أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح مطر - رواية نصف جسد وتجسيد الهم العراقي















المزيد.....

رواية نصف جسد وتجسيد الهم العراقي


صباح مطر

الحوار المتمدن-العدد: 3160 - 2010 / 10 / 20 - 01:17
المحور: الادب والفن
    


يحتاج الإنسان أن ينفث عن صدره دخان السنين ويسكب شيئاً من وعاء ذاكرته المترع بخزين الأحداث ليزيح بعضا من الم الروح والوجع المغروس في الأعماق مما لم تستطع عواصف الزمن اقتلاعه فتهزه هزا يحركه ويحيله هاجسا يبحث عن البوح كي يخرج بكينونة تاخد ملامحها وشكلها من قدرة صاحبها على صياغة بوحه ومعتمدة على مهارته في نسج خيوطه وتقديمه للمتلقي طازجاً شهياً كما قدمته ( أزهار رحيم ) في روايتها 2/1 جسد الصادرة عن دار مصر مرتضى للكتاب العراقي .
2/1 جسد رواية غاصت عميقا في بحر الوجع العراقي إبان فترة لا مراء في القول أنها من أحلك الفترات في تاريخ البلاد والإنسانية اختارت لها كاتبتها شريحة وقع عليها من الحيف ما لم يصدق سماعه إلا من عايش الحيف وكابده ليصبح فيما بعد شاهدا عليه وعلى هول الفجيعة التي حلت من جراءه وعظم المأساة ، أي مأساة التهجير والشتات وتفريق العائلات والقتل والاعتقال والتعذيب والمقابر الجماعية والتطهير العرقي وطمس الهويات . البوح بالوجع انطلق من القلب ، من العاصمة بغداد من بين المآذن والمراقد و على مقربة من صلبان الكنائس ودقات نواقيسها المتزامنة أحيانا مع أصوات ضرب الطبول في مناسبات دينية حزينة دأبت على إحيائها شريحة أو فئة أخرى في طقوس يحترمها الجميع بما فيهم المختلفين ، هناك نمت بذرة للحب بين فتى وفتاة يجمعهما الوطن وتفرق بينهما الحكومات ! فتى من المسحوقين الملاحقين بلا تهمة والمدانين بلا جريمة خطيئتهم الكبرى أنهم من عرق يكرهه السلطان فيسلبهم الحرية والوطن ويطالبهم بالولاء له ولسلطانه وفتاة من آب تؤطر صدره النياشين ويزدحم كتفه بنجوم الرتبة العسكرية وعلاماتها يسهم في تلبية نزوات السلطان وتحقيق رغباته في نشر الموت والرعب داخل البلد وخارجه ، يكبر حبهما ليرتطم بعد حين بعقبة كئود ، بصخرة الواقع وتضاد الأفكار فتوقفه تلك العقبة وتجعل من نهايتي طرفيه بعد طواف العمر القصير مأساة تتمثل بأم لطفل فقد أباه في أيامه الأولى اثر تعرضه لقصف جوي أثناء انسحابه في نهاية حرب الكويت الخاسرة .
ورجل بنصف جسد مبتور اليد والساق ملقى على سرير في مشفى إيراني يطببه الأغراب ويغبه ذويه المهجرين من اللذين لفظتهم أقدارهم وهوس الحاكمين خارج وطن سكن القلوب يحلمون بالعودة إلى كنفه بعد رحلة العذاب والتهجير ومصادرة الأموال وانتزاع كل شيء حتى الأوراق الثبوتية ... رجل بنصف جسد يصارع ألماً يغرز سكاكينه عميقا في جسده النازف المتهاوي بعد أن تحولت أطرافه إلى أشلاء مقطعة بفعل صاروخ صوبته نحوه طائرة سمتيه أنهت به رحلته مع السلاح وخنادق المواجهة في ذرى الجبال ، رحلة لا شك أنها عسيرة رأى فيها كل ويلات الزمن الرديء – الموت الجماعي بالغازات السامة ، تهديم البيوت ، حرق القرى ، تخريب المدن ، الاعتقالات ، الإلقاء بالناس إلى مصائر مجهولة قد يكون من أهونها الموت تحت وابل الرصاص ناهيك عن النهايات الأليمة تحت لسع السياط أو في مدافن الأحياء - شاهد احتضار الأطفال والشيوخ ، حمل جثث الأحبة والرفاق ، سار خلف الجنائز وأخيرا يبقى منه نصف جسد يخنق بداخله روحا يعتصرها ألم لا تقوى المهدئات على كبح جماحه والحد من شراسته فيأخذ باجترار ذكرياته هربا من دائرة الوجع يطوف مع الذكرى إلى حيث الطفولة والبدايات وكفاح العائلة من اجل سكن وعيش كريم ثم فقد الأم المبكر ... وهكذا إلى أن يصل مرحلة العشق والوقوف على مفترق طريقين حيث القرار الصعب والمفاضلة بين عشقين لم يلبث أن يختر احدهما ويخفي الآخر بين شغاف قلبه وفي جنباته رضوخا لمعادلة التزاحم والأخذ بالأهم قبل المهم .
حيكت الأحداث ونسجت خيوطها بدقة وجرى السرد بلغة عالية شفافة جعلتنا في لهاث متسارع نلحق كلمة بكلمة وعبارة بأختها وصفحة بأخرى مبهورين حد الدهشة ونحن نسبر غور الماضي القريب مع شخوص الرواية وأحداثها وقد جاءتنا بلغة اقرب إلى لغة الشعر تنثال بعذوبة بقلم كاتبة أجادت استخدام أدواتها فاتت المضامين عميقة والألفاظ جزيلة والكلام بليغا (تمطر السماء في وطني أيضا لكنها تمطر نارا ورصاصا ... قنابل وغازات سامة ... تمطر دماء ودموعا ) ، ( إن الوطن لا يفنى و لا يستبدل بالحصول على أوراق ثبوتية لوطن آخر ) أو ( دعنا نعجن أعراقنا ونوحد تاريخنا ونكتب معجزة جديدة وجيل جديد ادم آري وحواء سامية نمتزج وننصهر كي نلد وطنا جديدا من تحت ركام الموت ) لكن هذه العبارات ومثيلاتها المفعمة بالوطنية والمتميزة بالنضوج العالي والتي جرت على السنة شخوص الرواية قابلتها عبارات أخرى تشير إلى احد المكونات وكأنه سبب المأساة ( انتم جئتم باسم الدين واستعبدونا – يبدو أن القصد استعبدتمونا – وباسم الحضارة حاولتم قطع جذورنا وسكنتم أرضنا ) ، ( نحن ضحايا قيمنا البدوية وعروبتنا وغرورنا وجوعنا للسلطة وهم ضحايا التمييز العرقي والنظرة الاستعلائية ) وفي إشارة إلى بغداد ( أنت التي نبذتني إلى العراء وسرقت شهادة ميلادي وهدمت بيتي وشردت أهلي وعشيرتي ولم تكتفي بذلك بل وأدتني حيا تحت التراب كما فعل الآباء في بدء البداوة ) ومعلوما أن الاستبداد لم يستثن مكوناً وكان عادلا في توزيع ظلمه على الجميع والدليل ما جرى في الوسط والجنوب على طول السنين العجاف من ويلات لا زالت جراحها الغائرة تنز دما وقيحا وآثارها جلية لكل ذي بصر وبصيرة كوصمة سوداء في جبين حقبتها ومن ساهم في إدارة تلك الحقبة اللعينة ولا نعني بهذا إن تلك العبارات هي حقيقة ما تعتقده الكاتبة وإنما قد تكون الضرورة لإدامة السرد واكتمال الفكرة هي التي أملتها دون نوايا مسبقة بدليل ( السلطة الظالمة هي التي اتهمتنا وإدانتنا وحكمت علينا ) هكذا جرت العبارة على لسان ( نوروز ) اشد شخوص الرواية تشددا ولا نريد أن نجعل من أنفسنا قضاة نحاكم الرواية سياسيا لأننا وبلا شك سنكون منحازين إلى جانبها فهي قد نقلت لنا هما عراقيا صادقا عشناه بظروفه وصروفه ولكن الذي أردنا الإشارة إليه هو أننا أمام منجز أدبي رائع أتحفتنا به الكاتبة نعتقد بأنه سيكون مثابة واضحة في مسيرة المنجز الأدبي الروائي العراقي ودليل عافية يبشرنا بان المستقبل لا زال مفتوحا وواعدا .



#صباح_مطر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفضاء الثقافي المفتوح
- حديث الاكف تحفيز للذاكرة
- حماية المنجز الديمقراطي
- لكل ضعف ولكن لاتعلمون
- بين الحقيقة والزيف
- أور زقورة وشواهد تاريخية
- وجهة نظر في المصالحة
- القائمة المغلقة والمفتوحة
- بين الانا وبريق المنصب
- ديمقراطية اللاديمقراطيين
- من نحن؟
- وضوح الرؤيا والدور الايراني الخطير
- العلمانية والدين
- في ذكرى الرحيل
- معركة ستالينغراد...جنون وبطولات
- لا أقليّة مع المواطنة
- حصارالجغرافية
- الهوية الوطنية قاسم مشترك انتمائي
- من اجل دولة القانون
- انا سومري


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح مطر - رواية نصف جسد وتجسيد الهم العراقي