

وإليك شعر الحبوبي في صباه حين أنشد مهنئاً أحد أساتيذه باقتران ولده :

هل انعقدت أكاليل الشعور
على غير الأهلة والبدور

وهل سفرت براقع من شقيق
على الوجنات من نار ونور

خدود بالجمال موردات
ج
جج وألحاظ فترْن عن الثغور

فما أدرى ثغوراً من عقود
تفصّل أم عقوداً من ثغور

فتاة تيّمت قلبي ولبيّ
فصدت شيمة الظبىْ النفور

فقالت ما عليه فسوف يسلو
لو قالت ولكن قول زُور

فلا هي قبل ذلك أنذرتني
ولا أنا بعد ذلك بالصبور

لئن ملت دنوّى واستقلت
فلست أمل راحلتي وكوري
جج
**************

ولعل المقام لا يتسع لذكر أكثر مما ذكرناه من أبيات متفرقه , ولا يفوتنا أن نذكر – وهذا غريب – أن شاعرنا الحبوبي ترك النظم , ولم يقل الشعر قط , وذلك قبل أن يدركه الموت بثمان وعشرين سنة , حيث تفرغ كلياً لما كان يتطلبه منه الدين الحنيف من فقه وإصول وعلوم إسلامية .

تحصيله العلمي وأخلاقه :
لعل القارئ الكريم يقصر الحبوبي على قرضٍٍ الشعر وحسب من خلال ما تقدم , وبالرغم من أنه كان أديباً نابغاً , كان فقيهاً جليلاً وعالماً جهبذاً , كان له في ميدان العلوم الإسلامية باع طويل وزعامة كبيرة , حيث حضر في الفقه والأصول على الحجة الشيخ محمد حسين الكاظمي وعلى العلامة الشيخ محمد طه نجف وكان من أساطين حُضار بحثه , وله لدى الشيخ مكانة رفيعة كانت تميزه على بقية أترابه الذين كانوا يحضرون معه الدرس , حيث صدرت منه في حق الحبوبي أقوال وشهادات كانت تدل على أجتهاده في الفقه وتضلعه منه , ولما صار زعيماً دينياً لم تبدل أخلاقه هذه الرياسة فهو على ذلك الجانب العظيم من التقوى والصلاح وكمال النفس والبشاشة ورحابة الصدر والنزاهة والتواضع .
ومن الجدير بالذكر أن ما تخلق به الحبوبي من خصال وسمات إستقاه من غمامة أستاذه الأعظم – المولى حسين قلي الهمذاني – حيث كان الحبوبي ممن شملهم التوفيق للمثول بين يديه , والتعلم من نير خلقه وسنن عمله , حتى إشتهر بين العامة والخاصة عالماً أخلاقياً عرفانياً له في هذا العلم رياضات هذبت من نفسه , وأضافت إلى علمه , حتى راح يلتف حوله طلاب العلم , وهو لم يأل جهداً في تدريسهم وإيقافهم على شبها تهم و إطلاعهم على معرفة ما يضلون من فقه وأصول وغيرهما .

جهاده :
رفع الحبوبي لواء الجهاد وأعلنها حرباً شعواء أمام جيوش الإنكليز المحتلة , ولن تغريه العروض المغرية , فقد أفتى بوجوب الجهاد والدفاع عن بلاد الأسلام ومحاربة الإنكليز , وذلك عام 1914 م لقيام القوات البريطانية بأحتلال مدينة الفاو العراقية وإتجاه هذه القوات لأحتلال مدينة البصرة .
كان الحبوبي من اول الرجال الذين أعلنوا الجهاد ضد القوات البريطانية فأخذ يدعو الناس إلى التطوع للذهاب إلى جبهات القتال لمحاربة المحتل وكان من هؤلاء أحد وجهاء مدينة الحلة وهو السيد محمد القزويني الذي بارك هذا الزحف المقدس , فقد أبرق إلى الحبوبي قائلاً :

نحن بني العرب ليوث الوغى
دين الهدى فينا قوي عزيز
ج
لا بد أن نزحف في جحفل
نبيد فيه جحفل الإنكليز


لبى نداء الحبوبي أعداداً كبيرة من المجاهدين العراقيين حتى بلغ تعدادهم تسعين ألف مجاهد, لدى وصولهم الشعيبة حيث عسكر بهم .
و قد بدأت من مدينة النجف كأول مجموعة من المتطوعين حيث أدوا مراسيم زيارة الأمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم أتجه موكب المجاهدين يتقدمهم السيد الحبوبي و أتجهوا الى مدينة الكوفة و قد تقدم الموكب حملة الأعلام العراقية و هي ترفرف فوق الرؤوس و أصوات الناس تتعالى بالتكبير و تدعوا الله عزوجل أن ينصر العراقين على قوات الأحتلال البريطاني , و بعد وصول الموكب الى الكوفة استقلوا السفن النهرية التي اعدت لنقلهم الى مدينة الناصرية التي اتخذت مركزاً لتجمع المجاهدين . بالتطوع لمحاربة الإنكليز وقد عاونه على هذه المهمة الشيخ باقر الشبيبي الذي أصبح فيما بعد من أبرز وجوه الحركة الوطنية في العراق عند وصول الحبوبي مدنية السماوة أخذ يقوم بدعوة عشائر الرميثة بالأنضمام إلى المجاهدين فاستجابت العديد من العشائر إلى هذا النداء وإنضمت إلى المجاهدين .
بعدها أتجه الموكب إلى مدينة الناصرية فوصلها في منتصف كانون الثاني 1915م.
بعد وصول موكب المجاهدين إلى مدينة الناصرية أقيم للحبوبي مقر بارز حيث كان يوجه منه صفوف المجاهدين .
وبعد أن بقي الحبوبي والمجاهدين مدة قصيرة في مدينة الناصرية نقلوا على ظهر السفن والبواخر التي هيأت لنقلهم إلى منطقة الشعيبة.
بعد وصول المجاهدين إلى المنطقة وزع الحبوبي المسؤوليات على عدد من الرجال الذين يعتمد عليهم أمثال الشيخ باقر الشبيبي , محمد رضا الشبيبي , علي الشرقي , وسعيد كمال الدين وغيرهم .
بعد أن تم توزيع المسؤوليات وبعد أن عدت للمجاهدين الخيام في منطقة (النخيلة) أخذت تتوارد جموع المجاهدين الأخرين إلى المنطقة التي عسكر فيه الحبوبي والمجاهدين الذين أتو معه . وبدأت المعركة بين المجاهدين والقوات البريطانية فأخذ الحبوبي يثير فيهم الحماس والحمية , على أثر هذا الهجوم تكبدت القوات الإنكليزية خسائر كبيرة الأمر الذي جعلها تشن هجوماً عنيفاً وقصفاً مركزاً من قبل مدفعيها لدحر المجاهدين , إلا أن المجاهدين قاتلوا قتال الأبطال بالرغم من وقوع خسائر كبيرة في صفوفهم .
في اليوم الثاني من المعركة عززت القوات البريطانية مواقعها وشنت هجوماً عنيفاً ومركزاً على مواقع المجاهدين الثوار وألتقوا وجهاً لوجه وقاتل المجاهدون ببسالة نادرة في القتال وقد أستشهد عدد كبير منهم أيضاً .
ولما كانت القوات البريطانية مجهزة بأسلحة حديثة ومدفعية جبارة في تلك الفترة تمكنت من أن تجبر قوات المجاهدين على التراجع بعد أن أصابهم الإعياء والعطش إلا إن الحبوبي كان يحثهم على الصمود ويتقدم صفوفهم إلا أن كثافة النيران اضطرتهم إلى الأنسحاب , الأمر الذي جعل القوات البريطانية أن تتقدم إلى مواقع المجاهدين .
فلحقت الهزيمة بهم فتألم الحبوبي لما حدث وحاول أن يقوم بمحاولة لحث العشائر على الأستمرار في القتال لمحاربة الإنكليز إلا أن صحته قد أخذت بالتدهور حيث كان عمره قد تجاوز السبعين عاماً إلا أنه لم يهتم بتدهور صحته بل أستمر يدعو العشائر على ضرورة التصدي للقوات البريطانية إلا أن المرض لم يمهله الأمر الذي أضطره إلى أن يخلد إلى الراحة لكن سرعان ما أنتكست صحته نحو الأسوأ وأستمرت صحته بالتدهور إلى أن توفي من ذلك العام 1915 م .
وبعد وفاته حمل جثمانه إلى مدينة النجف الأشرف وما أن وصل جثمانه إلى مدينة النجف الأشرف حتى خرج أهالي المدينة لاستقبال الجثمان فعطلت الأسواق وأقيمت النوائح على روحه الطاهرة , ودفن حيث مقبرته المشهورة في الصحن الشريف , فكان لوفاته في العراق كله صدى كبير وأسف عميق .
وقد رثاه أكابر الشعراء وأعلام الأدباء , ومنهم الشيخ جواد الشبيبي , حيث رثاه بقصيدة مطلعها :

لواء الدين لفّ فلا جهادُ
وباب العلم سُدَّ فلا اجتهادُ


و أرخ وفاته بقوله :

فقيد المسلمين غداة أودَى
حسبت الدين بينهم فقيدا

لئن وجده للداعي مجيبا
فقد فقدوه قرأنا مجيدا

وإن شهدته أعينهم سعيدا
فقد حملته أرؤسهم شهيدا

تقدم للجهاد أمير دين
وساق المسلمين له جنودا

ومذ لاقى المنية أرخوه
((سعيد في الجهاد قضى سعيدا))
ج
كما رثاه العديد من الشعراء فمنهم محمد حسن سميسم , جواد البلاغي , محمد رضا الشبيبي , علي الشرقي , محمد مهدي البصير , وبعد مرور خمسين عاماً على وفاة هذا المجاهد الكبير أقيم في النجف مهرجان أدبي أشترك فيه العديد من الكتاب والشعراء لأحياء هذا الرجل المناضل الذي حمل ألوية الجهاد ضد القوات البريطانية الغازية لأرضنا المقدسة .
وبعد فها هو ذا الحبوبي في بعض من جوانب شخصيته ذكرناه وبذلك يكون قد دخل سجل الخالدين .
حبذا أن يوضع نصب تذكاري في مدينة النجف الأشرف لأبنها البار المجاهد العظيم السيد محمد سعيد الحبوبي لتتعرف عليه الأجيال الجديدة ويقارنوا (الحس الوطني) بين الأمس واليوم .
بينما نرى في محافظة ذي قار (الناصرية) خصصت له شارع يحمل إسمه ووضعت له نصب في ساحة الحبوبي وهي مشكورة على ذلك , بينما مدينته لم تذكره بشيء مثل وضع نصب له أو تطلق تسمية لأحدى المستشفيات أو الساحات أو القاعات , وهكذا هي مهزلة الأقدار...



#مجلة_الحرية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحولات الحروف
- بانوراما نزيف القصب - نص شعري
- رسالة مفتوحة الى نقابة الصحفيين - فليطلع اصحاب الاقلام الحره
- طقوس غريبة- قصيدة شعرية
- من بركات السلطان -نص شعري
- اعلام من االذاكرة- ((محمد مهدي البصير))
- احزمة قطام الناسفة
- صديقي الشاعر
- المواطنة في مقاربات السلطة والمعارضة
- من هو حرامي(الحاسبات)
- قراءة في ديوان قوافل الثلج للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري- ل ...
- من يتعلم؟؟ قصيدة للشاعر كاظم ستار البياتي من ديوان((الجرح كت ...
- دور اليسار في كفاح الطبقة العاملة العراقية لنيل حقوقها في ال ...
- امارة العجول - نص
- الجرح كتاب -للشاعر كاظم ستار البياتي من ديوان ((الجرح كتاب))
- لعبة عمر المختار
- من قال أنّ المُبدع الخليجيّ بئر نفط؟!
- خطر الانقسام وخطورة التقسيم
- (( رمزية الكلب)) في ارض الزعفران
- تاملات قطه قصه


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجلة الحرية - التراث الثقافي موطنا والنجف عاصمة