أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شينوار ابراهيم - أُريدُ أنْ أكونَ طفلاً















المزيد.....

أُريدُ أنْ أكونَ طفلاً


شينوار ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 3162 - 2010 / 10 / 22 - 13:15
المحور: الادب والفن
    




"لَمْ تُحسَّ بطفولتِكَ يوماً ما !. وأنْتَ الآن تدخلُ التاسعةَ مِنْ عُمُرِكَ !" . هذا ما يقولُهُ لي والديَّ . تاريخُ ميلادي لا يعرفُهُ أحدٌ بالضبط .
منذُ بدأتُ أتذكَّرُ، مِطْرقَةَ العملِ تُرافِقُ درْبِي ، وأساعِدُ أبِي في كلِّ شيءٍ ، عيْنَايَ ناعستانِ حزيْنتانِ ، تحْمِلانِ في مآقيْهمَا دمْوعَاً ، لَمْ أستطعْ أنْ أبْكيَهَا مِنْ قَسْوَةِ الأيامِ ، و يَدايَ مُتشققتَانِ كجُدْرَانِ بيْتِنَا ، وملامحُ وجهِي قاسيةٌ مُتجعِّدَةٌ كوجهِ جدَتِي ، فقدْ رسمَتِ السنواتُ بغُبارِ الزَّمنِ ملامحِي . لمْ أكنْ أجيد أو أعرفُ كيفَ يلعَبُ الأطفالُ ، كيف يفكِّرونَ ، كيفَ يحلمونَ ، وكيفَ يعيشُونَ طفولتِهم . . .؟. أحيانا كنْتُ أتمنَّى أنْ ألعبَ معَهُم ، أركضُ في الشوارعِ دونَ حذاءٍ . . . أحلُمُ . . . أصرُخُ . . . أبكي . . . أضحكُ كطفلٍ سعيدٍ.
الطفولةُ قدْ غادرتْ عالمِي قبْلَ أنْ أعيْشَها ، تنمو . . تكبرُ في فلكٍ آخرَ لا تريدُنِي ، لاتُحبُنِي ، تتهرَّبُ منِي . . . أعاشِرُ الكبارَ ، أتحدَّثُ معَهُم ، لا أفهَمُ أحياناً أحاديْثَهُم . كلماتُهم تَسْرُقُ النَّوْمَ مِنْ عيْنِي ، أفكارِي تبحثُ دوْنَ جدوى عَنْ عالَمٍ ، عَنْ مرْفَأٍ ترْسُو فيهِ أحْلامِي . أنَامُ بيْنَ أحضانِ النجومِ السابحةِ في فلكِ الليلِ .
في المدرسةِ وبيْنَ جُدْرانِها الباردةِ كانوا يُهيئونَنَا ، أنْ نكونَ جنوداً للمُستقبلِ
و نقفُ كصفوفِ الضباطِ كشجرةِ السنديان لا تهزُّهَا العواصفُ. حتى الكتبُ تنطوي بين صفحاتها ،تاريخُهُ أغانِي الأطفالِ كانتْ تداعبُ بطولاتِهِ ، وفي المنزلِ لا يستطيعُ الناسُ أنْ يتكلموا عنه بسوءٍ حتى في سرِّهم . ينظرونَ إلى صورهِ المعلقةِ على الجدرانِ ، ويهمسون خوفاً مِنْ أنَ الصورةَ قد تسمعُهُم.
الصمتُ يتربَّع على العرشِ ، بيْنَما الشوارعُ تعجُّ بمسيراتٍ وهتافاتٍ تنادِي ، وتغنِّى ، هو الأكبرُ . والجدرانُ تصرخُ ألماً لشعاراتِهِ.
أنتم لا تصدقوْنَ ، أنَّ هذا الذي يتحدثُ هكذا ليسَ بطفلٍ ، إنَّني حقاً لمْ أكنْ يوماً مِنَ الأيامِ طفلاً ، ولدْتُ منْ بطنِ أمي رجُلاً .
أنا لم أُحسَ بطفولتي .
أحياناً أجدُ نفسِي وحيداً مربوطاً بقيودٍ حديديةٍ في حجرةٍ مُظلمةٍ صغيرةٍ ، الخوفُ يحيطُ بي منْ كلِّ جانبٍ ، أتصبَبُ عرقاً ، أرتجفُ .. أحاولُ أنْ أصرخَ ، أبكيَ ، أقولَ : أنا أريدُ أنْ أبقى طفلاً !!.. أنا طفلٌ ، ولكنْ بماذا يفكرُ الآخرون عني ، سيكون عاراً لو قلتُ أنا خائفٌ ، ولكنْ عندما أطالبُ بشيءٍ ، يقولون لي بأنك طفلٌ ، وعندما أريدُ أنْ أكونَ طفلاً يسخرون مني , يضحكون ، ويقولون : أنت . . أنت خائفٌ ، أنت لسْتَ رجلاً ... !!
أعملُ كأنَّني لم أسمعْ بالخوفِ . هكذا يمسحُ جدِّي على رأسي و يقولُ لي : أنتَ رجلٌ وبطلٌ ، أفتخِرُ بكَ .
... منذ أيامٍ والوطنُ كلُهُ في قيامٍ و قعودٍ .. الآخرون يريدون خلعَ الحكم. . الشوارعُ تمتلئُ بهتُافاتٍ ...
أتمنَّى لو كانَ لديَّ القوةَ والشجاعةَ كي أصرخَ في وجهِهِ ، وأقولَ : أنت مجرمٌ ، أنتَ قاتلٌ ، أنا أكرهُكَ .
... أنا خائفٌ جداً لا أستطيعُ أنْ أحلُمَ ، نسيتُ الطفولةَ ، نسيتُ أحلامي ، نسيت كلَ شئٍ ، لا أريدُ أنْ أموتَ .. لا أريدُ أنْ أُقتلَ ، بل أريد العيش ... سمعتُ صوتَ أخي جوان يناديني .. رزان تعال إلى هنا ، أمامنا عملٌ كثيرٌ !... أنا لا أفهمُ الدنيا ، لا أفهمُ العالمَ . لماذا الحروبُ . . ؟ . لماذا القتلُ . . ؟! .
بابا !! . لماذا الحروبُ قلْ لي لماذا ؟!.
لم ألقَ جواباً منْ أبي ، الشيءُ الوحيدُ الذي قالَهُ : أنتَ طفلٌ لا تفهمُ في مثلِ هذه الأمورِ !.. ولكني لا أُحسُّ بطفولتي . قلْ لي : كيفَ يُحسُ الأطفالُ بمعنى الطفولةِ .... أنا لمْ أعُدْ طفلاً ، ولنْ أكونَ طفلاً .. وسأتخلى عن بقايا الأسلحةِ المحطمةِ التي كنت ألهو بها في أوقات فراغي ....
سمعتُ جيرانَنَا يتحدثون مع رجلٍ : هم لا يريدون خلعَ الحكومةِ ، لو كان هدفُهُم هذا لخلعوها ........ بل يريدون أن يُجربوا الأسلحةَ الجديدةَ ، ويصلوا إلى مصدرِ البترولِ.... لمْ أفهمْ ما كانُوا يتحدثون عنُهُ .. البترولُ والأسلحةُ ... !.
جوان , يجب أن يكون على سطحِ هذهِ الأرضِ أناسٌ يفكرون بنا ، و بحالنا ، وينجدونا .. نعم يا أخي هناك منْ يفكرُ بنا ، ولكنهم قليلون جداً وليس بإمكانِهم أنْ يغيروا شيئاً ، ولكنْ قلوبهم معنا في كلِ لحظةٍ .
هلْ سنموتُ ؟!. سألتُ أخي :
أنا لا أعرفُ .....
كيفَ هو الموتُ ؟. ماذا يجري للإنسان ؟.
اللهُ فقط يعرفُ ما هو مصيرُ الإنسانِ ، ولكنْ في الحربِ السابقة كانَ الموتُ قريباً مني جداً... كنتُ أرتجفُ ، أهتزُ ، أعرقُ من الخوف . وعلى حين غرةٍ عادَ الهدوءُ إلى جسمي ، وكنتُ لا أفكرُ بشيءٍ . نظراتي كانتْ تحلِقُ في السماءِ البعيدِة ، وكنتُ أتأملُ بأنني سأطيرُ بين السحابِ إلى السماءِ.... وكنتُ أودِعُ الحياةَ التي لمْ أعشْهَا ، ولمْ أعرفْها سوى في الحروبِ ، والجوعِ والألمِ ... ولكنْ جدتي كانتْ تقولُ دائماً : عندما يموتُ الإنسانُ يغادرُ فقط هذه الحياةَ ، ويذهبُ إلى الجنةِ ..
هلْ يوجدُ في الجنةِ حكامٌ ؟ سألتُ أخي؟
لا حروبَ ، لاجوعَ ، لاحكامَ يتحكمون بالبشر ، والحجر
إنها الجنةُ.... أجاب أخي .
دعْنَا نموتُ اذن كي نذهبَ إلى هناك لنتخلصَ من هذا الظلمِ ، وهذا الخوفِ !!...
الظلامُ يخيمُ في كلِّ أركانِ المنزلِ ، وثمةَ هدوء وصمت قاتل، لمْ أعشْهُ أبداً . سحبٌ سودٌ تحجُبُ ضوءَ القمرِ ... بيدينِ مرتجفتينِ أمسكَ بيدِي أمي
. ذهبْنَا للنومِ . جسدُ أمِّي يلتهِبُ التهاباً ، وقلبُها تزدادُ دقاتُهُ ، وكأنَّها تعاني مرضاً طارئاً . كانتْ تريدُ أنْ تقولَ شيئاً ، ولكنْ شفتيها تعجِزُ عنْ ذلك ، وقواها تخورُ شيئاً فشيئاً .. وآخيراً غلبَ التعبُ الخوفَ فنامتْ ... حاولْتُ أنْ أنسلَّ دونَ أنْ تحسَّ أمِي ... وبحركةٍ هادئةٍ خرجْتُ منَ الفراشِ . في عُتمةِ الظلامِ حاولتُ أنْ أجدَ الطريقَ إلى البابِ ... لاأعرِفُ كمْ منَ الوقتِ مرَّ حتى وصلتُ . أردْتُ أنْ أقفَ فأصدمَ رأسِي بالبابِ . ولكنَّ أمِي لمْ تفقْ . التَّعبُ كان أقوى من ألمِ الاصطدام . منْ كوات حفرها الزمن على البابِ نظرتُ إلى الشارعِ . كلُّ الأشياءِ بدتْ صامتةً حتى الريحُ بدتْ حذرة رغمَ العواصفِ .! ... الشارعُ كانَ خالياً مِنَ البشرِ ، شارداً بأفكاري إلى الجنةِ التي تحدَثَ عنْهَا أخي .... وفجأةً أصبحَ الليلُ كنهارٍ مشتعلٍ، وثمة أصواتٌ لمْ تتحملْها أذني... صرختُ عالياً !. أيقظتُ خلالَها كلَّ شيءٍ .. أخي وأمي أخذاني إلى أحضانهما أخيراً . لا تخفْ يا بني ، وهي تحضنُنُي أكثرَ إلى صدرِها ، ودموعُها تلامسُ وجهي ، ودقاتُ قلبِها تنبضُ بقوةٍ.. هلْ كانتْ خائفةً جداً مثلي .؟!
كيف مضى الليلُ ، و كيفَ نمتُ ؟؟؟؟.لا اعرف........
أفقْتُ على أصواتِ الرجالِ وهمْ يتداولون الحديثَ .... كنتُ لا أزالُ خائفاً ، خرجَ أمامَ دارِنا بعضُ النسوةِ ، كنَّ يبْكيْنَ ، بينمَا فرقُ الإنقاذِ تحاولُ نقلَ الجرحى منَ الأطفالِ في المدرسةِ لإنقاذِهم وتضميدِ جراحِهم... لا أتحملُ هذا البكاءَ .. أنا أريدُ أنْ أكونَ طفلاً.. ألعبُ .. أركضُ ، أضحكُ .. ألهو ، وأعيشُ دونَ خوفٍ .
أمي أنا لا أريدُ أنْ تتكررَ الليلةَ الماضيةَ ، لا أريدُ أنْ أسمعَ اصواتاً لا تتحملُهَا أذني !.. أنا لا أريدُ أنْ أكبرَ كي لا أصبحَ مثلَهم ........
لا أستطيعُ أنْ أعدَك بأنَ ليلةَ الأمسِ لن تتكررَ .
دمعُها جعلني افكر أنَها ستعملُ كلَ شيءٍ من أجلي ..
جلستُ في زاويةِ الغرفةِ ، وسددْتُ أذنيَ بيديَ كي لا أسمعَ ، وأغمضتُ عينيّ كي لا أرى ، لكنَ يديَ الصغيرتين كانتا ترتعشان أمامَ ضجيجِ الطائراتِ. بدأتُ أتنفسُ بصعوبةٍ ، تنتابني حالة اختناق لاتطاق . أتنفسُ رائحةَ دخان الحرائق ، يوجعني أنفي ، تؤلمني عيناي ، لم أستطعْ الجلوسَ في زاويةِ المنزلِ ، حاولتُ الخروجَ .. كلُ شيءٍ تهدَمَ .. الحريقُ و الدخانُ يحيطني منْ كلِ الجهات ..لا أرى شيئاً .. ناديتُ أمي .. أبي .. أخي .. صرختُ لا أحدَ يسمعني !!.. أنقذوني . . .أنقذوني ، لا أستطيع التنفس ، أختنق ، أنقذوني .. أحترق... ألا يوجد هنا من ينقذنا ؟!... لا أحد يسمعني .. زئيرالطائرات كان أقوى من صوتِ طفلٍ يطلبُ النجدةَ ! لا لا لا أحدَ يسمعُني أين أبي . . ؟! أين أمي . . ؟! أين أخي . . ؟! أين العالم من حولي... ؟. أنتم . . اسمعوا ….أليسَ لكم أطفالٌ مثلي في انتظارِكم ؟؟؟؟



#شينوار_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شينوار ابراهيم .... ابداع يرافق الحنين إلى زمن الطفولة بقلم ...
- لك .. يخضرُّ الانتظار
- إلى اعز إنسان أهداني السماء.._ إلى ابني جان في عيد ميلاده ال ...
- من حكم الادب العالمي
- صدى
- جان
- أرصفةُ الزمانِ
- الَى عَامِر رَمْزِي
- في حوار مفتوح مع الشاعر العراقي حسين الهاشمي :
- كائِنٌ عاديٌّ
- قصة قصيرة جدا/تحليق
- الصرخةُ / أيادي ناعمةٌ
- لكِ وحدَكِ ..هذا النداءُ
- رَحْلِة ُحَبٍّ مَاجَلَانِيّةٍ
- بغْدَاد
- أنغام
- خُطُوَاتُ الْلَّيْل
- ضفاف
- شيرين
- النظارة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شينوار ابراهيم - أُريدُ أنْ أكونَ طفلاً